اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الأحزاب... تاريخ يتجدد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
 الأحزاب... تاريخ يتجدد Oooo14
 الأحزاب... تاريخ يتجدد User_o10

 الأحزاب... تاريخ يتجدد Empty
مُساهمةموضوع: الأحزاب... تاريخ يتجدد    الأحزاب... تاريخ يتجدد Emptyالإثنين 20 مايو 2013 - 21:47

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونُثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، ونشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَدَ في الله حق الجهاد، فصلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا مزيدًا.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله - أيُّها المؤمنون - حقَّ التقوى، واعلموا أنَّ مَعِيَّة الله مع أهلها، وأن العاقبة لمن تدثَّر بها؛ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194].

معاشر المسلمين:
في السنة الخامسة من الهجرة خرج وفدٌ من سادات يهود بني قريظة من المدينة إلى مكَّة، فاجتمع هذا الوفد بصناديد قريش وكِبارِها، وزيَّنوا لهم غزو المدينة واحتلالها، ووعدوهم بالوقوف معهم في حربهم، مع أنَّ في أعناق اليهود اتِّفاقيةَ سلامٍ مع النبي - صلى الله عليه وسلم.

خرجت قريشٌ بعد هذه المؤامرة والتحالف الشيطاني بكامل قوتها، بحدِّها وحديدها، وكِبْرها وكُبَرائها في عشرة آلاف مُقاتل، هو أكبرُ جيشٍ وأضخم تِرسانة عسكرية عرفتها جزيرة العرب، وتوجَّه هذا الجيش العَرَمْرَم يزحف نحو المدينة؛ للقضاء على شوكة الإسلام، وضربه في داره ضربةً قاتلة لا حياة بعدها.

وتطير الأخبار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناسَ واستشارهم، وقرر المسلمون بعدها خيار المقاومة والدِّفاع عن أرض الإسلام.

وأشار سَلْمان الفارسي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بِحَفْر خندقٍ يحول بينهم وبين العدو، فاستحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الخُطَّة العسكرية، فقام المسلمون بجدٍّ ونشاط يَحْفِرون الخندق، يتقدَّمُهم إمامهم ورسولهم - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ولاقوا في الحفر شدةً وتعبًا وجوعًا لا يعلمه إلا الله - تعالى - وتصل جحافلُ الشرك إلى المدينة، فيجدون هذا الخندق قد حالَ بينهم وبين ما يريدون، فقالوا: هذه مكيدة ما عرَفَتْها العرب، أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، وخلَّفوا وراءهم في المدينة النِّساء والصبيان والضَّعَفَة.

وتراءى الجيشان، ولم يحصل بينهما قتال، وإنَّما كان التراشُقُ بالنبل، والرميُ بالرماح، ثم حاصر المشركون المسلمين حصارًا شديدًا.

وكان اليهود يَمُدُّون المشركين بالمعونات الغذائية سرًّا، ولما طالت أيام الحصار على المسلمين، بدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكرةُ تَفْريق جمع المشركين، فأرسل إلى عيينة بن حصن - وهو من رؤوس الأحزاب المُتحزِّبة - أن يجعل له ثُلث تَمر المدينة، على أن يرجع بقبيلته غطفان، فوافق عيينة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة سَيِّدَيِ الأنصار، فأخبرهما الخبر، فقالا: يا رسول الله، أمرًا تُحبُّه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بل شيءٌ أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلاَّ لأني رأيت العرب قد رمَتْكم عن قوسٍ واحدة))، فقالا - رضي الله عنهما - بروح العِزَّة وأَنَفَة الكريم -: يا رسول الله، لقد كُنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها إلا قِرًى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزَّنا بك نعطيهم أموالنا؟! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكمَ الله بيننا، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأي السَّعْدين، وعدَلَ عن رأيه.

ويستمِرُّ الحصار على المسلمين، ويزداد قتامةً يومًا بعد يوم، وبينما المسلمون يواجهون هذه الشدائد، حصل ما لم يكن في الحسبان، حصل ما لم يخطر ببال أحد من المسلمين؛ ظهر الغدر، تكشَّفَت الخيانة.

لقد نقضت يهود بني قريظة عهدهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - علانية، وأعلنوا الحرب ضِدَّه في المدينة، والتي لم يكن فيها إلاَّ عَوْرات المسلمين وضَعَفَتِهم.

بلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خبرُ يهود، فبعث إليهم جماعة من الصحابة فيهم سعد بن معاذ، فلَمَّا ذهبوا إليهم، وجدوا الخبر ليس كالمعاينة، وجدوا اليهود أخبث وأغدر من ذلك؛ فقد قاموا بسبِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا مُستنكِرين: مَن رسول الله؟ لا عهدَ بيننا وبين محمد، فشاتمهم سعد بن معاذ ساعةً وشاتموه.

بعدها رجع الصَّحابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بغدر يهود؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين))، ثم التجأ إلى الله بالدعاء.


هنا تكالب الأعداء على المسلمين، فقريش وأحلافها يُهدِّدون أرواحَ المسلمين، ويهود بني قريظة غَدَوا خطرًا على أعراض المسلمين وأموالهم، فعظُم البلاء واشتد على المسلمين الخوف، مع ما هُم فيه من جوعٍ وبردٍ، يصور لنا القرآن هذا المشهد في سورة الأحزاب: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10-11].

وفي هذا الجو المُكْفَهِرِّ، واللحظات العصيبة، تباينت المشاعر، وامتُحنت القلوب، وانقسمت المواقف:

فقسمٌ ازداد إيمانًا وثباتًا وثقةً بموعود الله، فقالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
وقسمٌ من مرضى القلوب والمعوِّقين، وأهل النفاق والمخذِّلين - تنصَّلوا عن المقاومة، وفكَّروا في الفرار، وقالوا: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، بل لقد قالوها صراحة: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12]، حتى قال أحد المنافقين: محمد يعِدُنا كنوز كسرى وقيصر، وأحدُنا يخاف على نفسه إذا خرج لقضاء حاجته.

نعم، لقد أُغلِقت في وجوه المسلمين كلُّ الأبواب، ولم يبقَ إلا باب السماء، ففزعوا إلى ربِّهم، وقرعوا بابه، فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير، رفعوا شِكايَتهم إليه، وردَّدوا: اللَّهم استر عَوْراتِنا، وآمِن رَوْعَاتِنا.

وبعد ثلاث وعشرين ليلةً من الحصار والخوف يأتي الفرجُ الإلهي والمَدَدُ السماوي، فسلَّط الله على أعدائه ريحًا شديدة قلعت خيامهم، وأطفأت نارهم، وكفَأَت قُدورهم، فارْتَحلوا صاغرين مُتفرقين، لم يحققوا شيئًا من أهدافهم؛ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25].

وصدق الله وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جُندَه، وهزم الأحزاب وحدَه، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته المدينة، وألسنتهم تلْهَجُ بالحمد والثَّناء للملك اللطيف على هذا الفرج والنصر، ثم وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - سلاحه، فجاءه جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد، أوَضَعت السلاح؟ قال: ((نعم))، قال جبريل: فإنَّ الملائكة لم تَضَعْ أسلحتها، اخرج إليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أين؟))، فأشار جبريل إلى مساكن بني قريظة، فلبس النبي - صلى الله عليه وسلم - لأْمَتَه، ونادى في الناس: ((من كان سامعًا مطيعًا، فلا يُصَلِّيَنَّ العصر إلا في بني قريظة))، فاستجاب الناس مع ما هم فيه من تَعَبٍ وشِدَّة، وتحركوا أفرادًا وجماعاتٍ مُيمِّمين ديار بني قريظة.

وفي طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة لقي نفرًا من أصحابه، فسألهم: ((هل مرَّ بكم أحدٌ؟))؛ قالوا: يا رسول الله، مرَّ بنا دِحْيَة الكَلْبي على بغلةٍ بيضاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك جبريل، بُعِث إلى بني قريظة يزلزل حُصُونَهم، ويقذف الرُّعب في قلوبهم))، ولما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حصون بني قريظة ودنا منهم، قال: ((يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نِقْمته؟))، ثم دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام، فأبَوْا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برميهم بالنِّبال، فتراموا ساعةً من الزَّمن، حتى دخل الليل، فاختبأ اليهود بعدها في حُصُونِهم، ولم يخرج منهم أحدٌ، واستمر الحصار خمسًا وعشرين ليلة حتَّى جَهَدَهم الحصار، وجاءهم الخوف من كل مكان، وأيقنوا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرُ منصرفٍ حتى يناجزهم، فعرضوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوا من المدينة بالنِّساء والذَّراري، ليس لهم إلاَّ ما حملت الإبل، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا النُّزول على حكمه، فلَمَّا استَيْأَسُوا نَزَلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم لا يعلمون ماذا سيحكم فيهم؟

وتواثَبَتْ الأوس، وقالوا: يا رسول الله، إنَّهم موالينا دون الخزرج، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألَا ترضَوْن أنْ يَحكم فيهم رجلٌ منكم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فذاك إلى سَيِّدِكم سعد بن معاذ))؛ وكان سعدٌ - رضي الله عنه - أُصيب يوم الخندق بسهمٍ في أَكْحَلِه، فجيء به محمولاً، وهنا تبدأ مُحاكمة بني قريظة.

وقبل أن يُصْدِر سعدٌ حُكْمَه فيهم الْتَفَتَ إلى قومه، فقال: عليكم بذلك عهدُ الله وميثاقُه أنَّ الحُكْمَ فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم، قال: وعلى مَن ها هنا؟ وأشار بيده إلى الناحية الأخرى التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلتفت إليه؛ إجلالاً له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم))، قال سعدٌ: فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرِّجال، وتُقسم الأموال، وتُسبَى الذراري والنساء؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد حكمتَ فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)).

وهكذا كانت نهاية يهود بني قريظة، وتَم استئصال أفاعي الغَدْر والخيانة، أُبيدوا جميعًا في صبيحة واحدة، وكانوا ما بين ستِّمائة إلى سبعمائة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا إخوة الإيمان:
إنَّ من سنن الله في أرضه أنَّ أحداث التاريخ تتكرر في بعض صُوَرِها، وتتشابه في شيءٍ من حلقاتها، ومَن تأمَّل سِيَر الأنبياء، وجد فيها تَكرارًا للوقائع والمواقف؛ كاتِّهامهم بالسِّحر والجنون؛ {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 52-53].

وها نحن نرى اليوم في مِحنة غزة ما يُشابه غزوة الأحزاب في بعض مواقفها وأحداثها، فرأينا كيف تمالأت مِلَّة الكفر من اليهود وأعوانِهم على حصار الشعب المسلم وتجويعه وخنقه، وشاهدنا اليوم قبل أن يبدؤوا حربَهم الخاسرة، أنَّهم قد عقدوا المؤتمرات والمؤامرات، وجمعوا التأييد الظاهر والباطن لهم، وذكَّرَتنا مِحنةُ غزة أيضًا الخيانةَ الغائرة في صدور يهود.

لقد عاهدَتْ الحكومة الصِّهْيَوْنية فصائلَ المقاومة على وضع هدنةٍ مشروطة بعدم الاعتداء وعدم الحصار؛ فهل وفَّى الخونةُ عهودَهم؟! لقد غلب طبعهم وتطبُّعهم، فقتلوا في هذه الهدنة خمسةً وعشرين مسلمًا، وأصرُّوا على ضرب الحصار على أهل غزة.

فإلى متى - يا عباد الله - نفقد الذاكرة، وننسى طبيعة اليهود التي فُطِرت على الغدر والخيانة؟!
هل نسينا أن إسرائيل دولة دينية، ما احتلَّت أرضَ فلسطين إلا على نبوءات توراتيَّة مزعومة؟!
هل تناسَيْنا أن هذه الدولة العبرية يُعلمها تلمودها ألاَّ تقطعوا عهدًا مع سكان أهل الأرض؟!
أَمَا تكفينا شهادةُ ربِّنا فيهم وعنهم؛ {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13]؟!

عباد الله:
ومِنْ مواقف الأحزاب المكررة في أحداث غزَّة: أنَّنا رأينا صوتَ النِّفاق يتناغم مع إرهاب يَهُودٍ، فقد فاحت رائحة المُرجفين الجُدد، واستبان لَحْنُ قولهم، وظهر غمزُهم ولَمْزُهم، فقرأنا وسمعنا من بني جِلْدَتِنا مَن يُصور هذه الحرب بأنَّها حربُ مصالح ومتاجرة سياسيَّة، وأنَّ إسرائيل دولة ديمقراطية، ولها الحق أن تُدافع عن نفسها إذا استُفزَّت.

وقد كتب أحدهم إبَّان أول الاعتداء مقالاً آثمًا ليس في صحيفةٍ عبرية، بل عربية، وجاء فيه: "أيها الجيش الإسرائيلي، عليكم بالإرهابيين الفلسطينيين، لاحِقوهم، اسحقوهم، أبيدوهم، لقد نشأت دولة إسرائيل الحديثة؛ لتدوم وتستمر كثيرًا..." إلى آخر ما قال، عامله الله بما يستحق.

وليس سرًّا - عباد الله - أنَّ أمثال هذه المقالات قد احتَفَت بها كثيرًا وزارةُ الخارجية الإسرائيلية في موقعها على الإنترنت!!

عباد الله:
لقد وقف السَّعْدان في حصار الأحزاب موقفًا ثابتًا، ورفضا الخضوعَ وتقديم أي تنازلات للعدو، ورأينا هذا الثبات أيضًا في موقف المقاومة المجاهدة، فلم يُقدِّموا أية تنازلات، ولم يلينوا لأي ضغوطات، وثبتوا على مَبادئهم وحقِّهم، وقالوها لكل الوسطاء "لاآتٍ" واضحة: لا للاحتلال، لا للحصار، لا لغلق المعابر. عندها يُنظر في وقف إطلاق النار.

إخوة الإيمان:
ومن دروس الأحزاب المكرَّرة في أحداث غزة: أنَّ المقاومة هي التي تحفظ الحقوق، وهي التي تصنع النصر وتأتي بالعِزِّ، وقَلِّبوا صفحاتِ التاريخ؛ لتَرَوْا أنَّ الأمم لا تُفاخر إلا بمقاوميها، لا مُستسلميها.

لقد تَغَنَّى تاريخُ مصر ببطولات المصريين، الذين واجهوا الاستعمار بالسيوف والسكاكين، وتباهت الجزائرُ بالمليون شهيد في سبيل تحريرها، أما التاريخُ الليبي، فلا يزالُ يتطاول ببطولات عمر المختار الذي واجَهَ دبابات إيطاليا ومَدفعيَّاتِها بخيول وبُندقيات، حتَّى الفيتنامِيُّون الشيوعيُّون يُفاخرون بمقاومتهم وانتصارهم على الأمريكان، مع أنه قد قُتِل منهم ثلاثة ملايين، واليومَ المقاومة - المقاومة وحدَها - هي التي أوقفت الحرب، وهي التي قَلَبَت حسابات الصَّهاينة، وخرجت بعدها يهود خاسرة معنويًّا وسياسيًّا، لم تحقق شيئًا من أهدافها في القضاء على المقاومة، وتدمير صواريخها؛ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25].

ليس الذي أوقف الحربَ أُمَمُهم المتحدة، فهذه الأمم هي التي زرعت ما يُسمَّى بإسرائيل، وهي التي سكتت عن جرائمها، وتجاوزاتها ردحًا من الزمن، ثم ها هي الآن تتلقى الصَّفعات من هذه الدُّوَيْلة العِبْرية؛ بعدم التفاتها إلى قراراتِها الورقيَّة.

ألا يكفي هذه المقاومة فخرًا أنَّها عرَّت أسطورة الجيش الذي لا يقهر؟!
ألا يكفي هذه المقاومة أثرًا أنَّها أيقظت الأمة من رقدتها، وجَيَّشت ديار الإسلام من أجل قضية فلسطين، حتَّى لكأننا نعايش أحداث سنة ثمانٍ وأربعين، يومَ أعلنت عصابات الصهاينة قيامَ دولة إسرائيل؟!

وتاريخ الأمم لا يحيا ولا يَعْتز إلا بِمْثِل هذه المقاومات والتَّضحيات، وكتاب ربنا قد نَبَّأَنا خبر الغلام المؤمن الذي مات، ولكن حَيَّ بموته قومه وعشيرته، فثبتوا على دينهم، وقُتِلوا من أجله، وفي سبيله؛ فتسوَّروا الفوز، وتسنَّموا العز.

قال - عزَّ وجلَّ - عن أصحاب الأخدود: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11].

اللهم صلِّ على محمد...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأحزاب... تاريخ يتجدد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أصحاب الأخدود.... تاريخ يتجدد (خطبة)
» تاريخ الطبري ( تاريخ الأمم والملوك) موافق للمطبوع المؤلف الإمام ابن جرير الطبري
» من وحي الأحزاب
» الأحزاب
» سورة الأحزاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: