اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الكسوف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 الكسوف Oooo14
 الكسوف User_o10

 الكسوف Empty
مُساهمةموضوع: الكسوف    الكسوف Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 8:34

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.



أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أصدق الحديث وأحسنه كتاب الله، وخير الهدي وأكمله هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فاتبعوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واجتنبوا ما خالفهما تفلحوا وتسعدوا وتنجوا من الهلاك والشقاء في الدنيا والأخرى.



أيها المسلمون:

إن الله تبارك وتعالى قال عن كتابه العظيم {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77] وقال سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقال جل وعلا: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] وأمر تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربه وأن يبينه للناس لعلهم يتفكرون فيتذكرون ويتقون.



أيها الناس:

إن من بيان القرآن المحكم الذي بلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم وبينه بأقواله وأفعاله وأحواله وإنكاره لما خالفه من أمور الناس وبيانه وجه الصواب فيه، أمر الكسوف والخسوف، وحكمتهما ، وما ينبغي أن يفعله الناس عند حدوثهما ليتقوا شر ما قد يعرض لهم بسبب الكسوف والخسوف من الأضرار في العاجل والآجل رحمة وحكمة. قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وقال صلى الله عليه وسلم في بيان الحكمة من حدوث الكسوف: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده) فاتفق القرآن والسنة على أن الحكمة من إرسال الآيات ومنها الكسوف والخسوف لتخويف العباد. حيث يتبين للعقلاء تصرف الله القوي القدير في هذين المخلوقين العظيمين، فهو سبحانه -على العصاة والعتاة المرتكبين لمناهيه التاركين لطاعته المتمردين عليه- أقدر "فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر"، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف:59]، وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 102، 103] الآية.



وكذلك في حديث الكسوف التذكير بيوم القيامة وهوله وعظيم حاجة الناس إلى ربهم في الدنيا والآخرة، فإن الكسوف والخسوف أنموذج لما سيحدث يوم القيامة، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير : 1] وقال سبحانه: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة : 7 - 10] فإن تبديل النور بالظلمة تخويف، فإن الظلمة بحد ذاتها مخوفة، وإنه يحدث في الظلام وتحت ستاره من المخاوف ما لا يحصى، وإن ذهاب ضوء الشمس والقمر يخل بتوازنات كونية في الجاذبية والرياح والبحار والبرودة والزلازل وغير ذلك مما يخاف الناس عواقبه وتبعاته ولا يمكن التنبؤ بحجمه، وإذا ظهرت أسباب المخاوف الكونية فإنها لا تدفع إلا بالضراعة إلا الله والاعتذار عن التقصير في حقه والتقرب إليه سبحانه بما شرع من صالح العمل والاستغفار من التقصير والزلل، فإن رب الكون هو القادر وحده على صرف أخطار ما يحدث فيه؛ ولذا أرشد صلى الله عليه وسلم الأمة إلى أنواع ما يدفع به البلاء وتحفظ به النعماء وتتقى به أسباب المخاوف والأخطار في سائر الأماكن والآناء.



أيها المسلمون:

إن أول كسوف حدث في الإسلام كان في نهاية شهر شوال من السنة العاشرة من الهجرة يوم مات ابن النبي صلى الله عليه وسلم -إبراهيم- فقام النبي صلى الله عليه وسلم مستعجلاً فزعاً يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد فبعث منادياً إن الصلاة جامعة، وجعل صلى الله عليه وسلم يسبح ويكبر ويدعو، ثم قام فصلى فصف الناسَ وراءه واجتمعوا واصطفوا فصلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان، كبّر صلى الله عليه وسلم فقرأ -جهراً- الفاتحة وسورة طويلة قدر سورة البقرة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قرأ فأطال القراءة وهي دون الأولى، ثم ركع فأطال الركوع -وهو دون ركوعه الأول- ثم رفع فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأال القيام وهو دون الأول، ثم سجد سجدتين فأطال السجود والجلوس بينهما وهو دون القيام، ثم قام ففعل في الركعة الثانية ما فعل في الركعة الأولى -إلا أنها دونها في الطول- ثم تشهد ثم سلم وقد انجلت الشمس، فاستكمل في صلاته أربع ركوعات وأربع سجودات قبل أن يسلم.



معشر المسلمين:

ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الكسوف قام فخطب في الناس، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله وشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم قال: أما بعد، أيها الناس: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يريكموهما)، وفي رواية، (إن هذه الآيات يرسلها الله) وفي رواية (إن الله إذا بدى لشيء من خلقه خشع له)، وفي رواية (إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله شيئاً حاد عن مجراه فانكسف فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى المساجد -وإنهم كانوا يقولون لا يخسفان إلا لموت عظيم من عظماء أهل الأرض- وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى الله وفي رواية إلى ذكره واستغفاره حتى تنجلي، وفي رواية فصلوا، وما رأيتم من شيء في الدنيا له لون ولا نبئتم به في الجنة والنار إلا قد صوّر لي من قبل هذا الجدار) وفي رواية قال: (ما من شيء توعدونه إلا قد أريته في صلاتي هذه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أري الجنة والنار وعرض في الحائط أمامه وهو يصلي فقال: لقد رأيتني أريد أن آخذ قطف -أي عنقود عنب- من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم)، وفي رواية قال: (فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفاً فقصرت يدي عنه) وفي أخرى: (فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل).



وقال عليه الصلاة والسلام عن رؤيته للنار: (ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، فلم أرى منظراً كاليوم قط أفضع) وفي رواية قال: صلى الله عليه وسلم: (ولقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيني من لفحها) وأخبر عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في آخر سجوده في الركعة الثانية فقال: أُف أُف، ثم قال: (ربِّ ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون).



أيها المسلمون:

ولقد أري صلى الله عليه وسلم في النار -بهذه المناسبة- أنموذجاً من أصناف أهل كبائر الذنوب- وهم يعذبون في النار تحذيراً للعباد من أهوال يوم المعاد، وزجر لأهل الجرائم عن ارتكاب فنون المآثم، كما فصّل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة العظيمة بلاغاً عن الله تعالى لهم ثم استشهد الله سبحانه على تبليغهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم من نماذج الظالمين المجرمين: من يمنع الخلق أرزاقهم فقال صلى الله عليه وسلم: فرأيت فيها -أي في النار- إمرأة تعذب من بني اسرائيل (وفي رواة من حمير) سوداء طويلة تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فلقد رأيتها تنهشها إذا هي أقبلت، وإذا ولت تنهش أليتها -أي عجيزتها- فأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه المرأة عذبت بسبب منعها الهرة طعامها وهو من منع الحق عن مستحقه.



معشر المسلمين:

ومن أهل الجرائم الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يعذبون في النار، المغيّرون لدين الله المبدلون لشريعة الإسلام، مثل عمرو بن مالك بن لحي الخزاعي أول من غير دين إبراهيم عليه السلام حيث بدّل عقيدة التوحيد بالشرك، باستخراج أصنام قوم نوح من شاطيء جده -وعرضها على الناس في موسم الحج وزين لهم عبادتها مع الله تعالى أو من دونه وغيّر شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بتحريم أنواع من بهيمة الأنعام التي أحلها الله لعباده كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس : 59]، وقال سبحانه: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام : 143].



قال صلى الله عليه وسلم - في التنصيص على هذا الصنف المجرم بتشريع القوانين الوضعية: (ورأيت -يعني في النار- أبا ثمامة عمرو بن مالك، وفي رواية قال: ابن لُحََََي يجر قصبه في النار -يعني أمعاءه- في النار وهو الذي سيّب السوائب.



أيها المؤمنون:

ومن أهل النار أهل الجرائم الظالمين الذين رءاهم النبي صلى الله عليه وسلم في النار: السراق حيث رآهم يعذبون بوسائل سرقتهم التي كانوا يستعينون بها على السرقة، وفي ذلكم قال صلى الله عليه وسلم : حتى رأيت فيها -أي النار- صاحب المحجن -أي العصا المعكوف مقبضه- أخا بني الدعداع، سارق الحجيج، يجر قصبه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه -يعني عصاه- فإن فطن له -أي الحاج- قال: إنما تعلق محجني أو هذا عمل المحجن وإن غفل عنه ذهب به -أي بمتاع الحاج- قال صلى الله عليه وسلم رأيته متكئاً على محجنه في النار يقول: أنا سارق المحجن، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: رأيته يدفع بعصى ذات شعبتين في النار).



معشر المؤمنين:

كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الزنا وتهدد الزناة بشديد عذاب الله الذي رآه في النار، وأن الزنا من أعظم أسباب غيرة الله وموجبات عظيم غضبه وشديد عقابه فقال عليه الصلاة والسلام: (يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته) قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون : 5 - 7]، ولقد أبلغ الله تعالى وأغلظ عقوبة الزنا فجعلها لغير المحصن جلد مئة جلدة بحضرة طائفة من المؤمنين مع التغريب أو الحبس سنة وللمحصن الرجم بالحجارة حتى الموت؛ وقد يبتلى الزاني بعقوبات قدرية -عدلاً من الله تعالى- بأن يُزنى بزوجته أو غيرها من محارمه، أو يُبتلى بأمراض مستعصية مهلكة كالإيدز ونحوه من الأمراض المنغّصة للحياة المؤدية إلى سوء الممات.



معشر المؤمنين:

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم -في خطبته بمناسبة الكسوف- بفتنة القبر وعذاب القبر فقال: (إنكم تفتنون في قبوركم، وفي رواية رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، أو قال: مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدجال، يقال: ما علمك بهذا الرجل -أي النبي صلى الله عليه وسلم- فأما المؤمن أو الموقن فيقول هو محمد صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فأجبناه واتبعناه، هو محمد، ثلاثاً، فيقال: نم صالحاً قد علمنا إن كنت لموقنا، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. قالت عائشة رضي الله عنها: (فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر) وفي رواية: (فأمرهم بالتعوذ من عذاب القبر).



أيها المسلمون:

وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن من موجبات عذاب القبر النميمة وعدم التحرز من النجاسة والتهاون في أداء الصلاة.



أيها المؤمنون:

ثم بعد هذا التشويق للجنة والتحذير من النار وتفصيل الحديث عن نماذج من أهل الجرائم والظلم الذين يعذبون في النار قال صلى الله عليه وسلم: (يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) يعني -والله أعلم- من أمر الجنة ونعيمها وحال أهلها، وفضاعة النار وعذابها وحال أهلها فيها، لأهمكم هذا الشأن وزهدتم في الدنيا وزينتها واشتغلتم في أمر الآخرة والاستعداد لها، ثم رفع يديه فقال: (ألا هل بلّغت) وفي رواية: اللهم هل بلغت.



أمة الإسلام:

ولقد أرشد صلى الله عليه وسلم الأمة في خطبة الكسوف إلى ما ينبغي فعله عند الكسوف فأمرهم وأكد عليهم إيجاباً عينياً أو كفائياً في حق الرجال والنساء إلى أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم فيفعلوا مثل ما فعل فقال صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم كسوفاً فافزعوا إلى الصلاة)، وفي رواية (فصلوا حتى يفرّج عنكم) وفي أخرى قال: (فأيهما- يعني الشمس والقمر- انخسف فصلوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمرا) وفي ثالثة قال: (فاسعوا إلى ذكر الله) أو قال: (فاذكرا الله حتى ينجليا) وفي رابعة قال: (ادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا) وفي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة عند الكسوف) فبيّن صلى الله عليه وسلم جنس ما تدفع به المخاوف وتتقى به الأخطار والشرور وأمر به وكان صلى الله عليه وسلم هو الأسوة في السبق إليه وحسن أدائه خالصاً لله تعالى طلباً لمرضاته وحذراً من غضبه وعقوباته.



ألا فاتقوا الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.



أما بعد:

فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقواه والتمسوا أسباب رحمته ورضاه، واتقوا موجبات سخطه وعقوبته في الدنيا ويوم لقاه فإن الله تعالى يرسل بالآيات ليبتليكم أتعتبرون فتتقون وتشكرون، أم تستخفون بها فلا تغنى عنكم شيئاً فتكونوا من الآثمين الموصوفين بقوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات : 12 - 14]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس : 96 ، 97].



عباد الله:

فإذا كانت الحكمة من إرسال الآيات ومنها الكسوف والخسوف التخويف كما هو صريح قول الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته بعد صلاة الكسوف: (هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده) فإن المتعين عند حدوث الكسوف والخسوف هو الفزع والخوف والاجتماع في المساجد والصلاة والدعاء وغير ذلك مما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم طاعة الله تعالى ورجاءاً للطفه ورحمته وحذراً من عقوبته وبطشه، واتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم على سنته، وليس الاستبشار والفرح واختيار المواقع والسفر من أجل التفرج والمتعة فإن هذه الأمور من مظاهر الأمن من مكر الله والإستهانة بما خوّف الله منه. قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99]، وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف : 105]، الآيات إلى قوله تعالى:{أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف : 107]، وقال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس : 101].



أمة الإسلام:

ولئن كان أمر الكسوف والخسوف مما قد يدرك بالحساب فإذا اتفق عليه الحاسبون فلا يكادون يخطئون، إلا أنه ليس كل ما يعلم به يذاع ويشاع خصوصاً إذا كان من أمور الخوف مما يتعلق بعامة الأمة فإن الله تعالى قد ذم قوماً بقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83] فإن من شأن إذاعة مثل هذه الأمر إحداث البلبلة والارتياب لدى عامة الناس، كما أن العلم بذلك مسبقاً مما يضعف خوف القلوب من هول الحدث وعواقبه ولهذا -والله أعلم- غُبِّيَ أمر الكسوف عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو لم يخبر به حتى فُجئ صلى الله عليه وسلم والناس بحدوثه كما في حديث (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة، مع أن الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم صباح مساء وفي مختلف الآناء، فلو كان في الإخبار بذلك الحدث وإشاعته مصلحة لكان أحق الناس بذلك وأسبقهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن العلم بذلك أو غلبة الظن به ينبغى أن يكون محصوراً في دائرة المختصين دون عامة الناس الذين هم محل للارتياب والحيرة أوالاستهانة بالحدث وتبعته.



سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكسوف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  خطبة عن الكسوف
»  موعظة الكسوف
»  الكسوف والخسوف (2)
»  الكسوف والخسوف (1)
»  قراءة علمية لظاهرة الكسوف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: