اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  مسائل في قنوت النوازل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 مسائل في قنوت النوازل Oooo14
 مسائل في قنوت النوازل User_o10

 مسائل في قنوت النوازل Empty
مُساهمةموضوع: مسائل في قنوت النوازل    مسائل في قنوت النوازل Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 12:18

تعريف قنوت النازلة:

القنوت: يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.



قال ابن القيم في زاد المعاد (1/276): "فإن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع".



ونقل الحافظ في الفتح عن شيخه زين الدين العراقي نظم معان القنوت في أبيات فقال:
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد
مزيداً على عشر معانٍ مرضيّة
دعاء، خشوع، والعبادة، طول سكوت
إقامتها، إقراره بالعبوديّة
صلاة، صيام، وطوله
كذلك دوام الطاعة الرابح القنيّة

[والقنيّة: ما اقتني من شاة أو ناقة ونحوهما].



وقنوت النوازل: هو الدعاء في النوازل التي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدو أو رفعه أو رفع بلاء ونحو ذلك.



قال النووي في شرح مسلم:"والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".



من الأحاديث الواردة في قنوت النازلة:

1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " متفق عليه واللفظ لمسلم.



2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) " . أخرجه البخاري.

[قوله (كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ) جاء في رواية ثابت أن هؤلاء القراء بعدما يحتطبون بالنهار يشترون به طعاماً لأهل الصُفَّة، ويتدارسون القرآن]



3. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ " أخرجه البخاري.



4. عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ " أخرجه مسلم.



5. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " أخرجه البخاري.



[قوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ) هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من الدعاء العام بعد الخاص، وقوله (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ) المقصود بهم كفار مضر وهي قبيلة مشهورة، واشدد وطأتك: أي خذهم بشدة والمراد به الإهلاك، وقوله (اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) أي كالسنين السبع الشداد ذات القحط والغلاء ليضعفهم بالجوع، وهي التي وقعت في عهد يوسف عليه السلام].



6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ " متفق عليه.



7. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم كلهم من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس به، قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح" (المجموع 3/482). وقال ابن القيم: "وهو حديث صحيح" (زاد المعاد 1/280).



وقال ابن حجر: "هذا حديث حسن" (نتائج الأفكار 2/130) وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ج3/144).



يستفاد من الأحاديث السابقة أحكاماً عدة منها:

أولاً: مشروعية القنوت في النوازل

لدلالة الأحاديث السابقة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا سار صحابته رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم.



قال ابن تيمية: "القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين" (مجموع الفتاوى 23/ 108). وقنوت النازلة إنما يكون في الركعة الأخيرة كما هو ظاهر حديث أبي هريرة السابق في الصحيحين.



وما الحكمة من جعل القنوت في القيام لا في السجود؟

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري في فصل القنوت: (وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأمومُ الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهرَ به).



ثانياً: أن القنوت يجوز فعله في الصلوات الخمس وآكدها الفجر:

ويدل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، فقد ثبت في الصحيحين أنه قنت في: الفجر والظهر والمغرب والعشاء. أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود، وهذا قول، وأكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يظهر من الأحاديث السابقة وغيرها - كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.



قال ابن تيمية رحمه الله:".. فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه (اللهم العن كفرة أهل الكتاب)" (مجموع الفتاوى 22/270).



وقبل ذلك قال: "وأكثر قنوته - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - كان في الفجر" (مجموع الفتاوى 22/269).



وقال ابن القيم: "وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها". (زاد المعاد 1/273).



وأما النوافل فلا يُقنت فيها؛ لعدم ورود ذلك في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .



واختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعة لعدم وروده في الأحاديث:

فقيل: يقنت في الجمعة، واختاره شيخنا ابن عثيمين (في الممتع 4 / 47).



وقيل: أنه لا يقنت، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن المنذر، وهو الأظهر والله أعلم؛ لعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضي الله عنهم ولو ثبت لنقل إلينا كغيره من الصلوات المفروضة حيث نقلت كلها بلا استثناء، ولذا يكتفي الخطيب بأن يدعو للمسلمين في خطبة الجمعة.



قال ابن عبد البر (في الاستذكار 2/282): "وليس عن أحد من الصحابة أنه قنت الجمعة".



فائدة: حديث أنس " مازال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا " رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم، وهو حديث ضعيف فيه أبو جعفر الرازي، ضعفه الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى 3/664)، وابن القيم (في زاد المعاد 1/276) والشوكاني (في نيل الأوطار 1/631) واللجنة الدائمة (7/44) وابن عثيمين (في شرح بلوغ المرام (227) كتاب الصلاة).



ثالثاً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً:

فالسنة أن يبتعد عن الإطالة ولا يشق على الناس وأن يهتدي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان دعاؤه كلمات يسيرة كما هو ظاهر الأحاديث السابقة.



ويدل على ذلك: حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: "نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم. لأن العبرة بصدق الدعاء، وطهارة قلب صاحبه وعبوديته لله تعالى.



إلا أن يحتاج الإنسان للتطويل اليسير ليُلِحَّ على ربه تعالى لاسيما إذا اشتد الكرب والنازلة بالمسلمين ما لم يكن في ذلك مشقة على المسلمين فلا بأس.



قال شيخنا ابن عثيمين: "الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل أنه قنوت قصير، يدعو لقوم أو يدعو على قوم بدون إطالة، ولكن إذا أطال الإنسان إطالة لا يحصل فيها تعب على المصلين، وكان يرى فيهم الرغبة في هذا، والدعاء لا يتجاوز ما يتعلق بالنازلة، فإن هذا لا بأس به، لأن الإلحاح في الدعاء من الأمور المشروعة، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم النهي عن إطالة القنوت إلا إذا كان شاقاً على المصلين" [انظر فتاوى نور على الدرب في موقع الشيخ ابن عثيمين].



رابعاً: لا يشترط في القنوت في الصلاة أن تحل النازلة ببلاد المسلمين:

بل يشرع القنوت في النازلة ولو وقعت خارج بلاد المسلمين إن لحق المسلمون منها ضرر أو أذى.



ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة _- رضي الله عنه -_ السابق نص في هذا حيث قنت الرسول – - صلى الله عليه وسلم - على أولئك المذكورين من أهل مكة، ومكة آنذاك لا تزال دار كفر.



خامساً: يجوز الدعاء لأشخاص بأعيانهم من المستضعفين المسلمين - إن دعت الحاجة لذلك-:

كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - السابق وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ....) الحديث.



وهل يجوز لعن الكافر المعين كما أنه يجوز الدعاء للمسلم المعين المستضعف؟

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا يجوز لعنه لأن حاله عند الوفاة لا تُعْلَم، واختاره شيخنا ابن عثيمين، وقالوا: ربما يسلم هذا الكافر فيموت مقرباً عند الله فكيف نحكم بكونه ملعوناً وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ فقد قيَّدت هذه الآية استحقاق اللعنة بالوفاة على الكفر.



وأيضاً نُهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما دعا على أشخاص بأعيانهم.



فعنِ ابن عمرَ أنه سمعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاةِ الفجر - ورفَعَ رأسَه من الركوع - قال: "اللهم ربَّنا ولك الحمد" في الأخيرةِ، ثم قال:" اللهم العَنْ فلاناً وفلاناً "، فأنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾. (آل عمران: 128) رواه البخاري.


القول الثاني: جواز لعن الكافر المعين، وهو مذهب الإمام أحمد. (انظر المغني لابن قدامة 2 / 586).



واستدلوا: بحديث عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله". رواه البخاري.


قالوا فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يُلعن.



وممن صرح بذلك ابن العربي مستدلاً بجواز لعنه لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، فقال في أحكام القرآن (1/50): "والصحيح عندي جواز لعنه لظاهر حاله كجواز قتاله وقتله "ا.ه - .



والأظهر والله أعلم: جواز لعنه لاسيما الذين يحاربون المؤمنين ويصدون عن الدين، لورود ذلك عن بعض الصحابة.



وأقوى ما استدل به المانعون هو سبب نزول قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾، فإن سبب نزولها مختلف فيه وفيه خمسة أقوال كما ذكر ابن الجوزي (في زاد المسير 1/386). أشهرها قولان: أحدها: ما ذكره أصحاب القول الأول من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن رجالاً من المنافقين فأنزل الله هذه الآية كما عند البخاري من حديث ابن عمر، والثاني: ما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كُسِرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزلت هذه الآية. وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والربيع.



واختار جواز لعنهم أكثر العلماء من أبرزهم: مالك (انظر الاستذكار لابن عبد البر 5/172)، وأحمد كما سبق، وابن حبان (في صحيحه 5/327)، وابن بطال (في شرحه للبخاري 3/6)، وابن قدامة (في المغني 2/587)، وشيخ الإسلام، وابن القيم (في زاد المعاد 1/272)، والنووي (في المنهاج 5/283) وابن حزم (في المحلى 3/58)، والصنعاني (في سبل السلام 1/255) وغيرهم.



قال ابن حجر (في الفتح 11/ 234): "وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء ﴾. قال: والأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام".



وقال شيخ الإسلام (في مجموع الفتاوى 22/ 270 ، 271): "وهكذا كان عمر – - رضي الله عنه -- يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: "اللهم العن كفرة أهل الكتاب " إلى آخره، وكذلك علي – - رضي الله عنه -– لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً "



والأفضل أن يقال: أن الدعاء على الكافرين على قسمين:

1. من يحاربون المؤمنين وينتهكون أعراضهم ويستبيحون دمائهم وأرضهم فهؤلاء تجوز لعنتهم وبه قال أكثر العلماء.

2. من لم يقاتلوا المؤمنين ويرجى تألفهم، فهؤلاء لا تجوز لعنتهم، وإنما يدعى لهم بالهداية كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لدوس فقال:

(اللهم اهد دوساً وائت بهم) وبهذا تجتمع الأدلة والله أعلم. (انظر في هذا التقسيم شرح ابن بطال للبخاري 3/7).



فائدة:

قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في معجم المناهي اللفظية:

لعن الله كذا: اللعن هو لغة: الطرد والإبعاد. وفي الشرع: الطرد و الإبعاد عن رحمة الله تعالى.



والأصل الشرعي: تحريم اللعن، والزجر عن جريانه على اللسان، وأن المسلم ليس بالطعان ولا اللَّعَّان، ولا يجوز التلاعن بين المسلِمين، ولا بين المؤمنين، وليس اللعن من أخلاق المسلمين ولا أوصاف الصديقين، ولهذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لعْنُ المسلم كقتله) متفق عليه. واللَّعَّان قد جرت عليه نصوص الوعيد الشديد؛ بأنه لا يكون شهيداً، ولا شفيعاً يوم القيامة، ويُنهى عن صحبته، ولذا كان أكثر أهل النار: النساء؛ لأنهن يُكثرن اللعن، ويكفرن العشير. وأن اللعان ترجع إليه اللَّعْنةُ، إذا لم تجد إلى من وجهت إليه سبيلاً.



ومن العقوبات المالية لِلَّعَّان: أنه إذا لعن دابة تُركت.



وقد بالغت الشريعة في سد باب اللعن عن من لم يستحقه، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعن الديك، وعن لعن البرغوث، فعلى المسلم الناصح لنفسه حفظ لسانه عن اللعن، وعن التلاعن، والوقوف عند حدود الشرع في ذلك، فلا يُلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة، وهي في الأُمور الجامعة الآتية:

1. اللعن بوصف عام مثل: لعنة عامة على الكافرين. وعلى الظالمين. والكاذبين.

2. اللعن بوصف أخص منه، مثل: لعن آكل الربا، ولعن الزناة، ولعن السُّرَّاق والمرتشين، ونحو ذلك.

3. لعن الكافر المعيَّن الذي مات على الكفر. مثل: فرعون.

4. لعن كافر معين مات، ولم يظهر من شواهد الحال دخوله في الإسلام فيلعن، وإن توقَّى المسلم، وقال: لعنه الله إن كان مات كافراً، فحسن.

5. لعن كافر معيَّن حي؛ لعموم دخوله في لعنة الله على الكافرين، ولجواز قتله، وقتاله، ووجوب إعلان البراءة منه.

6. لعن المسلم العاصي – مُعيَّناً – أو الفاسق بفسقه، والفاجر بفجوره. فهذا اختلف أهل العلم في لعنه على قولين، والأكثر بل حُكي الاتفاق عليه، على عدم جواز لعنه؛ لإمكان التوبة، وغيرها من موانع لحوق اللعنة، والوعيد مثل ما يحصل


من الاستغفار، والتوبة، وتكاثر الحسنات وأنواع المكفرات الأخرى للذنوب. وإن ربي لغفور رحيم.اهـ.



سادساً: الاقتصار في الدعاء على النازلة:

فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين". (مجموع الفتاوى 21/155).



وقال أيضاً: "وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً".(مجموع الفتاوى 22/271).



وقال أيضاً: "عمر - رضي الله عنه - قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده. فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:

أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.

الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً وثانياً، وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده" (مجموع الفتاوى 23/109).



وقال أيضاً رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (23/115): "القنوت يكون عند النوازل، وأن الدعاء في القنوت ليس شيئاً معيناً، ولا يدعو بما خطر له، بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت".اهـ.



سابعاً: القنوت للنازلة مشروع عند وجود سببه فإذا زال السبب تُرك القنوت:

ولذلك قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً ثم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم.



ويدل على ذلك: حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ " اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". أخرجه مسلم.



وجاء في "صحيح ابن خزيمة" (620): أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يدع لهم فذكرت ذلك له فقال: أو ما تراهم قد قدموا).



قال ابن القيم: "إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قَدِمَ مَنْ دعا لهم، وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم و جاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت". (زاد المعاد 1/272).



فائدة: قال بعض أهل العلم استحباب الدعاء برفع الطاعون وأنه من جملة النوازل، وقد أطال البحث فيه الحافظ ابن حجر في كتابه بذل الماعون (ص 315)، والطاعون وباء معدي إذا نزل أهلك أمماً كثيرة، إذا نزل بأرض فإنه لا يجوز الذهاب إليها ولا يجوز الخروج منها لمن كان فيها كما ثبت في الصحيحين، واختلف هل يقنت لرفعه على قولين، فقيل: يدعى برفعه لأنه نازلة من نوازل الدهر، وقيل: لا يدعى برفعه لأنه شهادة فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن المطعون شهيد كما في الصحيحين وقالوا كيف ندعو بشيء فيه شهادة.



ثامناً: يسن جهر الإمام في القنوت للنازلة:

ويدل على ذلك: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بِذَلِكَ "أخرجه البخاري.



قال النووي: "وحديث قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قُتل القراء رضي الله عنهم يقتضي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات، هذا كلام الرافعي. والصحيح أو الصواب استحباب الجهر". (المجموع 3/482)



تاسعاً: يسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة:

ويدل على ذلك: حديث أنس - رضي الله عنه - قال:".. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ - يعني القرَّاء - فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ". أخرجه أحمد.



وقال النووي: "رواه - البيهقي - بإسناد له صحيح أو حسن" (المجموع 3/479).



وعن أبي رافع قال: "صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقنت بعد الركوع، ورفع يديه، وجهر بالدعاء".



أخرجه البيهقي وقال: "هذا عن عمر صحيح" (سنن البيهقي 2/212).



وهنا لابد من تنبيهات:

أولاً: لا يشرع مسح الوجه بعد دعاء القنوت. لأن ما ورد في المسح ضعيف لا يحتج به.



قال البيهقي - رحمه الله -: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث فيه ضعف. وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، و أما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق".

(سنن البيهقي 2/212).



وقال ابن تيمية: "وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه - صلى الله عليه وسلم - فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة". (مجموع الفتاوى 22/519).



ثانياً: ظاهر الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل تبين أنه لم يكن يستفتح دعاء قنوت النازلة بحمد الله ولا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت في حديث أنه كان يستفتح دعاءه في قنوت النازلة بذلك ولا أصحابه من بعده.



ثالثاً: قال ابن تيمية: "ينبغي للمأموم أن يتابع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد؛ فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)". (مجموع الفتاوى 23/115 - 116).



عاشراً: هل قنوت النازلة خاص يفعله إمام المسلمين فقط دون العامة؟

هذه المسألة على قولين أظهرهما أنه ليس خاصاً بإمام المسلمين بل يفعله عامة الناس خلافاً للمذهب، وذلك لأمرين:

الأول: أن الأصل في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - العموم لجميع المسلمين، إلا إذا دل الدليل الصريح على التخصيص. ولم يثبت دليل على التخصيص، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي " أخرجه البخاري عن مالك بن الحويرث وهذا الحديث صريح في أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أنها لعموم المسلمين.



الثاني: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قنت وهو ليس بإمام للمسلمين، كما ثبت في الصحيحين - وقد سبق - أن أَبا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ".



وثبت القنوت أيضاً من فعل جمعٍ من الصحابة كأنس بن مالك كما رواه ابن المنذر في الأوسط، وابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، والبراء بن عازب كما عند البيهقي في سننه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، وأبى موسى الأشعري كما في مصنف ابن ابي شيبة وذكره ابن القيم في زاد المعاد ومعاوية كما ذكر ذلك البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت حيث قال: وقنت معاوية في الشام يدعو في صفين، فأخذ أهل الشام عنه ذلك. فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم ممن روى أحاديث قنوت النازلة وفعلها.



وبهذا يتبين أن القنوت يشرع لعموم المسلمين وهو قول أكثر العلماء واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.



الحادي عشر: وهل يجوز لأحد أن يمنع القنوت في النوازل؟

قنوت النازلة سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري عن مالك بن الحويرث، فكل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله أو أمره إما أن يكون واجباً على المسلمين أو مستحباً على ما تقتضيه الأدلة، وعند النظر إلى هذه العبادة العظيمة التي يحتاجها المسلمون خاصة في وقتنا الحاضر حيث ألم بالمسلمين ما ألم بهم في كثير من بلدان المسلمين وعملاً بشعور الجسد الواحد لهذه الأمة يتبين أنه من حقوق النصرة أن يكون للمسلم نصيب من هذه العبادة عملاً بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه عندما تحل بالمسلمين نازلة.



الثاني عشر: وهل يشترط إذن الإمام في ذلك؟

على قولين:

القول الأول: أنه لا بد من إذن الإمام، وهو مذهب الحنابلة ويقولون بل لا يفعلها إلا الإمام.



وعللوا ذلك بما يلي:

1. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت وهو الإمام الأعظم في ذلك الوقت ولم يُعرف عن أحد من الصحابة أنه قنت في مكان آخر حينما قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على أن قنوت النازلة إنما هو راجع للإمام.



ونوقش هذا الاستدلال بما ثبت من قنوت ستة من الصحابة كما سبق ولم يكن أحد منهم إماما للمسلمين في ذلك الوقت ولم يُنْقل عن أحد منهم الاستئذان.



2. أن مسألة قنوت النوازل من المسائل الاجتهادية والقاعدة تقول: (حكم الحاكم يرفع الخلاف) وعليه إذا اختلف الناس في قنوت النازلة وحكم الحاكم بشيء يجب أن يُعمل بحكمه، واجتماع قلوب الناس خير من الافتراق، ومما لاشك فيه أن حكم الحاكم يجمع ما تفرق من الاجتهادات.



والقول الثاني: أنه لا يشترط إذن الإمام، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، وذلك لما يلي:

1. الأصل أن قنوت النازلة عبادة يتعبد بها كل المسلمين، ومن زاد في هذه العبادة شرطاً لابد له من الدليل الشرعي لهذا الشرط والأصل في العبادات التوقيف والحظر، ولا دليل من الكتاب والسنة على هذا الشرط.



2. أنه لا يجوز لأحد أن يمنع المظلوم من الدعاء على ظالمه؛ لحديث: "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"؛ رواه البخاري ومسلم، كما لا يجوز لأحد أن يَمنع المسلم من الدعاء لإخوانه المسلمين المستضعفين والمضطهدين في كل مكان من الأرض، لما جاء في الحديث: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: ولك بمثل"؛ رواه مسلم.



وأما قولهم: عملاً بقاعدة [حكم الحاكم يرفع الخلاف] إنما يكون ذلك فيما تجري فيه الدعاوى والخصومات فقط مما يجري بين الناس عادة، كالحقوق المالية والجنايات والحدود ونحوها، بخلاف ماله علاقة بالاعتقاد أو العبادات المحضة؛



كالطهارة والصلاة والصيام ومنه قنوت النازلة.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والأمة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث، أو حكم خبري أو طلبي، لم يكن صحة أحد القولين وفساد الآخر ثابتاً بمجرد حكم حاكم، فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة. يعني ما تدخله الدعاوى والخصومات- دون العامة -، ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء ﴾ هو الحيض والأطهار، ويكون هذا حكم يلزم جميع الناس قوله، أو يحكم بأن اللمس في قوله تعالى: ﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ﴾ هو الوطء والمباشرة فيما دونه، أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، أو الأب، والسيد، وهذا لا يقوله أحد..... وكذلك باب العبادات، مثل كون مس الذكر ينقض أو لا؟ وكون العصر يستحب تعجيلها أو تأخيرها، والفجر يَقْنُت فيه دائماً أو لا؟ أو يقنت عند النوازل ونحو ذلك) أ.ه - (مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/238- 239).



وأيضاً الخلاف في قنوت النازلة لا يحدث فرقة عند المسلمين لأن الأصل فيه جواز تركه وجواز فعله فلا إنكار فيه ذكر ذلك ابن القيم (في زاد المعاد 1/272) وبين أن هذا من الاختلاف المباح، وأيضاً إخضاع هذه العبادة إلى إذن ولاة الأمر في البلاد يجعلها خاضعة للأهواء والسياسات وربما تعطلت هذه الشعيرة بسبب ذلك، وعليه فالمسلم يقنت بعدما يستشير من لهم النظر في مثل هذه المسائل من العلماء.


وأما المرأة فالأظهر والله أعلم أنها تقنت في بيتها في الفرائض وهو اختيار الشيخ ابن جبرين حفظه الله، لأن ما ثبت في حق الرجال فهو ثابت في حق النساء إلا ما دلَّ الدليل على التفريق بينهما ولا دليل يفرق بينهما والله أعلم.


متى يكون القنوت قبل الركوع أم بعده؟

اختلف أهل العلم في ذلك:

قيل: قبل الركوع.

واستدلوا: بما رواه عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت خلف عمر بن الخطاب فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: "اللهم إياك نعبد...... " الحديث رواه البيهقي.



وقيل: بعد الركوع ، وهو قول مذهب الحنابلة (انظر المغني 2/581).

واستدلوا: بحديث أبي هريرة في الصحيحين: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يرفع رأسه – يعني من الركوع – يقول سمع الله لمن حمده، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم .... " وأيضاً حديث أنس عند البخاري وفيه: "بعد الركوع " وغيرها من الأحاديث الدالة على ذلك.



والصحيح أن الأمر في ذلك واسع فيجوز قبل الركوع ويجوز بعده وقد بوَّب البخاري [باب القنوت قبل الركوع وبعده] لكن القنوت بعد الركوع أكثر في الأحاديث النبوية كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم فيُغَلَّب على ما قبل الركوع، والله أعلم.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموعة الفتاوى (23/100): "وأما القنوت، فالناس فيه طرفان ووسط: منهم من لا يرى



القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد: سمع الله لمن حمده، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما دلت فاتحة الكتاب على ذلك أولها وآخرها".



أسأل الله تعالى أن يكشف بما بإخواننا المستضعفين في كل مكان وأن يؤيدهم بنصر من عنده ويظهرهم على عدوهم إن سميع قريب مجيب .



مُسْتَلَّةٌ من شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع للشيخ عبدالله حمود الفريح


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مسائل في قنوت النوازل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  قنوت النوازل
»  قنوت النوازل .. دروس وعبر
» هل يقنت قنوت النوازل في صلاة الجمعة؟
»  تناول النوازل على المنابر
»  معنى النوازل والاجتهاد فيها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: