اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع Oooo14
الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع User_o10

الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع Empty
مُساهمةموضوع: الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع   الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 15:34

الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع


الحمد لله الصادق القيل، خصَّنا بأفضل شريعةٍ وأحسن تنزيل، أحمدُه - سبحانه - وأشكره، وعد الصادقين بأعظم المثوبة ومزيد الفضل والتبجيل، وأوعَدَ بالعذاب الوبيل أهلَ الأكاذيب والأضاليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجوا بها في دار الكرامة الظلَّ الظليل، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خيرُ من أُرسِلَ بأزكى خِصالٍ وأسطع دليل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بُدُور دُجَى الناس وأُسْد الغِيْل، ومن تبعهم بإحسان بأكرم الشِّيَمِ وأقوم السبيل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله ذي العظمة والجلال، ولزوم الصدق في الأقوال والأفعال، ليتحقَّق لكم الخير والفلاح في الحال والمآل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].


وَإِذَا اتَّقَى اللهَ امْرؤٌ وأَطَاعَهُ فَيَدَاهُ بَيْنَ مَكَارِمٍ وَمَعَالِي
وَعَلَى التَّقِيِّ إِذَا تَرَسّخَ فِي التُّقَى تَاجَان: تَاجُ سَكِيْنَةٍٍ وَجَلَالِ



أيها المسلمون:
مع قمة السناء الباهر، والأَلَق الطاهر في مقاصد شريعتنا الغرَّاء ومراميها، إلا أنه - ومع شديدِ الأسف - ينبجِسُ بين المسلمين بين الفَيْنة والأخرى ظواهرُ خطيرةٌ، جديرةٌ بالطرح والمعالجة، وهناك أمرٌ مُقلِقٌ مُلِمٌّ، وفادحٌ جَللٌ مهم، هو مُنكَرٌ فاحشٌ في حقيقته، عَلقمٌ في نتيجته، خطره على الأفراد شديد، وللمجتمعات مُقَوِّضٌ مُبِيد، لا يستطِنُ إلا النفوس العقيمة، والأرواح السقيمة، مُشوِّهٌ لإشراقات الدين وجماليات الرسالة، ولا أُرَى أنه بعد ذلك يخفى على شريف علمكم، ولطيف فهمكم.

ذلكم - يا رعاكم الله - هو: الكذب، وحبك الأقاويل، وتلفيقُ الافتراءات والأضاليل، فكم أحقَّت باطلاً، وأزهَقَت حقًّا، وأورَثَت ضَرَرًا يفتك رتقًا، كيف وقد حذَّر المولى - سبحانه وتعالى - من ذلك في قوله - عز وجل -: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105].

وزجر عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحِّدث بكل ما سمع))؛ أخرجه مسلم في (صحيحه).


وَمَنْ يَجْعَل الْإِفْكَ الْعَظِيْمَ شِعَارَهُ تَجَرَّعَ كَأْسَ الْعَارِ طُوْلَ حَيَاتِه
وَنَادَى لِسَانُ الْحَقِّ ذَاكَ مُكَذَّبٌ جَزَاهُ عَلَى دَعْوَاهُ قَطْع لَهَاتِه



الكذبُ - يا عباد الله - عملٌ مرذولٌ، وصفةٌ ذميمةٌ من صفات النفاق وشُعَبِ الكفر - عياذًا بالله، الكذب دليلٌ على ضَعَةِ النفس، ونزع الثقة، وحقارة الشأن.

أخرج الشيخان في (صحيحيهما) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صِدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كَذَّابًا)).


وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّرْتَ فِيْهِ بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَالِ
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَالِ



قال الإمام الماوردي - رحمه الله -: "والكذِبُ جِماعُ كل شرٍّ، وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه، وخبث نتائجه".

وقال الحسن - رحمه الله -: "الكذب جِماعُ النفاق".

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عُمَّاله: "إياك أن تستعين بكذوب؛ فإنك إن تُطِعِ الكذوب تهلك".


إِذَا مَا الْمَرْءُ أَخْطَأهُ ثَلَاثٌ فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ
سَلَامَةُ صَدْرِهِ، وَالصِّدْقُ مِنْهُ وَكِتْمَانُ السَّرَائِرِ فِي الْفُؤَادِ



معاشر المسلمين:
يقابل ذلك - يا رعاكم الله -: فضيلة الصدق في النقول والأخبار؛ حيث يغرس الوُدَّ والتراحم في القلوب، ويُثمِرَ التآخِي الذي لا يعتريه لغوبٌ، ويتوَّجُ بجزاء علاَّم الغيوب، ليجزي الله الصادقين بصدقهم.

قال ابن حبان البستي - رحمه الله -: "الصدقُ يرفعُ المرء في الدارين، كما أن الكذب يهوي به في الحالين".


كَمْ مِنْ حَسِيْبٍ كَرِيْمٍ كَانَ ذَا شَرَفٍ قَدْ شَانَهُ الْكذبُ وَسطَ الْحَي إِذَا عَمَدَا
وَآَخَر كَانَ صُعْلُوْكًا فَشَرّفَهُ صِدْقُ الْحَدِيْثِ وَقَوْلٌ جَانِبَ الْفَنَدَا



وقال الشعبي - رحمه الله -: "عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك".


وَإِذَا الأُمُورُ تَزَاوَجَتْ فَالصِّدْقُ أَكْرَمُهَا نِتَاجًا
وَالصّدْقُ يَعْقِدُ فَوْقَ رَأْسِ حَلِيْفِهِ بِالصّدْقِ تَاجًا



أيها المؤمنون:
وفي هذه الآونة من أعقاب الزمن قد اشرأبَّت بأعناقها، وذرَّت بقرنها شذوذات الأخبار، وحثالات الأوابد الشرار عبر سماسرة الأكاذيب المُلفَّقة، والخيالات المُزوَّرة المُنمَّقة من قراصنة العقول، ومُرَوِّجي الإرهاب الفكري لابتزاز عقول البشر، وأموال الناس في مآرب أدناس، وانخدع الأغمار بها على غير قياس، يخبطون في مجاهل الأقوال الخوادع، ويعتسِفون في مطاوي البِيْد السُّخْف البواقع؛ يرجون النضار العميم، والنسب الجميم، دون عقلٍ حارسٍ نقَّاد، أو فؤادٍ زكيٍّ وقّاد.

فيا لله، ويا حسرةً على عباد الله، ألا من سَوَّق للمؤمنين الغافلين الخسف والسراب؛ فقد انتبذ في الجُرْم والصفاقة مكانًا قصيًّا، وأتى من البُهْتِ والغِشِّ أمرًا فريًّا، فيا وَيْحَ هؤلاء، ويا شناعة جُرْمِ أولئك؛ فالويلُ كل الويل لهم: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الجاثية: 7].

إخوة الإيمان:
إن الذين يُهرَعون حيال نبأة كل مارقٍ، ويشخصون تلقاء هتفة كل ناعق، ويسلمون مقادة عقولهم لكل نبأٍ أفّاكٍ، ولكل وبيصٍ زائل؛ بل ويكثُرون عند الطمع، ويقِلُّون عند الفزع، لهم الذين ينكثون عرى مجتمعاتهم المتينة، ويُزرُون بشموخ أمتهم السامية بالمطامع الكوالح، والأهواء الخُلَّب الأثيمة، التي ما إن تنجلي حقائقها حتى يبدو الغر في همٍّ ناصبٍ، وكدرٍ لازب.


سقَامُ الْإِفْكِ لَيْسَ لَهَا دَوَاءُ وَدَاءُ البُهْتِ لَيْسَ لَهُ طَبِيْبُ



أمة الإسلام:
إن إلغاء العقل وترك التثبُّت حِيالَ الأخبار المُتهافِتة، وتهميش مسبار التمحيص هو إذكاءٌ للَهَبِ الأباطيل الدخيلة على هذه الأمة الدراكة الألمعية، التي لا يزكو فيها - بحمد الله - إلا أطيب الجَنى وأشذى الطيوب، والمسلمُ الحصيف الأحوذيُّ ينشز بنفسه عن تلكم السفاسف والأغاليط التي لا تتقحَّم إلى عقول الدَّهْماء والرَّعاع.

إنه العجبُ العُجابُ؛ دجلٌ وأكاذيبٌ في قديم مكائن؛ بل هو - إي وربي - زورٌ أخطر في كمائن؛ بل لعل بعضهم يتعمَّد تجارة الوهم، وترويج الأكاذيب في شهر معين، ولون مُبيَّن، وكفى بذلك إزراءً وانهزامية.

فيا سبحان الله! عباد الله! أين النُّهَى والألباب؟! أين الوعي والسداد، واليقظة والرشاد؟! بل أين الهمم العالية، والقلوب الواعية، والنفوس الشمَّاء السامية؟!

أين مُزاحمةُ الشُّهُب في الآمال الجلائل التي تملأ الآفاق، وترنو لها شوقًا الأنظارُ والأحداق، في عالمٍ استحكمت فيه للدين غُربةٌ، وتطاول المنطيق، وعلَت راية الكذوب، وتوارى بصدقه الصِّدِّيقُ؟!

وايم الحق؛ إن الأمر في بعض جوانبه لأنزلُ رتبةً، وأقل اعتبارًا من أن يُناقَش بحُجَّةٍ، أو يُتناول برد، لكنه التوارُدُ لإبراء الذِّمَّة، وكشف الزيوف، والإسهام النابض بقضايا الأمة، وواردات المجتمع، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

أحبتي الأكارم:
أفكلما أكذوبةٌ هبَّتْ، وباقعة دبَّت أهطع لها أقوامٌ في قرنٍ وهيام، وسهومٍ يقتاد الأوهام؟!

خبِّروا - يا رعاكم الله - أنَّى يستنيم المسلم الزكِنُ لخداعٍ، ويستكين لأطماع؟! وأنَّى يستجيب اللبيب الرشيد لأكاذيب الزماع، فيعيش سادرًا في أحلامٍ ورديةٍ عامِهًا في آفاقٍ نرجسية؟! أما كَفَتْ وعظًا، وكَوَت رمضًا أسهم اللَّهْم، ومساهمات الوهم التي جرّت الخسائر والحزازات، والغُصَصَ والندامات؟! ولكن يا ليت قومنا يعلمون.

يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تكونوا إمعة؛ تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنُوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تُحسِنُوا، وإن أساءوا فلا تظلموا))؛ أخرجه الترمذي، وغيره بإسناد حسن.

إخوة العقيدة:
إن النسيج الاجتماعي المُتراصَّ الفريد يتعرَّضُ عبر أُكذُوباتٍ تقيمه وتخلخله لامتحانٍ عسيرٍ جَدُّ عسير، أخفق فيه الوعيُ المادِّيُّ، والنضج الثقافي للتسطيح الفكري الضحل لدى كثير من الفئام؛ وذلك ما يدعو - وبتضافر الجهود - إلى وقفةٍ إصلاحيةٍ مُتُونها صقل الفهوم وسحجها، والسمو بها في معارج الوعي الراشد، والاسترخاء المسدد كي لا تكون نهبةً لجلاوِذَةِ التُرَّهات الصدِئَة، ومفتَرَسًا سائغًا لأكذوبات الهراء الغَثّ التي تُهدِرُ الإمكانات، وتُشعِّبُ الجهود والمَلَكَات؛ بل وتُفسِحُ المجال بعلمٍ أو بغفلةٍ لتسلُّل الانحرافات والموبقات، وحينئذٍ فالعفاءُ كل العفاء على شُمِّ المجتمعات، وسابق الحضارات.

إخوة الإسلام:
وذلك الصدق والاعتلاء على هدي الوحيَيْن الشريفين مدرجة متينة لتأصيل الوعي المزدهر في الأمر والفكر البصير الناقد، والرأي المُحنَّك الراجح، به سنصدر - بإذن الله - على رُبَى النهوض والكمال، ومقومات السؤدد والجلال، وإبَّان ذلك قل: يا محب وأنت على وثوقٍ وئيد، سيتحقق لأمتنا الشهود الحضاري العالمي، والسبق في كل أفقٍ علمي ومعرفي، وما ذلك على الله بعزيز.

وبعد، أمة الصدق والأمانة:
وما كل ما سبق وانتظم، وزُبِرَ واستتم من محاسن الصدق ومساوئ الكذب، إلا لما لهما من آثار وعواقب على الأفراد والمجتمعات، فكم هي في تأريخنا المُشرِق الوضَّاء آثار الصدق ونماذج الصادقين؛ فهذا نبي الله يوسف الصديق، وذلكم هو نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - الصادق الأمين، القدوة العظمى، والأسوة الحسنى - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - في عظيم صدقه، وها هو الصِّدِّيقُ أبو بكر - رضي الله عنه - {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]، وهؤلاء الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك ما أنجاهم إلا صدقهم.

واليوم، هيهات هيهات أن تنتظم شئون الأُمم، وتسلك السبيل الأَمَم إلا بقدر إعلائها رايات الصدق، والتزامه في كافة مجالاتها وميادينها، وتربية النشء، وبناء الأجيال عليها، وحينئذٍ ترتقي الأمة علياء عزِّها، ومدارات مجدها.

لَا يَأْلَفُ الْمَجْدَ إِلّا السّادةُ النُّجَبَا وَلَا الْمَعَالِي ِإلّا مَنْ لَهَا انتُخِبَـا



وبذلك تقطع الأمة على أعدائها نهز كيدها، والإيضاع خلالها لتفريق شملها، وإفساد وُدِّها، وتسد القوى أمام الكذبة الأفَّاكين ممن يرهقون المجتمع غررًا، ويجعلونها نهبًا وغرضًا.

ألا فاتقوا الله - عباد الله، واستمسكوا - يا رعاكم الله - بالصدق في كل قضية، وتحرَّوه في كل مسألةٍ جليةٍ وخفيَّة، لترسخ في المجتمع دعائمه، وتشمخر في دنيا الواقع معالمه، والله - عز وجل - يقول: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا وإياكم بهدي سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والآثام والخطيئات؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه وليُّ المغفرة والرحمات.

الخطبة الثانية

الحمد لله لا يقول إلا صدقًا، ولا يَعِدُ إلا حقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الصدق من شِيَم الخُلُقِ الكريم وقواعده، ومعالم المجتمع الفريد وفراقده.

وأشهد أن نبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، حذَّر من الكذب وروافده، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه دعاة الحق ومعاقده، والتابعين ومن تبعهم بإحسان في أول الأمر وبادئه، وآخره وعائده.

أما بعد:
فاتقوا الديَّان - عباد الرحمن، والزموا الصدق فإنه مرقاةً للنعم، ولا تقربوا الكذب فإنه مرداةً في النقم.

إخوة الإيمان:
ولكي تعُوجَ الأمة بالدواء، وينحسِمَ عضال الافتراءات الشنعاء، فإنه لا بُدَّ من تقويم صَعَرِ الأفكة المحترفين، ومُقاضاة نسجة الأكاذيب والأفَّاكين، وإشعال مجامر الوعي والتبصُّر لدى أجيال المسلمين، ويُحرِزُ شرفَ السبق وغاية الفضل في ذلك المقام العظيم: العلماء، والدعاة، ورجال الحسبة البُناة، وأصحاب الفكر النبلاء، وحملة القلم الوُجَهاء، مع التأكيد على تأصيلِ معاني الصدق في النفوس، وفِقْه الكسب الحلال، وخفض الأفكار الهزيلة البائسة المُروِّجة للثَّرَاء العاجل، والربح السريع - زعموا.

هذا؛ وإن الأمر الذي لا يُسأَمُ تكراره، ولا يُمَلُّ إزجاؤه وإقراره: تعميق الشعور والمسئولية بنموذجية وفرادة هذه الديار المباركة، لكونها مهبط الرسالة، ومثابة الأمن والسلام، والنور الوضَّاء بالهداية والرحمة للعالمين، وألاَّ مجال في ربوع العقيدة لطائف الكذب والافتراء، ورواج الاستغفال والاستبزاز، وأن المحافظة على أمنها الفكري والاجتماعي والاقتصادي من آكد الواجبات وأحسنها، وآلق المثل وأمثلها.

يُؤكِّد ذلك ويُوطِّدُه: الإعلام بكافة قنواته لما له من الأثر البليغ الزخَّار في صياغة الوعي الإسلامي والحس الاجتماعي في الأمم، كما له الحظُّ الوافرُ في وأدِ الأكاذيب وتفنيدها، وطمس الافتراءات وتبديدها، إن تُوِّجَ بالمنهج الشرعي الحكيم، وإلا كان الوسيلة الهدَّامة أيًّا كان البناء شامخًا عتيدًا، في عالمٍ طغى فيه الدجل الإعلامي عبر القنوات والفضائيات، وتراديد شبكات المعلومات، الذي يقلب الحقائق، ويُلبِّس على الرَّعَاع؛ فيضع الرموز والأعلام، ويرفع الرويبضة والأقزام، ويغري بالرذيلة، ويزري بالفضيلة.

فيا لله! كم قَلَبَ من حقائق، وأفسد من عقول مما يقتضي هبَّةً جادةً في الصدق مع الله، ثم الصدق مع النفس، والصدق في إصلاح أحوال الأمة في كافة مجالاتها، والله المستعان.

كلَّلَ الله الجهودَ بالتوفيق، وحقَّقَ الآمال، ودفع الشرور والأوجال، وبارك المساعد، وأتمَّ النعم الجِزَال؛ إنه هو الكبير المتعال، وهو وليُّ التوفيق والإفضال.

ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على أصدق الخليقة شيمةً وخُلَّةً، وأجملهم مهابةً وحُلَّةً، كما أمركم الباري في أقوم كتابٍ وأعظم مِلَّة، فقال - تعالى - قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم فيا ربنا:

صَلِّ عَلَيْهِ بَعْدَدِ الرَّمْلِ مُتَّسِقًا وَعَدَدِ نَبْتِ الثّرَى والوابلِ السّجمِ
عَلَيْهِ أَزْكَى صَلَاةٍ دَائِمًا أَبَدَا وَالَآَلِ والصّحْبِ فِي بَدْءٍ وَمُخْتَتَمِ



اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين.

اللهم وفِّقه ووليَّ عهده ونائبه الثاني وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير للبلاد والعباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.

اللهم فرِّجْ همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّث كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم طهِّر قلوبَنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، اللهم اسلُك بنا سبيل الصادقين الأبرار، وجنِّبنا طريقَ الكَذَبة الأشرار، يا عزيز يا غفَّار.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، والصهاينة المحتلين، اللهم احفظ المسجد الأقصى من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين، واجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين.

{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ} [البقرة: 127]، {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ} [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكذب وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خطر التّبرج والسّفور على الفرد والمجتمع
»  الوقف.. وبركته على الفرد والجماعة
» العادات السيئة والعنوسة
» أضرار المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع للإمام ابن قيم الجوزية
» ضرر الفرقة على الفرد المفارق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: