اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100205
في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير Oooo14
في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير User_o10

في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير Empty
مُساهمةموضوع: في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير   في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير Emptyالسبت 18 مايو 2013 - 15:13

الحمدُ لله ذي الفضل والمنَّة، الذي هدانا لأحسن ملَّة، وأكمل شرعه، وجعلنا بالاستقامة عليهما من خير أمَّة، أحمدُه - سبحانه - على ما له من عظيمِ القُدرة والقُوَّة، وكامل العِزَّة، وبالغ الحكمة، وأُثني عليه أنه الغفور ذو الرحمة.

وأشكره جل ذكره على سابغ النِّعمة، ومترادف المنَّة، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، الذي حذَّرنا من أهل الفساد والفتنة، وأخبرنا – تعالى - فيما أنزل من الكتاب والحكمة أنَّه لا يُحب الفساد، ولا يصلح عمل المفسدين، ولا يُحب ولا يَهدي القوم الظالمين.

وأشهد أن محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبدالله المصطفى ورسوله المجتبى؛ {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، ولقد أخبر بوقوع الفتن والأهواء، وحذَّر الأمة من اتِّباع الهوى، ومكايد الأعداء، وأَمَرهم بالتمسُّك بالكتاب وما صحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من البيان والهدى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم أعلمُ الأمة بالكتاب والسنة، وأشدها بغضًا وجهادًا لأهل الأهواء والبدعة.

أما بعد:
فيا أيها الناس، أوصيكم ونفسي بالتقوى، فإنَّها خير زادٍ وخير لباس، وإنَّ أهلها عند الله - تعالى - أكرم الناس.

عباد الله:
لقد كَثُر في الكتاب والسنة النَّهي عن الفساد في الأرض وذم المفسدين، والأمر بجهادهم وإنزال أغلظ العُقُوبات بهم، والإخبار بأنَّ الله - تعالى - لا يُحب المفسدين، ولا يُصلح عملَهم، وما ذلك إلاَّ لعظم جُرمهم وشُؤم فِتْنتهم، والفتنة بهم وإفسادهم للدُّنيا والدين، وعظم تعدِّيهم وانتهاكهم لحدود ربِّ العالمين وحرمات المسلمين، وصدهم عن الدين، وإغرائهم الكفَّار بالمسلمين، ومن هذا شأنه، فإنه شؤم على نفسه ومَن حوله، فيجب بترُه وقطع دابره من أصله؛ دفعًا لشَرِّه وفتنته والفتنة به؛ قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 - 12]، وقال الله - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 13 - 16]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 60].

فالمفسدون في الأرض مفاهيمهم خاطئة، وتصوراتهم مقلوبة، وقوالبهم مُعوجَّة، وهم أتباع الشيطان قد أضلهم وأفسد دينَهم فأطاعوه، وقد أمروا أن يكفروا به، فعبدوه قاتلهم الله، ما أفسد عملهم! وما أخسر صفقتهم! وما أشقاهم في دنياهم وآخرتهم! {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19].

أيُّها الناس:
إنَّ من أعظم أهل الفساد فسادًا، وأشدهم للدِّين ومجتمع المسلمين إفسادًا: الخوارجَ المارقين البغاة المفسدين، الذين يفترون على الله الكذبَ، ويعترضون على سنة النبي الهاشمي الكريم ابن عبدالمطلب، الذين اعترض سلفهم ومُقدِّمهم على قسمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غنائمَ حنين قائلاً القول الأخرق الشائن: اعدلْ يا محمد، فإنَّك لم تعدل، أو قال: إنَّها قسمة ما أريد بها وجه الله.

فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويْحك، هلكت إن لم أعدل))، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء؟))، ثم قال: ((يَخرج من ضِئضِئ هذا - أي: من نحوه وعلى شاكلته - أقوامٌ تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجِرَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه)).

وذكر - صلَّى الله عليه وسلَّم - من صفة هؤلاء المفتونين وأهل الفتنة: أنَّهم يلبسون للناس مسوح الضأن من اللين، وقلوبهم قلوب الذِّئاب، وأنهم شياطين في جثمان إنس، وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وسماهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلاب النار، وأخبر أنهم دُعاة على أبواب جهنم، مَن أطاعهم قذفوه فيها.

أيها الناس:
ومن وصف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهذه الفئة الضَّالة والفرقة المشؤومة قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنهم: ((حدثاء الأسنان))؛ يعني: شباب، ((وسفهاء الأحلام))؛ أي: عقولهم طائشة وتصرفاتهم حمقاء مفسدة عابثة، وأنَّهم يستمر خروجهم في كل جيل ومُجتمع متى ما سنحت لهم الفرصة؛ بسبب الإصغاء للفتنة أو التهاون بشأنهم في الحزم والمؤاخذة والعقوبة؛ ((حتى يخرج آخرهم مع الدجال)).

معشر المسلمين:
ولقد حضَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحرَّض على قتلِ الخوارج واستئصال شأفتهم؛ لعظم فتنتهم وكثرة شرِّهم وشدة فسادهم، فقال: ((اقتلوهم أينما وجدتموهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لئن لقيتهم، لأقتلنهم قتل عاد))؛ يعني: لا يُبقي منهم أحدًا.

ولقد فقه سلف هذه الأمة الصالح هذا التوجيه النبوي الكريم بشأن الخوارج، فوقفوا لهم بالمرصاد، فلما ظهروا، وعظوهم وناظروهم، فلما لم يرعَوُوا عن غيِّهم، قاتلوهم وقتلوهم؛ قطعًا لدابر الفتنة والفساد، ونصيحة للأئمة والأمة في كل مجتمع ونادٍ، وحماية للدين من شبهات المبطلين وتلبيسات المفسدين، وطلبًا لرضا ربِّ العباد، فكانوا بذلك قدوة حسنة لمن جاء بعدهم من أجيال الأمة في مقت أهل الأهواء والبدعة ودعاة الفساد والفتنة.

أيُّها المؤمنون:
إن الخوارج المفسدين البغاة المارقين هم أوَّل من فتح باب الفتنة على الأمة، ومكنوا لأعداء الملة، فهم أوَّل مَن عارض الخلفاء مُجاهرة مجانبين النَّصيحة والْمُسارَّة، وهم أول مَن أعلن العصيان المدني، وزَعَم بذلك الإصلاح زَعْمَ الغبي، وهم أوَّل من قتل الأمراء، وامتهن الأئمة الفقهاء، وفتح باب الفتنة للدهماء، وكشف عورات الأمة للأعداء، فجمعوا بين تأوُّل القرآن على غير تأويله، ورد ما ثبت بسنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقيله، وأفسدوا قلوبَ العامَّة على الوُلاة، وأطلقوا الألسنة مُحرضين على الخروج والافتئات، وتسابقوا في ارتكابِ الموبقات المهلكات، ودعوة مَن أصغى إليهم إلى جهنم وما فيها من سحيق الدَّركات، فلقد حرَّفوا مفهومَ الجهاد الشرعي بادِّعائه فيما يرتكبونه من فنون الإجرام، وضروب الفساد الموجبة للآثام، ولقد أزهقوا الأرواحَ المعصومة، واستحلوا الحرمات المحترمة، وجلبوا المصائب على الأُمَّة.

أمة الإسلام:
أمَّا الخوارج المعاصرون، البغاة المفسدون، الضلاَّل المارقون، الذين استحلوا الحرمات بالتأويل الباطل والتكفير، وأزهقوا الأرواح المعصومة بالتعدي والتفجير، وظهروا أو تظاهروا بكبير من الحمق والغباء المركب الشهير، فإنَّهم شرٌّ مِن سلفهم، وشؤم كبير على خلفهم، فقد ارتكبوا من جنس موبقات السابقين، وفاقوهم، ثم زادوا عليهم في فنون الإلحاد في الدِّين، والتغرير بالبسطاء والسذج من المسلمين، فقد عقُّوا الآباء والأمهات، وتَمرَّدوا بالمكر والحيل على الولاة، وجمعوا الأموال بالباطل، وأنفقوها بالتخريب والإفساد، فجمعوها آثمين، وصدُّوا بها عن الدين، واتَّبعوا غَيْرَ سبيل المؤمنين؛ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

أمة القرآن:
وكم أزهق هؤلاء المجرمون من نفس معصومة بغير نفس ولا فساد في الأرض، فباؤوا بإثم قتل الناس جميعًا؛ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].

ولقد رفعت هذه العصابة الآثمة والفئة المجرمة راية حرب الله ورسوله ساعين في الأرض فسادًا، فصدق عليهم قولُ رب العالمين تهديدًا وإيعادًا؛ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

أمة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
ولقد أجرمت هذه الشرذمة الحقيرة بإخفارها ذمة المسلمين - التي يسعى بها أدناهم - بقتل المعاهدين والمستأمنين، فباؤوا بشؤم الجناية وإخفار الذمة، فصاروا جديرين بوعيد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاعلَ ذلك بأنَّه لا يَرِيحُ رائحةَ الجنة، وكم جنى هؤلاء الظَّلَمة القتلة من جريمة موبقة مهلكة بإضلالهم شباب المسلمين عن سبيل الهدى وإيقاعهم في دركات المهالك والرَّدى! قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144].

وفي الحديث الصَّحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه وزرها، ووزر من تبعه إلى يوم القيامة))، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده)).

أمة الإسلام:
لقد انطبقت أوصافُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونعته للخوارج السابقين على أهل التكفير والتفجير المجرمين المعاصرين، بل زادوا عليهم بالكذب والتلوُّن، والنفاق والمكر، وتمادَوا في اللؤم والشؤم والغي بتلقي التَّدريب والتمرُّس على الإجرام، والتفنن في الكيد والاحتيال على أهل الإسلام، وانتهاك حرمات الله في حق الخاص والعام بأحضان، وتحت نظر وتأييد أعداء الإسلام، فصاروا أغلظَ من الخوارج السابقين جرمًا، وأكبر نكاية لأهل الإسلام ظلمًا، وأعظم للإسلام وأهله نكاية وهدمًا، عاملهم الله بعدله، ومكَّن الولاة منهم بنصره وصرف كيدهم عن الإسلام وأهله برحمته وفضله، فإنه - تعالى - لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا يفوته هارب، ولا ينجو منه أحد، وهو الطالب، وإن الله - تعالى - ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

يا خير أمة أخرجت للناس:
لقد وجب على كلِّ مُؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أنْ يبغض هذه الفئة الضالة الآثمة، وأنْ يتبرأ من تلكم العصابة المارقة المجرمة، ومن كل ما هي عليه من سوء العمل والمنهاج، والضَّلال والإلحاد والاعوجاج، وأنْ يتقرب إلى الله - تعالى - بمقتهم وعداوتهم، وأن يَحْذَرَ ويُحَذِّر منهم، وأن يجعل من نفيس القرب الجهاد في فضح أسرارهم، والإخلاص لله - تعالى - مع الإلحاح عليه في الدُّعاء عليهم، والتعاوُن مع المسلمين وولاة أمورهم لقتلهم والقضاء عليهم؛ أخذًا بسنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيهم، وتنفيذًا لوصيته - عليه الصلاة والسلام - للأمة بشأنهم، فوالله لطالما أجرموا وأسرفوا، وأعانوا أعداءَ الإسلام على الإسلام وأهله، وما تورَّعوا، وكم عَتَوا في الأرض بالفساد، وأهلكوا الحرث والنَّسل والله لا يُحب الفساد!

فيا أمةَ الخير، جاهدوهم واجتهدوا فيهم، وتعاونوا وتناصروا عليهم؛ حماية للدين من عبث العابثين، وصيانة لحرمات المسلمين من انتهاك المجرمين، ونصيحة لأئمة المسلمين وإعانتهم لهم على المفسدين، ووقاية للأمة من كيد المنافقين، وإيصادًا لأبواب الفتنة ومداخل أعداء الدين؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

أيها المؤمنون:
بالله ورسوله واليوم الآخر، من لم يجاهد هذه الفئة الظالمة، ويسعَ في قطع دابر تلك العصابة المجرمة، ومن لم يَسُرَّه ما ينزل الله بهم من العقوبة وتسليط الجهات الأمنية وولاة الأمور عليهم، فليبكِ طويلاً على خسارته لدينه، ومعاونته ومشاركته للآثم المجرم في إثمه وعقوبته، ألا فاستعدوا للحساب، وإن نار جهنم للمجرم الآثم شر منزل ومآب؛ {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: 40].

أمة القرآن والسنة:
لقد ابتليتم فاثبتوا واصبروا، ووعظتم فعوا واعقلوا، وقامت حجة الله - تعالى - عليكم، فاعملوا ولا تلحدوا، ألا وإن الساكت عن إنكار المنكر على مرتكبه بعد علمه به وقدرته على إنكاره شريك لفاعله في إثمه وعقوبته، والمتعاون المتواطئ مع المجرم على إجرامه ساعٍ في محادة الله ومحاربته؛ قال تعالى - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة: 5]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 20 - 22].




الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين، والعاقبة الحسنى في الدارين للمتقين، أحمده - سبحانه - على ما تحقق من النصر والتمكين من المجرمين، وصرف كيدهم وشرهم عن ولاة وعامة المسلمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو عزيز ذو انتقام، وأشهد أن محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبد الله ورسوله أشرف مرسل، وأكمل إمام، وأسوة كل مَن جاهد أهل الفساد والإجرام، وأحل بهم العقوبة التي يُحبها الله - عز وجل - غيرة لله - تعالى - وتنفيذًا لأحكام الإسلام، وصيانة لمجتمع المسلمين من عبث أهل الآثام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ورضي الله عنهم، فهم خير الناس بعد النبيِّين والمرسلين في التعبد لله – تعالى - بما شرع على النحو الذي شرع، وعلى وفق سنة الرسول الذي أرسله الله ليُطاع ويتبع، ومن ذلك الجهاد والغلظة لأهل الإجرام والبِدَع.

أما بعد:
يا أيُّها الناس اتَّقوا واحذروا ما حذَّركم الله، وعاملوا المعتدين لحدود الله بما شرع الله دون أن تأخذكم بهم رأفة إن كنتم مؤمنين.

عباد الله:
لقد علق سماحة مُفتي عام المملكة في وقته الإمام العلامة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - على حادث تفجيرٍ لهؤلاء الخوارج المارقين المجرمين في الرِّياض بقوله: "لا شكَّ أن هذا الحادثَ أثيمٌ، ومنكر عظيم، يترتب عليه فسادٌ عظيم، وشرور كثيرة، وظلم كبير، ولا شكَّ أن هذا الحادث إنَّما يقومُ به من لا يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانًا صحيحًا بعمل هذا العمل الإجرامي الخبيث، الذي حصل به الضَّرر العظيم والفساد الكبير، إنَّما يفعل هذا الحادث وأشباهه نفوسٌ خبيثة، مملوءة من الحقد والحسد والشر والفساد، وعدم الإيمان بالله ورسوله، نسأل الله العافية والسَّلامة، ونسأل الله أنْ يعين ولاة الأمور على كل ما فيه العثور على هؤلاء والانتقام منهم؛ لأن جريمتهم عظيمة وفسادهم كبير، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله، كيف يُقْدم مؤمن أو مسلم على جريمة عظيمة يترتب عليها ظُلم كبير، وفساد عظيم وإزهاق نفوس، وجراحة آخرين بغير حق، كل هذا من الفساد العظيم وجريمة عظيمة، فنسأل الله أن يخيبهم ويُخيِّب أنصارهم، ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمور للعثور عليهم والانتقام منهم، ومجازاتهم على هذا الحدث الخبيث، وهذا الإجرام العظيم، وإني أوصي وأحرِّض كل من يعلم خبرًا عن هؤلاء أنْ يبلغ الجهات المختصة، وعلى كلِّ من علم عن أحوالهم وعلم عنهم أنْ يبلغ عنهم؛ لأنَّ هذا من باب التعاوُن على دفع الإثم والعدوان، وعلى تمكين العدالة من مُجازات هؤلاء الظالمين..." إلخ مقاله - رحمه الله.

أيُّها المسلمون:
لقد تضمَّن هذا القول السديد من سماحته - رحمه الله - تشخيصًا لخبث هؤلاء الخوارج المجرمين المارقين، وعظيم جنايتهم على الدِّين ومُجتمع المسلمين، وأنَّها جناية ينفذ فيها حكم الله في المحاربين المفسدين، كما تضمنت دعوة صالحة منه - رحمه الله تعالى - استجابها الله من فضله، فمكَّن من العثور على المفجرين بالرياض، وقتلهم مُتلبسين بجريمتهم، والحمد لله رب العالمين.

أيها المسلمون:
وإذا كان هذا التغليظُ منه - رحمه الله - في حقِّ المفجرين للبنايات السكنيَّة والمجمعات والمباني الحكوميَّة، والتي يكون فيها المسلمون وغيرهم، فإنْ قصد ولاة الأمور بالاغتيال والتوسُّل إلى ذلك بأنواع المكر والاحتيال، ومقابلة إحسان وُلاة الأمور إليهم، والرفق بهم، والعفو عنهم، وفرحهم ببوادر عودتهم للصواب، لا شك أن هذا القصد الآثم لاغتيال ولاة أمور المسلمين المحسنين أشدُّ جرمًا وأعظم وأقبح فعلاً وأشأم عاقبة في الآخرة والأولى.

فاعرفوا خطورة هذه العصابة المجرمة، وسوء فعلها في كل حركة وسكنة، واعلموا أنَّ مَن استهدف ولاة أموركم، فقد استهدفكم ودينكم وبلادكم، وخطَّط لقتلكم وفجيعتكم بخسارة الدُّنيا والآخرة، فاتقوا الله، وأبغضوا هذه الفئة وامقتوها وتبرؤوا منها، وعادوها ودلُّوا عليها وجاهدوها، وأعينوا من جاهَدَها، واعرفوا له فضله وإحسانه.

وأدعو الله على هؤلاء المجرمين أنْ يأخذهم أخذ عزيز ذي انتقام، وأن يُقِرَّ بالنصر عليهم أعينَ أهل الإسلام، وأن يحفظ دينه وعباده وبلاده من شرِّهم وشؤم فتنتهم، وادعوا لوُلاة أموركم - جزاهم الله خيرًا - بالتسديد والتأييد، والنصر والتمكين، والإعانة على تحقيق كلِّ خير، ودفع كل فتنة وشر، فإنَّ دعاء الصائم مُستجاب، وإن الله - تعالى - غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في التحذير من أهل التكفير والتفجير وما هم عليه من الإضلال والتدمير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  شباب التكفير والتفجير بين التهور والتضليل
»  الأخطار الاقتصادية لظاهرة التكفير السياحة وجماعات التكفير في مصر نموذجا
» كفارة من أتى زوجته قبل التكفير عن الظهار
» كفارة من أتى زوجته قبل التكفير عن الظهار
»  حرية الكفر وحرية التكفير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: