اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 وسائل الإعلام الحديثة (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
وسائل الإعلام الحديثة (1) Oooo14
وسائل الإعلام الحديثة (1) User_o10

وسائل الإعلام الحديثة (1) Empty
مُساهمةموضوع: وسائل الإعلام الحديثة (1)   وسائل الإعلام الحديثة (1) Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 15:33

وسائل الإعلام الحديثة (1)
السينما: نشأتها، وحكمها، وأثرها



الحمد لله الخلاَّق العليم؛ خلق الإنسان ففضَّله على كثير ممَّن خلق تفضيلاً، وجعله عاقلاً سميعًا بصيرًا؛ {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون: 78].

نحمده على إحسانه ونِعمِه، ونشكره على آلائه ومِننه، وأشهد أن لا إلهَ الله وحدَه لا شريكَ له؛ فَرَض فرائضَ فلا تضيِّعوها، ونهى عن أشياءَ فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، لا خيرَ إلا دلَّنا عليه، ولا شرَّ إلاَّ حذَّرنا منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ آمَنُوا بالله ورسوله؛ {وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 123].

أيها النَّاس:
لَمَّا خلق الله - تعالى - البشر، وابتلاهم بالإيمان والكفر، وبالطَّاعة والمعصية؛ فإنَّه - سبحانه - دلَّهم على ما يُرضيه، وحذَّرهم ممَّا يُسخطه، ورزقهم أدوات العلم والإدراك، ومعرفة الخير من الشرِّ، وتمييز النَّفع من الضُّر، وهي الأسماع والأبصار والعقول؛ {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

ومِن حكمته - تعالى -: أنَّه جعل الشيطان وجُندَه فتنةً لهم، يصدُّونهم عن الهِداية، ويُزيِّنون لهم الغَواية: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} [ص: 82 - 83]، والغواية تكون بالقول، ومحلُّ ذلك اللِّسان والسَّمع، وتكون بالفعل، ومحلُّ ذلك البصر والجوارح، والقلْب يَفْسُد بغواية البصر والسَّمع؛ ولذا أُمِر المؤمنُ بحفظ سمعه وبصره عمَّا حرَّم الله - تعالى - لِيسلمَ له قلبه؛ {إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء: 36]، ويوم القِيامة تشهد الأسماعُ والأبصار على أهل المعاصي بما كانوا يَسمعون ويُبصرون؛ {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصِّلت: 20].

وأَمر الله - تعالى - بغضِّ الأبصار؛ لأنَّها طريق إلى الفروج، وتحريكها للرِّجال وللنِّساء، فجمع بينهما؛ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وفي الآية الأخرى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]، وفي حديث أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُه مِن الزِّنا مُدْرِكٌ ذلك لاَ مَحالةَ؛ فالعَينانِ زِناهُما النَّظرُ، وَالأُذُنانِ زِناهُما الاستِماعُ، واللِّسانُ زِناهُ الكلامُ، واليدُ زِناها البَطْشُ، والرِّجْلُ زِناها الخُطَى، والقَلْبُ يَهْوَى ويَتمنَّى، ويُصدِّقُ ذلك الفَرْجُ ويُكذِّبُه))؛ رواه الشيخان، واللَّفظ لمسلم.

وخطورة السَّمع والبصر على العِباد كبيرة، وعلاقتهما بالزِّنا وثيقة؛ لأنَّ الزِّنا له مقدِّماتٌ يقوم بها السَّمع والبصر واللِّسان، ويُهيِّئ النَّاس له، ولأجْل ذلك كان مِن الدُّعاء المأثور التعوُّذ بالله - تعالى - من شرِّ هذه الجوارح؛ جاء رجل إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: عَلِّمني تَعوُّذًا أَتعوَّذُ به، قال: فَأَخذَ بكَتِفي، فقال: ((قُل: اللهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ مِن شَرِّ سَمْعي، وَمِن شَرِّ بَصَري، وَمِن شَرِّ لِساني، وَمِن شَرِّ قَلْبي، وَمِن شَرِّ مَنيِّي - يعني: فَرْجَهُ))؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب.

وقيل للإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: رجلٌ تاب، وقال: لو ضُرِب ظهري بالسِّياط ما دخلتُ في معصيةٍ، غيرَ أنَّه لا يدع النَّظر، قال: "أيُّ توبة هذه؟!".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "فالنظر داعيةٌ إلى فساد القلْب، قال بعضُ السَّلف: النَّظر سَهْمُ سُمٍّ إلى القلْب".

كلُّ هذه النُّصوص والآثار تدلُّ على عظيم فِتنة النَّظر والاستماع، وأنَّ العِباد قد يقعون في الكبائر بسببهما، وكان الرَّجل يرى المرأة، أو يستمع إليها في طريقٍ أو سوق أو بستان أو نحوه، وقد يمرُّ عليه أيَّامٌ لا يَرى امرأة أبدًا، هذا كان قديمًا، لكنْ مع اختراع وسائل تحريكِ الصُّور، ونقلها وحفظها، ازدادتْ نِسبةُ النَّظر إلى النِّساء فيما عُرِف بدُور السينما، ثم مع اختراع شبكات التَّلفزة ازدادَ النَّظر إليهنَّ أكثرَ من ذي قبل؛ لأنهنَّ اقتحمنَ على النَّاس بيوتهم، ثم لمَّا حدثتْ ثورة الاتصالات في البثِّ الفضائيِّ والشبكة العنكبوتيَّة، صار النَّظر إلى النِّساء وهنَّ بأبهى حُلَّة أمرًا مألوفًا عند أكثر النَّاس.

إنَّ القدرة على تخزين الصُّور المتحرِّكة وبثها - المعروف بالسينما - كان أكبرَ حدثٍ في التاريخ البشريِّ أثَّر في حفظ الأسماع والأبصار عن الحرام، وسَبَى القلوبَ والعقول، وفَتَن النَّاسَ فتنةً عظيمة.

كانت بداية ذلك قبلَ ما يَزيد على مائة سنةٍ من الآن في فَرنسا وأمريكا، وما هي إلاَّ أشهرٌ عدَّة، حتَّى انتشرت هذه الصناعة الجديدة في بلاد الغرب، ونقلها اليهود والنَّصارى إلى مصر في نفس العام الذي بَثَّت فيه فَرنسا أوَّل فيلم لها، وأُقحمت النِّساء فيها أوَّل بدئها في مصر، وكان أكثر المُخرجين والمُنتجين والممثلِّين من أبناء اليهود والنَّصارى وبناتهم، الذين تربَّعوا فيما بعدُ على عرش ما يسمى "الفن"، وقُدِّموا للأمَّة رُوَّادًا لها، وجُعلوا قدوةً للشَّباب والفتيات يقتدون بهم، ومِن هؤلاء السينمائيِّين مَن اضطروا لتغيير أسمائهم اليهوديَّة والنصرانيَّة؛ لئلا تُعرفَ دياناتُهم، فلا يَقْبَلُهم الجمهور، ولا يُقْبِلون على إنتاجهم وإفسادِهم للنَّاس.

وما مضت ثلاثة، عقودٍ على نشأة السينما في مصر إلاَّ وكان بها أكثرُ من مائة شركة إنتاج سينمائي، تصوغ العقول، وتفرِض الأفكار، وتسطو على القِيَم والأخلاق؛ تُدار بأيدي أجانب ووكلائهم، ويُموِّلها اليهودُ والنصارى، ويرسمون سياستَها؛ ولذا فإنَّها كُرِّست لإفساد الشباب والشابَّات، ودارت أفلامُها في فلك الحبِّ الغرام، ونشر ثقافة التَّمرُّد والتَّحرُّر واللذَّات المحرَّمة، وغَزتْ عقولَ مشاهديها بالأفكار الغربيَّة الماديَّة المتحلِّلة من الدِّين والأخلاق.

حتَّى إنَّ مجلة "صباح" اليسارية المصريَّة تذمَّرت من السيطرة الأجنبيَّة على السينما المصريَّة، وغرسها لأفكار وأخلاق معيَّنة، فكتبت في افتتاحيتها: "لقد كنَّا إلى آخر لحظة نحسن الظنَّ، أو نحاول أن نحسن الظنَّ بجماعة الأجانب الذين يحترفون السينما في مصر، وطالما أغمضنا أعيننا عن كثيرٍ من الجرائم التي يرتكبونها، ويعتدون فيها على كرامة المصري، أهملوا اللُّغة العربية؛ وهي لغةُ السَّواد الأعظم من أبناء البلاد...".

وفي حقبة الأربعينات الميلاديَّة شنَّ أحدُ النُّقاد اليساريِّين حملة قويَّة على وضْع السينما ومضامينها، وكتب المقالات المنتقدة لها، وسمَّاها (سينما المخدرات)؛ لِمَا فيها من مضامين الفساد، وهاجم نظرية (الفن للفن)، التي يُردِّدها الآن بعضُ بني قومنا المتحمِّسين للإفساد في بلادنا باسم الانفتاح والإصلاح.

وكلُّ ما نقلتُه، وما سأنقله على مسامعكم من أقوال حولَ السينما، فإنَّها ليست لعلماء، ولا لدُعاة، ولا لأحد ينتسب للتيَّارات الإسلاميَّة، وإنَّما هي لأناس تحمَّسوا للسينما في أوطانهم؛ لكنَّهم لَمَّا رأوْا أفكارَها ورسالتها التي تؤدِّيها، علموا أنَّها ليست أداةً محايدة للترفيه، وإنَّما هي مزرعة لاستنباتِ الأفكار الغربيَّة المنحرفة في البيئة الشرقيَّة المسلمة، فأبتْ عليهم وطنيتُهم إلاَّ أن يُبيِّنوا ذلك للنَّاس، ويحذِّروهم منه.

لقد دَرَس ناقدٌ فرنسي إنتاجَ السينما العربيَّة، وحلَّل واقعَها خلالَ خمسة عشر عامًّا؛ ليثبتَ بعد ذلك السَّطوَ الإمبريالي الرأسمالي عليها، ويؤكِّد في دراسته استئثارَ شركات الإنتاج والتوزيع الأمريكيَّة بها.

ويلخِّص هذا المعنى أحدُ أشهر النُّقَّاد السنيمائيِّين العرب فيقول: "كانت الأفلام الواردة مِن خارج الوطن العربيِّ والعالَم الإسلامي، والأفلام المصنوعة داخلَ الوطن العربيِّ والعالَم الإسلامي تتقاسمُ قتْلَ المشاهد فكريًّا وأخلاقيًّا بصورةٍ تبعث على الدَّهشة، وكأنَّما كان هناك نوعٌ من التلذُّذ بعملية هذا القتل البطيء والمستمر دونما هوادة.."، ثم يذكر أنَّ أيَّ دراسة سيسيولوجية لتأثير ما أنتجتْه السينما تُظْهِر بجلاء أنَّها لعبتْ دورًا كبيرًا في تخريب الكثير من القيم الإنسانيَّة، وفي تشويه العقل العربيِّ الخام، ودفعه في اتجاه البحث عن قِيم غربيَّة بعيدة عن تقاليده وقِيَمه.

ولن يكونَ حالنا إن أُقرِّت السينما عندنا إلاَّ كحال مَن سبقونا، فلنأخذِ العبرة منهم، ولنستمعْ لأقاويل عقلائهم حين كشفوا اللِّثام عنها، وأثبتوا أنَّ كِبار المفسدين من اليهود والرأسماليِّين هم مَن يديرونها؛ لتحقيق مآربهم في الفساد والإفساد، وأنَّ منافستَهم عليها أو مزاحمتهم فيها ضرْبٌ من الخيال، والسَّلامة لا يَعدِلها شيء، ورحم الله مَن اتَّعظ بغيره، والمخذولُ مَن لا يتَّعظ بالمواعظ، ولا يعتبر بمن كانوا قبلَه؛ {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].

بارك الله لي ولكم في القرآن.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

أيُّها المسلمون:
فتْكُ السينما بالأخلاق عظيم، وصياغتها للعقول والأفكار لا ينكره إلاَّ مكابر، وقد كان الزَّعيم الشيوعي "لينين" يخاف من تأثير السينما الليبراليَّة على الشُّعوب الشيوعيَّة، ويخشى أن تتحوَّل عن الاشتراكيَّة بسببها، وكان يقول: "تسيطر على الفنِّ السينمائي حتَّى هذه الساعة أيدٍ تجاريَّة قذرة، وتقدِّم للمشاهدين أفلامًا سيِّئة أكثر مما هي مفيدة، ففي الكثير من الأحيان يُفْسِد الفنُّ السينمائي المشاهدين بأفلام سيِّئة المضمون"، وهذا ما دعا كاتبًا روسيًّا مرموقًا عند قومه أن يُؤلِّف كتابه: "الفن السنيمائي وصراع الأفكار".

أيخاف الشيوعيُّون على فكرِهم الإلحاديِّ البائد، من الغزو الليبرالي الفاسد، فينتقدوا السينما، ويُحذِّروا منها، ولا يخاف أهل الإسلام على عقول أبنائهم وبناتهم، وهم يَرَوْن ما فعلت السينما بأكثر بلاد المسلمين؟! إنَّ هذا لشيء عُجاب!

إنَّ تأثير السينما على المعتقَدات والأخلاق، وصياغتها للعقول والسُّلوك والأفكار - لا ينفيه صانعوها والمروِّجون لها، والمالِكون لأكبر إنتاجِها؛ بل يُثبتون ذلك، وكَذَب مَن زعم مِن بني قومنا أنَّها لمجرَّد الترفيه والتسلية، وأنَّ مَن يحاربونها يَتهمون غيرَهم على غير هدى، فهذا المخترع المشهور توماس أديسون؛ وهو ممَّن طوَّروا آليات السينما يقول: "مَن يسيطر على السينما يسيطر على أقوى وسيلة للتَّأثير في الشَّعْب..".

ويقول أحد المؤرخِّين للفنون الأمريكيَّة: "إنَّ السينما - سواء أحببنا أم لم نحبَّ - هي القوَّةُ التي تصوغ - أكثرَ من أيِّ قوَّة أخرى - الآراء والأذواق واللُّغة والزِّي والسُّلوك؛ بل حتَّى المظهر البدني..."، حتَّى قيل: السينما أفيون الشُّعوب، ويقول مفكِّر أمريكي آخر: "ليست وظيفة السينما أن تزودنا بمعرفةٍ للعالَم فحسبُ، وإنما تخلق أيضًا القِيم التي نعيش بها".

إنَّ زعْمَ بعض النَّاس أنَّ السينما قد ولجت البيوتَ عن طريق البثِّ الفضائي، ولا فرق بينها وبين صالات السينما ينمُّ عن ضعْف في تصوُّر السينما وصناعتها، ويدلُّ على جهلٍ بخطط مَن يروِّجون لها، ولو كانَا سويًّا لقُضيَ بالفضائيات على صالات السينما، ولمَّا بقيتْ بعد اختراع شبكات التلفزة، ومَن يدعون أنَّهما سواء، لماذا إذن يطالبون بها؟ ويستميتون في فرضها؟ ولماذا لا يكتفون بالفضائيات عنها؟

إنَّ من طبيعة المفسدين التي ألِفْناها منهم أنَّهم يَعرِضون فسادَهم خطوةً خطوة، ولن يتوقَّفوا عندَ حدِّ إنشاء صالات العرْض السنيمائي، وعرْض الأفلام فيها، وإنَّما سيُطالبون بتوطين السينما كما حصل في مصر في بدايات القرن الماضي، وتوطينُها يستلزم تخريجَ جيش من أبناء البلد وبناته؛ ليكونوا ممثلِّين، ومخرجِين، ومنتجين ومصوِّرين، وغير ذلك، وهذا الجيش العرمرم لا يمكن تخريجُه إلاَّ بإنشاء أكاديميات ومعاهدَ متخصِّصة في السينما، وبعثات طلابيَّة للجنسين تدرس السينما في الخارج، ثم ستكون الحاجة ملحَّة لإنشاء مدن سينمائيَّة، واستوديوهات للتصوير، وغير ذلك ممَّا يكلف أموالاً طائلة في سبيل الشَّيطان، والسلسلة لن تنتهي.

وأمَّا دعوة البعض بإنشاء سينما نظيفة، فهي أحلام مخادعة، لا رَصيدَ لها من الواقع؛ لأنَّ عماد السينما على الإثارة، والإثارة لا تتأتَّى إلاَّ بتحطيم القيود الدِّينيَّة والأخلاقيَّة، يقول أحد كبار المخرجين الألمان: "يحرِّك الجمهور دافعان: الجنس والعنف، أصبحنا جميعًا بهذا المعنى كمتعاطي المخدرات نتحرَّك عندما يحرِّكوننا، عندما يجذبوننا أو يبعدوننا، ولا يوجد لدينا انسجام مع ذواتنا".

وأمَّا ادِّعاء البعض بوضع شروطٍ وضوابطَ لها، فهي أضحوكةٌ يُلهي بها المفسِدون أهلَ الغفلة من النَّاس، فمَن خرقوا دساتير الدُّول وأنظمتها الإعلاميَّة هل يتقيَّدون بشروط وضوابطَ لن تكون إلاَّ حبرًا على ورق، وقبل ستِّين سنة من الآن صَدَر في مصر قانونٌ للسينما ينصُّ على: مراعاة احترام الأديان وعدم التعرض للعقائد... ولا يسمح بمناظر الحركات المخلَّة بالآداب بما فيها الرَّقص الخليع المغري.

وحال الأفلام المصريَّة التي صدرت بعد هذا القانون خلالَ ستِّين سَنةً ليس يخفى على مَن شاهدوها في قذارتها، وانحرافها، وسخريتها بالدِّين وأهله.

إنَّ السينما، إنْ كان المقصود بها نشر الفساد والانحلال في هذه البلاد المباركة، التي عُوفيت منها فيما مَضى، فهي خطوةٌ من خطوات المفسدين، كيف يرضاها العقلاء والمصلِحون؟! والله - تعالى - قد حذَّرنا منهم بقوله - سبحانه - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [النور: 21].

وإن كان المقصود بها مجرَّد التسلية والترفيه -كما يزعم الزَّاعمون - فهلاَّ أنفَقُوا أموالها الطائلة على مشروعات التنمية التي توفِّر ما يحتاجه النَّاسُ من ضرورات وحاجات، بدلَ إغراقهم في الترفيه المحرَّم، الذي يكون سببًا في رفْع النِّعم، وجلبِ النِّقم؛ {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116].

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وسائل الإعلام الحديثة (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وسائل الإعلام الحديثة (2)
»  يستفاد في الدعوة بالمتاح من وسائل الإعلام المعاصرة
»  أطفالنا والإلكترونيات الحديثة
» الدعوة إلى الله بالتقنية الحديثة
»  التقنيات الحديثة (الهاتف الجوال)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: