اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  زفرات مهموم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
 زفرات مهموم Oooo14
 زفرات مهموم User_o10

 زفرات مهموم Empty
مُساهمةموضوع: زفرات مهموم    زفرات مهموم Emptyالأربعاء 22 مايو 2013 - 16:04

إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهْده الله فلا مضلَّ له ومن يضللْ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسوله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أمَّا بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

الحمد لله على نعمة النِّعَم، ومنَّة المِنَن، الحمد لله على النعمة العظمى، والمنَّة الكبرى، الحمد لله على أعظم نعمةٍ أنعم بها علينا، الحمد لله على أجلِّ منَّةٍ امتنَّ بها علينا، الحمد لله على لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، الحمد لله الذي أرسل إلينا رسولًا منَّا، يتلو علينا آياته، ويزكِّينا، ويعلِّمنا الكتابَ والحكمة، وإن كنَّا من قبل لفي ضلالٍ مبين، الحمد لله علي كلِّ رسولٍ أرسله، الحمد لله علي كلِّ حقٍّ أحقَّه، الحمد لله علي كلِّ باطلٍ أزهقه، الحمد لله على كلِّ مظلومٍ نصره، الحمد لله على كلِّ ظالمٍ قهره، الحمد لله على كلِّ جبارٍ قَصَمَه، والله أكبر كبيرًا.

الحمد لله الذي جمعنا في هذه الساعة الطيبة المباركة، في هذا اليوم الأزهر، في بيتٍ من بيوت الله - عزَّ وجلَّ - نتدارس آيةً من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - أو حديثًا من سنَّة نبيِّنا محمدٍ رسول الله، صلي الله عليه وعلي آله وأصحابه وسلم، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلي يوم الدِّين،، وبعد.

يا عباد الله:
ما أقوله لكم اليوم، ما هو إلاَّ زفراتُ مهمومٍ، وأنَّات مكروبٍ في ظلِّ هذه الأحداث الرَّاهنة.

أمةُ الإسلام خيرُ أمةٍ أُخرجت للناس، كانت في ليلها عابدةً، راكعةً ساجدة، وفي نهارها داعيةً مجاهدة، وانقلب الحالْ، فلا تزال هجمة أعداءِ الله شرسة على دين الله وأوليائه، حتى بلغ اعتداؤهم إلى ديار المسلمين وعقولهم، ومناهج تعليمهم، وإعلامهم؛ بل واحتلُّوا أعزَّ بلدانهم، وروَّعوا أهلها، ويتَّموا أطفالها، ورمَّلوا نساءها، وخرَّبوا بيوتها، ولا تزال الدائرة مستمرة.

وهنا ظننا أن اعتداءَ هؤلاء المجرمين يأتي من محض حقدهم وشرورهم وظلمهم، وهذا أمرٌ لا ينكره ذو لُبٍّ، ولكننا نسينا أنَّ العيبَ فينا، وأنَّنا نحن الذين َ فرَّطنا في دين الله، وفي سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

فلو سألتَ الشبابَ والصغارَ والكبارَ عمَّا يعرفونه عن نبِّيهم - صلى الله عليه وسلم - لوْ دخلت بيوتهم، لوْ تفقَّدت هيئاتهم، لوْ استخرجت ما في عقولهم - لأدركت أنَّ ما يحدث لنا إنَّما هو من محض ظلمنا وتقصيرنا، ويعفو ربُّنا عن كثير.. إننا لا بدَّ أن نعترف أننا نعيش أزمةَ أُمَّة، تلك الأمَّة فقدت مَنْ ينهض بها، غلى الرغم من أنها لمْ تفقد مَا تنهض به.

إنها أُمة هي الأعظم والأشرف؛ لكونها تملك المنهج الذي ارتضاه الله تعالى، وأُسْوَتها فيه سيِّدُ الخَلْق؛ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

فعجبًا لتلك الأمَّة التي بحثت لدى أعدائها حلولاً لمشكلاتها، وهي تملك ذلك لنفسها؛ بل ولأعدائها!! إن المجرمين الحاقدين لمَّا نالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يكن ذلك الخطأ من محض صنيعهم، ولكن هذا الفعل إنَّما هو من فعلنا، حينما فرَّطنا في كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم.

ولم يكن أصل العلاج فقط ما اجتهد الناس فيه من مقاطعة الأعداء، وشتمهم، والتَّظاهر بالاعتراض على قبيح فعالهم، وإن كان ذلك لا محالة له شأنٌ في ردِّهم، ولكنه لا يكفي، وإلا فماذا سنفعل إذا تكرَّر الاعتداء؟ ولقد تكرَّر!.

ولعلَّ ما مضى من دروسٍ يحيي فينا عزيمةَ أن نقاطع كلَّ مَنْ عادى الله ورسوله، وأن نعمل على أن يكون لنا كِيانٌ قويٌّ، يكفينا ويكفي غيرنا.

نعم؛ إن العلاج إن لم يبدأ من ذواتنا وبيوتنا، ومساجدنا وصلواتنا، ومعاملاتنا وسائر أحوالنا - فبئس الحلُّ الذي نرجوه؛ {إن َّ الله َ لا َ يُغَيِرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيرُوا مَا بأنفسهم}.

فالعلاج هُوَ رجوعٌ كاملٌ، وتوبةٌ نَصوحٌ، واستسلامٌ كاملٌ لشرع الله - عزَّ وجلَّ - وتمسُّكٌ كلِّيٌّ لا يتجزَّأ بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
إن الكافرين لم يضيِّعوا لنا السنَّة، نحن الذين ضيعناها! لَمْ يقفوا حائلاً على أبواب المساجد يمنعونا من الصلاة فيها، ولكن نحن الذين امتنعنا عنها! لم يكن الكفار هم الذين شغلوا الشباب بالغناء عن القرآن، واللعب عن الصلاة وبالمرح واللهو عن طلب العلم الشرعي!!

وليس الكفار هم الذين نزعوا عن المرأة حجابها، وأبدلوها لباس التبرُّج والسُّفور، ولم توصنا بغلق الكتاتيب، ودور العلم النافع، وإبدالها بصالات (البلياردو) والأندية! ليس هم الذين أشربوا المسلمينَ كراهيةَ الموت وحبَّ الدُّنيا بهذا السَّفه، إلى حدِّ عبوديَّة المال والمتاع، سواء حلالٌ أو حرامٌ.

إنني أطلبُ منكَ أن تسأل ألفَ شابٍّ تختارهم في أيْ مكان، اسألهم عمَّا يعرفونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمَّا يعرفونه عن أيِّ مطربٍ أو ممثِّلٍ أو لاعب كرةٍ!!

إنني أودُّ - مع حيائي من ذلك - أن أقول لكَ: ليت الشباب يعرفون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعرفونه عن هؤلاء الساقطين.
ليتهم يعيشون ويفرحون ويهتمون لدينهم، كما يهتمُّون بمتابعة أنديتهم المفضَّلة!!

قد صار عارًا في أُمَّة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أن شوارع بلادها تخلو وقت المباريات أكثر ممَّا تخلو وقت الصلوات المكتوبات أو الجُمُعَات المباركات، أو حيث تنزل الرَّحمات بالذِّكْر وتلاوة الآيات!!
ولكن أخي؛ دعنا من التحسُّر على حالنا، وهيا؛ فلنبدأ بنصر دين ربِّ العالمين، وهذه بعض أسبابٍ لنصر دين الله - عزَّ وجلَّ - منها:
أولاً: العلم
وقد خَصَّ الله العلماء بالخشية؛ لأنهم أَعْرَف الناس بالله، وكلما كان العبد بربِّه أَعْرَفَ؛ كان له ومنه أَخْوَف! فالعلم سببٌ لمرضاة الله تعالى، وسببٌ للحياة الطيبة في الدنيا، والحياة البرزخية، وفي الحياة الآخِرة.

والعلم سببٌ لتقويم السلوك وتهذيب النفوس، وهو سببٌ لمَنْ أخلَص النيَّة في طلبه وتطبيقه للنجاة من الشرور، على اختلاف أنواعها وأجناسها.

وعندما يجتمع الأحبَّة لينهلوا من بعض أحبَّتهم، يَتَعلِّمون ويُعلِّمون - فإنَّ هذا يُعَدُّ قربةً من أعظم القُرُبات، وكان سَلَفُنا يشدُّون الرِّحال طلبًا للعلم، وكثيرٌ منَّا قد قرأ أو سمع ما قام به المحدِّثون من رحلاتهم الطويلة، التي كانت لتقصي الإسناد، ولولا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء.

فهذا شعبةُ - رحمه الله - يرحل شهرًا كاملاً في طلب حديثٍ واحدٍ سمعه من طريقٍ لم يمرَّ عليه!

بالله عليك أخي تعلَّم؛ فإن الأيام القادمة والحالية أيامٌ حالكةٌ بالظلام! ينكرون الأُصول لا الفروع، ينكرون القرآن والسنَّة؛ فتعلَّم أخي لتواجه هؤلاء المغول الجُدُد، فُأمَّتك مقهورةٌ، والأيدي مقطوعةٌ، والآمال عليك معقودةٌ.

ثانيًا: وقفاتٌ مع الصحابة
أخي الحبيب، إن الصحابة لم يأتوا في وقت تيسَّر لهم كلُّ سُبُل الحياة والمعيشة المترَفة، ولم يكونوا في بلدٍ تزعم أنَّ دينها الرَّسمي الإسلام، لا؛ لم يكونوا كذلك، ولكن كانوا في بلدٍ كافرةٍ بالله - عزَّ وجلَّ - وليس من حولهم مسلمون مقصِّرون كعصرنا نحن؛ بل كان من حولهم كفارٌ.

وكانوا يُبتَلون في الله، ويصبرون على الأذى فيه، ومع كل الظروف التي أحاطت بهم من كل جانب؛ صنعوا أنفسهم، وربَّوا أنفسهم، كما علمهم نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم.

فما الفرق بيننا وبينهم إذًا؟ فما الفرق؟

الفرقُ: أنهم رجالٌ، ونحن لا أقول: أشباهُ رجال، ولكن أقول لكَ: نحن أشباهُ أقزام!!

كان الواحد منهم ينفعل لقول الله - عزَّ وجلَّ - ولقول رسوله - عليه الصلاة والسلام - ويعملون بإخلاصٍ لله - عزَّ وجلَّ – ولِدِينه العظيم، غير هذا الزمان الذي شحَّ فيه الإخلاص والصِّدق لله - عزَّ وجلَّ.

هذا هو الفارق بيننا وبينهم!!

وأقول لكم إخواني: لا تحسبوه شرًّا لكم؛ بل هو خيرٌ لكم؛ فإن الإسلام الذي صنع أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين، رضي الله عنهم - قادرٌ على أن يصنع مثلهم؛ لأنَّ الدِّين الذي صنعهم هو الدِّين نفسه الذي بين أيدينا، ولكننا نحن فرَّطنا فيه.

أقولُ لكَ ثانيةً: الإسلام الذي صنع هؤلاء الأبطال، هؤلاء الرجال - قادرٌ على أن يصنع مثلهم، ولكن إذا عرفنا كيف تربَّى هؤلاء؛ فنتأسَّى بهم في كلِّ ما دَقَّ وجَلَّ، فبذلك يأتي النصر والتمكين، وبغير ذلك يأتي السَّخط والعذاب من الله - عزَّ وجلَّ - نعوذ بالله من الخزي والخذلان، والحرمان من نور الإيمان، ونسأله دائمًا العافية والسلامة.

انظر إلى هؤلاء الأبطال: كيف كانوا يسارعون في امتثال أمر الله - عزَّ وجلَّ - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعظِّمون ويسارعون إلى تنفيذ أوامر الله – عزَّ وجل - وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - عملاً بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].

فهذه زينب بنت جحش - رضي الله عنها - يخطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفتاه زيد بن حارثة، وحين يفاتحها في ذلك تأبى وتقول: لست بِنَاكِحَتِهِ؛ فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بل فانْكِحِيهِ))، قالت: يا رسول الله، أؤمر نفسي. فبينما هما يتحدثان، إذا بالمولى سبحانه وتعالى ينزل هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فتقول: قد رَضيتهُ لي يا رسول الله مُنكِحًا؟ فيقول: ((نعم))، فتقول: إذن لا أعصي رسول الله، قد أَنْكَحْتُهُ نفسي.

انظر أخي إلى حال نسائهم وحال نسائنا، وانظر: إلي أين وصل بنا الحال من الذلِّ والهوان، بسبب تفريطنا في أوامر الله - عزَّ وجلَّ - وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأحوال رجالهم وأحوال رجالنا، وأحوال أطفالنا وأحوال أطفالهم.

أُمتنا تعيش حالة احتضار.. أُمتنا عددها مليار.. يا له من عار!! والمسلمون يشرَّدون في كل بلاد المسلمين التي تقع تحت أيدي اليهود أو النصارى، فإن الله - عزَّ وجلَّ - كتب علينا بذنوبنا وتفريطنا في دين ربِّنا الذي كتبه على بني إسرائيل من قبلنا.

إذًا؛ علينا أن نرجع إلى حظيرة العبودية من جديد، وأن نكون رجالاً كما كان أجدادنا رجالاً، أما نحن الآن فأشباه أقزام، وما هي إلا أرحامٌ تَدْفَع وأرضٌ تَبْلَع.
انظر أخي الحبيب إلى حال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لربِّ العالمين يوم القيامة: ((أُمتي أُمتي... ))، أيُّ آُمَّةٍ يا رسول الله تدعوها؟ أيُّ أُمَّةٍ تدعوها وتريد لها الخير؟ هل هذه الأُمَّة التي فرَّطت في دين الله - عزَّ وجلَّ - وفي سنَّتِكَ يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

هل هذه الأُمة التي تحلَّلت من دينها؟ يا له من عار!!

إخواني:
يا له من عار! بعد أن كنَّا نسود العالم في كلِّ شيءٍ، انظر كيف انقلبت الأحوال وانقلبت المعايير، فصرنا أَذَلَّ أُمَّةٍ على وجه الأرض! أَذَلَّ أُمَّةٍ يراها التاريخ الآن هي أُمَّة الإسلام!!

إلى أين تذهبين.. إلى أين تذهبين يا أُمَّة محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ ارجعي أيتها الأُمَّة التي كتب الله لها الرِّفعة، ارجعي قبل فوات الأوان.

ثالثًا: التربية الإيمانية
قل لي: كيف؟ أقول لكَ - وبالله التوفيق -:
قيل لأحد الزهَّاد: كيف السبيل ليكون المرء من صفوة الله؟ فقال: "إذا خَلَعَ الرَّاحة، وأَعْطى المجهودَ في الطَّاعة".

وقيل لإمام أهل السنَّة والجماعة أحمد بن حنبل: متى يجد العبد طعمَ الرَّاحة؟ فقال: "عند أوَّل قدمٍ يضعها في الجنة".

أخي الحبيب:
نحن اتَّفقنا أن نتأسَّى بسَلَفِنا الصَّالح في كلِّ ما دَقَّ وجَلَّ، وعلى ذلك أقول: انظر إلى حالهم؟ كانت أوقاتهم بالذِّكْر وتلاوة القرآن معمورةً، ومساجدهم تهتزُّ بضجيج البكاء من خشية الله! تراهم ذابلين من خوف الآخِرة، وعند العبادة تراهم رواسيَ شامخاتٍ، كأنَّهم ما خُلِقوا إلاَّ للطَّاعة!

وانظر أخي الحبيب إلى ليلهم، وما أدراكَ ما ليلهم: كأنهم يُساقون إلى الموت وهم ينظرون.. صلاتهم في ظلامٍ تَجَلَّلَ بأنوار الكرامة، فهم في نعيم الأنس يتقلَّبون، وبلذيذ الخطاب يستمعون.

ولقد تدبَّروا حقيقة الدنيا ومصيرها إلى الآخِرة؛ فاستوحشوا من فِتنتها، وتجافت جنوبهم عن المضاجع، وتناءت قلوبهم عن مطامعها، وارتفعت همَّتهم أعالي الجبال؛ فلا تراهم إلا صوَّامين قوَّامين باكين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبارٍ زاخرةٍ، تُنبئ بعلوِّ همَّتهم في التوبة والاستغفار والاستقامة، وقوَّة عزيمتهم في العبادة والإخبات.

أخي الحبيب:
أقول لكَ هذا الكلام، لا ليطير قلبي وقلبك مع هؤلاء الأفاضل فقط؛ بل لنعمل كما عملوا، فهل يا تُرى سنعمل كما عملوا؟ قل معي: إن شاء ربِّي وقدَّر سنعمل.

أخي الحبيب:
إن الإسلام الذي صنع هؤلاء الأفاضل، هو هو الإسلام الذي بين أيدينا.

أخي الحبيب:
إني أراك متشوقًا لطاعة الله - عزَّ وجلَّ - هل هذا الإحساس صحيحٌ؟ هل من استجابةٍ لهذا الكلام؟ أتمنى ذلك لي ولك.

فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكِرَامِ فَلاَحُ


أخي الحبيب:
ملخص ما قلتُ لك في هذا العنصر هو: أحبُّ أن أراكَ أيها الأخ الطيِّب الحبيب محافظًا على الصلوات الخمس في جماعة، متأسِّيًا بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في كلِّ ما دَقَّ وجَلَّ، وبالصَّحابة الكرام والسَّلَف الصَّالح - رضي الله عنهم أجمعين.

أريدكَ مسلمًا ملتزمًا مثاليًّا؛ ليرضى عنك ربُّكَ سبحانه وتعالى؛ فهل من مجيب؟!

رابعًا: المحاسبة اليومية وأُصولها


شَارِطِ النَّفْسَ وَرَاقِبْ لاَ تَكُنْ مِثْلَ الْبَهَائِمْ
ثُمَّ حَاسِبْهَا وَكَاتِبْ وَعَلَى هَذَا فَلازِمْ
ثُمَّ جَاهِدْهَا وَعَاقِبْ هَكَذَا فِعْلُ الأَكَارِمْ


أخي الحبيب:
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبلٍ، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا))؛ هذا الحديث عند الإمام البخاري.

لأنَّ همَّة أبناء الآخِرة تأبى إلاَّ الكمال، وأقلَّ نقصٍ يعدُّونه أعظم عيب، كانت المحاسبة، والمحاسبة معناها: فحص الطاعة ظاهرًا وباطنًا، وأولاً وآخِرًا، بحثًا عن الثمرة؛ ليعرف ما أتاها فيحفظه.

والمحاسبة تكون قبل العمل وأثناءه وبعده؛ فكان ابن عمر أُسوةً لنا، عندما فاتته صلاة الجماعة صام يومًا وأحيى ليلةً وأعتق رقبةً.
توبوا إلى الله واستغفروه؛ عسى أن يكون فينا مَنْ يستجيب الله بشفاعته.


الخطبة الثانية
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد:

أيها الأخوة الكرام:
إنَّ ما قلتُهُ لكم يتطلَّب الصبرَ على الأذى، ووقوع الاستهزاء من المنافقين؛ فهذه سُنَّة الله تعالي التي أخبرنا بها، فقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].

اسمع، إن الله تعالى يخبرك أنك ستسمع الأذى من الذين أوتوا الكتاب، وممَّن تولّوا، ومن المنافقين أذًى كثيرًا؛ فلابد من وقوع ذلك.

وذكر البخاري عند تفسير هذه الآية، عن عروة بن الزُّبير، أنَّ أسامة بن زيد حدَّثه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمارٍ عليه قطيفة فُدَكِيَّة، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعدًا بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مرَّ على مجلسٍ فيه عبدالله بن أُبَيِّ ابن سَلول، وذلك قبل أن يُسلِم ابن أبيّ، وإذا في المجلس أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عَبَدَةِ الأوثان، وأهل الكتاب اليهود، والمسلمين، وفي المجلس عبدالله بن رَوَاحَةَ، فلما غشيت المجلس عجاجةُ الدابَّة؛ خمَّر عبدالله بن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغبِّروا علينا. فسلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقرأ عليهم القرآن؛ فقال عبدالله بن أبي: "أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا، فلا تؤذنا به في مجالسنا. ارجع إلى رَحْلِكَ؛ فمَنْ جاءك فاقْصُصْ عليه". فقال عبدالله بن رَوَاحَة - رضي الله عنه -: "بلى يا رسول الله، فاغْشَنا به في مجالسنا؛ فإنا نحبُّ ذلك". فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود، حتى كادوا يتثاورون (ابن كثير)..

انظر كيف قابل نعمة الله بالاستهزاء!! وحتى يعلم كلٌ أحدٍ أنه لابد من وقوع الأذى، ولابد من وقوع الاستهزاء، فهذه سنَّةٌ ماضيةٌ، لا يستطيع أحدٌ أن يدفعها؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين: 29-31].

الله تعالى يخبر عن المجرمين أنهم كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين؛ أي: يستهزئون بهم ويحتقرونهم، ويقولون: لا تغترُّوا بهؤلاء؛ فإنهم دعاةُ أموال وسلطان، فإنهم يدخلون على الناس من باب العلاج بالجنِّ، فإنهم يغتسلون من الزِّنا في دورة مياه المسجد!! لا تغترُّوا بذلك!!

وإذا مرُّوا بالمؤمنين يتغامزون عليهم؛ أي: محتقرين لهم، وإذا انقلب؛ أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم؛ انقلبوا إلي الشقق الفارهة، انقلبوا إلى عمارتهم العالية، إلى المرتَّبات، انقلبوا إليها فَكِهين؛ أي: ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم؛ بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين؛ يحقِّرونهم ويحسدونهم.

وقد وقع الأذى في زمن الدعوة؛ قال تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].

كلُّ هذا حتى يعلم كلُّ أحدٍ ينتسب إلى هذا الدِّين أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - له في ذلك حكمةٌ بالغة، وأن الصحابة كانوا أيضًا يُبْتَلون في الله، ويصبرون على الأذى فيه، وأنَّ الدِّين الذي صنع هؤلاء قادرٌ على أن يصنع مثلهم.

قال مالك بن الدَّخْشَن - وكان من المنافقين -: ألم أقل لكم: لا تنفقوا على مَنْ عند رسول الله حتى ينفضُّوا؟

انظر، هذه والله سنَّةٌ ماضيةٌ في النفاق وأهله، قومٌ يرون أن الدَّعوة تنتشر، قومٌ يرون أن المارد العملاق قد قام؛ فيقولون: لا تنفقوا على هذه الدَّعوة؛ حتى ينفضَّ أَولئك الشباب عن هؤلاء الأدعياء.

قومٌ لا يرون إلا جهدهم، فينفقون هم حتى يوقفوا هذا الزَّحْف الجديد، هذه الريح الإيمانية الجديدة، فينفقون أموالهم في البرامج والأفلام!! فهؤلاء لا يعلمون سرَّ الدَّعوة.

إنَّ الله تعالى يقول لنبيِّه: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]، فهو – صلى الله عليه وسلم - وظيفته التذكير فقط.

لا يعلمون أنَّ ما من مولودٍ يخرج من قُبُل أمِّه، حتى يُكتب عند الله: شقيٌّ أم سعيدٌ، فلا يستطيع أحد ٌ أن يُشقيَ مَنْ أَسْعَدَهُ الله، ولا يستطيع أحدٌ أن يُسْعِدَ مَنْ أشقاه الله، لو اجتمعت شياطين الإنس والجن، لو وقفت بعضها على بعضٍ؛ فلا يستطيع أحدٌ أن يُشقيَ مَنْ أسعده الله، ولا يستطيع أحدٌ أن يُسْعِدَ مَنْ أشقاه الله.

قال تعال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]، إن الذين كفروا ينفقون أموالهم في البرامج، الأفلام؛ فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً، ثم يُغْلَبون.

وآخِر دعوانا: أن الحمد لله ربِّ العالمين.

سبحانكَ اللهمَّ وبحمدكَ، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفركَ وأتوبُ إليكَ.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
زفرات مهموم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: