دراسة وقفات مع محمد أركون من خلال إنتاجه
يُواصِل الأستاذ محمد بريش في هذا العدد وقفاته مع الدُّكتور محمد أَرْكون من خلال إنتاجه وفِكْره. وقد نَشَرْنَا في العدد السَّابق مدخل هذه الوَقَفَات الذي تناول بكيفيَّة مُوجَزة ما تَشْهده الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة من مَخاض حَثِّ أهل اليسار، للخُروج من الأزْمَة، على تقديم مشاريع لإعادة القراءة للتُّراث بما فيه الوَحْي والسُّنَّة من منظور مادِّيٍّ عِلْمَانِيٍّ؛ لقطع الطريق على كل رجوع سليم للشُّعوب العربيَّة الإسلاميَّة إلى أصول دينها وشريعة ربها.
وفي هذا العدد، ننشر الفصل الأول من الدراسة/ الوَقَفَات الخاص بالتَّعريف بصاحب مشروع إعادة القراءة للقرآن الدكتور مُحَمَّد أركون على أنْ نُواصِلَ نشر بقيَّة الفُصُول في الأعداد المقبلة إن شاء الله.
{مِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ* ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (الحج: 8 ، 9).
الفصل الأول "مَنْ هو مُحَمَّد أركون؟"
الأستاذ محمد أركون مُفَكِّر جزائري، ازداد في تاوريرت ميمون بمِنْطَقة القبائل الكبرى بالجزائر سنة 1928 م. قَضَى فترة التعليم الثانوي بوهران والعالي بالجزائر العاصمة[1]، ثم أَتَمَّ تعليمه العالي بباريس حيث حَصَل سنة 1955 على شهادة التبريز في اللُّغة العربيَّة والأدب العربيّ، عمل مُدَرِّسًا بثانويَّات ستراسبورغ كما كان يُعْطِي دُروسًا بكُلِّيَة الآداب بنَفْسِ المدينة ما بين 1956 م، و 1959 م. ثم عمل أستاذًا مُساعِداً جامعة السُّوربون ما بين 1960 و 1969 حيث كان يَحْضُر في نفس الوقت دكتوراه الدَّوْلَة حول موضوع الأنسية العربيَّة في القرن الرابع الهجري، وتَرَكَّزت على النِتَاج الفِكْرِيّ للمؤرخ والفيلسوف مسكويه. وقد حصل أركون على دكتوراه الدولة هذه في الآداب من نفس الجامِعَة المذكورة سنة 1969م، أصبح بعدها أُسْتاذًا مُحاضِرًا بجامِعَة لِيُون الثانية ما بين 1969 و 1972، وأستاذًا للُّغة العربيَّة والحضارة الإسلاميَّة بجامعة باريس الثامنة ما بين 1972 م و 1977 م، وأستاذًا بالجامعة الكَاثُوليكيَّة بلوفان لانوف ما بين 1978 م و 1979 م. ألقى عِدَّة دروس ومُحَاضَرَات بعديد من المدن والجامعات غربيَّة وعربيَّة؛ كالرِّباط، وفَاس، والجزائر، وتونس، ودِمَشق، وبيروت، وطهران، وبرلين، وأمستردام، وهارفاد، وبرانستون، وكولومبيا، ولوس، أنجلز، ودفنر، وغيرها. يشغل حاليًا كُرْسي تاريخ الفِكْر الإسلامي بجامعة السُّوربون الجديدة ومدير لمعهد الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة بها.
جُلُّ مؤلفاته باللُّغة الفِرنسيَّة، وقد تُرْجِم البعض منها مؤخراً إلى العَربيَّة وكذلك بعض نصوص مُحاضراته التي نشرتها بعض المجلات العربيَّة. أهم هذه المؤلفات:
1- مُساهمة في دراسة الأنسية العربيَّة في القرن الرابع. الهجري: مسكويه، فيلسوفًا ومُؤرِّخًا (1970).
Contribution a l'etude de l'humanisme areabe au IVe/xe siècle: Miskawayh philosophe et historien" Editionas Librairie Philosophique. J.Vrin> Paris, 2eme edition 1982.
2- وقد قامت مَجَلَّة "الفِكْر العَرَبي المُعاصِر" بنشر الفصْل الرَّابع من الكتاب مُترجَمًا إلى العربيَّة بقلم الكاتب هاشم صالح[2].
3- تَرْجمة كتاب "تهذيب الأخلاق" لمسكويه إلى الفِرنسيَّة مع مُقَدِّمة ودراسة، دمشق 1969.
4- "مُحاولات في الفِكْر الإسلامِيّ"، الطَّبعة الأولى سنة 1973 م، وقد أُعِيد طبعه للمَرَّة الثالثة مُؤخرًا في يونيو 1984م، "Essais sur la pensee islamique"> Editions Maisonneuve et Larose 1ere edition 1973, 3eme 1894,
وهو عِبَارة عن مَجْموعة مقالات ونُصوص مُحاضَرَات نُشِرَت في مَجَلاَّت استِشْراقِيَّة أو حَوْليَّات تَهْتَمُّ بالعالم الإسلامِيّ أو مَوْسُوعات فِرنسيَّة تاريخيَّة أو أكاديميَّة ما بين 1964 و 1969، تَطَرَّق فيها أركون إلى بعض أفكار مسكويه، وأبي الحسن العامري، والغزالي، والماوَرْدِيّ مع مدخل لدراسَة الفِكْر الإسْلامِيّ "التَّقليدي".
5- "الفِكْر العربي" طبع ضمن سلسلة "ماذا أعرف؟" "Que sais je?" الفِرنسيَّة سنة 1975، وأُعِيد طبعه سنة 1979. تُرْجِمَ إلى العربيَّة على يد الدكتور عادل العوا وطبع ضمن سلسلة " زِدْني علمًا " التي تنشرها " دار عُوَيْدات " ببيروت سنة 1982م.
6- "الإسلام: الأمس والغد" بالمُشَاركَة مع لويس غاردي بالفِرنسيَّة، الطَّبعة الأولى سنة 1978 وأُعِيد طبعه سنة 1983 (انظر المُلْحَق الخاص بهذه التَّرجمة بعد الفَصْل الرّابع من هذه الدراسة).
7- "الإسلام: دين ودنيا" بالمُشاركة مع ماريو أروزيو والمسْتَشْرق موريس بورمانس، المستشار لدى الكتابة الإيطاليَّة لغير المسيحيِّين "L'Islam: Religion et Societe, Editions du cerf Rencontres Islam", 1982" وهو عِبَارة عن حَلَقة إذاعيَّة من برنامج "الثَّقافة الدينيَّة" في إذاعة الجمهورية الإيطاليَّة "راديوطر" "Radiotre" تحت عُنوان "الزَّمن والأيام"، كان موضوع الحلقة هو "الإسلام: الدِّين والمُجْتَمَع" تحت إشراف المُذيع الإيطاليّ ماريو أروزيو، وهي الحَلَقة الافْتتاحِيَّة للبَرْنامَج. ولقد قدم محمد أركون للكتاب سواء في طبعته الإيطاليَّة أو طبعته الفرنسيَّة بمقدمة على شكل تنبيه، أشار فيها إلى أن الحِوَار الذي أُجْرِيَ معه لم يُحَضِّر له مُسْبقًا وإنما كان تلقائيّا، وبذلك فالحوار ومُخْتَلف الأجْوِبَة اكتُفِيَ فيهما بِطَرْح الأفْكَارِ وتَوْضيح المفاهيم. كما أشار في المقَدِّمة الفرنسيَّة إلى أنه من أجل ذلك اضْطَرَّ إلى إعادة صِيَاغة بعض الفقرات من حواره بالإيطاليَّة مع زيادة بعض الإضَافات.
كان يقوم بالتَّرجمة من الفِرنسيَّة إلى الإيطاليَّة حين إذاعة البرنامج المُذِيع م. أروزيو. ودار الحديث مع أركون حول : "التَّوتُّرات النَّبويَّة والحقائق التَّاريخية في الإسْلام" (Tensions prophetiques et realites historiques de l'Islam)، ومع المستشرق موريس بورمانس حول: "الإسلام بين المُطالَبَة بالرُّجوع إلى الأُصول وضرورة الإسْراع بالجديد" (l'Islam entre le reappel des origins et l'urgence du nouveau). وتجدر الإشارة إلى أنَّ الكتاب طُبِع بالإيطاليَّة سنة 1980، وبالفرنسيَّة سنة 1982، وقام بترجمته موريس بورمانس.
7- "قراءات للقرآن" بالفرنسيَّة (دجنبر 1982)، والكتاب يَتَضَمَّن سبعة بحوث مُتَفَرِّقَة سبق لمحمد أركون أن نَشَرَها في السَّنوات الماضية ضمن كتب ومَجَلاَّت غربيَّة اسْتِشْراقيَّة، هذه البحوث هي:
• "كيف نقرأ القرآن"، وهذا الفصل عبارة عن "بحث" قدم به أركون ترجمة معاني القرآن بالفرنسيَّة التي قام بها المُسْتشرِق كازيميرسكي (1808 – 1887)، دار كارنيي فلاماريون – 1970، باريس. وهي ترجمة تعوزها الأمانة العلميَّة، والفَهْم الصحيح لمعاني القرآن ومقاصده، علاوة على التَّحريف الواضِح في بعض الآيات. طبعت إلى ما يناهز ثلاثين طبعة ذكر أغلبها الدكتور صالح البنداق في كتابه "المسْتَشْرِقُون وترجمة القُرآن"، ص171، والجديد في الطَّبعة التي تَتَصَدَّرها مقدمة أركون في الدِّيباجة أنها تَجَنَّبَتْ الحلة القشيبة التي امْتازت بها سابقاتها فصدرت في شكل بسيط مَكَّن من يُسْر تناولها في السُّوق وزاد من مبيعاتها. وإذا كان كازيميرسكي بتحريفاته وخلطه للكلمات قد أشار إلى أنَّ القرآن تَتَناقَضُ بعض آياته، فإنَّ أركون قد ألمح لقارئ المُقدِّمة أنَّ القرآن لا يعدو أن يكون خطابًا ذا بنية أُسطوريَّة..
وقد قامت مجلة الثقافة الجديدة في عددها المُزْدَوَج 26/27، الصادِر في أواخر مارس 1983، بنشر هذه المقدمة تحت عُنوان "الوحي، الحقيقة التاريخ (نحو قراءة جديدة للقرآن)" ، وقام بالتَّرجمة إلى اللُّغة العربيَّة الكاتب المغربي العَرَبي الوافي.
• "مسألة صحة نسبة القرآن إلى الله"، وهو بحث نشر سنة 1977،
• "قراءة الفاتحة"، وهو بحث نشر بليدن سنة 1974،
• "قراءة سورة الكهف"، وهو بحث نشر سنة 1980،
• "هل يمكن الكلام عن العجيب في القرآن؟". وهو نَصُّ مُحاضَرَة ألقاها أركون ضمن النَّدوة التي نَظَّمَتْها الجمعية الفرنسيَّة لازدهار الدِّراسات الإسلاميَّة في مارس 1974 تحت شِعَار "الغريب والعجيب في الإسلام"، وقد نشرت دار "جون أفريك" سنة 1978 أعمال النَّدوة بأتمها ومن ضمنها بحث محمد أركون مع المناقشة الكاملة التي تلته، وأحسن الدكتور محمد أركون بإضافتها إلى نَصِّ محاضرته في كتابه المذكور.
• "مدخل لدراسة العَلاقة بين الإسلام والسِّياسة"، وهو بَحْث قدم من طرف أركون في إطار المُنَاظَرَة الدوليَّة لعلوم الاجتماع الدينيَّة المُنْعَقِدَة بإيطاليا سنة 1979. وقد قامت بنشرة بعد التَّرجمة إلى العربيَّة مَجَلَّتان عربيَّتان، الأولى مجلة "الباحث" في عددها السادس، يوليوز – غشت 1980، ص 9 – 2 والثانية مجلة "مَواقِف"، عدد 37 - 38، بترجمة وملاحظات هاشم صالح، ص 154 – 173، والتَّرجمة الأولى بمجلة "الباحث" تَنْقُصها الأمانة العلميَّة حيث أن أَغْلب الآيات القُرآنيَّة التي يحتويها البَحْث مليئة بالأخطاء. * "الحج في الفِكْر الإسلامِيّ"، وهو بحث نشر لأركون ضمن كتاب طُبِع بتونس سنة 1977 تحت عُنوان: "الحج إلى مَكَّة".
وأضاف مُحَمَّد أركون لبحوثه القديمة هذه بحثًا جديدًا عنوانه "حصيلة الدِّراسات القُرآنيَّة وآفاقها"، انتقد فيه مناهج القدماء في الدِّراسات الإسلاميَّة وارْتَكَز فيه خاصَّة على كتاب "الإتقان في عُلُوم القرآن" للسُّيوطي، وقد قامت مجلة 15 – 21 التُّونسيَّة بترجمة ونشر الجزء الأخير من هذا الفصل تحت عنوان "آفاق الدِّراسات القُرآنيَّة"، بتقديم وترجمة الدكتور عبد المجيد الشرفي في عددها الخامس – ماي 1983 – ص26 – 29.
8- "نحو نقد للعقل الإسلامي"، على غرار "نقد العقل الخالص" لايمانويل كانط، أو "نقد العقل الجدلي" لجان بول سارتر، وهو آخر كتب الدكتور محمد أركون (يونيو 1984)، ضمنه مقالات سَبَق نشرها في كتب ومجَلاَّت وحَوْليَّات مُتَفَرِّقَة وقدمه بمقدمة فيها عصارة فكره بعُنوان "كيف نَدْرس الفِكْر الإسلامِيّ"، قامت بنشرها مجَلَّة "الفِكْر العربي المعاصر"، عدد 32 – أكتوبر 1984 – تحت عُنوان "المنهجيَّة المُعاصِرَة والفِكْر الإسْلامِيّ" بترجمة هاشم صالح. وأهم البحوث المدرجة في الكتاب هي:
• "نحو إسلاميَّات تطبيقيَّة"، وهو الفصل الأول من الكتاب، وموضوعه نَصُّ مُحاضَرَة ألقاها مُحَمَّد أركون في مؤتمر الدِّراسات الشَّرقِيَّة الذي انْعَقَد في باريس سنة 1976، قَامَتْ مجلَّة "الفكر العربي المعاصر" بنشرها في عددها المزدوج 6/7 – أكتوبر – نوفنبر 1980، ص 27 – 35 ترجمة هاشم صالح بعنوان "حول الانتروبولوجيا الدينيَّة – نحو إسلاميَّات تطبيقيَّة".
• "مفهوم العقل الإسلامِيّ" وهو الفصل الثاني، نشر ضمن حَوْلِيَّة إفريقيا الشَّماليَّة لسنة 1979، المجلد الثامن عشر، وأُعِيد نشره ضمن كتاب "المغرب العربي المسلم سنة 1979" الذي نشره "مركز الأبحاث والدِّراسات لمُجْتَمَعات البَحْر الأبيض المتوسط" سنة 1981، ص305 – 339. وقد قامت مجلَّة "الزمان المغربي" في عددها الثاني عشر الخاص عن الدِّين والدَّولة بنشره مُتَرْجَمًا إلى العربيَّة، دون أن تشير إلى أصل المقال ولا الكتاب الذي اقتبس منه، كما أنَّ المُتَرْجِم تنقُصُه الخِبْرة وسِعَة الاطِّلاع، وهو أمر يُسْتَخْلَص بسهولة من ركَاكة الأُسلوب والتَّرجمة الحَرْفِيَّة لعديد من الكَلِمَات مما مَسَّ بالمعنى المقصود في النص[3].
• "ملامح الوعي الإسْلامِيّ"، وهو الفصل الثالث، نشر سنة 1977 ضمن كتاب أصدرته مُنَظَّمة اليُونِسْكو بعُنوان "فكر وقيم الإسلام"، ص 67 – 93، وقد تحامل فيه أركون على أنور الجندي مُعْتَمِدًا على كتابه "الإسلام والدَّعَوَات الهَدَّامَة".
• "السُّلْطَة والسِّيادة في الإسلام" وهو الفصل الخامِس، نُشِر هذا البحث ضمن كتاب مُعَنْوَن "السلطة والحق" سنة 1981، ص 145 – 182، وقامت بنشره مُتَرجمًا إلى العربيَّة مجلَّة "الفِكْر العربي المعاصر" – عدد 12 – ماي 1981، ص 46 – 56، تحت عُنوان "السِّيادة العُلْيا والسُّلُطات السياسيَّة في الإسلام"، ترجمة هاشم صالح.
وقبل أن نقدم على طبع هذا الفصل من مقالنا بالمجلَّة، علمنا أن مركز الإنماء القَوْمي ببيروت والمُشْرِف على إصدار مجلَّة الفِكْر العربي المعاصر قد أَقْدَم على إصدار الطَّبعة العربيَّة للكتاب المذكور تحت عنوان: "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" بترجمة هاشم صالح. وهذه الطبعة العربيَّة تثير من جانبنا ملاحَظَتَيْن:
• الأولى عدم ذكر اسم المترجم هاشم صالح على واجِهَة غِلاف الكتاب رغم الجُهْد الذي بَذَله في التَّرجَمَة وتوضيح بعض أفكار أستاذه مُحَمَّد أركون، وهو إجحاف في حقه من طرف الناشر (مركز الإنماء القومي).
• الثانية أنَّ الطَّبعة العربيَّة تَخْتَلِف عن نَصِّ الكتاب بالفرنسيَّة، فالفصول الستة هي هي في كلا الكتابين إلاَّ أنَّه ابتداء من الفصل السابع استبدل أركون الفصول الستة الباقِيَة من كتابه بالفرنسيَّة بفصلَيْنِ آخرين هما:
- "الخطابات الإسلاميَّة، الخطابات الاستشراقيَّة والفكر العِلْمِيّ"[4]، "الإسلام والعلْمَنَة"[5].
وبهذا يُصْبِح الكتاب المُتَرْجَم كتابًا آخر مُخالِفًا للكتاب الأصل بالفرنسيَّة. وقد أشار محمد أركون في مقدمة كتابه بالفرنسيَّة أنه قد رَضَخَ لرغبة النَّاشر في عدم إدراج عديد من نصوص مُحاضراته ومَقالاته، ومن ضِمْنِها المقالَيْنِ المُشار إليهما، ولعل الرَّغْبَة الأكيدة والمُلِحَّة في إدخال العلْمَنَة إلى صفوف مُثَقَّفِي الشعوب الإسلاميَّة، وجعل من كانوا يَسْتَتِرون منهم بِتَبَنِّيها يَجْهرون بها ويدعون إليها، هي التي حدت بكاتبنا إلى إدراج فصل "الإسلام والعلمنة" في الطبعة العربيَّة للكتاب والذي أعادت نشره مجلة "دراسات عربية" في عددها الخامس، مارس 1986؛ لتُوَسِّع بذلك شبكة قرائه. ولن يفوتنا أن نَقْتَبِسَ منه في دراسَتِنَا هذه حول الفِكْر الأركوني بعض اللَّقطات للدَّلالة على عَلْمَنة هذا الفكر ودعوته للعِلْمانيَّة.
ورغم أن القارئ لهذا المقال سيتمكَّن من تكوين نظرة حول فكر الدُّكتور مُحَمَّد أركون من خلال إطلاقه على حديثنا في الفصل الثاني المُخَصَّص للدَّوافع التي دَعَتْنا إلى تناول مشروع محمد أركون بالدِّراسة والبحث، وكذلك الفصل الرَّابع المُتَعَلِّق بعرض آراء وأفكار مُفَكِّرِنا نقلاً عن نصوص مُحاضَراتِه وكتبه، فإننا ارْتَأَيْنَا هنا، ونحن بصدد التَّعريف به أن نَعْرِضَ مُوجزًا لفِكْره ونظرته للفِكْر الإسلاميّ، ولهذا سنفسح المجال له؛ ليُحَدِّثنا بنفسه عن فِكْره وأهدافه، ثم نَنْتَقِل إلى استضافة بعض مؤيديه أو تلامذته من العالم العَربي؛ ليُدْلُوا لنا بآرائهم نحوه، دون أن نَمْنع أنفسنا من حَقِّ المشاركة في الحوار الصَّامت الهادئ.
ونَوَدُّ أن نُشِيرَ إلى أننا مَهْما غُصْنا في بحر آراء وأفكار الدكتور محمد أركون، ومهما درسنا كتبه ونصوص مُحَاضَراته، ومهما أَنْصَتْنا لتَصْريحاته واستِجْواباته، فإنَّنا لن نستطيع أن نعرف معرفة شامِلَة جميع الأهداف والغايات التي يصبوا إلى تحقيقها من خلال نِتَاجه الفِكْرِيّ وتحركه الثَّقافي. ذلك أنَّ أركون صَرَّح شخصيًّا أنه يحتفظ لنفسه بمجموعة من الآراء في الفِكْرِ الإسلامِيّ والثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة وعدم توضيح الأهداف المُتَوَخَّاة من خلالها إلى أن تنضج الثَّقافة العربيَّة، وتستعد الشعوب الإسلاميَّة لتقبلها. يقول محمد أركون:
"... فالحُرِّية السياسيَّة غير مَوْجُودة للأسف في الدول المعاصرة؛ كما أنَّه لا يسمح للمُثَقَّفين العرب بأن يكتبوا بحرِّيَّة في صحف أوطانهم، وأقصد هنا الكتابة العلميَّة لا الكتابة السياسيَّة. وإذا كتبت شيئًا عن هذه الموضوعات فلابُدَّ أن تُراقِبَ نفسك، لذلك لا يمكن أن تقول كل ما يجب أن يقال، ولا يمكن أيضًا أنْ نَطْرَح بعض المسائل بسبب الرِّقابة وهي أحيانًا ذاتيَّة. أنا مثلاً كأستاذ وباحث أَوَدُّ أن أَطْرَح بعض الأسئلة، لكني لا أستطيع أن أفعل ذلك كما يقتضي العلم، لأنِّي أريد أن أبْقى في اتِّصال مع العَرَب؛ كي نَتَقَدَّم في حَلِّ بعض المشاكل دون أن تَنْقَطع الصِّلَة بين الباحث وسائر الناس. لهذا أقبل بالرغم من أني أتمتع بكل حريتي هنا كأستاذ في السُّوربون أن أفرض على نفسي هذا النوع من الرِّقابة، لأنِّي أفهم أن الباحث لا يحق له أن يَجْرَح نفوس الذين لا يَزَالُون غير مُسْتَعَدِّين ليفهموا ويُدْركوا بعض المشاكل التي يمكن أن تُطْرَح. هذه الأمور كلها تجعل الفكر العربي لا يقدم على طرح المشاكل التي لابد من طرحها في هذه الفترة. وعلى التَّخَلِّي عن هذه المواقف الأيديولوجية التي يفرضها نوع من الإجماع الاجتماعيّ والسِّياسِيّ السَّائد عندنا. هذه هي العَرَاقيل وهي كما تَرَى نفسيَّة وابستمولوجية ... هناك محرمات"[6].
وفيما يلي مَجْمُوعة من مقالات وتَصْريحات مُحَمَّد أركون مُقْتَبَسَة من بعض مُحَاضَراته وكتبه واستجوابات له مع بعض المجلاَّت العربيَّة، عمدنا إلى نقلها بشكل يجعل منها حوارا مُنَسَّقًا يُقَدِّم من خلاله محمد أركون أفكاره وآراءه دون تَعَسُّف أو اخْتِزَال، مُجْتَنِبِين كُلَّ حذف مقصود أو تضخيم مُفْتَعَل لما تحمله الفقَرات من مَعَانٍ وأَفْكارٍ إلاَّ ما يقتضيه الاخْتصار ويَدعُو إليه التَّركيزُ.
وكما سيلاحظ القارئ، فإن الفقرات الأولى تجلب الباحث وتستهويه وتثير فضوله؛ ليطلع على إمكانيَّة توظيف الاتِّجاهات الجديدة للعُلُوم الإنسانيَّة في الفِكْرِ الإسلاميّ عامَّة، وفي الدِّراسات القُرآنيَّة خاصَّة. وقد حَرصْنَا على إدراجها نَظرًا لما تَقْتضيه الأمانة في البحث، وما يستلزمه التَّنبيه لما يحتويه الخِطَاب الأركوني من استهلاك للأُسْلُوب الجاذِب المُغْرِي من خلال الدَّعوة إلى التَّحديث والتَّجديد في مَجَال الفِكْر والبَحْث.
يقول الدكتور محمد أركون:
".. أعود إلى التُّراثِ لأنَّ المُجْتَمَعات العربيَّة تعود إليه وتطالب به. إذن الأمر لا يتعلق بي شَخْصِيًّا ولكنه يتعلق بالمجتمع العَرَبي. أسمع في جميع البيئات العربيَّة جميع الناس يطالبون بالرجوع إلى التُّراث ويستخدمون التُّراث؛ كوسيلة إيديولوجية ووسيلة للكفاح، ويزعمون أنهم يستخدمونه؛ كوسيلة ثقافية علميَّة من أجل مُكَافَحَة الغرب الذي تَغَلَّب ثقافيًّا على المجتَمَعَات العَربيَّة[7].
• ".. أنا أنتمي في فرنسا، إلى جَامِعَة مَعْروفة جدًّا بالحُرِّيَّة الوَاسِعَة التي تَمْنحها لكل أعضائها؛ لتوجيه أبحاثهم في السُّبُل التي (يرونها) أفضل، أفضل علميًّا، وأفضل من حيث ما يمكن أن يَعْتبره كلُّ فرد على حدة بمثابة التزامه الشَّخْصِيّ، في عالم المعرفة وفي المُجْتَمَع الذي يعمل فيه، والمجموعة التي ينتمي إليها في الآن عينه. والشيء الثاني الذي يَرُوق لي، وأنا مُبْتَهِج بذكرك له وهو كوني صاعِدًا من ثقافة أقول إنَّها إسلاميَّة، وأتردد بأنْ أقول عربيَّة؛ لأن المشكل مطروح في الجزائر كما تعلم، لنَقُل (إنها الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة)، أَجَل هذا يُنَاسِبُنِي، وقد أَحْسَسْتُ دائمًا بِتَضَامُن تاريخيّ مع المَجْموعة الإسلاميَّة، في التَّاريخ، في القِيَم في التَّدريس، والتي طبعتني في أسرتي الصَّغيرة حيث كان الإسلام يَتَمَتَّع دَوْمًا بحُضُور حيّ وفَعَّال، ولأنَّني أَحس بهذا التَّضامن مع هذا المجموع التَّاريخي، فإنَّ أبحاثي وأعمالي الجامعيَّة ارتَبَطَتْ وتَلَبَّسَتْ بها. وقد عَبَّرَتْ منذ بعيد، عن هذا الموقف الذي يقوم على البحث عن مسائل؛ كباحث ومدرس، ليس فقط في المِضْمَار الجامِعِيّ وبالخضوع إلى مُقْتَضَيات جامعيَّة، ولكن انطلاقًا من حقل مُحَدَّد، هو حقل المُجْتَمَعات الإسلاميَّة. وكمثال على هذا فإن كل المشاكل التي عِشْتها في الجزائر شخصيًّا حين كنت طالبًا، وقت الحضور الفِرنسيّ، وفي جامعة كانت خاضعة لوزارة فرنسيَّة، أذكر أنني عِشْت احتدادات قَوِيَّة شأن كل جيلي في الجزائر بين تعليم يجيئنا من فرنسا وبين مشاكلنا؛ كجزائريين تتعلق بالعصريَّة، والتي لم نكن نجد من يجيب عنها في الجامعة. وقد أَحْسَسْت بهذا عميقًا وطبعني، ورسبت في نفسي قناعة، هي، في آن واحد، ثقافية وتاريخية، بأن أجيب وبكَيْفِيَّة مَنْهجيَّة على أسئلة مطروحة من قِبَل المُجْتَمَعات، ومنها مُجْتَمَعي، ولكن عوض تقديم إجابات إيديولوجية، وبطريقة نِضَاليَّة، أي بالانتماء إلى حِزْب سياسي، أقول عوض ذلك اخترت شخصيًّا الطريق العلمي، وهو اختيار عمدي، ولم أتَخَلّ عنه أبداً لقد اخترت الرد على تلك الأسئلة على الصَّعيد الثقافي والعِلْمي، وبمنهج البحث العلمي هذا هو ما أَتَبَنَّاه قويًا بالنِّسبة لموقفي الشَّخصي، ... إن هذا يجعلني أحارب على جَبْهَتَيْن، أحارب داخل المجتمع العربي الإسلامي اتجاهًا ذا سيطرة وتوسع، وهو الاتجاه الذي يريد إعطاء الأَوْلَويَّة للحَلِّ الإيديولوجي لمشاكِلِنا بدل حل قائم على البحث العِلْمِيّ. وفي نفس الوقت أُحَارِب ضد نَوْع من الاسْتشراق يزعم المراكمة المعرفية، ومُرَاكمة مَعلومات تقنيَّة عن هذه المرحلة من التَّاريخ حول تلك المسألة إلخ.. دون الاهتمام بربط نشاط الباحث بالمُتَطَلِّبات القائمة والمُلِحَّة لمُجْتَمعاتِنَا . إنَّ هذا واضح تمامًا، ويعرفه طلابي في ما أدرسه، وهو بَيِّن ، كذلك، في ما أنشره ...
إنَّ أحد ميادين تطبيق هذا المسار الذي اخترت، والذي فرضته علي الأحداث كذلك، هو دِرَاسة القرآن. ولكنها دِراسة بمثابة إعادة قراءة مُسْتَنِدَة، في آنٍ واحِد، على كل التَّجارِب الثَّقافيَّة التي بَلْوَرَها الفِكْر الإسلاميّ على قاعدة القرآن في المرحلة الكِلاسِيكيَّة، وكذا على الاستعمال الحالي للنَّصِّ القُرْآني من قِبَل المسلمين في مُخْتَلَف المُجْتَمَعات الإسلاميَّة. وهو استعمالٌ مُغايِر لما كان عند مُفَكِّرينا القُدامى، وهذا من النَّاحية الثَّقافِيَّة. وبالطبع فإنَّ المسلمين أَحَسُّوا أنَّهم يعيدون إحياء القَوْل القُرآني، إنهم يعيشون بالقول القرآني، ولكنهم لا يحسُّون، وهذا بسب غياب مَسْعى ثقافي ملائم، إنهم يعشون القرآن إيديولوجيا بكثافة؛ لأنَّ القرآن يَشْغَل وظيفة سيكولوجية مهمة، إنَّ هذا لا جِدَال فيه، ولكن هذا أيضا يعمي المسلمين عن أن يعيشوا القرآن ثقافيًّا؛ كما عاشه فقهاء وفلاسفة المرحلة الكلاسيكيَّة. إن هذا يشغلني ويسكنني وجوديًّا وثقافيًّا، وهو ما أعنيه بإعادة قراءة القرآن، وهو مثال يُبَيِّن تَجَذُّر البحث والتأمل، فيما يجري حاليًا في الاستعمالات التي نقوم بها نحن المُسْلِمين، بصرف النَّظر عن استشراق أو غَرْبنة، استعمالات بل مُناورات نقوم بها لأهداف وحاجات عاجلة، هي ليست حاجات ثقافيَّة، ولكنها سياسيَّة، اجتماعيَّة، سيكولوجيَّة، وبصنيعنا هذا نقيم عوائق أمام دخول حقيقي للثَّقافة الإسلاميَّة، وللصُّعوبات الرَّاهِنَة لاستعمال هذه الثَّقافة. وبالطَّبع، فمن أجل إكمال هذا العمل، أي دراسة الماضي بتاريخ، وبمنهج تاريخي نقدي، لا يتنازل في شيء لا للتَّمجيد أو الزَّهْو ولا للسُّهولة التي تَتَواتر عند العديد ممن يبحثون في هذا الميدان، ويتحدثون عن العَصْر الذَّهَبِيّ (1)، للوصول إلى هذا الفِكْر الكِلاسيكيّ وإلى غناه، والنَّظَر في كَيْفِيَّة ترابطه مع المُتَطَلَّبات الحاليَة، فإنني أَعْمَد إلى الاستمداد مما أسْمَيْته الفِكْر العِلْمِيّ المُعاصِر"[8].
• "... إنَّ البحث العِلْمِيّ المعاصر لم يُعْنَ -حتى الآن إلا قليلاً، وفي جامِعَات مَعْدودة ومُحَدَّدة-، بالتَّاريخ المقارن للآداب والأدْيَان، والنُّظم السياسيَّة، وطُرُق الإنتاج ودراسة اللُّغات. إن الفِكْر العَرَبي في حاجة ماسَّة إلى هذا الاتجاه في البَحْث العِلْمِيّ. وهو كان قد استَغَلّ ثقافاتٍ عدة في عصره الكلاسيكي الذَّهبي، ثم يُجَابِه الآن ومنذ القرن التاسع عشر تَفَوُّق الثقافة الغربيَّة التي يَتَلَقَّاها؛ كغزو فِكْريٍّ أكثر مما يُجَابِه تحدياته بوسائل علمية فكريَّة منفتحة على الإشكاليَّة الحديثة.
إني مُرْتَبِط بالمُعْطيات الوَاقعيَّة المُسْتمَدَّة من مُشاركتي في التَّطوُّر التَّاريخي للمجتمع الجزائري والمغربي بشكل عام، كما أني أحاول متابعة التَّيارات العلميَّة في مَيْدان العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، وأَخُصُّ بالذِّكر منها علم الألسنيات الذي يختلف كثيرًا عما يسمى بعِلْم اللُّغة أو فِقْه اللُّغة. كما أني مُهَتَمٌّ بعلم التاريخ؛ كما تمارسه مدرسة الحَوْليَّات منذ الثلاثينات. ثم إني أُتَابِع ما ينتجه علم الأنتروبولوجيا، وعلم النفس التاريخي، والسويولوجيا التاريخية، وفلسفة العلوم.
كل هذه الاتِّجاهات العلميَّة في البَحْث كانت قد ظهرت بعد سني الخمسينات والستينات، وهي تُصاحِب اليوم الانْتقالات الحضاريَّة، والثورات السياسيَّة، والاجتماعيَّة التي تتابع في العالم منذ حوالي ثلاثين سنة. إنه لابُدَّ للفِكْر العَرَبيّ الإسْلاميّ إذا ما أراد أن يَنْهَض من مُتابَعَة هذه التَّيَّارات. لا ليخْضَع لها خضوع المُتَعَلِّم المُقَلِّد، وإنما لكي يُشَارِك في تطويرها وتوجيهها، ويشارك في المناقشة الخَلاَّقة التي تدور الآن حول صِحَّتِها العِلْمِيَّة ووظائفها التاريخيَّة . بهذه المشاركة العلمية وبها وحدها يمكن أن ننتقل من مرحلة التَّلَقي والتأثر والتقليد (الذي يمتزج بالرَّفض، وعُقَد النَّقص، والمُماحَكَة الأيديولوجية العقيمة) إلى مرحلة الإنتاج، والخلق، والسِّيادة الفِكْريَّة"[9].
"... لم يَزَل قَصْدي الأول في البحث والنَّشْر توجيه عامَّة المسلمين نحو الطرق المُسْتحدثَة في التَّفكير والاتِّصال بالتاريخ، وتفهم ما يجري في مُجتمعاتنا المُعاصِرَة.. إنَّ المشكلة أَعْوص مما يتصوَّره معظم الناس بل المُتَخَصِّصون بمهمة التَّعريب ، إنَّ الباحث العربي في مَيْدان العلوم الإنسانيَّة بعد الخمسينات، يقف لا مَحَالة حاشرًا بين اثنين: إمَّا أن يعتني بإحياء التُّراث مُفَتِّشًا عن المخْطُوطاتِ القَديمة، جامعًا لها، مُحَقِّقًا لبعْضِها على الطَّريقة الفيلولوجية السليمة، معلِّقًا عليها على الطَّريقة التاريخيَّة المستوعبة للأسماء والأخبار والأماكن والأفكار، وإمَّا أن يميل إلى تأليف الكتب التاريخيَّة النَّقديَّة مُسْتَخْرِجًا من الوثائق القديمة ما تَحْتَويه من معلومات وسير وتأويلات ونَظَرِيَّات. وإذا اختار عمل التأليف والاستنباط الانتقادي، فلابد له أن يجتهد اجْتِهَادَيْنِ مُخْتَلِفَيْن: يجب عليه أن يتبع الإنتاج العِلْمِي الضَّخم في جميع اللُّغات، وسائل الميادين من ألسنية (أو اللسانيات)، وأنتروبولوجيا، وأتنولوجية وسوسيولجية، وعلم النَّفس، والنَّقد الأدبي، والتاريخ طبعًا (يكاد علم التاريخ؛ كما يمارسه المُتَخَصِّصون اليوم يجمع بين العُلُوم الإنسانيَّة كلها)، ثُمَّ على الباحث العربي أن يُلِمَّ في نفس الوقت بكل ما أَبْدَع القدماء من نَظَرِيَّات، واصطلاحات، ومناهج، وما جمعوا من أخبار ومعلومات لا لينقلوا ذلك إلى لغتنا العصريَّة مع شيء من التَّعديل والتَّرتيب والتَّسهيل للمَوَاد؛ بل ليُبْرِزوا رُوح كُلِّ عصر من العُصُور، وأسرار كل علم من العُلُوم، ووظائف كل مذهب، وكل تَيَّار إيديولوجي، وانْحِيازات كل شَخْصِيَّة من الشَّخْصِيَّات التاريخيَّة.
يعني هذا أنَّ الباحث المعاصر قد انتقل، أو يجب عليه أن ينتقل من التاريخ الراوي المؤكد للأيديولوجيَّة الصريحة أو الضمنية التي لا يخلو منها أي إنتاج بشري، إلى التاريخ المثير لمشاكل التفهم والانتقاد لجميع ما وَصَل إلينا مما نُسَمِّيه تُراث"[10].
وكما كان بِوِدِّنا أن نَسْمَع ونَتَّبع ما يقول أركون، ونحقق معه الهدف المنشود بإعادة تدوين التَّاريخ العربي الإسلامِيّ الاجتماعِيّ، والسِّياسِيّ، والثقافي مُستفيدِين من إيجابيَّات العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة الحديثة، لولا تصريحات أخرى عَبَّر عنها جعلتنا نتحفظ عن كل مساندة لمشروعه، ونأخذ حَذْرنا من كل دعوة يدعو إليها أو هدف يَصْبُو إليه.
من هذه التَّصريحات:
• "إنَّ الغرب بشكل عام، وفرنسا بشكل خاص قد وقعا في موقف مُتَطَرِّف ضد الدين يقابل الموقف المُتَطَرِّف السائد في المُجْتَمَعات الإسْلامِيَّة، والذي يستبعد كل حُرِّيَّة فكْرِيَّة أو نَقْديَّة باسم الدِّين. وبقدر ما يمد المسلمون من سلطة الدين؛ لكي تشمل مجالات الوجود والمجتمع من أجل ضبطها والسَّيْطَرة عليها بقدر ما نجد المُتَطَرِّفين العِلْمَانيين في فرنسا يخلون ساحة الحياة العامة من كل ما هو ديني. أنا مع العلْمَنَة وبقوة، ولكنِّي أرفض أن يمنع المتطرفون العِلْمَانيُّون دراسة الأديان بصفتها ظواهر ثقافيَّة كبرى، عاشتها البشريَّة خلال قرون وقرون. إني أعرف مُثَقَّفين فرنسيين يخجلون من التَّحدث أمام جمهور ما عن القضايا الدينيَّة خَوْفًا من أن يُنْعَتُوا بأنهم رَجْعِيُّون أو مُتَخَلِّفُون.. ينبغي أن لا ننتقل من موقع مُتَطَرِّف إلى موقع آخر. وينبغي أن نَتَّفق على مفهوم العلْمَنَة فلسفيًّا. ما العلْمَنَة؟ إنَّ العلمنة هي موقف للفِكْر أمام مُشْكِلَتَيْن
- الأولى: مُشْكِلَة المعرفة. كيف يمكن أن نَعْرف الظَّواهر؟ كيف يمكن أن نَفْهَم العالم بشكل دقيق ومطابق؟ لا يجوز حرمان الإنسان من حق الفَهْم بحُجَّة أي شيء كان..
- الثانية: كيف يمكن إيصال هذه المعرفة بعد اكتشافها وبلورتها إلى الآخرين؟ عندما نتوصل إلى نتائج جديدة ومُحَدَّدة في مجال عِلْمِيّ، ما تبقى علينا مَسْؤولية لا تَقِل أهميَّة عن الاكتشاف هي مسؤولية التَّوصيل أي توصيل هذه النتائج إلى الآخرين، إلى الجمهور.لقد عانَيْتُ من هذه النَّاحية كثيرًا ولا أزال فيما يخص بحوثي المُتَعَلِّقَة بالفِكْرِ الإسْلامِيّ، والفكر العربي إنها مُشْكِلَة شاقَّة..."[11].
• "... إنَّ الكائن الإنساني مُرَكَّب من العَقْل والعاطِفَة أو الخيال معًا، وليس من أحدهما فقط. ولكننا نجد في بعض الأوساط التقليديَّة التي تسودها العلوم النَّقليَّة أن الجانب العاطِفِيّ، والخياليّ يتغلب على المعرفة النَّقديَّة. فمثلاً نجد أنَّ ممارسة كتابة التَّاريخ لم تُؤَثِّر مُطْلقًا على العلماء المسلمين المُعَاصرين الذي يَسْتمرُّون في التَّكلُّم عن الحديث النَّبوي على طريقة الحِلِّي وابن تيميَّة. إنهم لا يعرفون المناهج الحديثة التي يطْرَحُها المؤرِّخون اليوم[12]. وهم يجهلون بعد الخيال أو "المخيال؟" جَهْلاً تمامًّا. بمعنى آخر، إنهم يعيشون داخل ذِهْنِيَّة خياليَّة ولكنهم يتوهمون أنهم يتحلون بعقلانيَّة عميقة وحقيقيَّة.. هذه هي المشكلة العَويصَة. إنهم يعيشون داخل الخيال الجمَاعِيّ (الذي يمثل قُوَّة اجتماعيَّة ضَخْمَة) ويعبرون عنه؛ وكأنه يمثل عقلانيَّة عُلْيَا مُتَفَوِّقة لا تَقْبَل النِّقاش (يعني أركون بهؤلاء؛ كما أشار الدكتور هاشم صالح الذي أجرى معه الحوار والذي اقتبسنا منه هذه الفقرة- السادة: أنور الجندي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومحمد الغزالي وغيرهم ممن تلقى كتاباتهم نجاحاً في الأوساط الإسلاميَّة). ولذلك فمن الصَّعْب أن نُبَيِّن لهم أن ما يعيشونه ويفهمونه؛ وكأنه عقلانيَّة كاملة لا يعتريها النَّقص ليس في الحقيقة إلا عبارة عن تَصوُّرات مَنْقولة تقليديًّا عن طريق المخيال الاجتماعي. هكذا تنعكس الأمور تمامًا. وبدلاً من أن يكون الديالكتيك واقفًا على رأسه يصبح واقفًا على قدميه. هذا ما ينبغي تبيانه عن طريق التحليل التاريخيّ.
إنَّ التُّراث الثَّقافيّ المُسَيْطِر في بلد ما لا يمكن تغييره، أو مَحْوه بين عَشِيَّة وضحاها. لا يمكن إدخال العقلانيَّة التاريخيَّة إلى البُلدان الإسلاميَّة بين يوم وليلة. بدون شك، يمكن بسهولة استيراد الغَسَّالات والبرادات وحتى السَّيَّارات وإدخالها إلى أرياف العربيَّة السعوديَّة، والعراق، ومصر، وسوريا، إلخ.. دون أن تتغير عقليَّات الناس بشكل جذري . إن تغيير الحساسيَّة صعب جدًّا. أَقْصُد بالحساسيَّة هنا طِرَاز إدراك العالم، والواقع ونَوعِيَّة النَّظْرَة إليهما. ينبغي أن ينال التَّغيير المنشود طريقة التَّغيير عن هذا الواقع في اللُّغة، ومن خلال اللغة. ينبغي تغيير اللُّغة أيضًا: أي عَلْمنتها، وعقلنتها كل هذا يحتاج إلى زمن طويل. هذا هو الشيء الذي يضغط بشكل هائل على مصير المُجْتَمَعات العربيَّة والإسلاميَّة. لهذا السبب بالذَّات فإنِّي أُوَلِّي مكانة مهمة لتغيير العامل الثَّقافي والفِكْري"[13].
• ".. في الإسلام، حول التَّفسير التَّقليدي، والممارسة الأخلاقيَّة الشرعيَّة السياسيَّة بسرعة القرآن وتَجْرِبَة النَّبِيِّ الدينيَّة إلى جملة من التَّعاريف، ومن القواعد الجامدة، ومن السُّلُوكيَّات الضَّاغِطَة، هذا الانتقال من القوى إلى الأشكال – الظاهر في كل الأديان – لم يُثِر اهتمام المفكِّرين المسلمين المعاصِرين. ولهذا من المفيد أن نَطْرَح مواضيع البحث والتَّأَمُّل التَّالية:
أ- يستعمل القرآن شَكْلاً لُغويًّا. ونماذج ثقافيَّة. ومراجع أُسْطوريَّة وكونيَّة، ومؤسساتيَّة، وتاريخية يدركها الجمهور العربي من أهل القرن السابع الميلادي لِحَضِّ الإنسان على أن يَعِي أوضاعه المحدودة؛ ككائن حي ، ميت، متكلِّم، ذكي ، سياسِيّ ، تاريخيّ . هناك إذن عَزْم قرآني ديناميكي. القرآن لا يفرض حلولاً نهائية للمشاكل العمليَّة للوجود الإنساني إنَّه يعمل على بَعْث نَوْع من نَظَر الإنسان إلى ذاته. إلى العالم إلى الآيات التي تُشَكِّل بالنِّسبة لكل الناس، وليس فقط بالنِّسبة للمسلمين بالمعنى الضَّيِّق للشَّهادة – أفقاً ميتافيزيقيا. إلى هذا المُسْتَوى العميق من الدَّلالة يهدف نشاط الدين – القوى . ولكن من أجل الوصول إلى هذا المستوى، يجب تجاوز الطَّبقات المُتَرسِّبة عبر التاريخ التَّفسيري، وعبر العادات الأُسْطوريَّة والأيديولوجيَّة في الأوساط الاجتماعيَّة المتنوعة. هكذا تَمَكَّنَّا من أن نميز بين الحدث القرآني، والحدث الإسلامي.
ب- من النَّاحية الأنتروبولوجيا الدينيَّة، يعتبر الحدث القرآني كما حددناه الشبه العربي (المنتقل والمنقول فعلاً إلى لغات أخرى) للحدث التوراتي، والحدث الإنجيلي. والدِّراسة المُعَمَّقة للأحداث الثلاث ستتيح تعميق فكرة الدين – القَوي في المجال السامي. وحدها هذه الدراسة ستمكن من مواجهة مشكل معاصر وأولي: إلى أيَّة حقيقة إيجابيَّة، منظورة، مُحَدَّدة، ترجع تعابير الدين – القوي، والعزم الدينين. والأفق الميتافيزيقي، والحدث القرآني، والتوراتي، والإنجيلي، التي استعملناها آنفا. وكيف تختلف هذه الحقيقة عن التي تغطيها الإيديولوجية. حول هذه النقطة بالذات، يتجابه ويختلف؛ كما هو معلوم وبشكل قاطع، التَّحليل الماركسي الموصوف بالعلمي، والنظرة الدينيَّة الموصوفة بالمثاليَّة...
جـ- إلى دخول العقل مجال الشَّكِّ، فإنَّ الحدث القرآني ؛ كالحدث التَّوراتي؛ والحدث الإنجيلي – يمكن وصفه بأنه عبر التاريخ : لقد مر بالفعل من كل المراحل التاريخيَّة دون أن يفقد من قوته الاستجوابيَّة حول الكائن في العالم المخلوق المتسائل عن أصوله، عن معنى حياته وموته، عن موقعه في العالم، عن علاقته بالكائن الأسمى، وبالآخرين...
د- نفهم إذن، ضمن هذه الظروف، لماذا إعادة قراءة القرآن ضَروريَّة تاريخيًّا وأنتروبولجيا وأبستيمولوجيا. ليس القصد "استرداد" نص اعتبر حيويًّا من قبل أو لصالح الأمة، بألاعيب ماهرة. المُهِمُّ هو إعادة الاتِّصال بالحركة الفِكْرِيَّة والرُّوحيَّة لدى كبار المفكِّرين المسلمين الذين أخضعوا القرآن لامتحان التاريخانية[14]. صحيح أن وضعنا التاريخي يضطرنا لأول مرة إلى طرح أسئلة أكثر جذريَّة من الأسئلة التي طرحت في عالم تمثل فيه الأسطورة والطُّقوس، والفَنّ، والكلام ، والنُّظم ، والعمل، والإنتاج ، والتَّبادل، ... حقائق مُتجانِسَة منتظمة مع القصد الديني ...
إن الفِكْر الإسلامي لا يمكنه أن يَتَهَرَّب طويلاً. إن فعل الإيمان "الأرثوذوكسي" المُحْتَسَب دَوْمًا، يقوم على التَّأكيد بأنَّ الدين يَرْتَكِز على الوَحْي الذي أنزله الله للناس بواسطة الأنبياء. وبالتَّالي فإن الدِّين فوق المجتمع. لكن الواقع العلمي الحديث ينزع إلى فرض فكرة أنَّ الدين كله في المُجْتَمَع. الله بذاته بحاجة إلى شهادة الإنسان له"[15].
• "... إنَّ مُراجعة نقديَّة لتاريخ الإسلام وللتُّراث الإسلامِيّ تفرض نفسها بإلحاح اليوم. وهذا الأمر يَتَطَلَّب عملاً ضخماً وهائلاً. يجب الاعتراف هنا بالتَّقَدُّم السَّاحِق للغَرْب الذي كان قد أنتج مئات الأعمال النَّقديَّة في هذا المجال.
نحن نشهد اليوم، وللمرة الأولى في تاريخ الإسلام، أسئلة من هذا النوع تُطْرَح في هذا الاتجاه اتِّجاه الشَّكِّ المستمر. يذكرنا هذا التعبير الأخير بذلك العصر الكبير للشَّكِّ الذي افتتح في القرن التاسع عشر من قبل ماركس ونيتشه ، لم يشهد الإسلام في تاريخه أبدًا شيئًا من هذا القبيل. لاشكَّ في أن هناك تطبيقات سلبيَّة "للشك نضرب مثلاً على ذلك الاستخدام النضالي والسياسي للماركسيَّة، بصورتها السَّطحيَّة المثيرة للجَماهير؛ لكي تنهض ضد الطغيان (طغيان حقيقي وموجود) وهذا شيء مشروع ومطلوب . ولكن هذا العمل قد أَدَّى في الوقت ذاته وفي أماكن كثيرة إلى تجميد الماركسيَّة، وتحويلها إلى قوالب "فِكْريَّة" مُهْترئة أو جامدة.
نلاحظ بالإضافة إلى ذلك أنَّ الماركسيَّة لم تعرف بصورتها الإيجابيَّة حتى الآن لا في الفكر العربي المعاصر، ولا في الفكر الإسلامي بشكل عام. نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص نقد القِيَم الذي قام به نيتشه تُجاه المسيحيَّة. وهذا النقد قابل تمامًا للتَّطبيق على الإسلام.
إذا ما نظرنا للتَّاريخ بكلَّيته ضمن هذا المنظور فإنه يصبح مُمْكنًا تعبيد (أو تعزيل) الطريق وتمهيده نحو ممارسة عِلْمانيَّة للإسلام، وذلك على ضَوْء التَّحديد الذي أعْطَيْناه للعلمَنَة سابقًا، يمكن للعلْمَنَة عندئذ (لكن متى؟) أن تنتشر في المجتمعات التي اتخذت الإسلام ديناً[16].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] يقول محمد أركون عن نفسه: "... لقد مررت بجميع مراحل الدراسة بالجزائر في مناطق مختلفة إذ لازمت المدرسة الابتدائية ببني ياني (ولاة تيزي أوزو)، ثم بعين الأربعاء (ولاية وهران) ثم الثانوية بوهران، ثم الجامعة بالعاصمة. وقد انغمست بإحساسي وفكري في المجتمع الجزائر أثناء المراحل الثلاث الأساسية التي مر بها منذ الأربعينات: أي مرحلة الاستعمار، ثم مرحلة حرب التحرير ثم مرحلة الاستقلال"، مجلة مواقف ، عدد 40 شتاء 1981، ص56، ضمن حوار مع المجلة بعنوان "التراث والموقف النقدي التساؤلي" شارك في طرح أسئلته كل من أدونيس وعباس طربيه وهاشم صالح.
[2] الفكر العربي المعاصر، عدد 13، يونيو – يوليوز 1981، ص 14 – 22، تحت عنوان "مشكلة الأصول"، أما مسكويه فهو أحمد بن يعقوب مسكويه، تُوفِّي سنة 421هـ مؤرخ بحاث، أصله من الري وسكن أصفهان وتوفي بها، اشتغل بالفلسفة والكيمياء والمنطق مدة، ثم أولع بالتاريخ والأدب والإنشاء. قال فيه أبو حيان: "لطيف الألفاظ، سهل المأخذ ، مشهور المعاني شددي التوقي، ضعيف الترقي، يتطاول جهده ثم يقصر، وله مآخذ وغرائب من الكذب – كذا – وهو حائل العقل لشغفه بالكيمياء . من كتبه:
- تجارب الأمم وتعاقب الهدم،
- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ( وقد قام بترجمته للفرنسية محمد أركون سنة 1969/ دمشق)،
- طهارة النفس،
- آداب العرب والفرس،
- الفوز الأصغر ، (علم النفس)،
- ترتيب السعادات (الأخلاق)،
- رسالة في ماهية العدل،
- نديم الأحباب وجليس الأصحاب،
- الحكمة الخالدة: جاويدان خرد (الفصل التاسع من كتاب أركون " نحو نقد للعقل الإسلامي عنونه "كيف نقرأ جاويدان خرد").
- الأدوية المفردة،
- الأشربة، وغير ذلك....
انظر ترجتمه كاملة في الأعلام للزركلي، المجلد الأول ، ص 211 و 212).
[3] الزمان المغربي، عدد 18 – 1983، ص 38 – 81.
[4] "Discours islamiques, discours orientalistes et pensee scientifieque" In Mutual perceptions: East and West, ed. B. Lewis, Princeton, 1984.
[5] "l'Islam et la laicite" in Bulletin du centre Thomas More, 1978, No24.
[6] الوطن العربي، عدد 385 بتاريخ 29 يونيو إلى 5 يوليوز 1984، ص 55. والفقرة من استجواب أجرته المجلة مع محمد أركون ونشر بعنوان "محمد أركون يتهم: غارودي يجهل الإسلام".
[7] مجلة "مواقف"، عدد 40، شتاء 1981، حوار مع محمد أركون بعنوان: "التراث والموقف النقدي التساؤلي"، ص40.
[8] "التأمل الأبستمولوجي غائب عند العرب"، الفكر العربي المعاصر، العدد 20 – 21 – 22، صيف 1982، من ص 80 إلى ص 82، ضمن حوار أجراه مع الكاتب المغربي أحمد المديني.
[9] "التراث والموقف النقدي التساؤلي"، ص 56 و 57.
[10] "الفكر العربي"، محمد أركون ترجمة الدكتور عادل العوا، منشورات عويدات ، الطبعة الأولى 1982، ص 6 و 7، والفقرة جزء من مقدمة أركون لطبعة كتابه المذكور بالعربية.
[11] "من الموقف الثيولوجي إلى الموقف المعرفي"، حوار أجراه أركون مع الدكتور هاشم صالح ونشرته مجلة الوحدة، عدد 3 ، دجنبر 1984، ص 130.
[12] يشرح أركون في مكان آخر ما يقصده من ممارسة كتابة التاريخ والعمل بمناهج علم التاريخ الحديثة فيقول: "هذا لا يعني أني ينبغي أن نهجر، لكي نتموضع في مهب التاريخ، مفهوم كلام الله الموحى به في القرآن. لكن الفكر الإسلامي لا يمكن بعد الآن أن يتحاشى الدروس الجديدة، حتى بالنسبة للوعي الغربي، لتاريخ الأديان المقارنة، وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا الدينية. والسيكولوجيا الاجتماعية، والتحليل النفسي والألسنيات: أي باختصار كل علم يتعذر الوصول إليه الآن عن طريق اللغات الإسلامية الأساسية. إن الأمر يتعلق بطرح مفهوم كلام الله طرحاً إشكاليًّا ضمن التوجهات التي فتحها العلم المعاصر، ثم طرح مفهوم الكتابات المقدسة، للمرة الأولى في تاريخ الأديان، خارج نطاق أية أسبقية تيولوجية (يعني بمفردات واضحة: الانطلاق من منظور علماني – بريش). إن هذا الرفض للأسبقية التيولوجية سوف يدان من قبل التيولوجيين (أي علماء الدين)، وذلك لأنهم يرون فيه موقفاً يقود، بالضرورة، إلى تفسيرات اختزالية للدين. يمكن لهذا الاعتراض أن يكون صحيحا لو أنه لم يكن هناك إلا تيولوجية واحدة للأديان كلها. لكننا نعرف جيداً أن هناك تيولوجيات مختلفة حتى داخل الدين الواحد نفسه..." (مواقف، عدد 40 ، ص 18).
كما إنه أشار في موضع آخر إلى مفهوم العلم التاريخي والسوسيولوجي كما يراه هو: "المعتقد التقليدي المشترك فيما بين الكتاب (يعني بها أركون المجتمعات اليهودية والمسيحية والإسلامية) يقضي بأن الدين هو تعليم منزل (موحى به من السماء) بحسب ما ورد في التصور القرآني. إن العلم التاريخي والسوسيولوجي يعتبر، بعكس ذلك، أن الدين هو "نظام من المعتقدات والمحظورات" يتلاقي مع الشأن الثقافي، والاقتصادي، والسياسي من أجل "خلق المجتمع". ويقول آخر، الدين في المجتمع والتاريخ، وليس فوقهما" (الإسلام: الأمس والغد – الطبعة العربية ، ص 189).
[13] مجلة الوحدة، عدد 3، ص 128 و 129.
[14] يذكر أركون في موضع آخر بعض هؤلاء المفكرين كمسكويه وأبي حيان التوحيدي وغيرهما. (يراجع في هذا الصدد كتاب أركون "محاولات في الفكر الإسلامي" وكذلك الحوار الذي أجرته جريدة "الرأي" المغربية وأعادت نشره بعد الترجمة زميلتها "العلم" في ملحقها الثقافي ليوم السب 16 صفر 1405 – 10 نوفنبر 1984).
14 الإسلام: الأمس والغد، الطبعة الفرنسية 1978، ص 140 – 145 ويمكن الرجوع إلى الترجمة العربية ص 116 – 122، إلا أن الترجمة كثيرًا ما تخالف النص الفرنسي ، وقد أشرنا إلى بعض عيوبها في الملحق).
[15] "الإسلام والعلمنة" من كتاب أركون الجديد: "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، نقلاً عن مجلة "دراسات عربية"، العدد 5، مارس 1986، ص 37.
[16] "جولة في فكر محمد أركون، نحو أركيولوجيا جذرية للفكر الإسلامي"، هاشم صالح مع تقديم لمحمد أركون بنفسه، مجلة "المعرفة" السورية، ال