اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث Oooo14
ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث User_o10

ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث Empty
مُساهمةموضوع: ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث   ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 12:16

ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث



الحمد لله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، سبحانه وبحمده يكشف البلوى، ويُزيلُ الهموم، أحمده - سبحانه - وأشكره على عظيم آلائه، وجزيل نعمائه، والنِّعَمُ بشكر الله تدوم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصةً تقِي برحمة الله من نار السموم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله؛ اجتباه واصطفاه وأعطاه ما يرُوم، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابه - حازوا أشرف العلوم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان والسحاب المركوم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل، فاتقوا الله - رحمكم الله - فلله درُّ أقوامٍ نعِمُوا بالإخلاص والطاعة، وتدثَّروا بلباسِ التُّقى والقناعة، ففازوا بأربحِ البضاعة، زالَتْ عنهم الأكدار، فكانت لهم عقبى الدار، نعيمٌ مقيمٌ، وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار؛ فاعتبروا - رحمكم الله - بالسابقين، وتفكَّروا في الراحلين، فالقلوب بالذكرى تلِين: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيْعُ أَجْرَ المُحْسِنِيْنَ} [هود: 114، 115].

أيها المسلمون:
لقد قَضَتْ سنةُ الله - عز وجل - أن تُبتَلَى النفوس في هذه الدنيا، تُبتَلى بالخير والشر، والأمن والخوف، والمنح والمحن، والأقربين والأبعدين: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186].

وإن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجِيْشُ مذخورَ القُوَى، وتستثيرُ كوامِنَ الطاقات، وتفتحُ في القلوب منافِذَ، وفي النفوس مَسَارِبَ، ما كان ليتبيَّنها أهلُ الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلُّبات.

أيها المسلمون:
يذكر الراصدون، ويتحدَّثُ الإحصائيُّون عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض، وتتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر، حتى قالوا: "إن الزلازل في السنوات القليلة الماضية أكثرُ منها أربع مراتٍ مما لم يحصل مثله سوى مرةٍ واحدةٍ طِوالَ عشرين سنةٍ أو أكثر في أوائل القرن الماضي".

ويقولون: "إنه كلما تقدَّمَت السنوات زادَ عددُ الزلازل والغِيَر وأنواعُ الكوارث والمَثُلات".

ولعل المتأمل والناظر بعينٍ راصدةٍ، وقلبٍ يقِظٍ يسترجِعُ بعض هذه الآيات، والحوادث، والكوارث، والنُّذُر ليَجِدَها ما بين مَوجٍ عاتٍ، وماءٍ طاغٍ، وخسفٍ مُهْلِكٍ، وزلزالٍ مُدمِّرٍ، ووباءٍ مُميتٍ، يُرسِلُ الله الجرادَ، والقُمَّل، والضفادع، والدم، والطيور بأمراضها، والأعاصير برياحها، والفيضانات بمائها في آياتٍ مفصلات، أمراضٌ مُستأصِلة، وأوبئةٌ منتشرة، تحمِلُها طيورٌ، وتنقلها حيوانات؛ حُمَّى الضَّنَك، وحُمَّى الخنازير، والهزَّاتُ الأرضية والزلازل، أمراضٌ وأوبئةٌ وأدواءٌ لا يملك أحدٌ ردَّهَا، ولا يستطيعُ امرؤٌ صدَّها، ولا السيطرةَ عليها مهما أُوتِيَ من علمٍ في مكتشفاته، ومختبراته، ومخترعاته، وراصداته، لا يملك السيطرة عليها ولا الحد من انتشارها، ولا دفعها أو ردَّها؛ إنها جنودٌ من جنود الله في البر والبحر والجو: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31].

جنودٌ غير متناهية؛ لأن قدرة الله غير متناهية؛ فالكون كله بإنسِهِ وجنِّهِ، وأرضه وسمائه، وهوائه ومائه، وبَرِّهِ وبحره، وكواكبه ونجومه، وكلِّ مخلوقاته، ما علِمنا منها وما لم نعلم، كلها مُسخَّرةٌ بأمره - سبحانه - يُمسِكُ ما يشاء عمن يشاء، ويرسل ما يشاء إلى من يشاء، وكيف لا تُدرَكُ عظمة الجبار - جل جلاله - وضعفُ جبابرة الأرض مهما أوتوا من قوة؟

كيف لا تدلُّ على عظمة الجبار ومنها ما يُهلِكُ أممًا، ويُدمِّرُ ديارًا في ثوانٍ وأجزاءٍ من الثواني، ومنها ما ينتقل عبر الماء، ومنها ما يطير في الهواء، ومنها ما يرى ومنها ما لا يرى؟

نُذُرٌ وآياتٌ، وعقوباتٌ وتخويفاتٌ لا تدفعها القوى، ولا تُطِيقُها الطاقات، ولا تقدر عليها القدرات، ولا تتمَكَّنُ منها الإمكانات، ولا تُفيدُ فيها الراصدات ولا التنبُّؤات، لا تصِلُ إليها المُضادَّات، ولا المَصَدَّات من حيث يحتسبون، ومن حيث لا يحتسبون.

{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 45- 47]، {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} [الإسراء: 68]، {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك: 16- 18].

عباد الله:
إنها آياتُ الله وأيامه ونُذُرُه، تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته، وقوته وعظيم سلطانه، وعزَّتُهُ وتمامُ مُلكِهِ، وأمره وتدبيره، إن هذه الحوادث والقوارع تُوقِظُ قلوبًا غافلة لتُراجِعَ توحيدها وإخلاصها؛ فلا تشرك معه في قوته وقدرته وسلطانه أحدًا، ويُفيقُ بعض من غرَّتهم قوتُهُم فيتذكَّروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، وبخاصةٍ أولئك المُستكبِرون ممن غرَّتهم قوتهم، وطال عليهم الأمد، فرِحُوا بما عندهم من العلم.

ولقد قال الله في أقوامٍ سابقين: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15]، وقال في آخرين: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 82- 85].

أيها المسلمون:
ومن مواقف العِبَر والادِّكار في هذه الآيات والنُّذُر: ما يُرسِلُ الله فيها من التخويف والتحذير، كما قال - سبحانه: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس وخسوف القمر: ((إنهما آيتان من آيات الله يُخوِّفُ الله بهما عباده)).

فكم من إنسانٍ يرى آحادَ الناسِ من حوله يتخطَّفون ويُقتَلون، وهي من آيات الله، لكنه لا يعتبر، فإذا ما رأى من هذه الآيات الكبار المخوفات تذكَّر وادَّكَر، فهي ذكرى لمن كان له قلب، يستوي في ذلك من حضرها وشاهدها، ومن وقع فيها ونجا منها، ومن سمع بها.

أعاصير وزلازل، وفيضانات وانهيارات، وأوبئة وأمراضٌ من آيات الله، وجنوده تُذكِّرُ الغافلين، وتُنذِرُ الظالمين، وتُوقِظُ المستكبرين، ويعتبر بها المؤمنون، ويرجع بها المُذنِبُون.

انظروا - رحمكم الله - إلى هدي نبيكم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وخوفه من ربه مع أن الله - سبحانه وتعالى - قد جعله أمنةً لأصحابه: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].

ومع هذا كان إذا هبَّتْ الريحُ الشديدة عُرِفَ ذلك في وجهه - صلى الله عليه وسلم، وحينما ينعَقِدُ الغيم في السماء ويكون السحاب ركامًا يرى - عليه الصلاة والسلام - يُقبِلُ ويُدبِرُ، ويدخل البيت ويخرج، فتقول له عائشة - رضي الله عنها: ما بك يا رسول الله؟ فيقول: ((ما يؤمِّنُني أن يكون عذابًا؟ إن قومًا رأوا ذلك فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24]))، حتى إذا نزل المطر سُرِّي عنه - عليه الصلاة والسلام.

ومن المواقف في هذه الآيات والابتلاءات: ما يبتلي الله به عباده القادرين الموسرين، فينظر كيف يعملون؟ هل ينفقون من مال الله الذي آتاهم؟ وهل يسارعون في نجدةٍ أم تراهم يقبضون أيديهم؟

ينسَونَ ربهم، وينسَونَ إخوانهم، ويعيشون في غفلتهم، وفي هذه الابتلاءات حدِّث ولا حرج من أنواع الإغاثات التي يبذلها الموفقون من غذاءٍ، وكساءٍ، وعلاجٍ، وتعليمٍ، وإيواءٍ، وأنواعٍ من المساعدات والمواسات لا تقع تحت حصر مع حسن معاملةٍ وشفقةٍ وإحسانٍ في القول والعمل، ومن رحم أهل الأرض رحمه رب السماء؛ فلله الحكمة البالغة في خلقه، وأمره، وتدبيره، وصنعه، وفي آياته وابتلاءاته.

أيها المسلمون:
إن هذه الآيات والحوادث والكوارث ولو عُرِفَت أسبابها المادية وتفسيراتها العلمية فلا ينبغي أن يُظنَّ أن هذا صارفٌ عن كونها آيات وتخويفات، والنظر فيما وراء الأسباب والتعليلات من أقدار الله وحُكمِه وحكمته؛ فهي آيات الله ومقاديره يُقدِّرُها متى شاء، ويُرسِلُها كيف شاء، ويُمسِكُها عمَّن يشاء، يعجز الخلق عن دفعها ورفعها، مهما كانت علومهم، ومعارفهم، وقواهم، واحتياطاتهم، واستعداداتهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: "فإذا كان الكسوف له أجلٌ مُسمًّى لم يُنافِ ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله سببًا لما يقتضيه من عذابٍ وغيره فيمن يُعذِّبُ اللهُ في ذلك الوقت، أو لغيره ممن ينزل الله به ذلك، كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالريح الشديدة الباردة - كقوم عاد - كانت في الوقت المناسب، وهو آخر الشتاء، كما ذكره أهل التفسير وقصص الأنبياء".

قال - رحمه الله: "وكذلك الأوقات التي يُنزِلُ الله بها الرحمة؛ كالعشر الآخرة من رمضان، والأُوَلِ من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك، هي أوقاتٌ مُحدَّدة لا تتقدَّمُ ولا تتأخَّر، ويُنزِلُ فيها من الرحمة ما لا يُنزِلُهُ في غيرها" انتهى كلامه - رحمه الله، وقال مثل ذلك وقرَّره الإمام ابن القيم في (مفتاح دار السعادة).

عباد الله:
وإن مما يُخشَى: أن يكون الركون إلى التفسير المادي، والاستكانة إلى التحذير العلمي، والبُعْد عن العِظَةِ والذكرى من تزيين الشيطان، كما قال - سبحانه: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43].

عياذًا بالله - عباد الله، تهتزُّ البحار، وتتصدَّعُ الجبال، وتهلَكُ النفوس، ولا تهتزُّ القلوب، وترتجِفُ الديارُ ولا ترتجِفُ الأفئدة، وتعصِفُ الرياح ولا تعصِفُ النفوس، وتتزلزلُ الأرض ولا يتزلزلُ ابن آدم المخذول، يُبتَلُون ويُفتَنُون في كل عامٍ مرةً أو مرتين، ثم لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون.

ألا فاتقوا الله - رحمكم الله، ولا تكونوا كأصحاب نفوسٍ قسَتْ قلوبُها، وغلُظَت أكبادُها، وعظُمَ عن آيات الله حجابُها، فلا تعتبِر ولا تدَّكِر، لا تكونوا من أقوامٍ جاءتهم آياتُ ربهم، فكانوا منها يضحكون، والآياتُ تأتيهم وهي أكبر من أختها، فإذا هم عنها معرضون.

إن من تأمَّلَ أحوالَ بعض الناس ومواقفهم ومسالكهم رأى أمورًا مخيفة، فيهم جرأةٌ على حُرُماتِ الله شديدةٌ، وانتهاكٌ للموبقات عظيمةٌ، وتضييعٌ لأوامر الله، وتجاوزٌ لحدوده، وتفريطٌ في المسئوليات في العبادات والمعاملات، وإضاعةٌ للحقوق؛ فالحذرَ الحذرَ - رحمكم الله - من مكر الله؛ فلا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [يونس: 101- 102].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله مُولِي النِّعَم، وصارِفِ النِّقَم، أحمده - سبحانه - وأشكره ذا الجود والكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذو الشرف الأسنى والمقام الأعظم، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الأمجاد والشِّيَمِ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإن عِظَمَ الجزاء مع عِظَمِ البلاء، وإن الله إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِيَ فله الرضى، ومن سَخِطَ فعليه السخط، وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عجَّلَ له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده شرًّا أمسك عنه بذنبه حتى يُوافِيَ به يوم القيامة، بهذا جاءت الأخبار عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم.

فالاعتبارُ - عباد الله - بآيات الله، والرضا ببلائه لا يتنافَى مع الأخذ بالأسباب، والفرار من قدر الله إلى قدر الله؛ فينبغي العنايةُ بما يُوجِّهُ به ولاةُ الأمر والمسئولون من الحذر والحيطة، والالتزامُ بالتعليمات والتوجيهات الوقائية محافظةً - بإذن الله - على الأنفس والأهل والأموال والممتلكات، ثقةً بالله - سبحانه وتعالى، واعتمادًا عليه، وإيمانًا بأقداره، ثم التصرُّف بهدوءٍ، والخروج من الأماكن ذات الأضرار المحتملة، والابتعاد عن مواقع الخطر، وحسن التعامل مع الآلات والأدوات، وتحرِّي السلامة، والتصرُّف بحكمةٍ وأَناةٍ، والاستماع إلى الإرشادات؛ فهذا مما يقي من الأخطار - بإذن الله، ويُقلِّلُ من الأضرار، ويُعِينُ على نوائب الحوادث، والله المستعان، وعليه التُّكْلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ألا فاتقوا الله - رحمكم الله - واصبروا واعتبروا، وخذوا حِذركم، واعتصموا بالله هو مولاكم، فنِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير، وأكثروا من الاستغفار، أكثروا من الاستغفار، والرجوع وإظهار الندم والتوبة.

وقد زلزلت الكوفة في زمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال: "يا أيها الناس! إن ربكم يستعتِبُكم فأعتبوه".

فهو - سبحانه - يبعثُ النُّذُر والآيات ليرجع العباد إلى ربهم، وحتى لا يُؤخَذوا على غِرَّة؛ فحاسِبُوا أنفسكم - رحمكم الله، وارجعوا إلى ربكم، وأكثِرُوا من الاستغفار: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

ألا تستغفرون الله؟! تضرَّعوا وادْعُوا، وأحسِنوا وتصدَّقوا، ولقد قال الله في أقوام: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 42- 45].

لا إله إلا أنت، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم ارفع عن الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين.

ثم صلُّوا وسلِّموا على رسول الله نبيكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم فقال - عزَّ قائلاً عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا وسيدنا محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخُلُقِ الأكمل، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحْمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، وانصُر به دينك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقْه ونائبه ونائبه الثاني وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رشدٍ، يُعزُّ فيه أهل الطاعة، ويُهدَى فيه أهل المعصية، ويؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم عليك باليهود الصهاينة المعتدين، اللهم عليك باليهود الصهاينة المعتدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، والرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك نعيمًا لا ينفذ، وقرةَ عينٍ لا تنقطع، ونسألك لذَّةَ النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضرَّاءٍ مُضِرَّةٍ ولا فتنةٍ مُضِلَّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين، لا ضالين ولا مُضِلِّين.

اللهم إنا نسألُكَ الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرشد، ونسألكَ شكرَ نعمتك، وحُسن عبادتك، ونسألك قلوبًا سليمة، وألسنةً صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم.

اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

عباد الله:
{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الاعتبار في ذكر الجنة والنار
»  الاعتبار بمرور الأيام والأعوام
»  بناء المرأة ضرورة
»  ضرورة محو الأمية التربوية
»  تعديل الخطاب العائلي ضرورة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: