اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 عبادة الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
عبادة الله Oooo14
عبادة الله User_o10

عبادة الله Empty
مُساهمةموضوع: عبادة الله   عبادة الله Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 15:27

عبادة الله


الحمد لله العزيز الحكيم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأسبغ على خلقه النعم الظاهرة والباطنة، فله النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، تبارك ربنا الشكور الحليم.

أحمدُ ربي وأشكره على آلائه وفضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الرحيم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بكل خُلُقٍ كريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه ذوي المنهج القويم.

أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى؛ فتقوى الله حصنٌ حصينٌ من كل الشرور والمهلكات، وسببٌ لبلوغِ أعلى درجات الجنة والسعادة والفلاح في الحياة وبعد الممات.

أيها الناس:
إنكم مُدبَّرون من الخالق الرحيم، خلقكم الله لأمرٍ عظيم، وهو: عبادته وحده لا شريك له، كما قال - تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فبالعبادة يُثيبُ الله ويُعاقِب، ويُسعِد ويُشقِي، ويُعطِي ويمنع، فمن حقَّق عبادةَ ربه فاز بالخيرات، ومن ضيَّعَ عبادةَ ربه خاب وخسر، وأحاطت به الخطيئات في الدركات.

يا ابن آدم! تفكَّر في بداية أمرك ونهايته، وتفكَّر فيما بين المبدأ والنهاية من أحوالك وأطوارك؛ لتعلم أن ربك لم يخلقك عبثًا بلا حكمة، قال الله - تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]؛ بمعنى: لا يُؤمر ولا يُنهى.

لقد كانت روحك - أيها الإنسان - في عالم الغيب لا تدري عنها شيئًا إلا ما أخبرنا الله به في الوحي عن الأرواح، ثم شاء الله - عز وجل - أن تعمُر هذه الروحُ الجسد وأنت في بطن أمك.

كما في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدَّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ أحدَكم يُجمعُ خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُنفخُ فيه الروح، ويُؤمَر المَلكُ بأربع: بكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ))؛ رواه البخاري ومسلم.

فيمكُث في رَحِمِ أمه الزمن الذي قدَّره الله - تعالى، كما قال – عز وجل: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 20– 23]، وكما قال - تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12- 16].

وتفكَّر يا ابن آدم في نِعَمِ الله عليك وأنت في رَحِمِ أمك لا حول لك ولا قوة، كيف ساق الله إليك الطعام والشراب والهواء، وحفظك من العاهات والآفات، حتى يسَّر خروجك إلى هذه الدنيا الواسعة؛ لتعبد الله وقت التكليف، وبطن أمك هو أول منزل تعيش فيه وأنت لا تملك لنفسك شيئًا.

والمنزل الثاني: هذه الأرض الواسعة التي خلقها الله، وهيَّأها لك بما فيها وبما فوقها من السماوات والأفلاك، وبما فيها من المخلوقات، قال الله - تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، وقال - تعالى: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32- 34]، وقال - تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون:21].

والآيات في هذا كثيرة، الآيات في تسخير الله - تعالى- للمخلوقات لأجل ابن آدم كثيرة.

أيها الإنسان:
إن الله تكفَّل لك في هذه الدنيا بالحياة الطيبة، والهدى، وصلاح أمورك، والسعادة، والبركة في كل شيء، والنعيم المقيم في الآخرة، إذا عملتَ بكتاب الله وسنة محمد - صلى الله عليه وسلم، إذا حقَّقتَ التوحيد لربِّ العالمين، فعبدتَ الله ولم تُشرِك به شيئًا، ولم تعبد معه ملكًا، أو نبيًا، أو وليًا، أو أيَّ مخلوقٍ.

قال الله - تعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وقال - عز وجل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 123- 124]، وقال - عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70- 71]، وقال - عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ..} [الأعراف: 96]، وقال - تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].

ومن لم يتَّبِع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن بمحمد سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - فله الشقاء في الدنيا، والعذاب في الآخرة، قال - عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: 65- 66].

ولا بُدَّ أن ينقلب المُكلَّفون من الثَّقَلَيْن إلى المنزل الثالث، وهو القبر - دار البرزخ - ليلقوا جزاء أعمالهم في هذه الدنيا؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

والقبر - الذي هو المنزل الثالث - أول منازل الآخرة؛ عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثِروا من ذكر هادم اللذَّات؛ فإنه لم يأتِ على القبر يومٌ إلا قال: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحدة، أنا بيت الدود والهوام))؛ رواه الترمذي.

والقبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؛ عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبره وتولَّى عنه أصحابه، وإنه ليسمعُ قرعَ نعالهم إذا انصرفوا، آتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريتَ ولا تَلَيتَ، ثم يُضربُ بمِطرقةٍ من حديد ضربةً بين أذنيه، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين))؛ رواه البخاري ومسلم.

وفي روايةٍ لأبي داود: ((ما كنتَ تعبد؟ فإن هداه الله قال: كنتُ أعبد الله، وما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، وإن الكافر أو المنافق إذا وُضِعَ في قبره أتاه ملكٌ فينتهره، فيقول له: ما كنتَ تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريتَ ولا تليتَ، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنتُ أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطراقٍ من حديد بين أذنيه، فيصيحُ صيحةً يسمعها الخلق غير الثقلين)).

وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة أتاه ملائكةٌ كأن على وجوههم الشمس، فيجلسون منه مَدَّ البصر، ثم يقال له: أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب اخرجي إلى رَوحٍ وريحان، وربٍّ غيرِ غضبان، فتسيلُ روحُهُ كما تسيلُ القطرةُ من فِيّ السقاء، ثم تأخذها الملائكة، ويكون لها ريحٌ طيب كأطيب ريحٍ على وجه الأرض، فيصعدون بها، فتُفتح لها أبواب السماء، ويُشيِّعُهُ من كل ملائكةٍ مُقرَّبوها حتى تنتهي إلى الرب - عز وجل، فيقول الله - عز وجل: أعِيدُوا روح عبدي في جسده في الدنيا، فإني منها خلقتهم، وفيها أُعيدُهم، ومنها أُخرِجُهم تارةً أخرى، فيسأله الملكان فيُثبِّته الله - تبارك وتعالى.

وأما الكافر أو المنافق فيأتيه ملائكة سود الوجوه، ويقولون له: أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث اخرجي إلى غضبٍ من الله وسخط، فتفرَّق روحه في جسده، فيستخرجها ملكُ الموت كما يُستخرجُ الصوفُ المبلول من السَّفُّود، ثم يصيرُ لها كأنتن ريحٍ وُجِدَت على وجه الأرض، ويقال: من هذه الريح الخبيثة؟ فيقال: هذه روح فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يُدعى به في الدنيا، ثم يأتي بها إلى السماء الدنيا فلا تُفتح لها الأبواب، وتُطرَح روحه طرحًا فيُعذَّب في قبره، ثم يُنقَلُ إلى العذاب الأليم يوم القيامة)).

فهذه الأحاديث تدلُّ على أنه يُسأل في قبره عن التوحيد، فإن كان مُوحِّدًا ثبَّته الله بالقول الثابت في السؤال، وإن كان مُشرِكًا لم يهتدِ إلى الجواب، والموحِّد هو من يعبدُ الله لا يشركُ به شيئًا، الموحِّد من يخصُّ اللهَ بالدعاء وحده، ويفرده به وبالرجاء والاستعانة، والاستغاثة والاستعاذة، والطواف بالبيت الذي أمره الله به، لا بالطواف بقبرٍ أو وثن، وسؤال الحاجات، وكشف الكربات يجعلها لله - تبارك وتعالى، ويعتقد تفرُّد الله بالتصريف والتدبير.

والمشرك هو من يدعو غير الله، أو يستغيث بغيره، أو يستعين بغيره، أو يسأل غيرَ الله الحاجات، وكشف الكربات، ومغفرة الذنوب، أو يعتقد أنَّ أحدًا يُدبِّرُ الكون مع الله، أو يتصرَّف فيه، أو أن الله فَوَّضَ إلى أحدٍ من خلقه التدبير، أو التصريف في الخلق من بني آدمَ، أو من وليٍّ، أو مَلَكٍ، أو من غيرهم؛ فإن الشرك - وإن شهد العبد الشهادتين، وصلَّى، وصام - فإنه يهدم ويبني، فلا ينفعه مع الشرك بالله - تعالى - عملٌ صالحٌ، والله - عز وجل- يحفظ المؤمن المسلم من عذاب القبر بالأعمال الصالحة.

كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت إذا وُضِعَ في قبره، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيامُ عن يمينه، وكانت الزكاةُ عن شماله، وكان فعل الخيرات؛ من الصدقة، والصلاة، والمعروف، والإحسان إلى الناس عند رجلَيْهِ، فيؤتَى من قِبَل رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتَى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتَى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتَى من قِبَلِ رجلَيْه، فيقول: فعلُ الخيرات؛ من الصدقة، والمعروف، والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل، ثم يُفتحُ بابٌ من أبواب الجنة، فيقال: هذا مقعدك فيها، وما أعدَّ الله لك، ثم يُفتحُ من أبواب النار ويقال: هذا مقعدك من النار لو عصيتَ الله تعالى، فيزدادُ غِبطَةً وسرورًا.

وإن الكافر إذا أُتِيَ من جهةٍ لم يوجد شيءٌ من هذه الأعمال، ويقال له: هذا منزلك من النار، ثم يقال: هذا منزلك من الجنة لو أطعت الله عز وجل))؛ رواه الطبراني، وابن حبان في (صحيحه) في إسنادٍ حسنٍ.

قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

وإن المنزل الرابع والنهاية الأبدية: الجنة أو النار، ففي الجنة النعيم المقيم الأبدي، وفي النار العذاب السرمدي، قال الله - تعالى- في جنات النعيم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70- 71].

وقال - تعالى - في النار وعذابها: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:20- 22].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه إن الله هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وليّ المتقين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمنُ الرحيمُ، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فقد خلق الله الإنسانَ لحِكَمٍ عظيمةٍ يُكابِدُ شدائد الدنيا والآخرة، ويُواجِهُ الأهوالَ في حياته وبعد مماته، قال - عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4].

وآخر عقبةٍ كَؤُود دون الجنة، وأعظمُ هَولٍ وكربٍ وشدة يواجهها العبد "الصراط" الذي يمر عليه الناس، وما أدراك ما الصراط؟!

إنه جسرٌ يُنصَبُ على متن جهنم، فيعبُر عليه المؤمنون إلى جنات النعيم، ويتساقطُ منه الكفار والمنافقون، ومن أوبَقَتْه أعماله إلى الجحيم، وإذا وُضِعَ الصراط على جهنم فلا يذكر أحدٌ أحدًا حتى يجوزوا.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ذكرتُ النار فبكَيْتُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك؟)) قلتُ: ذكرتُ النار فبكَيْتُ، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال: ((أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا؛ عند الميزان حتى يعلم أيخِفُّ ميزانه أم يثقل؟ وعند تطايُرُ الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وُضِعَ بين ظهراني جهنم حتى يجوز))؛ رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((يُضرَبُ الصراط على متن جهنم، وتُرسَلُ الأمانة والرَّحِم فيقومان جنَبَتَيْ الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، قلت بأبي وأمي: أيُّ شيءٍ كالبرق؟ قال: ألم تَرَوا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمرِّ الريح، ثم كمرِّ الطير وشدِّ الرحال تجري بهم أعمالهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصراط يقول: ربِّ سلِّم سلِّم، حتى تعجِزَ أعمالُ العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا))؛ رواه البخاري ومسلم.

وعلى جانبي الصراط كلاليب معكوفة لا يعلم عِظَمَها وقدرها إلا الله، تخطِفُ الناس بأعمالهم فتُردِيهم في جهنم، وتُوبِقهم بأعمالهم، ومعنى وضع الأمانة والرَّحِم بجانبي الصراط؛ لتمنع من ضيَّعهما من الجواز، وتشهد لمن قام بهما حتى يجوزَ على الصراط.

عباد الله:
أعِدُّوا لهذه الساعة الأعمالَ التي تُرضِي ربَّكم، ولا ترتكِبوا ما حرَّم الله عليكم؛ فإنما الناس بأعمالهم عند الله، فمن بطَّأ به عملُهُ لم يُسرِع به نسبه، فاتقوا الله في أنفسكم.

ولا تكونُ الأعمال نافعة، ولا تكون صالحة مقبولة مُنقذةً لصاحبها من هولِ الصراط، ومن التردِّي في النار إلا إذا كانت على سنة ماضية، وفق هدي سيد المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم، وكانت - مع إصابة السنة - خالصةً لوجه الله الكريم من الرياء، والعُجْب، والسُّمْعة، والأغراض الفانية.

عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك، وكرمك، ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين والمبتدعين يا رب العالمين، اللهم ودمِّر أعداءك أعداء الدين، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم أحسِن عاقبَتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزْيِ الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أعِذْنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعِذْنا من شر كل ذي شر يا رب العالمين، يا الله يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِذْنا وذريَّاتنا من إبليس وذريته وشياطينه، اللهم أعِذِ المسلمين من إبليس وذريته وشياطينه يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا يا أرحم الراحمين.

اللهم أحسِن عاقبَتَنا في الأمور كلها، اللهم أصلِح لنا شأننا كله، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيثُ، أصلِح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت.

اللهم لا تكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثْنا يا رب العالمين، اللهم أغِثْنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثْنا يا رب العالمين، ويا أكرم الأكرمين.

اللهم لا تمنع عنا خيرًا في يديك بسببٍ منَّا، أو بسببٍ من غيرنا يا رب العالمين.

اللهم أحسِن عاقبَتَنا يا أرحم الراحمين، واغفر ذنوبنا، وما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلَنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهُداك، واجعل عملَهُ في رِضاكَ، واحفظه إنك على كل شيء قدير، اللهم وارزقه البطانة الصالحة التي تدُلُّهُ على الخير، وتُعِينُهُ عليه إنك - يا رب العالمين - وليُّ ذلك والقادر عليه، اللهم أعِنْه على أمور الدنيا والدين، اللهم وفِّق نائبه لما تحب وترضى، ولما فيه الخير للإسلام يارب العالمين، وارزقه الصحة يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبه الثاني إنك على كل شيء قدير، ووفِّقْه لما تحب وترضى ولما فيه الخير يا رب العالمين.

اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرًا لشعوبهم وأوطانهم، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سبل السلام، وأخرِجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أبطِل كيد أعداء المسلمين، اللهم أبطِل كيد أعداء الإسلام، اللهم أبطِل مكر أعداء الإسلام يا رب العالمين.

عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90- 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عبادة الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء
»  عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها
»  في ظل عرش الرحمن : شاب نشأ في عبادة الله !!
» عبادة الله سبحانه وتعالى
»  عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: