اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  معاملة من يكسب المال الحرام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100200
 معاملة من يكسب المال الحرام Oooo14
 معاملة من يكسب المال الحرام User_o10

 معاملة من يكسب المال الحرام Empty
مُساهمةموضوع: معاملة من يكسب المال الحرام    معاملة من يكسب المال الحرام Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 4:13

معاملة من يكسب المال الحرام

إنَّ الحمدَ لله نحمدُهُ، ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.



﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].



أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ.



في هذا الزمانِ كَثُرتْ وجوه أكلِ المالِ الحرامِ؛ مِن ربًا، ورشوةٍ، وسرقةٍ، ومُتاجَرَةٍ في المحرَّمات، وغير ذلك مِن المكاسبِ المحرَّمةِ، فَيَقَعُ البعضُ في حرجٍ في التَّعامُلِ مع مثلِ هؤلاء، ويزدادُ الحرجُ حينما يكونُ الشَّخصُ قريبًا؛ كالأبِ والأخِ، وغيرِهما مِن الأقاربِ، الذين يَحصُلُ بينهم زياراتٌ ودعواتٌ: هل أقبلُ دعوةَ مَن يأكلُ مالاً حرامًا، وأقبل هديَّتَه، أو لا؟ هل يجوزُ التعامُلُ مع البنوكِ الرِّبَوِيَّةِ بالشراء منهم؟



فلعلِّي فيما يأتي أحاولُ أنْ أُلقِي الضوءَ على بعضِ المسائلِ المُهمَّةِ في هذا البابِ، فأقولُ مستعينًا بالله:

أصحابُ الأموالِ المُحَرَّم كَسْبها - أفرادًا ومؤسساتٍ - نوعانِ:

النوعُ الأوَّلُ: مَن مالُهُ مختلط: حرامٌ وحلال، فله معاملاتٌ مباحةٌ، وله معاملاتٌ محرَّمةٌ، كبعضِ البنوكِ الرِّبَوِيَّةِ التي تتعاملُ معاملاتٍ رِبَوِيَّةً، ومُعاملات مُباحَةً، وبعض الشَّركات والأفراد، أو مَن له أكثرُ مِن دَخْلٍ: دَخْلٍ حلالٍ، ودخل حرامٍ - فيجوزُ الشراءُ منهم؛ كالشراءِ من البنوكِ الرِّبويَّةِ بالتقسيطِ، إذا كانت المعاملةُ استوفتْ شروطَهَا الشرعية؛ فالنَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يتعاملُ مع اليهود في الشِّراءِ؛ فَعَن عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -: أنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ؛ رواه البخاريُّ (2068)، ومسلم (1603).



وقد كان اليهودُ يتعامَلون مُعاملاتٍ محرَّمة؛ كما أخبرَنَا ربُّنَا - تَبَاركَ وتَعَالَى- بقوله: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160، 161]، لكنْ يجبُ التَّثَبُّتُ في خبر مَن مالُهُ مُختلط؛ لعدمِ عَدَالَتِهِم؛ فإذا كان يجبُ ملكهم للسِّلْعَةِ قبل بيعِها، فيتأكدُ المشترِي من وجودِها، ولا يشترِي منهم، إلاَّ إذا تأكَّدَ أنَّهم يملِكُون السِّلعةَ، وكذلك حينما يشترِيها إذا أرادَ تَوْكِيلَهُم في البيع، فَيَتَثَبَّت أنَّ المعاملةَ تمَّتْ وفقَ الشرع، وليس فيها محذورٌ شرعيٌّ؛ فرَبُّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَنَا أنْ نَتَثَبَّتَ من خبرِ الفاسقِ، فلا نقبلُه ابتداءً، ولا نَرُدُّه، بل نتثبَّتُ مِن صدقِهِ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [ الحجرات: 6]، وإذا كان البنكُ لا يَتَعامَلُ بالرِّبَا ظاهرًا، فَيُقْبَلُ قول الموَظَّفِ مِن غيرِ تَثَبُّت.



ومما يحْسُنُ التَّنبِيهُ عليه أنَّ بعضَ البنوكِ تَذكُرُ لعُمَلائِها أنَّ هذه المعامَلة مُجَازَة مِن الهيئةِ الشرعيةِ، وهي هيئةٌ مؤلَّفةٌ مِن عددٍ يسيرٍ مِن أهلِ العلمِ، فينبغي أنْ يُنْتَبَهَ لأمرَيْن:

الأوَّلُ: أنَّ هذا هو رأي الهيئةِ الشَّرعيَّةِ التَّابعةِ للبنكِ في مسألةٍ اجتهاديَّةٍ، ولا يَلْزَمُ أنَّ رأيَ اللَّجنةِ يكونُ موافِقًا للرَّاجِحِ مِن أقوالِ أهلِ العلم، إنَّما هو اجتهادٌ يَحْتَمِلُ الصوابَ والخطأ، لكن صاحبه مأجور إذا بَذَلَ وسعَه، أَصَابَ أو أخطأ.



ثُمَّ الأمرُ الثَّاني الأهم: أنَّ الهيئةَ الشَّرعيَّةَ تَجعلُ ضوابطَ تُوصِي البنكَ بها، فإذا نَفَّذَها البنكُ أصبحت المعاملةُ مُباحةً على رأي الهيئةِ الشرعيةِ، ثم يأتي دورُ البنكِ بالْتزامِ الضوابطِ الموضُوعةِ، فقد لا يَلْتَزِمُها كلها، فتكونُ المعاملةُ والحالة هذه ليستْ جائزةً، حتى على رأي الهيئةِ الشرعيةِ؛ لأنَّ البنكَ لم يلتزمِ الضَّوابطَ التي حدَّدَتْها الهيئةُ الشرعيةُ لإباحةِ هذه المعاملة.



وكذلك يجوزُ البيعُ على مَن مالُه مختلطٌ وإجارته، إلا إذا عُلِمَ أنَّه سوف يَبِيعُ السلعةَ بيعًا مَحرَّمًا، أو يستخدمُ المكانَ المؤَجَّرَ في معصيةِ اللهِ؛ فَيَحْرُمُ البيعُ عليه وتأجيره؛ لأنَّ ذلك من إعانَتِهِ على معصيةِ اللهِ، وهي مُحَرَّمَةٌ؛ لقولِهِ تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].



وكذلك يجوزُ قَبُولُ هديَّةِ مَن مالُه مختلطٌ: حلالٌ وحرام، وكذلك أَكْلُ طعامِهِ؛ فقد كان النَّبِيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقبلُ هَدَايَا أهلِ الكتابِ، ويأكلُ طعامَهُم، وهم لا يَتَحَرَّزُون عن أكلِ المالِ المحرَّمِ عليهم؛ ففي حديثِ أبي حميد الساعدي - رضي اللهُ عنه - قال: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - غزوةَ تبوكٍ، وأَهَدَى مَلِكُ أَيْلَةَ للنَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا؛ رواه البخاريُّ (1482)، ومسلم (1392)، وكان نَصرانِيًّا.



وعن أنس بن مالك - رضي اللهُ عنه - أنَّ يهوديَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بِشَاةٍ مسمُومةٍ، فَأَكَلَ منها؛ رواه البخاريُّ (2617)، ومسلم (2190).



لكنْ إذا كان في عدمِ الأكلِ مصلحةٌ، فَتَرْكُ الأكلِ أَوْلَى، وقد يكونُ عدمُ الأكلِ واجبًا؛ إذا كان يمنعُ آكلَ الحرامِ مِن الاستمرارِ في معصيَتِهِ، ويكون سببًا في توبتِهِ، كما لو امْتَنَعَ الأَبُ مِن الأكلِ مِن طعامِ ابْنِهِ، ولم يَقبَلْ هديَّتَه، فرُبَّمَا كان ذلك سببًا في توبَتِه.



لكنْ إذا عَلِمْنَا أنَّ عينَ المالِ التي بِيَدِ مَن مالُه مُختَلطٌ، إذا عَلِمْنَا أنَّه مالٌ محرَّمٌ بعينِهِ؛ كأنْ يكون مسروقًا، أو رِبْحَ رِبًا، أو غير ذلك من المكاسِبِ المحرَّمَة، فَيَحْرُمُ التَّعامُلُ معه به بيعًا، أو شراءً، أو هديةً؛ لأنَّه ليس مالاً له، فحين وَقَعَ في يدِهِ بطريقٍ غيرِ شرعيٍّ، لم يَجُزْ تصرُّفُهُ فيه، فَمِنْ شروطِ صحةِ التَّصَرُّفِ في المالِ: أنْ يكونَ مِن مالكٍ، أو مَن يقومُ مقامه كالوكيل، بل لو كان عينُ المالِ مُحَرَّمًا مِن شخصٍ مالُهُ حلالٌ، حَرُمَ التَّعامُلُ معه به؛ فعن رجلٍ مِن الأنصارِ قال: خرجْنَا مع رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - في جنازةٍ، فرأيْتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو على القبرِ يُوصِي الحافر: ((أوسع من قِبَل رجليه، أوسع من قبل رأسه))، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطَّعام، فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يَلُوكُ لقمة في فمه، ثم قال: ((أَجِدُ لحْم شَاةٍ أُخِذَتْ بغير إذن أهلها))، فأرسلت المرأة، قَالَتْ: يا رسول الله، إِنِّي أَرْسَلَتُ إلى البقيع يشترى لي شاة، فَلَم أَجِدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً: أَنْ أرسلْ إِلَيَّ بها بثمنها، فلم يوجدْ، فَأَرْسَلْتُ إلى امرأته، فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بها، فقاَل رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: ((أَطْعِمِيهِ الأُسَارَى))؛ رواه أبو داود (3332) بإسنادٍ حسنٍ.



فامْتِنَاعُ النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - والصَّحابةِ - رضي اللهُ عنهم - مِن الأكلِ؛ لأنَّ الشَّاةَ أُخِذَت مِن غيرِ رِضا صاحِبِها، وإنْ كان سيُعْطِي قيمَتَها.



ومع الشَّكِّ، هل عينُ المالِ حرامٌ، أو كسبُ الرجلِ حرامٌ؟


يتمسك بالأصل وهو الحِلُّ والجوازُ.


الخطبة الثَّانية

الحمدُ للهِ الذي أَبَاحَ لنا الطَّيِّبات، وحَرَّمَ علينا الخبائث، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبِيِّنَا محمَّدٍ، وعَلَى آلِه وأصحابِهِ أجمعين.



وبعدُ:

فالنَّوعُ الثاني: مَن مالُه كلُّه حرامٌ؛ كتاجِرِ المخدِّرات، ومَن يَعْمَلُ بالرِّبا، وليس له دَخْلٌ آخر، فما بيده ليس مالاً له شرعًا؛ فيَحْرُمُ التعاملُ معه بالبيعِ والشراء والإجارة، ويَحْرُمُ قَبُولُ هَدِيَّتِه؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِن أنَّ مِن شروطِ صحَّةِ التصرُّفِ في المالِ: أنْ يكونَ مِن مالِكٍ، أو مَن يَقُومُ مقامه، وهو هنا مُنْتَفٍ.



بعضُ مَن كَسَبَ مالاً حرامًا يَمُنُّ اللهُ عليه بالتوبة قَبْلَ الوفاةِ، فَمِن تمامِ التوبةِ: التَّخلُّصُ مِن المالِ الحرامِ.



وهذه الأموالُ لا تخلو من حالَيْن: أنْ يكونَ أَخْذُهَا ظلمًا وعُدوَانًا من غير رضا صاحِبِها، كالمالِ المغصوبِ، والمسروقِ أو مَن أَكْرَهَ غيره على أن يَدفَعَ له رِشوة، فَيَجِبُ عليه أنْ يُعِيدَ هذه الأموالَ إلى أصحابِهَا، أوْ وَرَثَتِهِم، أوْ يَسْتَحِلهم؛ لِتَبْرَأَ ذمَّتُهُ، وإن لَم يستطِعْ ما تقدَّمَ، تَصَدَّقَ بالمال عنهم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال: ((مَن كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه مِنْ حسناته، فإنْ لَم يَكُن له حسنات أُخِذ من سيئات أخيه فَطُرِحَتْ عليه))؛ رواه البخاري (6534).



الحال الثانية: إذا كان أخْذُهُ عوضًا عن مُحَرَّمٍ برِضَا صاحِبِها؛ كثمَنِ خمرٍ، أو زنًا، أو رِشوة، أو هَدِيَّةٍ، أَخَذَهَا المُوَظَّفُ بسببِ وظيفتِهِ، فلا تُرَدُّ عَلَى صاحِبِها، بل تُصْرَفُ في وجوهِ البِرِّ؛ ففي حديثِ أبي حميد الساعدي - وهو في الصَّحِيحَيْن، في قصة ابن اللُّتْبِيَّة - لم يأمرْهُ النَّبِيُّ بِرَدِّ الهدايا المحرَّمَة إلى أصحابِها، مع أنَّه بيَّنَ أنَّه يَحْرُمُ أخْذُها.



قال ابنُ القيِّم في "زاد المعاد" [5/778]: "مَن قَبَضَ ما ليس له قَبْضُهُ شرعًا، ثُمَّ أرادَ التخلصَ منه، فإنْ كان المقبوضُ قد أُخِذَ بغيرِ رضا صاحِبِه، ولا اسْتَوفَى عِوَضَهُ؛ رَدَّهُ عليه، فإنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عليه، قَضَى به دينًا يَعلَمُهُ عليه، فإنْ تَعَذَّرَ ذلك رَدَّه إلى وَرَثَتِهِ، فإنْ تعذَّر ذلك تَصَدَّق به عنه، فإنِ اخْتارَ صاحبُ الحقِّ ثوابَه يومَ القيامَةِ كان له، وإنْ أَبَى إلا أنْ يأخذَ مِن حسناتِ القابضِ اسْتَوفَى منه نظير مالِهِ، وكان ثوابُ الصَّدَقةِ للمُتَصدِّق بها؛ كما ثَبَتَ عن الصحابةِ - رضِيَ اللهُ عنهم - وإنْ كان المقبوضُ برضا الدَّافِعِ، وقد استوفَى عِوَضَه المحرَّم؛ كَمَنْ عَاوَضَ عَلَى خمرٍ أو خنزيرٍ، أو عَلَى زنًا أو فاحشةٍ، فهذا لا يجبُ ردُّ العِوَضِ عَلَى الدافعِ؛ لأنَّه أخْرَجَه باختيارِهِ، واستوفَى عِوَضَه المحرَّمَ، فلا يجوزُ أنْ يُجْمَعَ له بين العِوضِ والمُعَوَّضِ، فإنَّ في ذلك إعانةً له عَلَى الإثمِ والعُدْوانِ، وتيسير أصحابِ المعاصِي عليه، وماذا يُرِيدُ الزَّانِي وفاعلُ الفاحشةِ إذا عَلِمَ أنَّه ينال غرضه، ويسترد ماله؟ فهذا مما تُصانُ الشريعةُ عن الإتيانِ به، ولا يُسَوَّغُ القولُ به ..."، لكن لا يَطِيبُ للقابضِ أكلُهُ، بل هو خبيثٌ؛ كما حَكَمَ عليه رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ولكن خبثه لخُبْثِ مكسبِهِ، لا لظلمِ مَن أخذ منه، فطريقُ التَّخَلُّصِ منه، وتمام التوبة بالصدقة به، فإنْ كان محتاجًا إليه فله أنْ يأخُذَ قدرَ حاجَتِه، ويَتَصَدَّقَ بالباقي، فهذا حكمُ كلِّ كسبٍ خبيثٍ لِخُبْث عوضه عينًا كان أو منفعة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
معاملة من يكسب المال الحرام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: