اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  البركة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 البركة Oooo14
 البركة User_o10

 البركة Empty
مُساهمةموضوع: البركة    البركة Emptyالسبت 18 مايو 2013 - 15:26

معاشرَ الأخيار:
أوصيكم وإيَّاي بتقوى الله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

أيُّها الكرام، أيُّها الفضلاء، كنتُ سأتحدَّث عن استقبال رمضان، وحُقَّ لنا ولكلِّ مسلم أن يفرح بقدوم رمضان، كيف لا نفرح بقدومه وهو شهر الخيرات والبركات والرحمات؟! وقولوا ما شئتم من فضائل هذا الشهر الكريم، لكنني أرجأت ذلك إلى الجُمُعة القادمة - إن شاء الله - إن كتب الله لنا الحياة.

ولكنَّني أعددتُ موضوعًا آخرَ كَثُر الكلام عنه، والحديث فيه، موضوع هام، بل هام جدًّا، ولكن قد فاجأنا البارحة، وأظنُّ أنَّ أكثركم أو بعضكم قد عَلِم بذلك، فاجأنا بابا الفاتيكان السادس عشر بانتقاداته الحادَّة والمسيئة للإسلام والمسلمين، وإلى خير خلق الله أجمعين محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّ النبيَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد جَلَب للبشرية أشياءَ شريرةً لا إنسانية، سبحان الله! إنَّ مثل هذا الرجل المسمَّى ببابا الفاتيكان وغيره أشبهُ بالذي رَفَع رأسَه للسماء لِيَبصُق عليها، فوقعتْ عليه، أو كمثل الكنَّاس الذي أراد أن يُغبِّر السماء وما غَبَّر إلاَّ نفسَه، وإنَّنا نردُّ على هذا الجاهل بآيةٍ من القرآن العظيم الذي جاءنا به النبيُّ الكريم الذي أرسل رحمةً للعالمين، ثم بعد ذلك نتحدَّث عن موضوعنا الذي نريدُ الحديثَ عنه.

أمَّا الردُّ على هذا الحاقد، فاسمعوا يا عباد الله، ما أخبر الله عن هؤلاء وأمثالهم، اسمعوا وتدبَّروا، يقول الله - جل وعلا -: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اسمع لهذا النداء، هو لي ولَكُم، ولكلِّ مسلم ومسلمة على وجه الأرض: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} لا تجعل الكافرين أولياءَ من دون الله والمؤمنين {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} لا يفترون عن إفسادِكم {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} يفرحون بما يُصيبكم من ضَررٍ ومكروه {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} نعم أظهروها، وصَدَق الله، ومن أصدق من الله قِيلاً؟! {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.

هل نعقل؟ هل نعقل بعدَ ذلك؟ إلى مَن اغترَّ بهولاء وأشباههم، اسمعْ إلى قول الله في الآية التي بعدَها: {هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119].

فنسأل الله - جلَّ جلالُه - وهو يسمع كلامَنا الآن، ويشهدُ هذا الحديثَ ملائكةُ الله الكرام، ويؤمِّنون على ذلك، نسأل اللهَ أن يُعزَّ الإسلام والمسلمين، وأن يُذلَّ وأن يخذلَ أعداءَ الملَّة والدِّين، اللهمَّ آمين اللهم آمين.

أمَّا حديثنا يا عبادَ الله، الذي أردْنَا أن نتحدَّث عنه، فيحتاجه كلُّ واحد في هذا المسجد، وفي غير هذا المسجد، بل يحتاجُه كلُّ مسلم ومسلمة على وجه هذه الأرض، نحتاجُه في أعمالنا وأرزاقِنا، وطعامنا وشرابنا، وعِلْمنا، وبيعِنا وشرائنا.

ولا نستغني عنه في أغلبِ أمورنا، ورغمَ أنَّ فقدَه خسارةٌ عظيمة لنا، فنحنُ لا نشعر بفقدِه، ولا نَحزنُ بفقده، فضلاً عن أن نعمل أسبابَ تحصيله، إنَّه وباختصار:
البركة يا عباد الله، البركة التي يَنشدُها كثيرٌ من الناس، أن يبارك الله - عزَّ وجلَّ - لنا فيما أعطانا مِن مال وزوجة، وذريَّة ومنزل، وعلم وعمر، وبيع وشراء، وغيرها.

وإذا باركَ الله لك في شيءٍ كان خيرًا عليك، ونفعَك قليلُه، وإذا لم يباركْ لك فيه كان شرًّا عليك، ولم ينفعك حتى وإن كَثُر.

البركة يا عباد الله، افتقدْناها وافتقدَها كثيرٌ من الناس في أغلب الأمور، ورغمَ ذلك لا يُنتَبهُ إليها، ولا يُحزنُ على فَقْدِها، أو يحاول واحدٌ منَّا أن يفعل الأسبابَ لتحصيل هذا الأمر العظيم.

ولو استعرضْنا حالَنا - يا عباد الله - حينما نُزِعتِ البركةُ منَّا، لوجدنا ما يُحزن، الذرية التي يقول الله عنها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، صارتْ عندَ بعضِ الناس مصدرَ الشَّقاء والمتاعب، لماذا؟! لأنَّه لم يُبَاركْ فيهم.

الزوجة التي يقول الله - عزَّ وجلَّ - عنها في كتابه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] تسكنوا إليها؛ أي: تألفونها، وترتاحون وتطمئنون إليها، ولكن الزوجة عندَ البعض لا أُنسَ ولا مودة ولا رحمة، مشاكل وخِلافات، ومحاكم، لماذا؟! لأنَّه لم يُبارَكْ فيها.

نُزِعت البركةُ مِن أموالنا وأرزاقنا، الواحد يملك في الشَّهْر ألفين أو ثلاثة، أو أربعة أو خمسة، أو أقل أو أكثر، يأتي آخِر الشهر لم يَبقَ منه شيءٌ، ولا يدري كيف صَرفَه، لماذا؟! لأنَّه لم يُبارَكْ فيه.

الذي يعمل في البيع والشراء في الأراضي، في العقار، في السيارات، في المحلات التجاريَّة - يشكو مِن قلَّة البركة، التاجر يملك الملايين، وتجدُ جيرانَه وأقاربه وذوي رَحِمِه فُقراءَ محتاجين لا يتصدَّق عليهم، مسكين هذا، يعيش يشقى بماله، يموت لم يَبْنِ له مسجدًا ينفعه في الآخرة، لماذا؟! لأنَّ البركةَ نُزِعت مِن مالِه.

أعمارنا يا عباد الله، أغلى ما يَملِك الإنسان في الدنيا عمرُه، تَمرُّ سَنَةٌ وسنتان، والعشر سنين، والواحد منَّا مكانَه، يراوح في عبادته، في عِلْمه، في حِفْظه للقرآن، في تَفقُّهه في دِينه، وإن تقدَّم يسيرًا في أشياء، يعيش الواحدُ منَّا الستين سنة والسبعين سنة، وإذا قارنَ هذا العمرَ الطويلَ بما قَدَّم للآخرة، يجد الفرقَ واسعًا، والبَوْن شاسعًا، ربَّما لم يحفظْ جزأين أو ثلاثة من القرآن، لماذا كلُّ هذا؟! لأنَّه لم يُبارَكْ في عمره.

أوقاتنا أغلى وأنفسُ ما نملك، مهدرة، اليوم، الأربعة والعشرون ساعة في اليوم واللَّيلة، لو تأمَّلْنا كيف تذهب، لَحَزِنَّا على ذلك، سِتُّ ساعات في النَّوْم، ست في العمل، وساعة للصلوات الخمس، هذا إن صلاَّها في المسجد، ما يُقارِب اثنتي عشرة ساعة أو ثلاث عشرة ساعة، والباقي نِصْف اليوم، نصف الوقت ضائعٌ ضائع، لماذا؟ لأنَّ البركة نُزِعت مِن أوقاتنا.

وممَّا يَزيدُ الأمرَ خطورةً: أنَّنا سوف نُسأل عن أعمارِنا، فيما قضيناها؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَزولُ قَدمَا عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن عُمرِه فيم أفناه؟ وعن عَملِه فيما فَعَل به؟ وعن مالِه مِن أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ وعن جِسْمِه فيم أبلاه؟)).

أسألكم بالله، ماذا نقول لله إذا سأَلَنا عن أعمارنا: فيم أفنيناها؟ نقول: يا ربِّ، نصفُ أعمارِنا ضاع فيما لا فائدة منه، سبحان الله! أغلى شيءٍ نملكه، أغلى شيءٍ نملكه في هذه الدنيا نُضيِّع نِصفَه، إنَّها خسارةٌ عظيمة.

نُزِعت البركة مِن عِلم كثير منَّا، تجد الواحد عندَه شهادة جامعيَّة، أو خِرِّيج كلية علوم الشريعة، وليس له أثرٌ في أهله وجيرانه وأقاربه، كم سَمِعْنا من المحاضرات! وكم حضرْنا من مجالس العِلم! وكم قَرَأنا من كُتب! أين أثرُ ذلك علينا، وعلى أهلنا وجيراننا، ومجتمَعِنا؟! لا شيءَ، لماذا؟ لأنَّ الله لم يُبارِكْ في هذا العِلم، أو لأنَّ الإخلاص لم يكن في هذا العِلم، ثم لم نَسْتشعرْ مسؤوليةَ تبليغ العلم، ولم نستشعرْ قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَلِّغُوا عني، ولو آيةً))، ولا نستشعرُ أهميَّة الدعوة إلى الله، هذا هو حالُنا!

عندما نُزِعت البركةُ منَّا تحوَّلت النِّعمُ إلى نِقم، وأسبابُ الراحة والسعادة إلى شقاءٍ ومتاعب، وأصبحْنا نجري وراءَ الدنيا، ونحن كالذي يشربُ من البحر؛ كلَّما زاد شُربًا، زاد عطشًا، فكيف المخرج من ذلك؟ هذا داء، فما هو الدواء؟ ما السبيل إلى حصول البركةِ؟ ماذا نعمل حتى تحصلَ لنا البركة، ونسعد بما يُعطينا الله من مال ونِعم، أو غيرها من الآلاء؟

هناك أسباب كثيرةٌ، أسباب عامَّة، وأسباب خاصَّة:
أمَّا الأسباب العامَّة، فمنها تقوى الله - جلَّ في علاه - الذي نُوصي به في بداية كلِّ جُمُعة، تقوى الله والبُعْد عن المعاصي.

اسمعْ يا عبد الله، اسمع إلى قولِ ربِّك وباريك؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، وقال الله - جلَّ في علاه -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فقِلَّة البركة مصيبةٌ، سببُها أفعالنا، وسببُها معاصينا، فلا بدَّ أن نَنتبهَ لذلك.

ومِن الأسباب العامَّة لحصول البركة يا عباد الله:
الدعاء، فبالدُّعاء تُستجلَبُ البركة، أن تسألَ الله يا عبدَ الله، أن تَسألَ الله أن يُبارِكَ لك فيما أعطاك، وانظروا كيف يُعلِّمنا ربُّنا - جلَّ وعلاَ - سؤالَ البركةِ منه - سبحانه - في قصة نوح؛ قال - تعالى - حكايةً عن نوح: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29]، وفي الدُّعاء العظيم الذي عَلَّمه نبيُّنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - للحسن بن عليٍّ - رضي الله عنهما - قال: ((اللهمَّ اهْدِنا فيمَن هَديتَ، وعافِنا فيمَن عافيت، وتَولَّنا فيمَن تولَّيْت، وبارِكْ لنا فيما أعطيت)).

ومِن الأسباب أيضًا الجالبةِ للبركة:
صِلَة الرَّحِم يا عباد الله، فهي مِن أعظمِ أسباب حصولِ البركة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري، فَصِلَةُ الرَّحِم سببٌ للبركة في الرِّزْق، وسبب للبركة في العُمر، وقطيعةُ الرحم شُؤمٌ على فاعلها - والعياذ بالله.

وما يُدرينا - أيُّها الكرام - أنَّ ما نحن فيه مِن قِلَّة البركة في العمر والوقت والرزق، هو بسبب قَطيعةِ الرحم؟! ألا فلنتقِ اللهَ، ألاَ فلنتقِ الله، ومَن كانت عندَه رَحِمٌ قد قطَعَها من الوالدَينِ، أو أعمام أو عمَّات، أو أخوال أو خالات، أو أبناء عمومة، أو أيًّا كانت صِلةُ القرابة - فليتقِ الله في رَحِمِه، وليسارعْ ويذهب إليهم ويصلُهم، ويُحسِن إليهم، حتى ولو أساؤوا إليه.

ومِن الأسباب الجالبةِ للبركة:
قِراءةُ سورة البقرة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي يَرويه مسلمٌ في الصحيح، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((اقرؤوا القرآن، فإنَّه يأتي يومَ القيامة شفيعًا لأصحابه))، ثم قال ((اقرؤوا الزهراوَينِ؛ البقرة وسورة آل عمران، فإنَّها تأتيانِ يومَ القيامة، كأنَّهما غمامتانِ، أو كأنَّهما غيايتان، أو كأنَّهما فرقان مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحبها))، ثم قال الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا سورةَ البقرة، فإنَّ أَخْذَها بركة، وتَرْكَها حسرةٌ، ولا يستطيعه البَطَلة))، قال معاوية: بلغني أنَّ البطلة هم السَّحَرة.

ومِن الأسبابِ الجالبة للبركة:
السلام يا عباد الله، الذي قصَّر فيه كثير من الناس، أصبح السلام للخاصَّة، ولِمَن يعرفون، وهذا من علامات الساعة التي أخبر النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنها ((يكونُ في آخِرِ الزمان تسليمُ الخاصَّة))، وسلام الخاصة: ألاَّ يُسلِّمَ المسلمُ إلاَّ على مَن يعرف.

ومِن أسباب حصول البركة:
اسمع إلى قولِ الله - جلَّ في علاه –: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61]، مباركة؛ أي: يُرْجَى فيها الخيرُ والبركة.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكْنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك)).

هذه بعضُ الأسباب العامَّة، نسأل اللهَ - عزَّ وجلَّ - أن يُوفِّقنا لها، بارك الله لي ولَكُم في القرآن العظيم، هذا الدُّعاء الذي ندعو، فيه بركة، بارَكَ لي ولكم في القرآن العظيم، إذا بارَكَ الله في سَمْعِك، لا تسمع إلاَّ خيرًا، إذا بارَكَ الله في نظرِك لا تَرى به إلاَّ خيرًا، وإذا بارَكَ الله في لسانِك، لا تنطقُ ولا تقول إلاَّ خيرًا.

إذا كنتَ مباركًا كنتَ كالغَيْث؛ أينما وقع نفع، أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يُوفِّقنا للأسباب الجالبة للبركة.




الخطبة الثانية
أيُّها الكِرامُ:
هناك أسبابٌ خاصَّة ببعض الأمور، مثل أسبابِ البركة في الرِّزْق، سواءٌ كان هذا راتبًا، أم غيره، فمِن ذلك القناعة والرضا بعطاء الله، اسمعْ يا عبد الله، اسمع إلى مَن تشتكي من قلَّة الراتب، أو قِلَّة الدَّخْل، أو لَم ترضَ بما قَسَم الله لك، اسمع إلى قولِ نبيِّك وحبيبك - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ الله - تبارك وتعالى - يَبتلِي عبدَه بما أعطاه، فمَن رضي بما قَسَم الله له، بارَكَ الله له فيه ووسَّعَه، ومَن لم يرضَ لم يُباركْ له فيه))؛ والحديث صحَّحه الألباني.

ومَن أسباب البركة في الرِّزْق أيضًا:
أداءُ العمل الذي أخذتَ الأجر عليه كما يجب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الدنيا حُلوةٌ خَضِرة، فمَن أخَذَها بحقِّها، بارك الله له فيها، ورُبَّ متخوِّضٍ في مال الله ورسوله، النار له يوم القيامة))؛ يعني: أنَّ الذي يأخذ المال الذي ليس من حقِّه، لن يُبارِكَ الله فيه، سواء كانت وظيفةً، أم صنعة، أم غيرها.

ومِن أسباب البركة في المال:
أداءُ الحقِّ الذي فيه، سواء كان هذا الحقُّ واجبًا، مثل الزكاة المفروضة، أو مندوبًا إليه غير واجب، مثل الصدقة، وغيرها.

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن يوم يُصبِحُ العِبادُ فيه إلاَّ ومَلَكانِ يَنزلانِ، فيقول أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفِقًا خَلفًا، ويقول الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ ممسكًا تَلفًا))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما نَقصتْ صَدقةٌ مِن مال))؛ أي: إنَّ الصدقة تكون سببًا للبركة.

أخيرًا:
ومن أسباب البركة في البيع والشراء: الصِّدْق، وعدم الغِشِّ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البَيِّعانِ بالخيار ما لم يَتفرَّقَا، أو يفترقا، فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بيعهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَت البركة مِن بَيْعِهما)).

ومِن الأسباب أيضًا - فيما يتعلَّق بالبيع والشراء: عدمُ الحَلِف؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحَلِفُ مَنفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبرَكَة)).

إذًا؛ أخي البائع، لا تَحْلِفْ، ولا تَغُشَّ، ولا تكذبْ، حتى يُبارِكَ الله لك.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البركة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مواطن البركة
» البركة في المعيشة
» الذنوب تُسَبِّب محق البركة
» البركة وأثرها في الحياة
» \"البركة عند تزاحم الأقدام\" ليس بحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: