اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1) Oooo14
 أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1) User_o10

 أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1) Empty
مُساهمةموضوع: أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1)    أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1) Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 4:43

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وبعدله تقوم الأرض والسماوات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أكرم العباد بنعمه، وأسبغ عليهم بآلائه وفضله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي دعا العباد بفعله وقوله، فكان نعم القدوة لسائر الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتدى به واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر : 18].



عباد الله:

إن الله - تعالى - من فوق سماواته شرع لعباده ما يصلح أمر دنياهم وأخراهم، ويسَّر لهم السبل المُعِينة على كل ما يوصلهم إلى مرضاته، فسخَّر لهم الأرض بما فيها مِن زروع وثمار، وجبال وأنهار، وأنعم عليهم بنعمة الأزواج والأولاد، وبسط الأرزاق، وكثرة الأموال والأراضي والعقارات، كل ذلك من أجل أن يشكروا هذه النعم، ويبذلوا القليل وفاءً لله بعهدهم، ويقوموا بحق الله عليهم، فيطيعوه فيما أمَرَ، وينتهوا عن ما نهى عنه وزجرَ، ويحرصوا على التزام الطريق الذي وضَّحه لهم عن طريق أنبيائه ورُسله وأتباعهم، ولكن لو نظرنا لحال بعض الناس مع خالقهم، وقِلَّة شكرهم لرازقهم، وكثرة معاصيهم لوجدنا أن ذلك نذير شؤم عليهم وعلى من بعدهم.



ومن تلك الأمور التي خالف بعض الناس أمر ربِّهم وسنة نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في موضوع الزواج، لقد ظهرت بعض الأمراض المعضلة التي تحتاج إلى تعاون الجميع من أجل إصلاح شأن هذا الأمر الهام، ألا وهو الزواج، فالزواج نعمة من الله عظيمة، ومنّة كبيرة، فبالزواج تعم السعادة أرجاء الأرض، وتكثر الذرية والولد، وعن طريقه تنشأ المودة والرحمة، وبه يعف الشباب والبنات، وتطمئن عن طريقه القلوب والأجساد، ففيه السعادة والراحة والسكن، والمودة والرحمة، والعطف والحنان، ترى المتزوجين ينعمون بالحلال، ويطمئنون براحة البال، وتسعد جنبات بيوتهم بأصوات العيال، فكل هذا بسبب طاعتهم لأمر ربِّهم الذي أمرهم بالزواج؛ كي يسعدوا، ويحفظوا أنفسهم من الوقوع في براثن الذنوب والمخالفات.



ولو نظرنا - يا عباد الله - إلى أعداد المعرضين عن الزواج، لوجدناهم في كثرة وازدياد، مما ينذر بالاعتداء على روح الطهر والعفاف، فغير مقبول لنا - نحن المسلمين - أن نرى هذا الوضع الخطير، ولا نوجه إلى إصلاحه، ولا نتعاون فيما يقلل من أثره وأخطاره، ولو نظرنا بعين البصيرة إلى هذه الأزمة الاجتماعية الخطيرة، لوجدنا أن لها أسبابًا كثيرة؛ منها ما هو مرتبط بالشباب والشابات، ومنها ما هو مرتبط بالمجتمع، ومنها ما هو مرتبط بالأولياء.



فتعالوا بنا ننظر في بعض هذه الأسباب؛ عسى الله - تعالى - أن يوفقنا للتعاون على تجنبها، وسلوك الطريق الذي ييسر أمر هذا الزواج.



فمن هذه الأسباب:

أولاً: ما هو مرتبط بالشباب والشابات، ومن ذلك:

1- الجهل بأضرار الإعراض عن الزواج: سواء على مستوى الأمة أو الأفراد؛ فالإعراض عن الزواج يُضْعِف الأمة، ويهددها بالقضاء والانقراض، ويمكن لأعدائها من السيطرة عليها.



وأيضًا بسببه تنتج الفوضى في الأخلاق؛ لأن الزواج تصريف للغريزة في حدود الشريعة، والإعراض عنه قد ينتهي بصاحبه إلى الزنا واللواط، ومعلوم أن هذه الذنوب من المهلكات الموبقات، وبسببه أيضًا يجعل حياة صاحبه يعيش ممزقًا مشتتًا غير مرتاح البال، محرومًا من نعمة الولد.



وبالإعراض عن الزواج يحرم الإنسان من الأجر؛ لأن الزواج سنة جليلة من سنن المرسلين وحضَّ عليها خاتم النبيين - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبصلاح النية وحسن المقصد من النكاح يضاعف الأجر للناكح الذي يريد العفاف والإعفاف، ويطلب الذُّريَّة الصالحة.



وبالإعراض عن الزواج يصبح الإنسان مثل سقط المتاع، كأنه همل مضاع أو لَقًى مزدريُّ.



2- تبرُّج الفتيات: فقد ظهر من بعض الفتيات التبرج والسفور، ونضب في وجوههم ماء الحياء، فلما رأى الشباب هذا المظهر أحجم الكثير منهم عن الزواج، إما خوفًا من الوقوع في براثن سيئة الأخلاق، أو انسياقًا وراء من تهوى الغرام والعلاقات، فلزم على أولياء أمور الفتيات الأخذ على أيديهن، وإرشادهن إلى الصيانة والعفاف، وتوجيههن إلى التزام الحياء.



3- رقة الدين، وضعف العقيدة في قلوب الشباب والشابات: فناقص الإيمان، رقيق الدين لا يجد في نفسه حرجًا من أن يطلق لشهواته العنان، ويتقلب في بيوت الغانيات والداعرات، وذلك من أشد ما يصرفه عن الزواج؛ حيث يجد ما يريد دون حواجز أو قيود، ونسي هذا الإنسان أن الزواج أكرم وأفضل وأهنأ بالاً من الوقوع في هذا العمل المشين.



4- السفر إلى البلاد التي يشيع فيها الفجور: وهذه طامة كبرى بدأت تطفو على سطح المجتمع منذ سنوات، وذلك لكثرة النعم وتيسر سبل السفر والمواصلات، فأصبح الشاب يجد بغيته في ذلك، فانصرف عن الزواج وأعرض عنه ابتغاء الحصول على اللذة الفانية والتبعة الباقية، والتي ستكون في رقبته يوم يلقى الله، وفي الدنيا ربما يبتلى بكثير من الأمراض والأسقام، فلا يجد الشفاء، ولا يجد الراحة والهناء، فيزداد شقاءً إلى شقاء.



5- الفقر وغلاء المهور: وهذا السبب يقعد الكثير من الشباب، وخاصة قليلي ذات اليد عن الإقدام على الزواج؛ لكثرة المهور التي يطلبها أولياء البنات، فيغلق الباب في وجوههم، وتعود ثمرة ذلك على أولادهم وبناتهم، فيعم الفساد، وينتشر الانحلال.



6- تأخير الزواج بلا سبب: فبعض الشباب أو الشابات يؤخرون زواجهم من أجل أسباب واهية عديمة الفائدة، وهذا خطأ عظيم تكثر بسببه أضرار متعددة على الجنسين، فبسببه يتعطل الشباب عن الزواج إلى سن متأخرة، فيضيع على الجنسين ربيع العمر، ونسماته، وبهجته، وقوته، ويضيع على الأمة نبات ذلك الربيع، وثمره الخصب، ثم يضيع بسببه أخلاق وأعراض، وأموال، وإذا زادت هذه الأضرار، فإن الأمة لا بد لها أن تضعف وتتلاشى، وهذا ما يريده منها أعداء الإسلام.



ومما يترتب على تأخير الزواج أن الإنسان ربما يصاب بمرض عضال، لا يجد معه من يقوم على خدمته ورعايته، فتفاجئه المنيَّة، فيتحسَّر على ما مرَّ من عمره دون زواج، ويموت دون أن يكون ولد ولا ذرية يدعون له، ويترحمون عليه بعد وفاته.



7- قلة الاستشعار لحكم الزواج: فكثير من الناس لا يستشعر حكم الزواج وثمراته المتعددة؛ فبعض الناس يتزوج من أجل المتعة الجسدية، ومنهم من يتزوج من أجل إرضاء والديه الذيَّن ألحَّا عليه، ومنهم من يتزوج؛ حتى لا يقف حجر عثرة أمام إخوانه الذين يصغرونه، ومنهم مَن يتزوج تحكيمًا للمصلحة المالية، ومنهم من يتزوج؛ لكي يسلم من عيب الناس ولمزهم، ومنهم من يتزوج رغبة باللحاق بركب المتزوجين، ومنهم من يتزوج ليظفر بزوجة تغسل ثيابه، وتعد طعامه فحسب، ومنهم من يتزوج رغبة في حصول الولد دونما اهتمام بتربيته، إلى غير ذلك من الدوافع المبتورة التي لا تعود على المتزوج إلا بضياع الأجر منه؛ لتغير نيَّته لغير ما أراد الله - تعالى.



لذا ينبغي على المسلم والمسلمة استشعار الحِكَم المترتبة على الزواج؛ فذلك أدعى للإقبال على الزواج، ومعرفة قدره وقيمته، والمحافظة على عش الزوجية.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 32 - 33].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.



أقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه، ومن سار على نهجه، واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.



وبعد:

ثانيًا: من أسباب هجر الزواج والإعراض عنه ما هو متعلق بأولياء المرأة:

فبعض الأولياء - هداهم الله - يؤخرون زواج مولياتهم بلا مسوِّغ شرعي، فتراهم يردون الخاطب الكفء؛ إما لكونها وحيدته، فلا يرغب في فراقها، أو لرغبته في خدمتها له، أو لأنها موظفة ويرغب في مالها، أو لأنه ينتظر خاطبًا غنيًّا يتقدم لها؛ ليحصل منه على بغيته. وهذا خطأ وتفريط وتقصير؛ فهو حرمان للفتاة من حقها في الزواج، وهو حرمان لها من زوج تأنس به ويأنس بها، ويحميها من عنت العنوسة، وإرهاق الوحدة ووحشتها، ويريحها من ألم الحسرة ومرارتها، ثم إن الفتاة أرق شعورًا، وأشد غيرة؛ فكيف يكون حالها إذا هي رأت أترابها من بنات عمها أو بنات خالها أو صديقاتها وهن يحملن الأطفال ويسعدن بالأزواج؟



إنها تحترق كمدًا وغمًّا وحسرة؛ فتبعة التأخير يتحملها الولي، فالأصل أن يزوج موليته متى ما تقدَّم لها الخاطب الصالح، ألم يسمع هؤلاء الأولياء قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))؟؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل، ج (6)، رقم (1868).



ونسي هذا الولي أن منع موليته من الزواج من الخاطب الكفء يعتبر مفسدة عظيمة على الفتاة وعلى المجتمع، ويعتبر أيضًا من العضل المحرَّم الذي نهى الإسلام عنه؛ لقوله - تعالى -: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ [البقرة: 232].



فإذا ارتضت المرأة رجلاً وكان كفؤًا فليس لوليِّها منعها من التزوج به؛ فإنَّ منعها من التزوج في هذه الحالة يُعدُّ من أفعال الجاهلية المقيتة.



فيا أيها الولي خفِ الله - تعالى - وتذكَّر وقوفك بين يديه، وتذكَّر يوم أن تتعلق بك هذه المسكينة أمام الله، فتطلب قضاء مظلمتها منك، فماذا ستقول؟ وماذا ستفعل بين يدي الملك العادل؟ أتظن أنك مخلد في الدنيا، فماذا ستفعل إذا مت وتركتها وحيده، ليس لها رجل يحميها، أو بيت يؤويها؟ وكيف إذا جعلتها تقع في براثن المعاصي والذنوب بسبب عضلك لها، ومنعها من الزواج الذي هو حق من حقوقها؟ فلينتبه الأولياء لذلك وليحذروا سخط الله، وليبادروا إلى تيسير أمر زواج مولياتهم، فالسعادة للولي أن يرى ابنته في كنف رجل يحميها، ويسعدها، وتهنأ بالعيش معه، ويرى أحفاده بين يديه في حياته، فتعم السعادة القلوب، ويهنأ الولي براحة البال؛ لإعفافه موليته والاطمئنان عليها قبل موته.



عباد الله:

ومن الأولياء من لا يقصر في المبادرة إلى تزويج موليته، ولكنه يقصر في اختيار الزوج المناسب، فتراه لا يختار لها الكفء الذي يُرضى دينُه وخُلقه؛ إما قلة اهتمام بأمر موليته، وإما رغبة في التخلص من تبعتها وبقائها عنده، وإما طمعًا في المال الذي سيأتيه إذا زوَّجها من غني، وإما رغبة في الوجاهة والمنصب والسمعة، إذا تقدَّم لها من هو كذلك، وإما رغبة في زوج ذي شهادة، أو حسن هندام، أو حسبٍ رفيع، أو ترفٍ واسع، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي يتعامل بها المجتمع، أما من ناحية الدين والخلق الكريم، فلا يخطر بباله، ولا يدور بخياله، ولهذا ربَّما زوَّجها ممن يترك الصلاة، أو يكون شرس الأخلاق، أو مدمن مخدرات.



ولا ريب أن السؤال عن المنصب والمكانة الاجتماعية والحسب الرفيع - أمر مطلوب، ونحوها من الاعتبارات الأخرى، لا ريب أنها مطلوبة، ولا تُرفض من حيث هي، ولا تُنَحَّى من مجال البحث والمفاضلة والاختيار، فلا حرج على الباحث أن يسأل عن هذه الأمور أو جُلِّها.



لكن الحَرَج كله أن تكون وحدها هي المُحَكَّمَة في المفاضلة والموازنة والترجيح، دون اعتبار للدين والخُلق، فإذا توفر الدين والخلق، عمد الولي إلى النظر في الاعتبارات الأخرى.



وهذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما جاءت إليه فاطمة بنت قيس تذكر له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباها، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، أما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد))، قالت: فاطمة: فكرهته، ثم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((انكحي أسامة))، قالت فاطمة: "فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا واغتبطت"؛ رواه مسلم؟



فهذا الحديث واضح في أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذكر من أسباب المفاضلة ناحية المال، والسلوك والمعاشرة، ولكن ذلك بعد توافر الدين.



فيا أيها الولي، ماذا تستفيد موليتك من المال والعقار، والحسب، والهندام، والمكانة الاجتماعية إذا هي حرمت السعادة والحياة الكريمة، وأما أنتِ أيتها البنت العزيزة الكريمة، فاحذري أن تقعي في حبالة التقاليد الفاسدة، أو العادات المنحرفة؛ فأنتِ الخاسر الأكبر، فلا تُقدِّمي المال والجاه والمنصب على الدين القوي القويم، والخلق الزكي الكريم.



ومن سلبيات الأولياء: المغالاة في المهور لبناتهم، تلك المصيبة التي أكثرت العوانس في البيوت، وأوجدت شبابًا عزابًا من المسلمين، فغلاء المهور حجر عثرة في طريق الزواج، فكم من عانس جلست عالة على أهلها تعاني الأمرين، والسبب أن والدها فرض شروطًا مالية هي أشبه بالآصار والأغلال؛ حيث جعل ابنته سلعة تجارية، وميدانًا للتفاخر والمزايدات.



ولئن سألت كثيرًا من العزَّاب: لِمَ لا تتزوجون؟ ليقولن: كيف نتزوج مع هذه الشروط المرهقة، التي تجلب الإفلاس على الأغنياء، فكيف بالفقراء من أمثالنا؟



وإن كثيرًا من هؤلاء الشباب لصادق، وإن عذرهم لبيِّن، ولا ملامة عليهم بذلك، وإنما اللوم على هؤلاء الذين حكموا العوائد، ونبذوا هداية الدين وإرشادات العقل وشهادة الواقع.



ولو أن الجميع وقفوا عند حدود الله، واتبعوا ما كان عليه سلفنا الصالح، ويسَّروا ما عسَّرته العوائد في أمور الزواج، لما وقعوا في هذه المشكلة الخطيرة، لكنهم عسَّروا اليسير، وحكَّموا العوائد في مسألة مهمة كهذه، فأصبح الزواج الذي جعله لله سكنًا وألفة ومودة ورحمة سبيلاً للقلق، والبلاء والشقاء، وأصبح اللقاء الذي جعله الله عمارة بيت، وبناء أسرة سببًا لخراب بيت الزوجية؛ لما فرضته العوائد من مغالاة في المهور، وتفنن في النفقات والمغارم.



ولهذا كثر الإعراض عن الزواج، وآَثر كثير من الشباب الزواج من الخارج؛ رغبة في يسر المؤونة، وقلة التكلفة، بدلاً من الانتظار الطويل لجمع مال كثير ينفق في ليلة أو بضع ليال، ثم بعد ذلك يتحمل الزوج الديون الثقيلة، التي تكبر همومها مع الأيام.



ولو قارنا بين فعل كثير من الناس اليوم، وبين هدي الإسلام وسير السلف الصالح في هذا الأمر، لوجدنا البون شاسعًا، والشقة بعيدة؛ فبينما هدي الإسلام وسير السلف يناديان بالقصد بالمهور، إذا كثير من المسلمين بخلاف ذلك، والله المستعان.



قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبدالرحمن بن عوف في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على وزن نواة من ذهب، قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث، وزوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين وهي من أفضل أيِّم من قريش بعد أن خطبها الخليفة لابنه، فأبى أن يزوجها".



ولقد غضب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من كثرة المهر، فقد جاءه رجل من الصحابة يستعينه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((على كم تزوجتها؟))، قال: على أربع أواق، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((على أربع أواق!! كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه))؛ رواه أبو داود، والنسائي، والبيهقي.



فاتقوا الله - عباد الله - في بناتكم واحرصوا على تزويجهن؛ فهو خير لكم ولهن، وللحديث بقية عن أسباب هجر الزواج والإعراض عنه.



أسأل الله - تعالى - أن يهدينا وإياكم سواءَ السبيل.



هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك، فقال - جل من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أسباب هجر الزواج والإعراض عنه (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: