اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  مقومات الأمن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 مقومات الأمن Oooo14
 مقومات الأمن User_o10

 مقومات الأمن Empty
مُساهمةموضوع: مقومات الأمن    مقومات الأمن Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 4:45

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

أمَّا بعد:
فإن أصدقَ الحديث كلام الله - تعالى - وخَيْرَ الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحْدَثاتها، وكلَّ مُحْدَثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.

نعمةٌ جليلة ومِنَّةٌ كبيرة، هي مَطْلَب كلِّ أمة، وغاية كلِّ دولة، من أجلها جُنِّدت الجنود، ورُصِدت الأموال، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب، إنها نعمة الأمن - وما أدراكم ما نعمة الأمن؟! - التي كانت أوَّلَ دعوةٍ لأبينا الخليل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حينما قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126]، فقدَّم إبراهيم - عليه السلام - نعمة الأمن على نعمة الرزق؛ لأنه لا يهنأ عيشٌ بلا أمان.

الأمنُ - عبادَ الله - مِنَّة إلهيَّة، ونفحة ربَّانية، امتنَّ الله به على عباده في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه؛ كما قال - سبحانه وتعالى -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3- 4]، وقال - تعالى -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].

ويقول - جلَّ وعلا -: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].

قال قتادة بن دعامة السدوسي - رحمه الله - في هذه الآية: "كان هذا الحي من العرب أذلَّ الناس ذلاًّ، وأشقاهم عيشًا، وأجوعهم بطونًا، وأعرَاه جلودًا، وأبينه ضلالاً، مَن عاش منهم عاش شقيًّا، ومَن مات منهم ردي في النار، يُؤكَلون ولا يَأكُلون، والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرَّ منزلاً منهم، حتى جاء الله بالإسلام فمكَّن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلهم به ملوكًا على رقاب الناس".

ويقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أصبَح آمِنًا في سِربه، معافًى في جسدِه، عنده قوتُ يومِه - فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها))؛ رواه الترمذي وابن ماجه.

ولمَّا دخل - عليه الصلاة والسلام - مكَّة عامَ الفتح، منَح أهلها أعظمَ ما تتُوق إليه نفوسُهم، وهو الأمن فقال: ((مَن دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمِن، ومَن ألقَى السلاحَ فهو آمِن، ومَن دخَل المسجدَ فهو آمِن))؛ رواه مسلم.

في ظلال الأمن تُعمَر المساجدُ وتُقام الصلوات، وتُحفَظ الأعراض والأموال، وتُؤمَّن السبل، وتُطَبَّق شريعة الله، وتُنشَر الدعوة إلى الخير، في رحاب الأمن يسود الاطمئنان، ويعمُّ الخير والرخاء، وتستقيم حياة بني الإنسان، ويَسُود العلم وتستمرُّ عجلة التنمية، ويزدهر الإنتاج، ولو انفرط عقد الأمن ساعةً لرأيت كيف تعمُّ الفوضى، وتتعطَّل المصالح، ويكثر الهرج، ويحكم اللصوص وقطَّاع الطرق، وتأمَّل فيمَن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقًا وعلى هذه الحقيقة شاهدًا.
{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

إن أمرًا هذا شأنه، ونعمةً هذا أثرها، لجديرةٌ بأن نبذل في سبيلها كلَّ رخيص ونفيس، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَّرَ الجهودُ والإمكانات في سبيل الحِفَاظ عليها وتعزيزها، ومن هنا لا بُدَّ أن ندرك أن نعمة الأمن لا تُوجَد إلا بوجود مقوِّماتها، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها.

وتوحيد رب العالمين وإفراده - تعالى - بالعبادة وحده لا شريك له من أعظم ما يحقِّق الأمن التامَّ ويوطِّده ويحفَظه، والشرك أعظم الظلم؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وهو من أسباب مَحْقِ البركات واندثار الخيرات.

الأمن والإيمان قرينان، فلا يتحقَّق الأمن إلا بالإيمان؛ قال - تعالى -: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
إِذَا الإِيمَانُ ضَاعَ فَلاَ أَمَانٌ وَلاَ دُنْيَا لِمَنْ لَمْ يُحْيِ دِينَا
وَمَنْ رَضِيَ الحَيَاةَ بِغَيْرِ دِينٍ فَقَدْ جَعَلَ الفَنَاءَ لَهَا قَرِينَا
وإذا تخلَّى أبناء المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم، أحاطت بهم المخاوف، وانتشرت بينهم الجرائم، وانهدم جدار الأمن وادلهمَّ ظلام الخوف والقلق، وهذه هي سنَّة الله التي لا تتخلَّف في خلقه؛ قال - تعالى -: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

نَعَم عباد الله:
الأمن التامُّ هو في توحيد الله وطاعته، ولزوم شكره وذكره وحسن عبادته؛ قال - سبحانه -: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} [الرعد: 28].

وحتى نحافظ على الأمن في البلاد؛ فلا بُدَّ من تربية الأمَّة على طاعة الله - تعالى - والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته؛ ذلكم أن النفوس المطيعة - عبادَ الله - لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعها عن الجرائم والموبقات؛ لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يَقِظٌ لا يغادره في جميع الأحوال.

ونحافظ على الأمن بالتمسُّك بالكتابِ والسنَّة، والعناية بالعلم الشرعي؛ فالعلم عصمةٌ من الفتن، والتعليم الشرعيُّ أساسٌ في رسوخ الأمن والاطمئنان؛ قال ابن القيِّم - رحمه الله - في "إعلام الموقعين": "وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلَّة قلَّ الشرُّ في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرُّ والفساد".

والعلماءُ الربانيُّون والدعاة المخلصون هم ورَثَة الأنبياء، وفي ملازمتِهم وزيارتهم وسؤالهم والاستنارةِ بآرائهم - سدادٌ في الرأي، وتوفيقٌ للصواب، ودرءٌ للمفاسد، وتأويلُ نصوص الشريعة على غير وجهِها سببُ انحرافِ الفهوم، ومنها ينطلق الأعداءُ لتلويث عقولِ الناشئة، ويزداد أثره حينَ يضعُف التحصُّن بعلوم الدين والشريعة.

ونحافظ على الأمن بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي صِمام أمان يمنع الشرور والآفات عن المجتمعات، وبه يحصل العز والتمكين؛ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 40- 41].

ونحافظ على الأمن بالعدل في كلِّ جوانب الحياة، ومتى تحقِّق العدل دامَ الأمن بإذن الله تعالى.

كتب أحد الولاة إلى عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: "إن مدينتنا قد تهدَّمت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نَرُمُّها به، فعل"، فكتب إليه عمر: "إذا قرأت كتابي هذا فحصِّنها بالعدل، ونَقِّ طريقها من الظلم؛ فإنه عمارتها".

ونحافظ على الأمن بتهيئة المحاضِن التربوية للشباب والناشئة، ودعم كلِّ المؤسَّسات العاملة في تربية الناشئة من حِلَق تعليم القرآن، والنوادي الصيفية، والمخيَّمات الدعوية، والجمعيات الخيرية التي تعمل وَفْقَ الكتاب والسنَّة وما عليه سلف الأمة.
ونحافظ على الأمن بمعالجة أسباب انحراف الأبناء، بسبب ما تعيشه بعض البيوت من فقر، أو نزاعات وشقاق، وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشرُّد وشقاق.
ونحافظ على الأمن والاستقرار، حينما يقوم العلماء والدعاة والمربُّون بدورهم في احتواء الشباب ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات، وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب؛ لترشيد حماسهم، وتوجيه انفعالهم، وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمَّة، لا في هدمها.

إن الأمن الوطني لا يتحقَّق إلا بوجود الأمن الفكري بحماية الأجيال الناشئة، وشباب الأمة، وتحصين أفكارهم من التيارات المشبوهة التي تسمِّم العقول، وتحرف السلوك؛ من دعوات التغريب، ودعايات الفساد والإفساد؛ كتحرير المرأة ومساواتها بالرجال، والاختلاط في الندوات وحفلات التخرج وغيرها.

معشرَ شباب المسلمين:
إن من الحكمة الواجبة أن نتجنَّب العاطفة الهوجاء، وردود الأفعال المتهوِّرة، متسلِّحين بالعلم والحلم والصبر، مشتغلين ببناء النفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وألاَّ نقحم أنفسنا في أمورٍ لا تُحمَد عقباها، ولا تعلم شرعيتها وجدواها.

ولا بُدَّ أن يحذر الشاب الغيور من تعجُّل الأمور، أو الحكم على المواقف والأحداث دون الرجوع إلى العلماء الراسخين الصادقين؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((البركة مع أكابركم))؛ صححه الألباني، قال المناوي في "فيض القدير" (3/220): "البركة مع أكابركم المجرِّبين للأمور المحافظين على تكثير الأجور، فجالِسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم".
إِنَّ الأُمُورَ إِذَا الأَحْدَاثُ دَبَّرَهَا دُونَ الشُّيُوخِ تَرَى فِي بَعْضِهَا خَلَلاَ
وتقنية الإنترنت - معاشر المسلمين - سلاح ذو حدَّين، وخطره على الخُلق والدين عظيمٌ، فواجب استعماله الاستعمال الأمثل، بَيْدَ أنها ليست مصدرًا أصيلاً لتلقِّي العلم والفتاوى والحكم على الوقائع.

معشر الشباب:
لوحة الأمن الجميلة التي نعيشها، نرسمها نحن بأيدينا، ونصنعها بأنفسنا - بعد توفيق ربنا - حينما نستقيم على ديننا، ونؤدِّي صلاتنا، ونبرُّ والدينا، ونصل رحمنا، ونوقِّر كبيرنا، ونرحم ضعيفنا، ونعرف لعالمنا حقَّه.

لوحة الأمن نشترك جميعًا في صنعها حينما نتعامَل مع الواقع بميزان الشرع والعقل، بعيدًا عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية، لوحة الأمن نصنعها حينما نحفظ حدود الله، ونتَّقي محارم الله، ونشكر نعم الله؛ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله حق التقوى.

عبادَ الله:
المعاصي والأمنُ لا يجتمِعان أبدًا، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعَم، وبها تحُلُّ النِّقَم؛ قال - سبحانه -: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنبٍ، ولا رُفِع إلا بتوبة.

والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي مَن دخله كان من الآمِنين، وبالخوف منَ الله - تعالى - ومراقبتِه يتحقَّق الأمن والأمان، فهابيل امتَنع من قتلِ قابيل لخوفِه من ربِّه - جلَّ وعلا -: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28].

والسمع والطاعة لِمَن ولاَّه الله الأمر في المعروف من أسباب استجلاب الأمن وتوطيده؛ قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: "وأمَّا السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنظيم مصالح العِبَاد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم" (جامع العلوم والحِكَم).

بالسمع والطاعة واجتماع الكلمة يعمُّ الأمن والاستقرار ويتوحَّد الصفُّ في ربوع الدولة الإسلامية، وتظهر الأمَّة المسلمة بمظهر الهيبة والقوَّة والرهبة أمام الأعداء؛ قال ابن المبارك - رحمه الله -:
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً عَنْ دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تُؤمَنْ لَنَا سُبُلٌ وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لأَقْوَانَا
أيها المسلمون:
إن حِفظ الأمن الفكري والأخلاقي والعسكري في بلاد الحرمين ألزمُ، فعلى ثراها تنزَّل الوحي، ومِن بين لابتَي طابةَ شعَّ النور في الآفاق، فيها بيتُ الله قائم، وفيها مسجدُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامر.

وعليه؛ فإننا ندِين أيَّ عمل أو فعل أو قول أو فكر أو تخطيط يخلُّ بالأمن ويهدِّد الاستقرار، ويستهدف الشخصيات العامَّة من ولاة وعلماء ورجال أمن، وغيرهم من مواطنين ومقيمين، ومعاهدين في بلاد الحرمين الشريفين - حرسها الله - فأمنها مَطْلَبٌ، وحفظه واجب، ووحدة صفِّها وسلامة منهجها والحفاظ على قِيَمِها وأخلاقها ومقدَّراتها مسؤوليةُ الجميع؛ رعاةً ورعيةً، عامةً وخاصةً، رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا.

عبادَ الله:
خذوا بأسباب الأمن والأمان وحافظوا عليها؛ قال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارَنا، واجعل ولايتنا فيمَن خافك واتَّقاك يارب العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقومات الأمن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مقومات التكليف
»  مقومات عزة المسلمين (2)
»  السبيل إلى الأمن والرزق (2)
»  السبيل إلى الأمن والرزق (1)
»  نعمة الأمن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: