اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق Oooo14
 أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق User_o10

 أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق Empty
مُساهمةموضوع: أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق    أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 14:40

عباد الله:
لا نزال نتقلَّب في أيام عشر ذي الحجة، تلك الأيام الفاضلة التي عظَّم الله شأنها ورفع مكانتها، وأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ العمل الصالح فيها يضاعف إلى أضعاف كثيرة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء)).

أيُّها المسلمون:
قد مضى أكثر من نصف هذه الأيَّام، فمن كان فيها محسنًا، فليزد من الإحسان، وليسأل الله القَبول، ومن كان فيها مقصرًا ومفرطًا، فليتدارك ما بَقِيَ منها، فقد بقي منها أفضل أيَّامها وأكرمها على الله - تعالى - ألا وهو يوم الحج الأكبر يوم النَّحر.

عباد الله:
يوم النَّحر أفضل أيام الدُّنيا كما نص على ذلك نبيكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((إنَّ أعظم الأيام عند الله - تعالى - يوم النحر، ثم يوم القَرِّ))، وبهذا كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين سُئِلَ عن يوم الجمعة ويوم النحر أيُّهما أفضل؟ فأجاب: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام.

أيُّها المسلمون:
لفضل ولمكانة يوم عيد الأضحى فُضِّل على يوم عيد الفطر؛ وذلك لأنَّ عيد النحر فيه الصلاة والنحر، وعيد الفطر فيه الصدقة والصلاة، والنحر والصلاة أفضل من الصلاة والصدقة، ولهذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلي لله وينحر، وقيل له: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].

عباد الله:
من الأحكام المتعلقة بيوم النحر ما يلي:
أولاً: يسنُّ أن يخرج المسلم إلى مصلى العيد على أحسن هيئة، متزينًا بما يباح متطيبًا لابسًا أحسن ثيابه؛ تأسيًا بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - روى البيهقي وغيره بإسناد صحيح إلى ابن عمر: أنَّه كان يلبس أحسنَ ثيابه في العيدين، وقد صَحَّ الاغتسال قبل العيد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين.
ثانيًا: يسن للمضحي في عيد الأضحى ألا يأكل شيئًا حتى يصلي، فيكون فطره على أضحيته؛ عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلى"؛ أخرجه الترمذي وغيره.
ثالثًا: يسن التكبير جهرًا في الطريق إلى مُصلى العيد، وحتى يَخرج الإمام للصلاة، "وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا غدا يومَ الفطر ويوم الأضحى يَجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام"؛ أخرجه البيهقي وغيره، وجود إسناده الألباني رحمه الله.
رابعًا: لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضًا في العيد، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس كقول: "عيد مبارك" وما أشبهه، هل له أصل في الشريعة؟ وإن كان له أصل في الشريعة فما الذي يقال؟ فأجاب - رحمه الله - أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: "تقبل الله منا ومنكم"، و"أحاله عليك"، ونحو ذلك، فهذا قد رُوي عن طائفةٍ من الصحابة أنَّهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره، ثم قال - رحمه الله -: "فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم" اهـ.
خامسًا: حضور صلاة العيد سنة مؤكدة لا ينبغي لمسلم قادرٍ تركها، ومن أهل العلم من يرى وجوب صلاة العيد كابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - وقال ابن تيمية - رحمه الله -: وقول من قال: لا تَجب، في غاية البعد؛ فإنَّها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يَجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. اهـ.

فيا أخا الإسلام:
إذا كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمر النِّساء العواتق وذوات الخدور، والْحُيَّض مع اعتزالهن للصلاة، بالخروج لصلاة العيدين، أفيليق بك أنْ تتأخر عنها، أو تترك أهلك وأولادك عن حضورها مع المسلمين؟

أيها المسلمون:
إنَّ عيد الفطر وعيد الأضحى أعيادنا المشروعة في الإسلام، فيها يعظم ذكر الله، ويجتمع المسلمون توحِّدهم رابطةُ العقيدة، وإن اختلفت بلادهم، وتعدَّدت لغاتُهم، وتباينت ألوانهم، وإذا لزم إظهار هذه الشعيرة في كل حالٍ، فهي في حال ضعف المسلمين وهوانهم أحرى وأولى، وكم في اجتماع المسلمين من قوةٍ ترهب الأعداء لو عقل المسلمون قيمة اجتماعهم، وتوحُّد قلوبهم كما اجتمعت أبدانهم!

عبادَ الله:
ومن الأعمال الفاضلة في يوم العيد اتِّباع سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذبح الأضاحي قربانًا لله – تعالى - وكما كانت الأضحية كاملة الصِّفات، كان ذلك أعظم في الأجر؛ لأنَّ ذلك من تعظيم شعائر الله - تعالى - قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، ولقد كان المسلمون في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعتنون بالهدي والأضاحي، ويَختارون منها أحسنها وسمينها؛ جاء في صحيح البخاري عن أمامة بن سهل قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون، فكلما كانت الأضحية أغلى وأكمل في الصفات، فهي أحب إلى الله، وأعظم في الأجر لصاحبها، ودليل على تقواه؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "والأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقًا".

أيُّها المسلمون:
من هدي نبيكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ولو كثر عددهم، ومن قدر من الزوجة والأولاد على الأضحية بماله ضحَّى عن نفسه؛ لأنَّها قربة ويثاب عليها، واعلموا - عباد الله - أنَّ الأصل في الأضاحي أنَّها في حق الأحياء.

أيُّها المسلمون:
من السنة لمن كان يحسن الذَّبح أن يذبح بنفسه، ولا يوكل في ذبحها؛ لأنَّ الذبح قربة، وكون الإنسان يتولى القربة بنفسه أفضل من الاستنابة؛ جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: "ضحَّى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صِفاحِهما يُسمي ويكبر فذبحهما بيده".
وقال البخاري - رحمه الله -: "أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن" اهـ، وإذا أمسك المضحي بآلة الذَّبح وهَمَّ بالتذكية، وجب عليه ذكر اسم الله على أضحيته، فيقول: بسم الله، ولا يزيد عليها "الرحمن الرحيم"، ويكبر استحبابًا قائلاً: الله أكبر، ولا يُصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يشرع الزيادة على "بسم الله والله أكبر" إلاَّ دعاء المرء بالقَبول عند ذبحها؛ لحديث عائشة - رضي الله عنهما - وفيه: "وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمدٍ، ومن أمة محمد"؛ رواه مسلم.

عباد الله:
ليس هناك تحديد مُعين لمصارف الأضحية، لكن قد ورد الخبر بالأكل منها، والتزوُّد منها، والإطعام؛ كما في قوله - تعالى -: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، ومن السنة قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلوا وتزودوا))، وفي رواية: ((كلوا وأطمعوا واحبسوا وادَّخروا))، وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يثلث أضحيته ثلاثًا، وإذا ذبحت الأضحية، فلا يَجوز بيع شيءٍ منها لا لحمًا ولا غيره حتى الجلد، ويَجوز أن يعطي الكافر شيئًا من لحم الأضحية؛ تألفًا لقلبه، وإظهارًا لشعائر الدِّين، وأما الجزار، فلا يُعطى من الأضحية شيئًا مقابل الأجرة، وللمضحِّي أن يكافئه نظير عمله.

عباد الله:
اشكروا الله على نعمه يزدكم، واشكروه أنْ هيَّأ لكم ما تذبحون وتأكلون، اشكروه على أن أهلَّ عليكم عيد الأضحى بالأمن والأمان والسَّلامة والإسلام، وتذكَّروا - عباد الله - وأنتم تتمتعون بهذه النعمة إخوانًا لكم يحتاجون للأضاحي، فلا يجدون ما به يضحون، فأشركوهم في فرحة العيد يوم النَّحر، واجعلوا من هذه الأضاحي وسيلة للصلة بهم والعطف عليهم، وهناك بفضل الله مُؤسسات وهيئات توصل أضاحيكم وصدقاتكم لهؤلاء المحتاجين من المسلمين.

أيُّها المسلمون:
ومن الأيام الفاضلة والمواسم العظيمة أيَّام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، ويوم النَّحر ليس منها، هذه الأيام المباركة أمر الله - تعالى - عباده بذكره فيها، فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، قال البخاري - رحمه الله -: "قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: والأيام المعدودات أيام التشريق".

عباد الله:
أيام التشريق لا يَجوز التطوع بصيامها؛ لأنَّها عيدنا أهلَ الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند أحمد وغيره وصححه غير واحدٍ: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام))، فلا تصام أيام التشريق لا بمنى ولا بغيرها، وسواء وافق ذلك يوم الاثنين والخميس أو أيام البيض أو لم يُوافق؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيام التشريق أيام أكل وشربٍ وذكر لله - عزَّ وجلَّ))؛ رواه مسلم.

أيُّها المسلمون:
أيام التشريق أيام ذكر الله - تعالى - روى عبد بن حميدٍ عن عكرمة: أنه كان يستحب أنْ يدعو بهذا الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؛ قال الحافظ ابن رجبٍ - رحمه الله -: "استحب كثير من السلف كثرة اللهج بهذا الدعاء في أيام التشريق"، ومِن ذِكْر الله - تعالى - في أيام التشريق: ذِكْرُه – سبحانه - بعد أدبار الصلوت، ابتداء من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى عصر آخر يومٍ من أيام التشريق؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أنْ يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقبَ كلِّ صلاة، ومن صور التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، وكذلك ما ورد عن ابن عباس أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.


اللهم يسِّر للمسلمين حَجَّهم، وتقبَّل من الصائمين والمضحين والمتقربين أعمالهم.



الخطبة الثانية

عباد الله:
بعد غدٍ يوم عظيم من أفضل أيام السنة، يوم حافل بالهبات والخيرات، ووافر بالمنح والبركات، فيه يُعتِق الله - عزَّ وجل - من العباد من النار ما لا يعتق فيما سواه؛ ففي صحيح مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة)).

أيُّها المسلمون:
يوم عرفة يوم عظيم لمن عرف قدر الأيام العظيمة، في هذا اليوم يتجلى الرب - جل جلاله - لعباده، يُباهي بهم ملائكته، ويؤتيهم من فضله العظيم وفيضه العميم، لله في هذا اليوم نفحات، والسَّعيد السعيد – والله - من تعرَّض لهذه النفحات، وأخذ منها بقسط وافر؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8].

عباد الله:
يوم عرفة من الأيام التي يُستحب فيها العمل الصالح، ويُضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة، وفيه من الفرص ما لا يوجد في غيره، لقد تكرَّم الله - تعالى - على مَن لم يبلغ تلك الرحاب الطاهرة، وتلك البقاع المقدسة، واجتهد بالعبادة في هذا اليوم بالإكثار من العمل الصالح من ذكرٍ ودعاءٍ وقراءةٍ وصلاةٍ وصدقةٍ: أن يرزقه الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صيام يوم عرفة، إنِّي أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)).

تأمَّلوا - عبادَ الله -:
عمل صالح يسير، يؤديه المسلمُ في وقت قصير، يَحوز بعده مغفرة السنة الماضية والسنة المقبلة من ذنوبه وسيئاته، فيالها من صفقة رابحة! ويا له من فضل عظيم لمن يرجو رحمة الله - تعالى - ويبغي رضاه!

أيُّها المسلمون:
يوم عرفة يوم تستجاب فيه الدعوات، وتسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، ويتفضل فيه ربُّ الأرض والسموات، فتوبوا إلى الله وتقربوا إليه في هذا اليوم، تضرعوا إلى الله بالدُّعاء، اعرضوا عليه همومكم وحاجاتكم، واجتهدوا في الدُّعاء لأنفسكم ولأهليكم ولإخوانكم ولأمتكم، وتيقنوا أنه لن يخيبكم ما دُمتم تتوجهون إليه بقلوب مخلصة وأنفس منكسرة، وقد قال ربكم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))؛ أخرجه الترمذي.

نَحْنُ نَدْعُو الْإِلَهَ فِي كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ نَنسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الْكُرُوبِ
كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ قَدْ سَدَدْنَا طَرِيقَهَا بِالذُّنُوبِ
عباد الله:
تذكَّروا وأنتم واقفون يومَ عرفة رافعي الأكفِّ إلى السماء، تستمطرون مَغفرة الله وتوفيقه، تذكَّروا في تلك اللحظات إخوةً لكم في الإسلام في أصقاع كثيرة من الأرض يُظلَمون ويُحارَبون ويُحاصَرون، كل جرمهم أنَّهم بربهم مؤمنون، وبدينهم متمسِّكون، فنهبت أموالهم، وهدمت ديارهم، وحوصرت بُلدانهم، وانتهكت أعراضهم، ويُتِّم أطفالهم، ورُمِّلت نساؤهم، فلم يجدوا ما يسدُّون به جوعتهم، أو يسترون به عَورتَهم، أو يحمون به أعراضهم، فلنجعل لهم في هذه الأيام المباركة من دُعائنا حظًّا ونصيبًا، ومن أموالنا ما نحتسبه عند الله، فيخلفه ربُّنا علينا خيرًا في الدُّنيا والآخرة؛ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحكام العيد والأضحية وأيام التشريق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» (عرض ونقد): 100سؤال وجواب عن الحج والعمرة والأضحية والعيدين.
»  التكبير في أيام التشريق
» لا عليكم إن لم تبيتوا بمنى ليالي التشريق
»  الفرح الحقيقي يوم العيد
»  فرح العيد عبادة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: