اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Oooo14
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  User_o10

 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Empty
مُساهمةموضوع: الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام     الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:15

الاستبداد الديني
أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام
حفريات معرفية في: أصول الفكر المسيحي المعاصر



بسم الله الرحمن الرحيم

يثير عنوان هذا البحث مجموعة أسئلة تتبادر للذهن تلقائيا:
• هل هناك شيء اسمه "الاستبداد الديني"؟
• أليس هذا المصطلح مشوه التركيب؟
• وهل في الدين أصلا استبداد؟
• وهل يوجد سواء في تاريخنا أو عصرنا شخصيات أو هيئات دينية مستبدة؟
• وهل يزعم أحد ممن يوثق به بوجود فقه مستبد؟ ...

أسئلة لاشك آخذة بلب القارئ لعنوان البحث لأول وهلة، ودافعة إياه للعمق في التساؤل رغبة في معرفة ما هو هذا اللون من الاستبداد، ومن هي الجهة المستبدة بالدين؟ وهل يجرأ اليوم باحث على أن ينعت "المؤسسة الدينية" أو "رجل الدين" بالاستبداد مستندا إلى دلائل وقرائن موضوعية؟

أسئلة لا ريب أنها تتفاعل في ذهن القارئ، وتتوالد بكثرة، دون أن يجد لسد عطشها عبر صفحات البحث سبيلا، خاصة إذا كان شغوفا بالأجوبة النهائية، والآراء الفاصلة في الموقف الفكري والسياسي، رغم أن الموضوع وهو في طور البحث لا ينبغي أن يخرج عن إطاره العلمي، وأن تظل كل نتائجه نسبية حسب رؤية المجتمعات - وما فيها من المؤسسات والهيئات والجمعيات - للحياة والمجتمع تاريخا وواقعا ومآلا.

والغريب أنه مهما بلغت حدة التساؤل، وارتفعت درجة التفاعل مع المصطلح المركب قبولا أو اعتراضا، فالكل مجمع على أن مجرد وجود أضعف نسبة للاستبداد بالأسرة أو المؤسسة أو المجتمع يعتبر مخالفة صريحة لتعاليم وأحكام الدين، ليس فقط في الإسلام، بل في معظم ما نعرفه من الأديان؛ والكل موافق على أن الاستبداد لا ينتج إلا عن تعطيل للدين جزئيا أو كليا في الحياة والمجتمع.

لكن ألف الناس أن يسمعوا عن الاستبداد في الحكم والسياسة خاصة، فظل مفهوم الاستبداد حكرا على الحقول السياسية عامة، واشتهر على الألسنة مصطلح "الاستبداد السياسي"، بل كلما ذكر الاستبداد في أي خطاب، فلا يراد منه غالبا إلا هذا اللون اللصيق بالحكم وأنظمته، مع العلم أنه قبل أن يكون الاستبداد نتيجة لغلو أو تهاون في الشأن السياسي، فهو أصلا ومنطلقا غلو أو تهاون في الشأن الديني.

فلا يمكن للمتتبع لحركة وتطور واقعنا الحالي أن ينكر أن بعض الهيئات والجمعيات والأحزاب، سواء منها الدينية أو السياسية، تمارس عن علم أو غير علم نوعا من الاستبداد الفكري والثقافي ذي الطابع الديني، لكن الكاتب رأى لأسباب منهجية وموضوعية، أن ينخرط في البحث ضمن حدود التنقيب عن جذور الصراع الديني العلماني في عصر النهضة بأوروبا كي يقدم أنموذجا ثريا عن الاستبداد الديني، ليس فرارا من الواقع، ولكن اقتضت منهجية البحث الميداني والتحليلي إضفاء الأولوية على الاهتمام بجذور وأسباب الظواهر الاجتماعية والفكرية والسياسية، والبحث عن أصولها التاريخية، قبل الغوص في تطوراتها المعاصرة.

كما أن تحديد المجال زمانا ومكانا في هذا الموضوع الشائك يقتضي اختيارا وترتيبا يسمح باستخلاص نتائج مرضية وثرية يمكن الاستفادة منها في معالجة الواقع المعاصر الفسيح الأرجاء الكبير التعقيد. فليست الغاية الحصول على دلائل وقرائن لاتهام هذا الطرف أو ذاك من السلطة الدينية أو الهيئات والشخصيات المنتسبة للدين بممارسة الاستبداد، ولكن ظلت غاية الباحث إقناع القارئ عبر أنموذج تاريخي بأن الاستبداد الديني هو الأخ التوأم للاستبداد السياسي، إن لم يكن هو الأم له رحما أو رضاعة.

ولهذا لم يمنع الباحث نفسه عبر بعض المقاربات الموضوعية والمقارنات العلمية من عرض نتائج ودروس بحثه من خلال إنزالها على واقعنا الإسلامي المعاصر، رغم أن العينة المدروسة تخص دينا آخر وثقافة أخرى، داعيا القارئ بالصبر على تحمل استعمال مصطلحات ومفاهيم هي من صميم علم الاجتماع الديني، قد تبدو غير مألوفة في الخطاب العربي الإسلامي.

ويزعم الباحث أن المقاربة البحثية التي قام بها لا تخلو من فوائد، سواء من حيث الدرس التاريخي، أو التناول المنهجي، أو التنقيب عن جذور تيارات فكرية وثقافية وسياسية سائدة في عصرنا الحالي، واعدا بأن هذا البحث ستتلوه دراسات أخرى بغية نقد موضوعي لما اصطلح عليه عند بعض الباحثين بـ "العقل الديني"، وتنقيبا عبر حفريات علمية متأنية عن صلة الفكر "الغربي" الحديث بالفكر الكنسي وتطوراته المعاصرة.

كما يزعم أن الانسياق المعاصر نحو الحوار مع الآخر لا يمكن أن يكون حواراحقيقا منتجا لافتقاره للقوة المعرفية والثقافية والفكرية بالذات وبالآخر، وحاجته إلى العلم الراسخ بتاريخ التطور الفكري وما يجري في ساحات التدافع الثقافي بين أطراف متنوعة من الذات وجهات متعددة من الآخر. فالآخر أشكال وأنواع، ولكل منها أنصار وأتباع، ومعرفته تشريحا، ودراسته تفصيلا، تاريخا وحالا ومآلا، من أعز مواد الحوار، وهي أمور لا تشترى فضلا عن أن تباع!

بل يجزم ولا يزعم أن المفتقر للحوار مع أطراف ذاته، ضعيف لا محالة أمام خصمه، هزيل الموقف حين الحوار مع غيره، عديم القدرة للاستقلال بقراره، فمثله قد يرحب به لقلة فهمه، ويدعى للجلوس في المقاعد الأولى للتيقن من يسر تسخيره وسهولة استخدامه، ولكن الحقيقة الناصعة أنه غالبا ما يدعى لدورات تدريبية في التلمذة على أيدي الداعي والإذعان له، والإسراع بتنفيذ ما يرضيه وحسن الاستجابة له.

فأصحاب الحق يدركون أن الله يدافع عن الذين آمنوا فلا يمتنعون عن أي دعوة للسلم، وأولو النهى لا يترددون في الاستفادة من كافة الموائد التي تسمح بالاستزادة من العلم، لكن حين يأتي الحوار من السفارة لا من الجامعة، ومن جهات سياسية لا من المراكز العلمية، فالتجربة دلت على أنه في الغالب تطبيع مع ما تمنعت عنه الذات من أفكار، وتمهيد لصياغة مستقبلات غدت ممكنة محورها تهميش الصوت الراشد وتبويئ صاحب اللغو مراكز القرار.

ذلك، وقد علمنا الوحي وأنبأنا التاريخ أن صاحب اللغو كان للخسارة حليفا، وحسبنا لمزيد من الأمل في أن تكون لثقافانا النصرة، ويكون الحوار منا مفتوحا لأي كان مع العزة والقوة، أن كيد الشيطان كان على الدوام ضعيفا.

المـدخل
يكثر الحديث في ثقافتنا وأدبياتنا، منذ عقود وإلى اليوم، أن العلمانية بأوروبا هي نتاج ثورة الشعوب الأوروبية على الكنيسة، مع ابتسار واضح لدور رجال الدين المسيحي من داخل الكنيسة نفسها في بلورة الفكر العلماني، وتجاهل لجهود ومواقف عديد من المتدينين - المشاركين بقوة في برامج تنشيط العمل الكنسي - في صياغة الفكر الحداثي، وتغاض عن ما قام به أولئك الرجال جميعا من ثورة ليبرالية ثقافية وفكرية في وجه الاستبداد الكنسي.

فناقد العقل المسيحي[1]، وخاصة في نصوصه البابوية ومواقف إداراته الكنسية، والمتتبع لتطور فكره وثقافته في الأوساط الأوروبية ونواديها الثقافية والفكرية، والمحلل لما يتحرك ويتوالد بجامعاته ومنابره السياسية من فلسفات وآراء، منذ الاحتكاك بفكر الأندلس الإسلامي إلى أواخر القرن العشرين الميلادي، مرورا بالثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، والثورة الليبرالية التي اشتدت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، يلاحظ أن ثقافة قوية وفكرا مستنيرا - نسبة لما كانت عليه الأوضاع الثقافية والسياسية وقتئذ - قد ظلا سائدين في المجتمع الأوروبي بفضل عطاء ومساهمة العديد من أتباع الكنيسة المثقفين - والمتحررين نسبيا - في مجالات العلم والفكر والثقافة، على اختلاف مذاهبهم العقدية ومشاربهم الإيديولوجية.

وتجلى عطاء أولئك الثوار المسيحيين الفكري والثقافي في شكل كتب ومنشورات ومجلات ودروس ومحاضرات، مثل ما هو الشأن بالنسبة للمساهمات الفلسفية والفكرية والثقافية الأخرى، مضيفا لبنة أساسية لما يرمز إليه في الفكر الغربي المعاصر بفلسفة الأنوار، والتي تعد ثورة الإصلاح الكنسي في القرن السادس عشر الدافع الأساس لانبثاقها وانتشارها.

بعض تلك الإنتاجات حمل اسم صاحبه، حيث فقد بعد إصدارها إما مواقع سلطة في الهرم الكنسي، أو مكانة في بلاطها السلطوي، أو تقديرا متميزا لدوره الديني أو التربوي أو الاجتماعي؛ بل كثيرا ما نجده يعاني من جرائها متاعب ومصاعب دفعت إلى غضب البابا ومضايقات من لدن رجال السلطة الدينية المحلية والمركزية، حتى إننا لنجد من هؤلاء من اضطرته الضغوط والإكراهات إلى العدول عن آرائه أو توقيف نشراته أو مجلته.

وبعضها حمل اسما مستعارا أو صدر بدون اسم، كما هو حال مؤلفات ومنشورات العديد من المثقفين والمفكرين والفلاسفة زمانئذ، علما أنه إلى عهد قريب، كان لا يصدر الكتاب للعموم في الوسط الكاثوليكي إلا بعد موافقة الإدارات الدينية الرسمية، وصدور ترخيص موقع من طرف الكنيسة المحلية أو السلطة الكنسية المركزية.

ففي فرنسا مثلا، وهي مهد الثورة الليبرالية والوقوف في وجه سلطة الكنيسة، لا ينكر فضل منشورات ومجلات قوية مثل مجلة "الزمن الجديد" (L'ère Nouvelle)، ومجلة "المجلة الفرنسية" (La Revue Française)، ومجلة "المراسل" (Le Correspondant)، ومجلة "المستقبل" (L'avenir)، وغيرها من المجلات التي كانت تستقطب جمهورا هاما من القراء، وكان لها التأثير الكبير داخل الوسط الثقافي والفكري الأوروبي، خاصة داخل الكنيسة حيث جمهورها الصامت والواسع، يغذيها ويشجع على أفكارها مثقفون معروفون بولائهم للدين المسيحي مثل "لاموني" (Lamennais)، و"مونتالومبير" (Montalembert)، و"لاكوردير" (Lacordaire)، وغيرهم من الذين ساهموا جميعا في نشر فكر ليبرالي قوي في وجه الاستبداد الكنسي وتحجر الفكر المسيحي التقليدي، وكان جمهورهم الكبير قراء ومتعاطفين أغلبه من داخل الصف المتدين، بل كان لفكرهم بحكم انتمائهم الديني صدى كبير في أوساط المخلصين من أتباع الديانة المسيحية.

فالتاريخ المعاصر يشهد بأن العديد من رجال الدين المسيحيين قد ناضلوا ضد الاستبداد الديني والطغيان الفكري للإدارات الدينية المركزية بشتى الوسائل المتاحة لهم، إما عبر نشر الأفكار وتنوير الرأي العام كما ذكرنا، وإما عبر منابر التأثير الاجتماعي والسياسي بمؤسسات المجتمع المدني ذات الطابع الديني، مثل "الوكالة العامة للدفاع عن الحرية الدينية" (Agence Générale pour la Défense de la Liberté Religieuse) [2]، هادفين بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إضعاف سلطة البابا المدنية والدينية، وتمكين أفراد المجتمع من الحرية بمختلف أبعادها الاجتماعية والسياسية والدينية، وتأهيل رجال الدين المسيحي أساسا إلى الإسهام في خدمة تلك الحرية، ودفعهم لانتزاع مراتب اجتماعية ودينية وسياسية لم تكن لتتاح لهم دون الحد من جبروت الإدارات الدينية الرسمية.

ولا شك أن للثورة الفرنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صاحبها الأثر الكبير في بلورة الفكر الحداثي، وكسبه المعارك في وجه الفكر الكنسي التقليدي، لكننا حين التمعن في أحداث التاريخ، ودراسة حركة التيارات المتدافعة من القرن السابع عشر الميلادي إلى مطلع القرن العشرين، نجد أثرا هاما لرجال الدين المسيحيين في انتشار الفكر المضاد لسلطة الكنيسة، ساهم في اندلاع الثورة الفرنسية نفسها، ويسر السبل أمامها، بل أثر في فلاسفتها وتأثر بها، تنظيرا وتحضيرا وتأطيرا[3].

ولكن الشيء الذي ساهم في اشتداد حدة المواجهة بين الفكر الحداثي والفكر الكنسي الرسمي على الصعيد الثقافي والفكري، وخاصة على الصعيد العقدي، وأعطى دفعات قوية للعلمانية وانتشار خطابها وأفكارها، وظل نسيا منسيا في كتبنا ومراجعنا العربية، هو صدور لائحة بابوية للمقولات والأفكار الممنوع على أتباع الكاثوليكية التلفظ بها، اقتناعا بمحتواها أو تصديقا لأفكارها، فضلا عن الانخراط في الترويج لآراء ونظريات تتبنى أطروحاتها أو تنساق وراء فلسفتها.

وجاء هذا الإصدار ضمن ملحق للرسالة البابوية الدائرية والتوجيهية بتاريخ 8 ديسمبر 1864 والمعنونة "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura)[4]، ومضمون هذا الملحق لائحة ضمت ثمانين (80) مقولة أو فكرة تعتبر في نظر الكنيسة خطيئة وكبيرة سبق أن نصت على ضلالها رسائل وخطب سابقة لباباوات الكنيسة، بما فيهم البابا بيا التاسع الذي أصدر الرسالة المعنية وملحقها المثير للجدل.

ونحن لا ندعي بأنه مثير للجدل بناء على دراستنا الوثائقية واستقرائنا التاريخي فحسب، ولكن يشاطرنا الرأي العديد من أتباع المسيحية أنفسهم، ومثقفون بارزون من داخل الصف الكنسي الرسمي، الأقدمون والمعاصرون، والذين شهدوا بأن نشر تلك اللائحة كان وقودا لاندلاع انتقادات كبرى مكثفة وقوية ولاذعة للسلطة الكنسية الكاثوليكية وللكرسي البابوي وإداراته المركزية والمحلية، مازالت آثارها وردود فعلها تترى إلى أزمنتنا المعاصرة.

بل ساهم ذلك الإصدار في تقوية صفوف الجانب العلماني والتيار الحداثي، ومكنهما من كسب مواقع هامة داخل صفوف الحركات الدينية المستنيرة من جهة، وإضعاف سلطة الكنيسة الدينية والمدنية من جهة أخرى، وخاصة على صعيد الفكر والثقافة والتربية والرعاية الاجتماعية.

فما قاله الكاتب جوزيف لوكلير (Joseph Lecler) مثلا في مجلة "دراسات" (Etudes) المسيحية، والمنشور في عددها لشهر يونيو 1964 بمناسبة مرور مائة سنة على "لائحة المقولات والأفكار المحظورة" (السيلابوس: syllabus)، يدلنا مثل غيره من الأقوال المماثلة الصادرة عن رجال الدين المسيحي على خطورة تلك اللائحة، وحجم أثرها التقليدي والمتزمت على الفكر والثقافة المسيحية، منذ صدورها وإلى اليوم، وإن كان "مجمع الفاتيكان الثاني" (concile Vatican II) ببيانه حول الحرية الدينية (Dignatis Humanae Personae) قد أدار ظهره لهذه الوثيقة البابوية التي ظلت سيفا مسلطا بمثابة القانون الحاضر الغائب دهرا طويلا، وأصدر ما يعاكسها تماما من حيث الجوهر والأهداف والتعامل مع المرتكزات العلمانية التي انغرست في الثقافة الأوروبية والفكر الأوروبي، بل تجذرت تجذرا قويا في الفكر الكنسي نفسه والثقافة المسيحية المعاصرة.

يقول هذا الكاتب:
"لم يكن لأي وثيقة بابوية صدى مثل الذي كان للسيلابوس "اللائحة". فهذه المدونة للثمانين مقترحا صدرت كملحق للرسالة الدائرية البابوية كوانتا كورا (بأي قدر) من طرف البابا بيا التاسع بتاريخ 8 ديسمبر 1864، ومباشرة بعد صدوره أثار هذا السيلابوس في العالم بأسره، وفي كافة الأوساط - حتى غير المؤمنة منها - ردود فعل قوية، وانتقادات رائعة، مازال صداها ممتدا إلى اليوم. فهذا اللفظ اللاتيني البسيط الذي يعني "فهرست" قد أضحى له الوقع السحري، ومازال إلى اليوم يغذي فكر وفلسفة نقد السلطة الكنسية حتى بين المسيحيين أنفسهم، ودون الابتعاد عن إثارة بعض القلق"[5].
كما أننا نجد - إبان انعقاد المجمع المسكوني الأخير (مجمع الفاتيكان الثاني) في مطلع الستينات - أن العديد من المؤسسات والمراكز الكاثوليكية كانت تقوم بأبحاث ودراسات تمهد للقرار الذي أصدرته سلطة الكنيسة الكاثوليكية في شكل بيان صادر عن المجمع حول الحرية الدينية، والذي ألغى ضمنيا السيلابوس وما ترتب عليه من قوانين ومواقف وتوجهات.

من هذه المراكز "المركز الكاثوليكي للمفكرين الفرنسيين" (Centre Catholique des Intellectuels de France)، والذي أصدر كتابا ضمن سلسلته "أبحاث ومناقشات" حول "الحرية الدينية" جاء في مطلعه دراسة بعنوان: "الحرية الدينية وسيلابوس 1864 في زمننا اليوم"، ورد فيها ما يلي:
"لم يكن السيلابوس أبدا مقدما بشكل رسمي على أنه وثيقة لها حالة من العصمة، أو بمثابة نص دال على حقائق لا سبيل لتغييرها. بل يمكن التصريح بعد دراسة أنه يعبر عن زلة قدم الكرسي المقدس، دون أن تهتز قواعد المنظومة الكاثوليكية لتلك الزلة، مثل البابا هونوريوس[6] الذي يرشدنا المؤرخون بأنه قد دخل عهد الضلالة أو قريبا من ذلك."[7]
كما ذهب بعض المؤرخين وفقهاء الكنيسة إلى أن الرسالة وملحقها هو كتاب خاص صادر عن كتابة الدولة بالفاتيكان، جمع نصوصه المتفرقة في رسائل البابا وبعض أسلافه الأقربين شخص مجهول الهوية.

كل ذلك لينفوا عن الكنيسة ورطتها التي وقعت فيها، وليجدوا لأنفسهم حلا في قولهم أن ما يصدر عن البابا هو معصوم لأنه صادر تحت رعاية السيد المسيح وبحضور أو دعم الروح القدس، وكون تطور الفكر الكنسي لم يجد بدا في العقود التالية من التنصل من توجيهات ملحق تلك الرسالة القنبلة، بل التنكر الكلي له ونسيان ذكره ومحو أثره.

فعادة ما يحتفل في كل عشرية بالرسالة ذات الشهرة مثل ما هو الحال بالنسبة للرسالة التوجيهية للبابا ليون الثالث عشر XIII Léon (الذي تلا البابا بيا التاسع)، والمسماة "ريروم نوفاروم" (Encyclique Rerum Novarum) الصادرةبتاريخ 15 مايو 1891، والتي يعدها رجال الكنيسة أول رسالة ذات صبغة اجتماعية إذ خصصت للعناية بقضايا العمال والدفاع عن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية[8]، بل مضى القرن ولم نجد في المجلات المسيحية على كثرتها من يشير بالذكر إلى رسالة البابا بيا التاسع وملحقها رغم كونها صدرت دفاعا عن الكنيسة، وسعت لتكون سدا منيعا في وجه الحداثة الزاحفة، حيث رأى فيها معظم رجال الكنيسة بعد أقل من عقدين مصدر قلق على مستقبل المسيحية، وحجة قوية بيد المغرضين لإدانة الكنيسة، بل تصرفوا منذ موت البابا المذكور وإلى اليوم وكأنه ما صدر عن الكنيسة ذلك النص الملغوم ولا نشر.

فتاريخ صدور هذه المدونة يعتبر حدا فاصلا بين عهد كانت تجد فيه سلطة الكنيسة كثيرا من الأنصار ضمن جموع المسيحيين، ووحدة ما في صفوف رجال الدين، وعهد اشتد فيه الانتقاد لها حتى بين صفوف الأتباع والرهبان والأساقفة، وتمكنت فيه الجهات المنادية بالحداثة والعلمانية من نص ديني رسمي يسمح بالنقد اللاذع والتأليب الشعبي على السلطة الكنسية التي هدفت علنا بذلك الإصدار إلى تكميم الأفواه، ومصادرة الأفكار، وتعليب الآراء ضمن قوالب جامدة ومتحجرة.

وليس مثل هذا التصرف بغريب على الفكر الكنسي الرسمي، فمنذ العهود الأولى للمسيحية، وخاصة بعد "مجمع نيقية الأول" سنة 325 ميلادية، والذي حدد عقيدة التثليث، واعتبر رأي أريوس من مسيحيي الإسكندرية - التوحيدي نوعا ما - بدعة وضلالة، ظلت رسائل ومراسيم السلطة الدينية المسيحية، وقوانين المجامع المسكونية خاصة، تضم نصوصا ولوائح تحصي البدع والضلالات والأخطاء، مستنكرة لها ولاعنة قائليها ومروجيها، ومصنفة أصحابها ضمن لائحة الضالين والمطرودين من رحمة المسيح.

بل نجد عمل الكنيسة القانوني والفكري منذ القرون الوسطى إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي قد ظل في معظمه مجموعة قوانين ورسائل ومراسيم تشجب وتلعن ما تصفه بالبدع والأخطاء والضلالات المخالفة للعقيدة المسيحية كما يراها ويرعاها الكرسي البابوي، مثل المجمع المسكوني لترانت (1545-1565) (concile oecuménique de Trente) الذي ذيل أعماله بقوانين تشجب وتلعن الأطروحات والأفكار المخالفة للعقيدة التي أقرها المجمع، وعمق بذلك شروخا وانقسامات ما زالت تعاني منها الكنيسة إلى اليوم.

والمطلع على تطور العقل المسيحي الكنسي وفكره وثقافته، والدارس لنتاج الكرسي "الرسولي" الذي يجسد بنسبة كبيرة آلية وإنتاج ذلك العقل، يدرك أن الرسالة الدائرية البابوية الصادرة عن البابا بيا التاسع "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura)، والتي تضم ضمن ملحقها السيلابوس (المدونة)، تجد أصولها أساسا في الرسالة البابوية الصادرة عن البابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) والمعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832، والتي قصد منها البابا المذكور أساسا إسكات الكاتب المسيحي "لاموني" (Lamennais) وجماعته، ومنع مجلته "المستقبل" (L'avenir) ذات الخط التحرري والتأثير القوي في الأوساط الدينية[9]، والتي ساهمت في نشر أفكار ليبرالية تتلاقى مع الفكر الحداثي الناشئ، والشديد الارتباط بنشاط المؤسسات العلمانية، والماسونية أساسا.

ومساهمة منا في التعريف بجذور الفكر العلماني الغربي، والذي نراه إنتاجا مسيحيا خالصا في العديد من مكوناته، مع مساهمة يهودية ملموسة - لكن محدودة من حيث التأطير، وإن كانت قوية من حيث التنظير والتأثير - سنعمد إلى دراسة هذه اللائحة (السيلابوس) والتي ارتأينا أن نسميها "المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام"، لأنها بالفعل قامت بتدوين مجموعة من المقولات كما قلنا يحرم على المسيحي الإيمان بها، أو اعتقاد إمكانية صدقها وصلاحها.
وطبعا حين نقول البابوية، فإننا نقصد أنها صادرة عن أعلى سلطة كنسية كاثوليكية، وأنها تعني الكاثوليك بالذات قبل غيرهم، وهم الطائفة الكبرى ضمن المجتمع المسيحي.
لكن قبل أن نقوم بعرض نص المدونة، سنقدم تعريفا لشخصية البابا بيا التاسع (Pie IX)، مع إشارة لدوافع إصداره لتلك المدونة، وذكر نبذة عن الرسالة التوجيهية "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura) التي صدر نص المدونة ملحقا بها.

تعريف بالبابا بيا التاسع
لن نطيل الحديث حول حياة البابا بيا التاسع، ولا عن مساره الثقافي والديني،ولكن باختصار شديد نشير إلى أن الاسم الأصلي للبابا بيا التاسع هو "جيوفاني ماريا مستايي فيريتي" Giovanni Maria MASTAI-FERRETI (1792-1878) كان أطول من عمّر على كرسي البابوية (32 عاما تقريبا)، وعاصر عهد الثورات الليبرالية وانطلاق الفكر الشيوعي وتألق الفكر الحداثي والعلماني، وتميز إضافة لذلك لدى خبراء تاريخ الكنيسة بأنه صاحب المشكلات الأربع:
1. مواجهة الحداثة: وحين يذكر عداؤه ومواجهته لتياراتها يستند المنتقدون له أساسا على نص المدونة التي نحن بصدد دراستها.
2. عداؤه لليهود: حيث ينسب له - وهذا أمر يحتاج إلى دراسة تاريخية معمقة للتأكد من صحته، لكن الكثير من المراجع التاريخية تشير إليه - أن الكنيسة قد عمدت في عهده إلى تنصير اليهود قسرا. وتستند جل التهم من هذا الصنف الموجهة إليه على حادثة تنصير الطفل مورتارا (Mortara) سنة 1858، حيث تقول المصادر التاريخية - غير الكنسية طبعا - أن رضيعا يهوديا لا يربو عمره عن السنة والنصف أصيب بمرض خطير، فعمّد سرا حسب طقوس الكنيسة الكاثوليكية، ثم سحب قسرا من عائلته ليتلقى تعليما مسيحيا. وهذا الطفل أصبح بعد راهبا واعتبره البابا ابنه بالتبني.
وتشير تلك المصادر التاريخية إلى أن هذا الأمر قد تم بالفعل، بل تنص على أن الراهب المذكور "إيدغاروا ليفي مورتارا" قد ظل على رهبانيته إلى أن توفي سنة 1940.
3. ابتكاره لعقيدة عصمة البابا: فقد عمد إلى الدعوة لعقد مجمع مسكوني "مجمع الفاتيكان الأول" ما بين 1869- 1870 ليصدر العديد من القوانين، كان على رأسها الدستور Pastor aeternus المثير للجدل والمؤسس لعقيدة "عصمة البابا" بتاريخ 13 يوليو 1870. ذلك أنه وضع حدا لكل تواق للرجوع إلى قرارات "مجمع قسطنسة"[10] (constance) بألمانيا حول "النظريات المجمعية"[11] (Les théories conciliaires) والتي قضت بأن تكون سلطة المجامع أعلى من سلطة البابا.
ولولا أن المجمع اضطر إلى التوقف لظروف أمنية بعيد صدور ذلك الدستور لكانت لائحة القوانين أشد وقعا على الفكر المسيحي الكاثوليكي مما عرفه التاريخ. بل نقول لو أن الكنيسة كانت بالفعل مؤمنة بالديموقراطية والحرية لألغت دستور البابا بيا التاسع في مجمعها الأخير (مجمع الفاتيكان الثاني) وأعادت الاعتبار لعلو سلطة المجامع المسكونية كما فعلت مع المدونة/ السيلابوس، ولكن لكرسي السلطة حلاوته وجاذبيته.
وبالمناسبة - وحتى ندرك الحيرة الفكرية التي كانت سائدة في الوسط الكنسي الرسمي - فإن ذلك الدستور قد صوتت عليه الأغلبية حيث وافق عليه 553 أسقف وراهب من الحاضرين ضد 2 فقط، لكن المثير للانتباه أن الوفد الفرنسي المكون من قرابة الخمسين أسقف، غادر روما قبل ذلك التاريخ بيوم حتى لا يحرج البابا في عدم الموافقة على مقترحه الخطير.
4. اختلاقه لعقيدة "الطاهرة والعديمة الذنوب مريم" (dogme de l'Immaculée conception) سنة 1854، وهي عقيدة كان فكرها سائدا قبل البابا بيا التاسع، لكنه يعتبر أول من سنها كقانون من صلب العقيدة الكاثوليكية، وأقام احتفالات مشهودة لذلك.

أسس هذه العقيدة المستحدثة تنزيه العذراء مريم عن تهمة الخطيئة الأولى التي قام بها آدم وحواء كما هي مفصلة في كتب العقيدة النصرانية. فهذا الأصل من العقيدة النصرانية المتعلق بشمول الخطيئة الأولى لكافة البشر، وسريان إثمها في عقب آدم وحواء، سمح لأصول أخرى من تلك العقيدة أن تتمنهج وتتعقلن لتبرير خلاص وفداء المسيح "الإله الإبن" للبشرية.

إلا أن اعتبار السيدة مريم استثناء من التعميم الذي ينص عليه ذلك الأصل قد أوجد عقيدة أخرى تكاد تنطلق من التثليث إلى التربيع، علما بأن إضافة العصمة على البابا قد جعل عقيدة النصارى في طبعتها الكاثوليكية تميل من حيث المرجعية والتقديس إلى نوع من التخميس في العقيدة الكاثوليكية (الله، المسيح، الروح القدس، مريم، البابا)، علما أن عديدا من القراء المسيحيين سيرون - من وجهة نظرهم - أنني أغالي في وصفهم بأصحاب تخميس، كيف وهم يرون أنهم موحدون، توحيدا يتجلى في تثليث!

هذه العقيدة المستجدة كرست القطيعة مع البروتستانت، وجعلت الكنيسة في تناقض صارخ بين عموم الخطيئة الأولى على كافة البشر، والاستثناء الذي خصته للعذراء مريم.

ويشهد المؤرخون أن عهد البابا بيا التاسع هو الذي جعل من رد الفعل الكاثوليكي تجاه الثورة الفرنسية منهجا رسميا للكنيسة، واعتبر ما صدر من الدراسات والأبحاث والمقالات في هذا الشأن تراثا رسميا للإدارة الكنسية، مع عداء واضح وصارخ لمذهب البروتستانت، واعتبارهم الأصل في بلايا زمانه من اشتراكية وشيوعية وعلمانية وماسونية.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100165
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Oooo14
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  User_o10

 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام     الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:15

تعريف بالرسالة البابوية
كوانتا كورا (بأي قدر) (Quanta Cura)
لن نتطرق في هذا المقال المختصر إلى مدلول كلمة "رسالة دائرية" (encyclique) في القاموس الديني المسيحي، ولا إلى الأصول التي رجعت إليها الرسالة التي نحن بصددها من رسائل سابقة لباباوات الكنيسة وتوجيهاتهم وخطبهم ولعناتهم للأفكار والآراء المخالفة لطرحهم[12]، ولا إلى العلاقة الوطيدة كما ذكرنا بينها وبين الرسالة التوجيهية للبابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) والمعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832،[13] مكتفين بالقول بأن هذه الرسالة البابوية التوجيهية قد مثلت قمة الدفاع عن الكنيسة الكاثوليكية في وجه الحداثة العلمانية، أو على الأعم في وجه الثورة الليبرالية ذات النزعة الحداثية، ومن ثم كان اهتمامنا بها وبملحقها.

فهي بثوبها التقليدي وتشديدها السلطوي سمحت للثورة الليبرالية بأن تزدهر وتتسع داخل جمهور أتباع المسيحية من مسؤولين ومتدينين، بل حتى من داخل الهرم السلطوي نفسه، فهؤلاء جميعا قد استحسنوا في الغالب نقد تيارات الحداثة ومواجهتها للسلطة الدينية، ورضوا في داخل أنفسهم بكشفها صورا من جور واستبداد الكنيسة وفكرها المتحجر، بل رأوا في ذلك النقد المعقلن سندا لحركتهم الخافتة في وجه الفكر الكنسي السائد، والقائم عقبة في وجه التقدم، والرافض لكل قبول للرأي المخالف أو الحوار مع الآخر.

فليس عجبا أن يطفو على السطح نشاط مؤسسات ذات توجه عقدي مخالف للكنيسة الرسمية بشكل علني وبقوة بعد صدور تلك الرسالة وملحقها، سواء أكان ماسونيا أو يهوديا أو علمانيا أو غير ذلك. فلم يكن الصهاينة مثلا ليعقدوا مؤتمرهم الأول في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبكل حرية، لولا ضعف سلطة الكنيسة، واتساع مجال الحرية الدينية الذي أسهمت في انبثاقه الانتقادات العارمة لمضمون تلك الرسالة البابوية وملحقها المزعج، وانزواء رجال الدين المتشددين إلى خطوط الدفاع، وانشغالهم بتبرئة الذات وتحسين الصورة، وامتناعهم عن كل مواجهة، بعد إشباع الجهات المناهضة إدارة "الكرسي الرسولي" قدحا إلى حدود النيل من سلطان نفوذها وتقليص مجال تأثيرها، مما جعلها تنزوي إلى دائرة الدفاع عن النفس، ساعية عبر محاولات شتى إلى التجديد في خطابها التقليدي لمنع تقلص الأنصار المتزايد، والذي ضاعف من أثره ضياع الأراضي والممتلكات البابوية، وتقلص النفوذ "العقاري" والفلاحي للكنيسة. فلو عزم منظمو ذلك المؤتمر إلى عقده قبل نصف قرن من تاريخه مثلا، لكان للكنيسة بالتأكيد رغم أزماتها موقف مناهض ومعاكس[14].

فلقد سمح هذا الملحق برسوخ الأفكار التي أرادها ممنوعة ووصفها بالضالة بسهولة تقنين المواقف الحداثية دستوريا، وترويج الأفكار والثقافات المؤيدة لها على نطاق واسع، مما اضطر الإدارة العليا للكنيسة أمام الانتقادات الموجهة لها من داخل صفوفها وخيرة أتباعها إلى عقد "مجمع الفاتيكان الأول" (1869-1870) وإصدار قرار عصمة البابا، فزادت الطين بلة، ودفعت إلى توسيع مجالات الحرية الدينية، والظهور العلني، المؤسساتي والدستوري، لليبرالية المسيحية، مع نمو متصاعد للعلمانية، ونفوذ متزايد للأديان والملل الأخرى، وخاصة منها اليهودية التي كانت تعاني من الضيق والاضطهاد في أزمنة خالية.

بل لم تستطع تيارات الحداثة العلمانية - التي كسبت في ذلك الظرف العديد من المواقع السياسية والأرضية الدستورية - أن تضع قواعد الفصل بين الدين والدولة، وخاصة في الميادين التربوية والاجتماعية، إلا بفضل المناخ الثقافي النقدي الذي فجرته الرسالة البابوية وملحقها الاستبدادي، وقوة الردود التي كانت حولهما، حيث تمكنت من الدعاية السهلة لتحكيم العقل والمنطق لرفض مقتضياتهما، والتريث في الطاعة لكل توجيه ديني أو مدني من الكرسي الرسولي.

وغير خاف أن الفكر المسيحي التقليدي قد ظل منذ أن اقتبس تنظيم المجامع من المجالس الرومانية يفرض سلطته عبر إنزال لعناته على المخالفين في المجامع المحلية والمسكونية، وإقصاء معارضيه من الساحة، وسحب كل منزلة دينية عنهم، واتهامهم بسدنة الشياطين. ولقد ظل هذا النمط سائدا منذ بزوغ المسيحية التثليثية بشكل رسمي وجماعي في "مجمع نيقية" (concile de Nicée) سنة 325 ميلادية وحتى عقد "مجمع الفاتيكان الأول".

واستفحل الأمر بعد انشقاق الكنيسة على أيدي الراهب الألماني الثائر "مارتن لوثر" Martin Luther (1483-1546) واللاهوتي الفرنسي "جون كلفان" Jean Calvin (1509-1564) ورفاقهما من البروتستانت، وخاصة بعد انعقاد المجمع المسكوني لترانت (1545-1565).

ولعل البابا ليون الثالث عشر في أواخر القرن التاسع عشر - والذي جاء بعد البابا بيا التاسع - هو أول من حاول الخروج عن هذا المألوف، سعيا لكسب بعض المواقع الاجتماعية والحد من الانتقادات الشعبية. ثم تجسدت الثورة على الموروث في "مجمع الفاتيكان الثاني" [15] حيث كان صدور البيان حول الحرية الدينية والبيان حول العلاقات مع غير المسيحيين بمثابة طلاق مع الفكر المسيحي التقليدي، وإن كانت معظم دوافع صدور هذين البيانين هي من خارج الكنيسة، ونتيجة ضغوط وإكراهات لا علاقة لها بتطور الفكر المسيحي انسجاما مع المدون من العقيدة.

فكان طبيعيا أن تحتوي رسالة البابا بيا التاسع تنويها بالأسلاف، ولعنات للتيارات المعادية لفكرها، ووضع حدود صارمة تفرض على الواقع، يعد كل متجاوز لها داخل اللعنة الرسمية، ومؤهلا لأن يدون اسمه باللائحة السوداء. وبالفعل، تشير الفقرة الأولى من الرسالة التي نحن بصددها بوضوح إلى الأهداف التي كانت سائدة في الفكر المسيحي البابوي، والمتمثلة في التقليد الشديد للماضي، واعتبار كل تجديد ضلالا وخروجا عن طريق الصواب، بل انحرافا عن عقيدة المسيحية كما أثبتتها المجامع المسكونية.

فلقد جاء في الفقرة الأولى من الرسالة:
"نعم، إن أسلافنا قد برهنوا على أنهم هم المدافعون والمنتقمون لديانة الكاثوليك "العظيمة" وللحقيقة وللعدالة. فلقد كان همهم قبل كل شيء خلاص الأرواح، ولم تكن قلوبهم أحرص على شيء من اكتشاف وشجب - عبر رسالاتهم ودساتيرهم الحكيمة - كل الضلالات والأخطاء، والتي خلافا لعقيدتنا ودين الكنيسة الكاثوليكية، وخلافا لشرف الأخلاق والخلاص الأبدي للبشر، لم تفتر باستمرار تحدث العواصف الشديدة التي لطخت كلا من الكنيسة والمدنية".

ويلاحظ أن البابا قد بدأ مطلع رسالته بتمجيد الأسلاف الذين سبقوه في اعتلاء الكرسي البابوي، مشيدا بدقتهم وصرامتهم، وهو بذلك يريد أن يؤكد على أنه يسير على نهج أسلافه، والتمسك بمضامين الفكر المسيحي التقليدي في مواجهة مستجدات الواقع المعاصر، ومتطلبات ساحاته الثقافية والسياسية والفكرية والدينية، خاصة وأن الثورة الليبرالية كانت على أشدها بأوروبا، وأضحت بعد المواجهات الحادة مع البابا بيا التاسع في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي - كما سنلمح لبعض ذلك في دوافع إصدار المدونة - عامة وشمولية في جميع الأمصار تقريبا عبر انتشارها في جميع القطاعات الأدبية والفكرية والسياسية والتربوية.

دوافع إصدار المدونة
يشعر القارئ الناقد للنص بأن جمع المدونة كان شيئا مفكرا فيه قبل تاريخ صدوره، لكن لم تكن الكنيسة متحمسة له على رغم كونها راغبة في صدور قانون بابوي يلزم الأتباع بالاستقامة على الطاعة والاتباع، فهي عبر النص تخاطب أتباعها خاصة، حيث اتضح لها أن من ضمن فرق رجال الدين الخاضعين لسلطانها جمهور هام بدأت تستهويه فلسفة الحداثة، معتقدا صواب أفكارها، ومشاطرا لها الكثير من مواقفها.

ويلاحظ الناقد ذلك عبر تلمس العجلة التي أعد بها النص، ونظام ترتيب عناصره، وحرص المشرفين على إبراز بعض القضايا دون بعض. فآخر كتاب صدر حول هذه المدونة بمناسبة مباركة الكنيسة للبابا بيا التاسع ورفعه لمرتبة القديس الصالح[16]، يشير إلى أن النص أعد على عجل رغبة في تحقيق أهداف إعلامية بالأساس[17].

لكن إصدار الكاتب إرنست رينان Ernest Renan (1823-1892)لكتابه "حياة المسيح" (Vie de Jésus) سنة 1863، والذي لقي شهرة كبيرة بعد إصداره، كان حسب الخبراء والمؤرخين هو الدافع الأساس للإسراع بتحرير المدونة وتوزيعها على الأساقفة والرهبان. كيف وهو الكاتب الذي لقبه البابا بشاتم الإله ومنتقص الذات الإلهية الأوروبي (le blasphémateur européen).

وتحدثنا المراجع التاريخية الكنسية أنه كان للبابا بيا التاسع فعلا نية في أن يصدر السيلابوس مع التوجيه سنة 1854، والذي خصص للإعلان عن تأسيس "عقيدة الطهارة الكلية للعذراء مريم" (dogme de l'Immaculée conception)، إلا أنه كما يقول مؤيدو السيلابوس، لم يكن متجانسا البتة أن يوضع تحت "القدم العذري الذي يحطم كل الأخطاء" - وهم يعنون بذلك سيدتنا مريم عليها السلام - تلك اللائحة من الأخطاء والبدع المعاصرة.

بل وجدنا في الكتابات المعاصرة للفكر المسيحي احتجاج أولئك المؤيدين من المسيحيين الراديكاليين بتلك النية البابوية في النشر المبكر في وجه من ذهبوا من المؤرخين إلى القول بأن نشر اللائحة كان تحت وقع سلب الأراضي للسلطة الكنسية وتفتيت "الولايات البابوية"، وغيرها من الحوادث السياسية، بعيدا عن كل مقصد ديني، ليبرهن أولئك الراديكاليون على أن النشر كان نتيجة تفكير عميق وإعداد طويل لخبراء الكنيسة برئاسة الكرسي البابوي.

ولا شك أن الأحداث التاريخية تؤكد أن النية كانت بالفعل لدى البابا في إصدار المدونة سنة 1854، ذلك أن مواجهة الفكر الليبرالي والحداثي بدأت تطفو على السطح بحدة، مستغلة الأزمات السياسية والحروب الطاحنة التي سعرت لظاها في إيطاليا والدول المجاورة لها. ففي 29 أبريل 1848 أعلن البابا أنه لا يمكنه إعلان الحرب على دولة المجر الكاثوليكية، مما يوحي ضمنيا أنه يشجب التحركات التي يقوم بها الملك "شارل ألبير" ملك بييمونت (roi du Piémont)[18]. فكانت ردود الفعل أن اغتيل رئيس الحكومة بالفاتيكان الراهب "باليغرينو روصي" (Pallegrino Rossi) في 15 نوفمبر من نفس السنة، مما اضطر البابا إلى أن يغادر روما متخفيا في الأسبوع الموالي خوفا على نفسه إلى مدينة جاييت (Gaéte) (مدينة بالجنوب الإيطالي)، وهكذا أعلن عن نهاية الحكم السياسي والمدني بروما بتاريخ 9 فبراير 1849.

أما من باريس، فقد انطلق الانفجار الثوري الماسوني سنة 1848 ليعم كافة أقطار أوروبا، وصدر كذلك في نفس السنة البيان الشيوعي، لتتجسد الأفكار الناتجة عنهما في شكل جمعيات ومؤسسات ذات نفوذ في مجال الإعلام وأندية الثقافة والفكر في أقل من خمس سنوات.

ومما يقوي الشهادة بذلك أيضا أنه في تلك السنة (1854) ظهرت ببعض البلدان الأوروبية جمعيات ومؤسسات ترى أن مراسيم الدفن يمكن أن تكون مدنية، حيث سرى بين الناس نوع من الفكر يعتبر استدعاء راهب حين الموت تخلفا، وتسليما للكنيسة بأن لها سلطة على الآخرة؛ كما ساعد على نمو هذا الفكر موقف الكنيسة المتمثل في رفض دفن موتى من تعدهم من أعدائها في المقابر المسيحية، والتي ترى تربتها مقدسة ومنزهة عن احتواء رميم المفكرين الأحرار.

فمثلا نجد المفكر المسيحي "بيار - تيودور فرهايجن" (Pierre-Théodore Verhaegen) (1796 - 1862) مؤسس الجامعة الحرة ببروكسيل معقل العقل الماسوني، والأستاذ الأكبر للمحفل الماسوني البلجيكي من سنة 1854 إلى 1862 ( بل هو الذي ألغى القرار 135 من قانون المحفل الذي كان يمنع مناقشة الشأن الديني البلجيكي حيث اعتبارا من تاريخ إلغائه يوم 21 أكتوبر 1854، أصبح انتقاد الماسونية للكنيسة صريحا وقويا)، يعلن بتاريخ 10 ديسمبر 1862 أنه يطالب بمراسيم دفن مدنية رغم عدم رضا عائلته المتدينة. وإعلانه هذا شجع فكرة "الموت المدني"، خاصة وأن طلبه صادر عن شخصية، ماسونية نعم، لكنها ما لبثت تنادي جهارا بمسيحيتها، حيث نجد هذا الأستاذ يعلن سنة 1852م في البرلمان البلجيكي الذي كان رئيسه مراراً: "إنني مسيحي، وأعلنها بكل قوة". وتم تحقيق رغبة هذه الشخصية في يوم مشهود في التاريخ البلجيكي (الماسوني) بتاريخ 7 مارس 1863م[19].

من الدوافع كذلك انعقاد مؤتمر ميونخ (Munich) في ألمانيا تحت إشراف "دولانجر" (Doellinger) في سبتمبر 1863، إذ وجه البابا رسالة إلى المؤتمرين عبر كبير أساقفة ميونخ ينبههم فيها - بعدما بلغته الأفكار التحررية التي دعي لها المؤتمر ونوع الخطاب المنتقد للكنيسة الذي عبر عنه بعض المدعوين - إلى ضرورة خضوع المؤمنين لتعاليم وتوجيهات السلطة الدينية.
ومنها كذلك انقاد مؤتمر "مالين" (Malines) ببلجيكا ما بين 18 و22 أبريل 1863م بدعوة من الكاثوليك البلجيكيين، حيث خطب المفكر مونتالومبير" (Montalembert) وتناول الكلمة مرتين، بخطاب تحرري لم تكن لتقبله حينذاك سلطة الكنيسة، حيث طالب بفصل السلطة الدينية عن المدنية.

ومن الأمور التي دفعت البابا كذلك إلى إصدار لائحته، ما بدأ يشاهده التعليم من جرأة لأساتذة الفكر الحر والمعادي للكنيسة على طرح الأفكار داخل الجامعات والوسط الطلابي، فمثلا في مدينة "غاند" (Gand) و"بروج" (Bruges) البلجيكيتين، تحرك القساوسة سنة 1856 ضد أستاذين جامعيين ينكران ألوهية المسيح، ويطالبان الكنيسة بالعمد إلى التحديث والتطوير، وطالبوا بوضع حد لمثل هذا التعليم الإلحادي.

هذا فضلا عن التهديد الشخصي الذي أحس به البابا من جراء توقيع اتفاقية بين نابوليون الثالث وملك بييمونت " فيكتور إيمانويل" Victor-Emmanuel في 15 سبتمبر 1864 على أن تسحب فرنسا قواتها الحامية للبابا على مدى سنتين، مما جعل البابا يعجل بإصدار ما كان يؤجله احتراما وتقديرا للحماية التي كانت موفرة له.

كما أننا نلمس من نصوص المدونة أن من بين دوافع إصدارها ما يلي:
• ارتفاع السقف المعرفي لدى الفرد الأوروبي منذ احتكاكه بالفكر الأندلسي، وتشبعه بالفكر الثوري الفرنسي، وتدني معدلات الأمية في وسطه الاجتماعي منذ 1830، وتمتعه بثمار الصناعة المطبعية التي مكنت من رواج الدراسات والكتب والصحف والمجلات على مستوى شعبي ودولي، فلم يعد مقتنعا بالخطاب الديني التقليدي المناهض للتطور، ومهيئا من جراء ذلك لاستيعاب الخطاب الحداثي والتمرد على السلطة الكنسية، وهذا ما يشير إليه الفصلان الأول والثاني في ذمهما ضمنيا للفلسفة والعقلانية والفكر الحر.

• رغبة المواطن الأوروبي في الارتقاء إلى مستويات رغيدة من العيش، ودرجات عالية من الحرية السياسية والفكرية والدينية، وخوف الإدارة الكنسية من انتشار المذهب البروتستانتي، أو الردة الجماعية للأوروبيين عبر اعتناق ديانات أخرى غير المسيحية الكاثوليكية، حيث رأت الكنيسة أن عليها كسب الناس عبر الانتقاص من معارضيها وإلزام الأتباع بعدم الإيمان بأفكار تؤدي حتما إلى غلبة الخصم وإضعاف سلطتها التقليدية، وهذا ما تشير إليه أساسا الفصول الثالث والرابع والسادس والعاشر.

• انتشار الزواج المدني بالوسط الأوروبي، وهذا ما يشير إليه بوضوح الفصل الثامن.

• ضعف الحنكة السياسية والاستراتيجية للكنيسة، وفقدانها المزيد من السلطة السياسية أمام زحف المجتمع المدني، وهو ما يشير إليه الفصلان الخامس والسادس.
فمما يذكره الراهب الراديكالي "جاك بلونكار داساك" (Jacques Ploncard d'Assac) في محاضرته[20] حول السيلابوس بتاريخ 2 سبتمبر 1984، أن المؤرخ أذريان دانسيت (Adrien Dansette)[21]، أشار في موسوعته "التاريخ الديني لفرنسا المعاصرة" (Histoire religieuse de la France contemporaine) بأن الأخطاء التي أشيع بضرورة شجبها ولعنها من طرف الكنيسة هي:
- علمانية الدولة.
- حرية الضمير وحرية المعتقد.
- حرية الإعلام.
- سيادة الشعب.
- حق المجتمع المدني في الاهتمام والانشغال بالقضايا التي تهم الدين.
لكن الأستاذ المحاضر يعترف أن الرسالة وملحقها إن كانا لم يضيفا شيئا فيما يخص موقف الكنيسة التقليدي، فإنهما سمحا بتقديم تلك الأخطاء في شكل صارم مفعم بالتحدي.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100165
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Oooo14
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  User_o10

 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام     الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:16

تاريخ تحرير المدونة
تجمع الدراسات التاريخية على أن فكرة إصدار مدونة للأخطاء المعاصرة صدرت سنة 1849عن الكاردينال أسقف مدينة "بيروز" (Pérouse) جيواشينو بيتشي (1810 – 1903) (Gioacchino Pecci)، والذي خلف البابا بيا التاسع على كرسي البابوية ولقب بالبابا ليون الثالث عشر، وذلك إبان عقد المجمع الإقليمي لمدينة "سبوليت" (Spolète)، حيث ورد فيه تقريره ما يلي:
"ولنطلب حالا من أبينا المقدس حضرة البابا أن يمدنا بدستور يحدد مختلف الأخطاء المتعلقة بالكنيسة والسلطة الملكية، ليضع عليها طابع الرقابة اللاهوتية المرادة، وليعلنها في الأشكال المعتادة. ورغم أن نفس هذه الأخطاء قد تم شجبها من طرف الكنيسة بشكل منفرد، فإن المجمع المقدس يتبين له أنه من المنفعة الكبرى لخلاص المخلصين أن تقدم تلك الأخطاء في لائحة وفي الأشكال التي تظهر بها اليوم، مع إنزال أقسى الحكم في حقها"[22].

وفي سنة 1852، طلب البابا من الكاردينال فورناري (cardinal Fornari) أن يقوم بالاتصال بالأساقفة وكبار المثقفين الكاثوليك لدراسة الحالة الفكرية للمجتمع المعاصر في ما يخص معظم الأخطاء والضلالات السائدة فيه بالنسبة للعقيدة، ونقط التقائها مع علوم الآداب والسياسة والاجتماع. فبادر الكاردينال إلى إرسال رسالة في هذا الصدد لطائفة منتقاة من الأساقفة والمفكرين، ألحقها بلائحة تضم 28 خطأ من النوع الذي يراد جمعه وحصره.

ولم تصدر اللائحة في شكلها النهائي إلا بعد اثني عشر سنة من هذه البداية الفعلية، واختلفت الأقوال بين من يرى أن تلك المدة الطويلة كانت دلالة على عمق التفكير والتداول الكبير الذي تم في هذا الشأن، وبين من يرى فيها التوقف والتراجع المرحلي الذي انتاب الكنيسة حين عزمها على إصدار هذا المشروع، وأن هناك معارضات واجهت النص ومنعت من السرعة من إصداره، لينتهوا إلى أن شكل عرضه وتسلسل فقراته دال على الاستعجال في إخراج شيء تم الاستغناء عنه في مرحلة ما، ثم دعت الظروف المستجدة إبرازه ونشره.

لكن وإلى اليوم، لم يكشف الفاتيكان - رغم مرور قرابة القرن ونصف على هذا المشروع - عن أسراره ودوافعه الحقيقية، كما لم يسمح لأحد بأن يطلع على وثائقه، فيعرف ما هي الأجوبة التي تلقاها الكاردينال فورناري، وما هي الاقتراحات التي أخذ بها، وكيف كانت ردود فعل أهل الفكر والثقافة الذين تم الاتصال بهم. فكل ما قيل حول هذا الموضوع هو مجرد مقاربات لا تستند إلى أرشيف ووثائق، وكيف السبيل لها وهي ما تزال إلى اليوم في طي الكتمان.

نص المدونة
ضمنيا، مادامت المدونة تسعى لحصر الأخطاء والضلالات الكبرى التي لا يجوز الإيمان بمحتواها أو إضفاء نوع من الحقيقة على مضمونها، فإني أدعو القارئ إلى أن يعتبر بأن كل مقولة أو فكرة ينبغي أن تقرأ وكأنها مسبوقة بعبارة: " إنه لمن الضلال الاعتقاد بأنه..."، وهو ما رأيت الطبعات الحديثة للمدونة تنص عليه.

الفصل الأول
وحدة الوجود والفلسفة الطبيعية والعقلانية المطلقة
1. لا يوجد أي مخلوق إلهي أعلى، كامل في حكمته، وفي نبوءته، بحيث يكون متميزا عن عالمية الأشياء، والله مطابق لطبيعة الأشياء، ومن ثم فهو خاضع للتغيير. فالله بحكم ذلك هو الموجود في الإنسان وفي العالم، وكافة المخلوقات آلهة، ولها المادة ذاتها التي لله، وهكذا فالله هو نفس وذات الشيء مع العالم، ونتيجة لذلك، فالروح هي نفس الشيء مع المادة، والحاجة مع الحرية، والحق مع الباطل، والخير مع الشر، والعدل مع الجور.
2. يجب إنكار كل فعل لله على الناس وعلى العالم.
3. العقل الإنساني، المستقل كليا عن الله، هو الحكم الوحيد بين الحقيقة والكذب، والخير والشر. بل هو قانون الإنسان، ويكفي بقواه الطبيعية لجلب الخير للناس وللشعب.
4. كل حقائق الدين نابعة من القوة الفطرية للعقل الإنساني، ومن ثم فالعقل هو القانون الأسمى الذي من خلاله يستطيع ويجب على الإنسان أن يدرك المعرفة وجميع الحقائق من كل نوع.
5. إن الوحي الإلهي ناقص، ومن ثم فهو خاضع لتطور مستمر وغير محدود يستجيب لنقد العقل الإنساني.
6. إن الإيمان بالمسيح معارض للعقل الإنساني، والوحي الإلهي ليس فقط غير مفيد، ولكنه فوق ذلك، عائق في وجه كمال الإنسان.
7. إن النبوءات والمعجزات الواردة والمقصوصة في الكتب المقدسة وأسرار الإيمان المسيحي هي خلاصة للتحقيقات الفلسفية، وفي كتب العهد القديم والجديد اختراعات أسطورية، بل المسيح نفسه خيال أسطوري.

الفصل الثاني
العقلانية المعتدلة
8. بما أن العقل الإنساني مساو للدين نفسه، فإن علوم اللاهوت يجب أن تعالج بنفس الطريقة التي تعالج بها العلوم الفلسفية.
9. كل عقائد الدين المسيحي بدون استثناء هي نتاج علم الطبيعة أو الفلسفة، والعقل الإنساني - بالثقافة المحصلة تاريخيا وحدها - يمكنه انطلاقا من مبادئه وقواه الطبيعية، أن يصل إلى المعرفة الحقة لكافة العقائد - حتى الغامضة منها - ويكفي فقط أن تعرض هذه العقائد على العقل الإنساني نفسه كموضوع.
10. بما أن الفيلسوف شيء آخر، وشيء آخر كذلك الفلسفة، فإن من حق الفيلسوف وواجبه أن يخضع لسلطة اعترف هو نفسه أنها الحق، لكن الفلسفة لا يمكنها ولا يجوز لها أن تدعن لأي سلطة.
11. الكنيسة ليس عليها فقط أن تمتنع - وفي كل الأحوال - عن مصادرة الفلسفة، بل عليها أن تتسامح مع أخطاء الفلسفة، وتترك لها المجال لتقوم بتصحيح ذاتها بنفسها.
12. إن مراسيم الكرسي الرسولي والتجمعات الرومانية والإدارات الدينية بالفاتيكان تعرقل التقدم الحر للعلم.
13. إن المنهج والمبادئ التي عبرها صاغ دكاترة المدارس والفقهاء علم اللاهوت لم تعد مناسبة كلية لحاجيات زمننا ولتقدم العلوم.
14. يجب أن نهتم بالفلسفة دون أي اعتبار للوحي الخارق.

يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى الملاحظة الآتية:
ترجع أخطاء أنطوان غنتير (Antoine günther) في معظمها لمنظومة العقلانية، والتي تم لعنها في رسالة "الكاردينال جثليق"[23] لكولونيا بعنوان Eximiam tuam بتاريخ 15 يونيو 1857، وكذلك في رسالة بطريق دوبريسلو l'Evêque de Breslau بعنوان Dolore baud mediocri بتاريخ 30 أبريل 1860.

الفصل الثالث
اللامبالاة
15. كل شخص حر في اعتناق وممارسة الديانة التي يرى في ضوء العقل أنها الحق.
16. يمكن للناس أن يجدوا طريق الخلاص الأبدي ويحصلوا على هذا الخلاص عبر اعتناق أية ديانة.
17. مما يؤمل - على الأقل - من الخلاص الأبدي أن يصل إلى كافة الذين ليسوا مطلقا مع الكنيسة الصحيحة للسيد المسيح.
18. البروتستانتية ليست إلا شكلا آخر لنفس الدين المسيحي الصحيح، شكل يمكن أن نكون فيه محبوبين لله كما في الكنيسة الكاثوليكية.

الفصل الرابع
الاشتراكية - الشيوعية - الجمعيات السرية - الجمعيات الثوراتية - جمعيات رجال الدين الأحرار
إن هذه الآفات قد تم مرارا استهجانها بألفاظ غليظة في:
- الرسالة الدائرية Encyclique Qui pluribus بتاريخ 9 نوفمبر 1846،
- والخطاب الرسمي (الإرشادي) Quibus quantisque Allocution بتاريخ 20 أبريل 1849،
- والرسالة الدائرية Nostis et nobiscum Encyclique بتاريخ 8 ديسمبر 1849،
- والرسالة الدائرية Encyclique Quanto conficiamur mærore بتاريخ 10 أغسطس 1863.

الفصل الخامس
ضلالات حول الكنيسة وحقوقها
19. الكنيسة ليست مجتمعا صحيحا ومثاليا كامل الحرية، وليست لها حقوق خاصة ودائمة مخولة لها من طرف مؤسسها المقدس. بل من حق السلطة المدنية أن تحدد ما هي حقوق الكنيسة، وفي أي حدود يمكنها ممارسة تلك الحقوق.
20. لا يمكن للسلطة الكنسية ممارسة نفوذها دون ترخيص وموافقة من السلطة المدنية.
21. ليس للكنيسة الحق في أن تحدد عقائديا أن ديانة الكنيسة الكاثوليكية هي وحدها الدين الحق.
22. إن مسؤولية الأساتذة والكتاب الكاثوليك ليست مندرجة كلية إلا في المواد التي يحددها حكم الكنيسة المعصوم بكونها عقائد الإيمان التي على الجميع الإيمان بها.
23. إن الأحبار الرومان (الباباوات) والمجامع المسكونية قد تجاوزوا حدود سلطاتهم، وانتحلوا حقوق الأمراء، بل ضلوا في التعاريف المتعلقة بالإيمان والأخلاق.
24. ليس للكنيسة الحق في استعمال القوة، وليست لها أي سلطة دنيوية لا مباشرة ولا غير مباشرة.
25. إضافة إلى السلطة المتأصلة في الأسقفية (أي في الكنيسة)، هناك سلطة أخرى هي السلطة الدنيوية التي منحت إما بشكل واضح أو ضمنيا من طرف السلطة المدنية، وبالتالي يمكن إلغاؤها بإرادة هذه السلطة المدنية.
26. ليس للكنيسة الحق الطبيعي والشرعي في الاقتناء والامتلاك.
27. يجب أن يبعد الوزراء المقدسون للكنيسة (الإدارات الدينية) والحبر الروماني (البابا) عن كل إدارة أو سيادة للشؤون الدنيوية.
28. لا يسمح للأساقفة بأن ينشروا رسائل رسولية دون إذن من الحكومة.
29. يعتبر كل عفو من طرف الحبر الروماني (البابا) لاغيا إذا لم يخضع لموافقة الحكومة المدنية.
30. إن حصانة الكنيسة والشخصيات الكنسية تشتق أصولها من القانون المدني.
31. إن المنتدى أو المحكمة الكنسية للأحكام الدنيوية لرجال الدين، سواء على الصعيد المدني أو الجنائي، يلزم أن تلغى كلية، وحتى بدون استشارة الكرسي البابوي، ودون أي اعتبار لاحتجاجاته.
32. إن الحصانة الشخصية التي تعفي رجال الدين من الخدمة العسكرية يمكن أن تلغى دون انتهاك للعدالة أو الحق الطبيعي، فالتقدم المدني يملي هذا الإلغاء، خصوصا في مجتمع مصاغ على نظام حكم أكثر تحررا.
33. ليس للسلطة القضائية الكنسية وحدها الحق الخاص والطبيعي في توجيه التعليم بالمدارس اللاهوتية.
34. إن عقيدة من يقارنون الحبر الروماني (البابا) بالأمير الحر الممارس لسلطته داخل الكنيسة العالمية عقيدة ترجع إلى القرون الوسطى.
35. لاشيء يمنع عبر قرار من مجمع عام، أو برغبة من كل الشعوب، أن يتم تحويل الكرسي الرسولي من الحبر الروماني أو مدينة روما إلى حبر آخر ومدينة أخرى.
36. إن تعريف المجمع الوطني لا يقبل أي مناقشة، والإدارة المدنية يمكن أن تتمسك وتقف عند نتائجه.
37. يمكن إنشاء كنائس وطنية غير خاضعة لسلطة الحبر الروماني ومعزولة كلية عنه.
38. إن التصرفات الاعتباطية جدا للأحبار الرومان (الباباوات) دفعت إلى انقسام الكنيسة بين شرقية وغربية.

الفصل السادس
أخطاء حول المجتمع المدني سواء في ذاته أو في علاقاته مع الكنيسة
39. الدولة هي الأصل، والمصدر لكافة القوانين، وتتمتع بقانون لا تحتويه أية حدود.
40. إن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية معاكسة لخير ومصالح المجتمع البشري.
41. إن السلطة المدنية، حتى لو كانت ممارسة من طرف حاكم كافر، لها قوة غير مباشرة مضادة للقضايا المقدسة، ومن ثم فليس لها فقط براءة اعتماد القوانين، بل كذلك حق استئنافها والتعسف فيها.
42. في حالة تعرض القوانين الصادرة عن كل من السلطتين (المدنية والكنسية) فإن الترجيح هو للقانون المدني.
43. للسلطة العلمانية الحق في إبطال وإلغاء المعاهدات الرسمية التي أبرمت مع الكرسي الرسولي وفق الحقوق المتعلقة بالحصانة الكنسية (الإيكليروسية) دون موافقة هذا الكرسي، بل على الرغم من احتجاجاته.
44. يحق للسلطة المدنية التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والأخلاق والتوجه الروحي، ومن ثم فإنه يمكنها الحكم على الأوامر والتوجيهات الصادرة عن قساوسة الكنيسة تنفيذا لمهامهم وطبقا لما تمليه ضمائرهم، بل يمكنها كذلك البث في إدارة الطقوس الدينية والترتيبات الضرورية المتعلقة بها.
45. إدارة المدارس العمومية التي تشرف على إعداد ناشئة بلد مسيحي باستثناء - وفي حد معين - المدارس الكنسية، يمكن ويجب أن تكون كلية من اختصاص السلطة المدنية ومخولة لها، بحيث لا يعترف لأي سلطة أخرى بالتدخل في مناهج المدارس وترتيب الدراسات ومنح الشهادات واختيار وإقرار تعيين الأساتذة.
46. بل أكثر من ذلك، حتى في المدارس الكنسية، يكون المنهج الذي يلزم اتباعه في الدراسة خاضعا لموافقة السلطة المدنية.
47. إن التكوين الأفضل للمجتمع المدني يقتضي أن تكون المدارس العمومية، والتي هي مدارس مفتوحة في وجه كافة الأطفال من كل طبقات الشعب، وبصفة عامة كل المؤسسات العمومية الخاصة بتعليم الآداب والحرص على تربية جادة وتعليم أكثر نزاهة للشباب، مبعدة عن كل سلطة للكنيسة، وعن كل سيطرة أو تدخل من طرفها، وأن تخول إدارتها كلية لتقدير السلطة المدنية وسياستها وفق رغبات حكوماتها، وفي الإطار السوي للآراء العامة للعصر.
48. يمكن لبعض الكاثوليك التصديق على نظام لتربية الشباب بحيث يكون منفصلا عن العقيدة الكاثوليكية وعن سلطة الكنيسة، والذي يهدف فقط، - أو أساسا على الأقل - إلى معرفة الأشياء الطبيعية الخالصة، وأهداف الحياة الاجتماعية على وجه الأرض.
49. يمكن للسلطة المدنية أن تمنع الاتصال الحر والأخوي بين الكرسي الرسولي والأساقفة والمخلصين.
50. للسلطة العلمانية من تلقاء نفسها الحق في تمثيل الأساقفة، ويمكنها أن تجبرهم على أن يزاولوا مهامهم بالأبرشية حتى قبل أن يستلموا من الكرسي الرسولي تنصيبهم القانوني ورسائل تعيينهم الكنسية.
51. بل أبعد من ذلك، للحكومة العلمانية الحق في منع الأساقفة من ممارسة وظائفهم الرعوية، وليست ملزمة بالطاعة للكرسي الرسولي فيما يتعلق بتأسيس الأسقفيات وتعيين الأساقفة.
52. يمكن للحكومة بمحض إرادتها أن تغير العمر المحدد من طرف الكنيسة لممارسة المهام الدينية سواء للنساء أو الرجال، وأن تلزم كافة المجموعات الدينية بأن لا تقبل أي شخص في عهودها الرسمية إلا برخصة منها.
53. يلزم إلغاء القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية وحقوقها ووظائفها، بل أكثر من ذلك، يمكن للحكومة المدنية أن تساند كل أولئك الذين يرغبون في التخلي عن الحالة الدينية التي اعتنقوها ومخالفة عهودهم الرسمية، وفي نفس الوقت، يمكنها (أي الحكومة المدنية) أن تحل كل هذه المجموعات الدينية، وكذلك الكنائس الجامعية، ومكاسبها البسيطة في حق الإشراف، وإخضاع ممتلكاتها ومداخلها لإدارة وقوة السلطة المدنية.
54. إن الملوك والأمراء ليسوا معفون فقط من السلطة القضائية للكنيسة، ولكنهم أرفع من الكنيسة للحسم في الشؤون القضائية.
55. يجب فصل الكنيسة عن الدولة، وفصل الدولة عن الكنيسة.

الفصل السابع
الأخطاء التي تتعلق بالأخلاق الطبيعية والمسيحية
56. لا تحتاج القوانين القانونية الأخلاقية إلى مصادقة قدسية، وليس هناك حاجة على الإطلاق أن تطابق القوانين الإنسانية قانون الطبيعة، أو أن تتلقى من الله قوة النفوذ والوجوب.
57. إن علوم الفلسفة والأخلاق، وكذلك القوانين المدنية، يمكن أن تسحب من سلطان السلطة الدينية والكنسية.
58. لا ينبغي الاعتراف بقوات أخرى غير التي هي مستقرة في المادة، وكل منظومة أدب، وكل شرف، يلزم أن يرتكز على جمع وتنمية كل أنواع الغنى وإرضاء المتعة(تحقيق الشهوات).
59. إن القانون يتمثل في الفعل المادي، والواجبات الإنسانية كلام فارغ، وكل الأفعال الإنسانية لها قوة القانون.
60. ليست السلطة شيئا إلا مجموع عدد القوات المادية.
61. إن المظلمة القائمة المكللة بالنجاح لا تخدش في قداسة القانون.
62. ينبغي أن يعلن ويحترم ما يدعى بمبدأ عدم التدخل.
63. يسمح برفض طاعة الأمراء الشرعيين وكذلك الثورة عليهم.
64. بقدر ما يكون انتهاك الميثاق الأقدس أكثر عارا من أي عمل إجرامي ومخالف للقانون الأبدي، ليس فقط لا ينبغي أن يلام على فعله، ولكن يعتبر مباحا ومستحقا للمدح والتنويه الكبيرين حين يكون ذلك في سبيل حب الوطن.

الفصل الثامن
أخطاء حول الزواج المسيحي
65. لا يمكن الإقرار بأي حجة بأن المسيح قد رفع الزواج إلى مستوى كرامة الطقس الديني.
66. إن الطقس الديني الخاص بالزواج ليس إلا شيئا ملحقا للعقد (عقد الزواج)، ويمكن أن يكون منفصلا عنه، بل الطقس الديني نفسه ليس إلا مباركة دينية فحسب.
67. انطلاقا من الحق الطبيعي، فإن علاقة الزواج ليست مستحيلة الفسخ، بل في العديد من الحالات، فإن الطلاق بعينه يمكن أن يصدر عن السلطة المدنية.
68. ليس للكنيسة الحق في أن تضع عوائق لاغية أو مانعة في وجه الزواج. ولكن هذا الحق هو للسلطة المدنية التي عليها أن تزيل كافة العوائق القائمة.
69. إن الكنيسة على مر العصور قد وضعت عوائق وموانع لاغية للزواج، لا لحق هو لها، ولكن استغلالا منها لحق استعارته من السلطة المدنية.
70. 70. إن قوانين مجمع ترانت التي تدين من يتجاسر على إنكار حق الكنيسة في فرض الموانع اللاغية للزواج ليست تعبدية، ولا أن يفهم أنها ضمن حدود السلطة المستعارة (من السلطة المدنية).
71. إن قوانين مجمع ترانت ليست ملزمة بل قد تعتبر باطلة، إذا أقر القانون المدني شكلا آخر من الزواج يمكن اتباعه، ويريد عبر هذا الشكل الجديد جعل الزواج صحيحا.
72. بونيفاس الثامن Boniface VIII كان أول من أعلن بأن وعد العفة الذي يُعلن حين ترسيم الرهبان يجعل الزواج عديما.
73. بقوة العقد المدني الخالص، يمكن لزواج حقيقي (صحيح) أن يتم من المسيحيين، ومن الخطأ الاعتقاد أن الزواج بين المسيحيين يلزم أن يكون دائما عبر طقس ديني، أو أن يعتبر الزواج لاغيا دون هذا الطقس.
74. تعود أسباب الزواج والخطبة بطبيعتها الخاصة إلى التشريع المدني.

يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى خطأين آخرين وهما:
- إلغاء عدم زواج الرهبان، أو ما يدعى في لغة الكنيسة بـ"العزوبة الكنسية"
- تفضيل حالة الزواج (بالنسبة لغير الرهبان) على حالة العزوبة(أو حالة البكارة كما تسميها الثقافة الدينية المسيحية).
هذان الخطآن مشار إلى شجبهما في الرسالة Encyclique Qui pluribus بتاريخ 9 نوفمبر 1846 بالنسبة للأول، والرسالة الراعويةMultiplices inter بتاريخ 10 يونيو 1851 بالنسبة للثاني.

الفصل التاسع
أخطاء حول السلطة المدنية للحبر الروماني (البابا)
75. إن أبناء الكنيسة المسيحية والكاثوليكية يناقشون فيما بينهم تجانس وتوافق الملكية الدينية والسلطة الروحية
76. إن إلغاء السيادة المدنية التي يملكها الحبر الروماني ستدفع إلى المزيد من الحرية والسعادة للكنيسة.
يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى الملاحظة الآتية:
إضافة إلى هذه الأخطاء المشار إليها بوضوح، هناك عديد من الضلالات شجبت بشكل غير مباشر من طرف العقيدة المعروضة والمساندة والتي على الكاثوليك جميعا التمسك بها بقوة والمتعلقة "بالإمارة المدنية" للحبر الروماني.
هذه العقيدة مدروسة بوضوح في الخطاب Allocution Quibus quantisque بتاريخ 20 أبريل 1849، وفي الخطاب Allocution Si semper antea بتاريخ 20 ماي 1850، والخطاب "الرسولي" Lettre apostolique Cum Catholica Ecclesia بتاريخ 26 مارس 1860، والخطاب Allocution Jamdudum cernimus بتاريخ 28 سبتمبر 1860، والخطاب Allocution Novas بتاريخ 18 مارس 1861، والخطابAllocution Maxima quidem بتاريخ9 يونيو 1862.

الفصل العاشر
أخطاء تتعلق بالليبرالية المعاصرة
77. في عصرنا، ليست هناك فائدة في أن تكون الديانة الكاثوليكية هي الديانة الوحيدة للدولة.
78. لذا لزم التنويه ببعض الدول ذات الاسم الكاثوليكي التي يسمح القانون فيها للأجانب الذين جاءوا للاستقرار بالبلد بأن يتمكنوا من الممارسة العلنية لطقوسهم الدينية الخاصة.
79. وبالفعل، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن الحرية المدنية لكل الممارسات الدينية، وأن الحق الكامل المخول للجميع بالإعلان بشكل مفتوح وعلني عن أي رأي وعن أي فكر، كل ذلك سيؤدي بسهولة إلى فساد الأخلاق والعقول، وأنه ينشر وباء اللامبالاة.
80. يمكن للحبر الروماني - بل يجب عليه - أن يتصالح ويتعامل بإسهام مع التقدم والليبرالية والحضارة المعاصرة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100165
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Oooo14
 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  User_o10

 الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام     الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام  Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:17

من آثار المدونة
لقد تبين لنا من هذا العرض السريع أن تاريخ العلمانية شديد الارتباط بالمسيحية، ذلك أن الفكر العلماني ترعرع أساسا في إطار المناخ الديني للمسيحية، وخاصة منها الجانب الكاثوليكي. فالمصطلح لم يتبلور للدلالة على تيار مناهض للتوجه الديني السائد إلا بعد سنة 1842، حيث انتقل من دلالته الدينية على الشخص المعتنق للمسيحية - لكنه ليس من رجال الدين - إلى دلالة أوسع تشير إلى تيار يطالب بنزع الصفة الدينية عن المؤسسات.

فلقد ظل القرن التاسع عشر الميلادي قرن ثورات بامتياز، حيث استطاع فكر الثورة الفرنسية أن ينغرس إلى أن أصبح له اتباع كثيرون في الوسط الكنسي نفسه الذي ظل يعاديه حينا من الدهر(على الرغم من أن رجال دين مسيحيين شاركوا فكرا وتوجيها في اندلاع الثورة الفرنسية على الكنيسة والدولة سنة 1789).

كما أن تطورات الفكر الجمهوري في فرنسا ما بعد 1870 جعلت المصطلح لصيقا بالفكر المطالب بالديمقراطية والحرية والمساواة، وخاصة حين صاغ جول فيري (Jules Ferry) مشاريعه حول المدرسة والتربية، حتى ليمكننا أن نعتبر سنة 1870 سنة الولادة الفعلية والعملية للمصطلح، وهي السنة التي انتهت فيها السلطة الفعلية للبابا بيا التاسع، رغم حرصه على عقد مجمع مسكوني - بعدما لم تغن التوجيهات والرسائل في الحد من الأزمة - وإصداره قانون عصمة البابا الشهير، ظنا منه بأنه الحل الأمثل(مثلما تعمد بعض أنظمتنا إلى التنصيص في دساتيرها على قداسة الحزب أو الرئيس). فالأزمات السياسية وضياع الأراضي الفاتيكانية جعلت البابا يوقف المجمع، ويفر من روما خوفا على نفسه، مما جعل الساحة منذئذ خالية من المعارضة الدينية بشكلها التقليدي.
ونحن لا نريد فتح الباب أوسع مما فعلنا لدراسة تطور الفكر العلماني عبر الصراع مع الفكر السلطوي الكنسي، ذلك أن التحليل التاريخي لتطور الفكر العلماني يسمح بالجزم بأن الأس الفلسفي الأول الذي بني فوقه الصرح العلماني في القرن التاسع عشر خاصة هو "تمكين الجميع من الوصول إلى معين المعرفة" بعد أن كانت محتكرة بين رجال الدين ورجال الفلسفة. لكن هل بقي وفيا لذلك؟ وهل استطاعت الكنيسة أن تنافسه في جانب من ذلك؟ هذا أمر يحتاج إلى دراسة أوسع، وحسبنا ما أمددنا به الباحثين والمؤرخين من نص ديني نعتبره عنصرا هاما من عناصر الصراع المسيحي العلماني.

لكن ما نستطيع قوله في هذه العجالة حول المسارات التي اتجهت لها كل من المسيحية والعلمانية هو التوافق على نوع من الصراع السلمي، والاحتكام إلى النفوذ الشعبي، مما جعل الكنيسة - حرصا على الجماهيرية والشعبية - تدخل تجديدات جذرية في فهومها للنص الديني لا تكاد تمليها حاجتها الداخلية لبلورة النص وتفعيله وفق أحكامه ومكونات تراثه، وإنما يفرضها الجدال السياسي والتدافع السلطوي لاكتساب مرجعية توجيهية للمجتمع وصناعة غده.

بل لمسنا أنه بقدر ما يتقدم الزمن، بقدر ما تتزيل الصفوف، ويكثر الانقسام داخل المجموعات الفكرية والثقافية والمذهبية، ليفسح المجال لتوالد أفكار ومجموعات أخرى لها رؤى جديدة، وأطروحات تعطي للقديم نفسا متجددا، بل تذهب به إلى تفسيرات مخالفة لما هو متعارف عليه في الوسط الديني التقليدي.

لكن الملاحظ أن كلا من الطرفين المتصارعين يحتاج إلى المفكر والمثقف، والعالم الراسخ والاستراتيجي النابغة، لكن غالبا ما يبحث كل منهما عن المفكر أو المثقف أو المتعالم "المؤجر لشدقه" كما نقول في بلاد المغرب، فيدخل كلاهما في مجال تصنيف الناس والحكم عليهم حسب الولاء والانتماء. بيد أنه لا شيء يدل على أن المنخرط في التيار العلماني الحزبي هو خارج دائرة التدين، ولا شيء يمنع المتدين من البحث عن الحكمة ومناصرة الأفكار النيرة، لكن لشهادته على الناس، يلزمه في كل المراحل الولاء للدين الحق، والبراء من الجهل والظلم، والابتعاد عن التحجر المذهبي أو الاستبداد الفقهي.

فلقد كانت الصفوف منقسمة، والآراء مختلفة، وما زالت، ورأينا عبر تحليل المدونة أن من يرغب في أن يحجر واسعا عبر تقنين أقوال الناس حسب المواقف السياسية لا يخلو من ضلالة وابتعاد عن النهج السوي، إذ من الصعوبة بمكان أن تكمم أفواه الناس، أو أن يخنعوا طول الدهر على الاستبداد الديني والمذهبي، أو أن يغفلوا عن الخلل في الأولويات لدى رجال الدعوة حين سكوتهم البين عن ظلم اجتماعي صارخ، واهتمامهم أكثر من اللازم بجوانب عبادية فردية.

بل إن الدراسات التاريخية لمسار الفكر المسيحي تخبرنا أن معدلات الجهر بمكنون الأفكار لدى المجتمع المسيحي الأوروبي تطورت بعد صدور المدونة وهيجان أوساط المثقفين والسياسيين متدينين وعلمانيين في وجهها. فمثلا في الوقت الذي نجد فيه مثقفا مسيحيا في مستوى ج - ج غوم (J. J. Gaume) الذي بكتابه "الثورة الفرنسية: أبحاث تاريخية عن أصل الشر وشيوعه في أوروبا " الصادر سنة 1856، يعتبر الثورة الفرنسية أم الأمراض، والوباء الذي أبطل حكم الله، وفرض نظاما دينيا جديدا يؤله الإنسان، ويهدد أوروبا قاطبة، فإننا نجد أحد أتباع الكنيسة والمنخرطين في هرمها السلطوي المحلي الراهب ج. أوديزيو (G. Audisio) يكتب بعد عشرين سنة عام 1876 حول إرث الثورة الفرنسية، ويعتبر أنه ليس شرا كله، بل كل ما فيه من دفاع عن الحرية والأخوة هو عين ما تنص عليه الأناجيل من مبادئ اجتماعية، ويرى أن النظام الاجتماعي الجديد وقتها ينبغي أن يقوم على ذات المبادئ.[24]

أكيد أن السلطة الكنسية العليا لم تكن بعد قد بلغت مستوى من الوعي الثقافي النسبي فأدرجت كتاب الراهب أوديزيو على لائحتها السوداء، ولكن ما تهمنا الإشارة إليه هو أنه إلى حدود تاريخ "مجمع الفاتيكان الأول" (1869- 1870)، كان نموذج المثقف المسيحي ج.ج غوم في الوسط الديني الرسمي هو السائد، حيث كانت الكنيسة تعتبر الثورة الفرنسية بمثابة السوار الأخير من القيد الديني، والذي انطلق تكبيل الكنيسة به منذ عصر النهضة وثورة الإصلاح البروتستانتي إبان القرن السادس عشر الميلادي.

ومن المسلم به تاريخيا أن ردود الفعل على إصدار المدونة كانت قوية ومؤثرة، سواء على المستوى الديني أو الفكري أو السياسي. ويصعب علينا في هذا البحث الوجيز أن نأتي على كافة تلك الردود وآثارها ونتائجها. لكن لا بأس من أن نشير إلى بعض ردود الفعل السياسية إذ يبقى التساؤل الآتي قائما: إذا كانت جموع المثقفين من علمانيين ودينيين قد عبرت عن غضبها ورفضها للانصياع للمدونة، فكيف كان تصرف الكنائس الرسمية والأحزاب المسيحية في أوروبا نحوها؟

نوجز جانبا من الجواب فيما يلي:
ففي فرنسا كانت الأزمة أشد بصدور دورية وزير العدل الفرنسي "باروش" (Baroche) بتاريخ فاتح يناير 1865 الموجهة للقساوسة بعدم نشر أي وثيقة صادرة عن الإدارة الكنسية بروما، مما فجر احتجاجا شديد اللهجة من طرف هؤلاء على المس بحرياتهم، حيث بقي الجميع ينتظر مواقف الليبراليين الكاثوليك الذين لم يعبروا عن رأيهم إلا في آخر شهر يناير من تلك السنة.

لكن حنكة أسقف مدينة أورليون (Orléans) الفرنسية البطريك "دوبانلوب" (Dupanloup) بإصداره لدراسة بتاريخ 26 يناير 1865 بعنوان: "اتفاقية 15 سبتمبر ولائحة 8 ديسمبر"[25]، والتي كان لها صدى واسع إذ عرفت 34 طبعة في بضعة أسابيع - مما يدل على وجود صدى للفكر الديني رغم ارتفاع معدلات الإلحاد - قد استطاع أن يحد من الانتقادات الموجهة للكرسي "الرسولي"، ويخفف من وطأة ردود الفعل السلبية نحو المدونة بإعادة قراءتها في ضوء المناخ السياسي الفرنسي.

أما ببلجيكا فإن الكاثوليك الليبراليين أو الكاثوليك الدستوريين قد وجدوا أنفسهم في ورطة سياسية شبيهة بتلك التي فجرها البابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) برسالته المعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832 - والتي قصد منها كما قلنا إسكات الكاتب المسيحي "لاموني" (Lamennais) وجماعته، ومنع مجلته "المستقبل" (L'avenir) ذات الخط التحرري والتأثير القوي في الأوساط الدينية - فعمدوا إلى حل ينطلق من أن البابا بقي متمسكا بالأطروحة (la thèse)، أي بالجوهر، ولم يقل شيئا عن فرضيات التنزيل على الواقع (l'hypothèse)، ولهذا فهم يرون أن البابا لم يقصد معاداة الحداثة، بقدر ما أصر على إظهار المواقف التقليدية للكنيسة التي هي من كامل حقه وسلطته.
وبمثل هذه المراوغات الأيديولوجية، استطاع الكاثوليك في بلجيكا وفي غيرها من دول أوروبا أن يصرحوا بأنهم دستوريون فيما يخص الجانب السياسي، ومؤمنون بدور البابا فيما يخص الجانب الديني، أي أن عاطفتهم الروحية مع الكنيسة، وانخراطهم الأيديولوجي والفكري مع ما يضمن التربع على الكرسي السياسي.

وما زلنا إلى اليوم، نجد داخل الصف المسيحي من يسعى إلى عودة الكنيسة إلى قواعدها الأولى، والحكم عليها بالضلال والتنازل عن رسالتها وأهدافها، خاصة بعد أن أضحى الإسلام واسع الانتشار في الأوساط الأوروبية وسريان الخوف في أوساط الساسة المسؤولين من "الأسلمة" الزاحفة للمجتمع الأوروبي.

وأنا أراجع هذا المقال للنشر، اطلعت على عدد من مجلة "فيديليتر" (Fideliter)[26] والتي تصدرها مجموعة من الكاثوليك الراديكاليين المنضوين تحت منظمة "إخوانية القديس بيا العاشر" (والتي أسسها الكاردينال لوفيبر (Cardinal Lefebvre) الذي غادر مغاضبا الإدارة الكنسية محتجا على الانقلاب على تقاليد الكنيسة المتجسد في أعمال وقرارات مجمع الفاتيكان الثاني)[27]، خصص للحديث عن سيلابوس بيا التاسع، العدد 161، بتاريخ سبتمبر - أكتوبر 2004؛ وهو عدد غني بالأبحاث وبعض المواقف لمن يمجدون المدونة وأفكارها، لكن المثير فيه هو أن أصحابه يحبون أن ينعتوا ب- "كاثوليك السيلابوس"، حيث جاء في العنوان العريض لإحدى دراسات العدد: "نحن كاثوليك السيلابوس" (Nous sommes des "catholiques du Syllabus") .[28]

وقد كان من المفيد الاطلاع فيه على رأي الجماعات الدينية المسيحية التي مازالت تؤيد وتساند مضامين السيلابوس، وتعتبره وثيقة هامة وضرورية في وجه الحداثة وويلاتها الأيديولوجية. بل جاء الملف المخصص للسيلابوس والاحتفال بذكرى مرور 140 سنة على إصداره تحت عنوان معبر عن أفكار منظمة "إخوانية القديس بيا العاشر": "السيلابوس أو مجمع الفاتيكان الثاني المضاد" (Le syllabus ou l'anti-Vatican II).

كما أن "النشرة الأدبية المضادة للثورة: قراءة وتراث" (Bulletin littéraire contre-révolutionnaire: Lecture et Tradition)، في عددها المخصص للبابا بيا التاسع ومدونته،[29] تعبر خير تعبير عن فكر هؤلاء الراديكاليين وحرصهم على إعادة الروح للمدونة البابوية وتوجهاتها وضرورة الالتزام الصارم بقوانينها. بل نلمس فيها إرجاع كل البلايا إلى الماسونية، والتي بالفعل ساهمت إسهاما كبيرا في زلزلة العرش المسيحي وانهيار إمبراطوريته.

ففيها يقول الراهب الراديكالي "جاك بلونكار داساك" (Jacques Ploncard d'Assac) في محاضرته حول السيلابوس بتاريخ 2 سبتمبر 1984:
"ليس أمام طوفان البدع والأخطاء إلا موقفان في مجال الإمكان: التحدي والتسامح. فبالتسامح نصل بسرعة إلى القبول، ولهذا كانت الكنيسة دائما تنادي بحقوق الله في مواجهة ما يدعى بحقوق الإنسان، فالإنسان لم يوجد إلا من طرف الله ومن أجل الله. فكل تصور مخالف لا يمكن أن يكون كاثوليكيا، أي ملتزما بالأصول"[30].

كما يشير ذات المحاضر إلى أن الخطر يكمن في كون الأخطاء قد غزت الكنيسة نفسها مشيرا إلى أنه لا يدعي ذلك من تلقاء نفسه، ولكنه يستشهد بنص للبابا بيا العاشر من رسالته الدائرية "باساندي" (Pascendi):
"إن مروجي الأخطاء لم يعد يجدي البحث عنهم بين الأعداء المعلنين للكنيسة، بل إنهم يختبئون - وهذا أمر يدعو إلى القلق الشديد - داخل وفي قلب الكنيسة نفسها... فليس في الخارج، بل في الداخل يتكون الخراب، والخطر اليوم داخل أمعاء الكنيسة وشرايينها، ويواصل بتحد ومثابرة مخططه المحدد... فهو يدعو (رجاله) ليظلوا داخل الكنيسة للعمل وللتغيير شيئا فشيئا لتشكيل الضمير العام"
ثم يتساءل الأستاذ المحاضر حول ذلك التناقض العجيب الذي تعيش فيه الكنيسة بعد التعبير عن الأسى لما وصل إليه ضلالها وبعدها عن النصوص الدينية المسيحية: "كيف يمكن للمسيحي أن يكون بخصوص نفس الفعل والتصرف على حق في عهد البابا بيا العاشر، وعلى ضلالة في عهد يوحنا بولس الثاني؟"
ونحن كذلك نتساءل نفس السؤال، لكن بصيغة أخرى: "كيف أنتجت المسيحية الفكر العلماني، ثم صارعته قسرا وانخرطت فيه دهرا؟ وكيف عد مجمع الفاتيكان الثاني انقلابا؟". ذلك ما حاولنا الإجابة عنه في دراساتنا غير المنشورة حول "نقد العقل المسيحي"، نسأل الله أن يمدنا بعونه، ويشملنا برحمته وفضله، لترى النور قريبا.

من الدروس المستفادة
لم تكن ترجمتنا لنصوص هذه المدونة رغبة في دراسة التاريخ المسيحي الكنسي خاصة، ولكن مقاربة منا لما يمكن أن ينتج من صراع مماثل بين المؤسسات والجمعيات والحركات الإسلامية وتيارات الحداثة العلمانية، فليس عجبا أن نرى اليوم وغدا مؤسسات قوية الدعم والنفوذ الدولي، داخلية وخارجية، تحاسب الجهات الدينية على خطابها وتنظيمها ولغتها، وتلومها على تمسكها بالثوابت، وعدم انفتاحها على الديانات الأخرى، ملزمة إياها بالخضوع لما تراه تلك المؤسسات ذات التجربة الاستراتيجية والحنكة المستقبلية ضروريا من لوازم الحرية الدينية والفكرية؛ وليس غريبا أن نسمع بأخرى تطالب بإسلام علماني يلقى نوعا من الدعم على أن لا يتجاوز بعض الطقوس ويؤول العديد من النصوص.

بل ولا فزع من أن تبرز للوجود فئات وتنظيمات تطالب وتقنن للزواج المدني، والولادة المدنية، والموت المدني، بعيدا عن كل الطقوس الدينية، مفجرة لسيل من الانتقادات في وجه تلك المشاريع، خاصة من طرف الفئات المتشددة والمكفرة لمن يخالفها في الرؤى والتوجه، علما بأن الفوارق بين السلطة الكنسية والمؤسسات الإسلامية كبيرة، وبين الإسلام والمسيحية أكبر، لكن الدروس المستفادة من صراع الحداثة والمسيحية البارحة واليوم بليغة الدرس للاستفادة والمراجعة، وإتقان وترشيد المواجهة الفكرية والتدافع الفلسفي والإيديولوجي.

فمعلوم أن الفكر الكنسي التقليدي لم يكن في مستوى المواجهة لكونه ظل على مدى قرون معطلا للعقل، فله مع العقلانية في تاريخه البعيد والقريب حروب وسجال، حيث تشهد وقائع ذلك التاريخ على الحجر الكبير الذي وقع على رجال الدين في تحليلهم النظري ونقدهم الفكري لتراثهم الديني، مما دفع بعضهم إلى الجهر عبر المجلات والكتب والنشرات - والتي ازدهرت صناعتها مع تطور الطباعة - بآراء وأفكار تخالف تفسيرات السلطة الكنسية للنص الديني، وتطالب بمزيد من الحرية في مجال العلم والمعرفة والدفاع عن حقوق الناس السياسية والمدنية.

فبمجرد ما كان الأتباع يخالفون الكنيسة في الفكر ووجهة النظر، أو يعاكسون ولو قليلا فكر ونظر رجالاتها الرسميين - وعلى رأسهم البابا - في تفسيرهم للنصوص الدينية، يصبحون في نظر السلطة الدينية من الذين يخلطون بين الحق والباطل، والخير والشر، والعدل والجور، ويتجاوزون الحدود باسم الحرية، ويقولون في الله ونصوص وحيه وشريعته القول العظيم.

فمن الفقرة الأولى للمدونة نلمس الجمع بين فكرة تأليه الإنسان، ونفي وجود الإله، وبين غياب أي معيار للتمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، والعدل والظلم. وهذا الغلو في الاتهام للمخالف هو ما جعل رماح الدفاع التي استعملتها السلطة الكنسية تنقلب إلى صدرها، فكان الضرر الناتج عنها أكبر بكثير مما يحتمل أن يصل من أدواء من معتنقي المقالات "الخاطئة" أو المروجين لأفكارها.

فماذا جنت الكنيسة من مثل هذا النص ومثل هذا الموقف إلا النكوص والتقوقع والانكماش؟ فلقد كانت ثمار المدونة بعكس ما أريد منها. فمثلا مما دفعت إليه المقولات والأفكار الواردة ضمن الفصل الثامن مثلا المتعلق بأخطاء وضلالات الزواج هو اعتبار الطلاق أمرا شرعيا وقانونيا بفرنسا سنة 1884. كما أن الحرب السياسية والعسكرية اشتدت بالممتلكات البابوية بحيث في سنة 1870وجد الكرسي البابوي نفسه قد فقد السلطة على الأراضي التي كان يملكها، ولم يستطع أن يسترجع نوعا من السيادة السلطوية إلا على مساحة من مدينة روما، والتي تسمى اليوم بدولة الفاتيكان، وذلك سنة 1929، قدرها 0.44 كلم مربع.

كما أننا من خلال التمعن في نصوص المدونة ودراسة شكل تحريرها، ندرك الخلط الذي وقعت فيه حين عمدت إلى تفسير الأقوال والأفكار السائدة - والتي تصفها بالأخطاء الخطيرة والضلالات الكبيرة - بعيدا عن أصولها ومراجعها ونصوصها التي حررت وفقها، مثل ما تفعل بعض الفئات المسلمة التي باسم الكتاب والسنة، تعمد إلى تصنيف الأفكار الفلسفية والسياسية المعاصرة ضمن لوائح الضلالة والبدعة دون قراءة متزنة وتمحيص علمي رشيد، ودون رجوع للأصول التي كتبت بها والسياقات التي قيلت فيها، خاصة إذا كانت نابعة من بني إسرائيل أو الصهيونية المسيحية أو غيرها من الجهات التي تعلن العداء للإسلام، بيد أن الأمر في كل مرحلة وكل لحظة، وأيا كان المصدر وأيا كانت درجات كرهه للدين، يحتاج إلى العلم والبحث والرجوع إلى الأصول واستشارة أولي النهى من الخبراء والعلماء وأهل الدراية والمعرفة، وإلى أهل الاختصاص في كل مجال من المجالات، وذكر الأشياء كما وردت حسب ظروفها وسياقاتها دون زيادة أو نقصان أو تحيز.

أما العمد إلى قراءة القرآن الكريم عضين، وإخراج نصوص السنة المطهرة عن سياقها لإقامة الدليل على تصنيف الناس ضمن الفرق غير الناجية، فإنه سيحشرنا - إن لم يكن قد تم ذلك - في مناخ شبيه بما عاشته الكنيسة التي كانت مواقفها غير المدروسة خير مساعد لفقدها المواقع والأتباع.

فقد أبطل الله بسننه ما قام به قوم خلوا من قبل من المسلمين وغيرهم، كما هو الشأن بالنسبة للسلطة الكنسية التي ندرس الآن أحد نصوصها الخطيرة، في منعرج تاريخي خطير، سمح لغيرها بالبزوغ، ومكن لمخالفها من السؤدد بفضل أخطائها وضلالتها، في الوقت الذي كانت تظن فيه أنها تحسن صنعا. وكما كانت سنة الله قائمة قبل قرن ونيف، فإنها مازلت قائمة إلى اليوم، وستظل كذلك لقرون مهما تعدد الأعوام والسنون، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

فمعدلات العلمنة اليوم ترتفع بقوة، في التعليم والإعلام والإدارة وأنماط التشريع وتوزيع السلط، مما يقلص الدور التقليدي للدين، ويدفع بعض أتباعه للانفعال، ويفتح عليهم من كل صوب أبواب النقد إلى حد الشتم والاستهزاء والازدراء، بشكل يروج في أوساطهم للإعداد للنزال وترقب القتال، وحالة كهذه لا محالة ممكنة - مثل ما كان الحال مع الجانب المسيحي - من ارتكاب أخطاء شتى من طرف جهات إسلامية يمكن تفاديها، ومواقف ساخنة من مفكرين وباحثين متدينين سرعان ما يتم التنكر لها بعد اشتداد الاحتجاج وإتقان صرفه في تأليب الغضب الشعبي، بل استفادة الجهات التي تمرنت على الاستفزاز منه لاستصدار المؤيد لمواقفها المزاحمة من القرار السياسي، والمساعد على المزيد من الخنق والكبت للعنصر الإسلامي.

فلكم ود الذين لم يستوعبوا تطورات الواقع الفكري والثقافي والسياسي لو أن لنا مدونة تجرم كل نيل من الدين أو توجه يرونه مخالفا للشرع الحكيم، بيد أن الخير كل الخير هو قبل كل شيء في تشكيل العقول قبل إجماعها هي ذاتها تلقائيا على احترام ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فما عسى ينفع نص يحصي البدع والمنكرات، لمجتمع معظمه لا يجد غضاضة من ضلالة، ولا يحرك يدا ولا لسانا لتغيير منكر.

كما ود المرجفون في بلاط النظام العالمي لو أن للمسلمين هرما سلطويا دينيا على المستوى العقائدي يستطيع أن يقف مثل المواقف المتحجرة للكنيسة في القرون الخالية، فيرسل إليه شواظ ملتهب تلو الآخر من كتاب ومفكرين يحسنون القذف بمناجيق النقد والاتهام دون مراعاة لقيم، من النوع الذي تلمع مؤسسات الدعم والتأييد صورتهم، وتحمي الدعاية منابرهم وتروج خطابهم، بحيث - من شدة وطأة نقدهم وكثافة نبال هجومهم - يدعى ذلك الهرم السلطوي إلى اجتماع في شبه مجمع لاتخاذ قرارات ومواقف تعيد النظر في ثوابت العقيدة، وتقلب فيها التوجيهات الربانية والرسولية رأسا على عقب.

نقول ذلك همسا في أذن من ينتظر الحل في تدوين لوائح فرق أهل البدع والضلالات، وتحرير القوائم السوداء للملل والنحل الأفاكة، أو إصدار فتاوى المقت وبيانات التشهير، فالحكمة والدرس البليغ في الالتفات نقدا وتحليلا للمستقبلات المفقودة منذ أزمنة، وفي مجال التعليم والتربية وإعداد الناشئة خاصة، وقوة ارتباط ذلك بالقرآن الكريم نصا وعلما ومنهجا. فالذين ساءهم أن يأتي الناس بحصادهم للسوق، لن يغني شتمهم للسلع المعروضة عن مسؤوليتهم في الغفلة عن الفعل زمن الزرع، ولا بمجد هيجانهم شيئا ضد الزراع في موسم الحصاد.

بل الأولى العمد إلى تشخيص الواقع تشخيصا دقيقا، والبحث عن العناصر الممكّنة من الحفاظ على الموجود، والأدوات الميسرة لإيجاد المفقود، دون كبير ضجيج ولا تهويل لمخططات الغير. فالعارف بالأوضاع ومحركاتها، والمتأهب للاستفادة من دائرة المستطاع وإمكاناتها، يحسن الاستفادة من الوضع الديني والحالة الاجتماعية والتاريخية في أي زمان ومكان.

ففي نفس السنة التي صدرت فيها المدونة البابوية (1864)، صدر في المغرب ما دعي من بعد بظهير[31] "الحرية الدينية" من طرف السلطان الحسن الأول إثر حادث جنحي تدخل في شأنه كبار اليهود في بريطانيا لحماية أحد أتباعهم متهم بجريمة قتله أحد الأجانب من طرف القضاء المغربي. فاستغل اليهود - وحق لهم ذلك - صدور الظهير لتأسيس المدارس والمؤسسات التربوية بمعزل عن أي توجيه رسمي؛ فما كاد القرن التاسع عشر يؤذن بالذهاب، حتى كان المجتمع اليهودي بالمغرب قد وصل في مجالات صقل الذهن ومحو الأمية وإعداد الأجيال إلى مستويات تضاهي ما كانت أوروبا قد بلغته منذ سنة 1830، مع تطعيم روادها وطلبتها بجوانب إيديولوجية ظهرت آثارها فيما بعد.

وحتى نزيد الأمر وضوحا، نضرب المثل بأننا كثيرا ما نتكلم عن التنصير، أو الردة، أو التنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وننسى أن غياب الاستثمار العلمي والفكري والثقافي والدعوي، بعيدا عن كل استغلال سياسي في شتى الواجهات وفي كل المستويات وبكل المؤسسات، هو ما مكن ويمكن - وفق سنة التدافع الراسخة الثابتة - من بزوغ ملل ونحل قديمة ومستحدثة في أوساط المجتمعات، فضعف التدين في ضعف العلم، وانتشار الباطل هو في عدم عناية أهل الحق بأصوات الحق، ومنها - بل على رأسها - العالم الراسخ القدوة المؤلف للقلوب، العارف المتقن لكلام علام الغيوب، الملتزم بمنهج المصطفى في التعامل مع الناس على مختلف شرائحهم الاجتماعية ومذاهبهم الفكرية وتوجهاتهم الدينية، بكل رحابة صدر ورحمة وعطف.

ذلك أن الإصلاح يقتضي مهارة في الطب، طب المجتمع من أمراضه المزمنة والمعقدة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية، ولقد فصلنا بعض ذلك في بحث يمكن الرجوع إليه حررنا فيه بعض القواعد الاستراتيجية عنوناه: "أوجز القواعد لتحقيق ما نبل من المقاصد"، كان مما ضمناه فيه تفصيل وتحليل لقاعدة استراتيجية صغناها كالآتي: "الطب حفظ صحة برء مرض، دون إرهاب للمريض، ولا شتم للمرض". [32]

فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى العمل على محورين أساسيين:
- محور إتقان اللغات العالمية، إتقانا يسمح بتبليغ رسالة الإسلام صافية نقية، وترجمة التراث الإسلامي بعد تنقيحه ترجمة وافية دقيقة، لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في الساحة الثقافية لكل لغة، مع الاجتهاد عدة وإعداد في توفير العالم الراسخ، العارف لفقه الدين، المتمكن من فقه الدعوة، المدرك لفقه الواقع، والمتقن للغة قومه ولغات عالمية أخرى تسمح بالتواصل والحوار والتدافع العلمي والفكري، على دراية وتبصر وحكمة.

- محور معرفة الأديان معرفة دقيقة من نصوصها وثقافتها وفكرها وخطاب رجالاتها ومنشورات مؤسساتها، بحيث نستطيع أن نعرف مجال التلاقي معها مهما ضاق، وميادين الخلاف مهما اتسعت، وذلك يحتاج إلى عدة وإعداد، ومثابرة وحزم، ورسوخ علم، وصبر وثبات وتقوى، وما ذلك على صاحب رسالة وذي بصيرة بعزيز.
فالتيارات الغالبة مثلا تنبؤ بمستقبلات ممكنة، أو صور للغد صادقة الظن، للصين والهند فيها مثلا حضور لا ينكر، ولهذا فقد نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يعرف اللغات والأديان المتعددة بتلك الأرض معرفة دقيقة ومتقنة، وكثيرة هي الدروس التي سنستفيدها من ذلك، دون أن نقدم دنية في ديننا، والذي لا نشك بأنه لقوته وصدق وحيه، لا يهاب أي احتكاك بدين، ولا يضره أي تدافع مع فكر أو ثقافة.

فحري بنا أن نصحو من الغفلة فندرس الملل والنحل دراسة وافية، الملل ذات التأثير وصياغة المصير في ساحة التدافع المعاصر، وليس الملل البائدة والنحل الميتة. وذلك يقتضي تجديدا وتطويرا في علوم وفنون الدعوة، فلا نحجم أو نستنكف عن دراسة تشكل وتطور العقل البوذي والعقل الهندوسي والعقل الماسوني وغيره من العقول التي حتما للدين والثقافة في تشكلها وتطورها النصيب الأوفى، كما فعل بعض الأساتذة الأجلاء مثل أخينا وصديقنا الدكتور عبد الوهاب المسيري حفظه الله مع العقل اليهودي، والذي ما زلنا نفتقر إلى العديد من الدراسات حول مراحل تشكله وتطوره، وأنماط فعله وتفاعله وحركته.

ذلك أن الحروب التي تشن علينا، الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية، تجعلنا - رغم الفارق الكبير- شبيهي الوضع بما كان يجري قبل قرن ونصف من تاريخنا المعاصر. فلو ترجمت خطبة واحدة من الخطب التي تلقى بمساجدنا بالعالم الإسلامي والغربي، لاستطاعت المؤسسات العلمانية أن تعثر - إذا أحسنت الاختيار- على شيء شبيه بالسيلابوس أو قريب منه، ولن تجد الجهات الدينية المسلمة من مجال إلا التنكر له والابتعاد عنه. وحري بنا - وغباوتنا قد استفحلت - أن ننقح خطاباتنا بما ليس من الدين في شيء، وأن نجتهد في أن لا يعتلي المنبر إلا صاحب فقه في الدين، وفقه في الدعوة، وفقه للواقع.

بل المتمعن في أدعيتنا وحدها، وخاصة منها دعاء القنوت في رمضان، يدرك أننا لا نحسن الصنعة ولا نستقيم على منهاج الملة. بل خلاصة الدعاء - وتلك كارثة كبرى - أننا نحيل كل حل لأوضاعنا على خالقنا جل وعلا، مثل قول قوم موسى له حين أمروا بدخول القرية: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24)، غير مميزين بين التوكل والتواكل، ولا بين الاستعانة والاستقالة، مبرئين أنفسنا من أي عمل أو فعل، معتذرين عن ضعفنا باستحالة قيامنا - والأوضاع كما هي - بما نحن مأمورون به.

بل الأدهى أننا في العديد من أدعيتنا - سواء في القنوت أو خطب الجمع أو غيرها - نسأل الله عز وجل أن يبطل سننه، ويعطل قوانين ملكوته، فيمحق الذين كفروا جميعا فلا نسمع لهم ركزا، ويهلك المنافقين فلا نلمس لهم حسا، ولا أدري لم لا نسأله - والحالة كذلك - أن يخلف وعده لإبليس، فيضع لوجوده حدا.

ولقد حاولت - على ضعف قدرتي وحدود علمي - أن أقدم في هذا البحث المتواضع مثلا لما يمكن أن نستخلصه من الدروس والعبر في معرفة تشكل العقول والأفكار عبر التفاعل الإيجابي والسلبي مع النص الديني أو موقف المؤسسة الدينية، من خلال تناولي بالدراسة والتحليل لنص مسيحي مغمور كان له دور تاريخي خطير في الصراع السياسي والفكري بين الكنيسة والعلمانية في المجتمع الغربي.

وإن كنت لم أتوسع في الرجوع للنصوص الدينية التي اعتمدتها الكنيسة لصياغة خطابها، فحسبي أن الذي كان يحكم توجهي هو العقل الديني وليس النص مهما بلغ عند أهله من القداسة.

وما لا يدرك كله لا يترك جله، فقد سعيت من خلال المثل المدروس أن أقدم صورة ما أظن أني سبقت إليها - من حيث الحدث والمثال - حول أصول الصراع الديني - الحداثي بأوروبا في التاريخ المعاصر، وستتلوها بإذن الله دراسات مماثلة حول تطور العقل المسيحي عبر التاريخ، وأثر ذلك في تشكل الفكر الغربي الحديث.
وسيظل قصدنا دوما استنباط الدروس واستخلاص الفوائد والعبر، وليس الوقوف على مصائب قوم وتعداد ما لديهم من شاذ المذاهب أو غلو الفكر.
ذلك، ومن رام بلوغ العلا من غير كد ولا إعداد ولا رباط، ولا مراجعة ولا تعبئة ولا تقدير ولا احتياط، فمدركها... إذا ولج الجمل في سم الخياط!
المهندس محمد بريش
خبير في الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية
ص ب 4585، عجمان
الإمارات العربية المتحدة
• • • •

قائمة المصادر البابوية الرسمية
التي استوحت منها المدونة نصوص المقالات والأفكار المحظورة
معظم هذه المصادر يرجع إلى رسائل توجيهية وخطابات ترشيدية صادرة عن البابا بيا التاسع نفسه، ذلك أن مشروعا أوليا للمدونة كان قد رجع إلى مراجع أوسع من ذلك، ففشى سره قبل أن يصدره البابا، فكان الاتجاه حين المراجعة أن يركز أساسا على ما صدر عن البابا نفسه.

ولقد عمدنا إلى عدم ترجمة العناوين اللاتينية للرسائل والخطابات لأنها بمثابة الأسماء لها، وجعلنا بين قوسين - نظرا لتكرار الإحالة على نفس المصدر في المقولات الثمانين - رقم المقولة المعنية، حتى لا نثقل النص بالإحالة على ذات المصدر بشكل متكرر.

كما أننا ألحقنا في آخر المقال نص المدونة باللغة الإنجليزية لمن أراد الرجوع إلى الأصل، لكننا نشير إلى أن الترجمة الفرنسية - أخذا بعين الاعتبار الأوضاع وقتئذ - كانت من أولى الترجمات الصادرة عن الوسط المسيحي وصرف لها جانب هام من العناية، واعتمدنا أقدمها لترجمة النص للعربية.
ولقد اجتنبنا كذلك الإشارة إلى مختلف الدراسات التاريخية والمعاصرة المتعلقة بالنص وظروفه التاريخية لتعددها وكثرتها.
1. Encyclique Qui pluribus, 9 novembre 1846 (4, 5, 6, 7, 16, 40, 63, 74).
2. Allocution Quis vestrum, 4 octobre 1847 ( 63).
3. Allocution Uni primum, 17 décembre 1847 ( 16).
4. Allocution Quibus quantisque. 20 avril 1849 (40, 64, 76).
5. Encyclique Noscitis et Nobiscum aux archevêques et évêques d'Italie, 8 décembre 1849 (18, 63).
6. Allocution Si semper antea, 20 mai 1850 ( 16).
7. Allocution In consistoriali, 1er novembre 1850 ( 43-45).
8. Lettre apostolique Multiplices inter, 10 juin 1851 (15, 21, 23, 30, 51, 54, 68, 74).
9. Lettre apostolique Ad apostolicae, 22 août 1851 (24, 25, 34-36, 38, 41, 42, 65-67, 69-75).
10. Allocution Quibus luctuosissimis, 5 septembre 1851 ( 45).
11. Lettre à S.M. le Roi Victor-Emmanuel, 9 septembre 1852 (73).
12. Allocution Acerbissimum, 27 septembre 1852 ( 31, 51, 53, 55, 67, 73, 74, 78).
13. Allocution Singulari quadam, 9 décembre 1854 ( 8, 17, 19).
14. Allocution Probe memineritis, 22 janvier 1855 ( 53).
15. Allocution Cum saepe, 27 juillet 1855 ( 53).
16. Allocution Nemo Vestrum, 26 juillet 1855 (77).
17. Lettre Singulari quidem aux évêques d'Autriche, 17 mars 1856 (4, 16).
18. Allocution Nunquam fore, 15 décembre 1856 (26, 28, 29, 31, 46, 50, 52, 79).
19. Lettre Eximiam à Son Eminence l'archevêque de Cologne, 15 juin 1857 (4, 16).
20. Lettre apostolique Cum Catholica Ecclesia, 26 mars 1860 (63, 76).
21. Lettre Dolore baud mediocri à l'évêque de Breslau, 30 avril 1860 (14).
22. Allocution Novos et ante, 28 septembre 1860 (19, 62, 76).
23. Allocution, Multis gravibusque, 17 décembre 1860 (19, 37, 43, 73).
24. Allocution Iamdudum, 18 mars 1861 (37, 61, 76).
25. Allocution Meminit, 30 septembre 1861 (20).
26. Allocution consistoriale Maxima quidem, 9 Juin 1862 (1-7, 15, 19, 27, 39, 44, 49, 56-60, 76).
27. Lettre apostolique Gravissimas inter à l'archevêque de Munich-Frisingue, 11 décembre 1862 (9- 11).
28. Encyclique Quanto conficiamur moerore aux évêques d'Italie, 10 août 1863 (17, 58).
29. Encyclique Incredibili à l'archevêque de Santa-Fé-de-Bogota, 17 septembre 1863 (26).
30. Lettre apostolique Tuas libenter à l'archevêque de Munich-Frisingue, 21 décembre 1863 (9, 10, 12-14, 22, 33).
31. Lettre Cum non sine à l'archevêque de Fribourg-en-Brisgau, 14 juillet 1864 (47, 48).
32. Lettre Singularis Nobisque à l'évêque de Mondovi (Piémont) 29 septembre 1864 (32).

نص المدونة باللغة الإنجليزية
نظرا لبعدنا عن مكتبتنا الخاصة التي أغنيناها بالمراجع طيلة الثلاثين سنة الماضية، فإننا اكتفينا للدراسة والتحليل بما اصطحبناه معنا من الكتب والأبحاث.
أما الترجمة فقد اعتمدنا أساسا على الترجمة الفرنسية الواردة في الدراسة الموسعة التي قام بها القس لويس بريجي (L. Brigué) (1959-1900)، والمنشورة ضمن موسوعة اللاهوت الكاثوليكي المرجعية (Dictionnaire de la Théologie Catholique)، (والتي وضع تصميمها وخططها الراهب جون ميشال ألفريد فاكان Jean-Michel-Alfred Vacant (1852-1901)، واستغرق نشرها ما بين 1903 إلى 1951)، المجلد الرابع عشر، صص 2877-2923، والصادر في باريس، سنة 1941.
النص الإنجليزي موجود بعدة مواقع، منها على سبيل المثال:
http://www.papalencyclicals.net/Pius09/p9syll.htm

THE SYLLABUS OF ERRORS CONDEMNED BY PIUS IX
I. PANTHEISM, NATURALISM AND ABSOLUTE RATIONALISM
1. There exists no Supreme, all-wise, all-provident Divine Being, distinct from the universe, and God is identical with the nature of things, and is, therefore, subject to changes. In effect, God is produced in man and in the world, and all things are God and have the very substance of God, and God is one and the same thing with the world, and, therefore, spirit with matter, necessity with liberty, good with evil, justice with injustice. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
2. All action of God upon man and the world is to be denied. -- Ibid.
3. Human reason, without any reference whatsoever to God, is the sole arbiter of truth and falsehood, and of good and evil; it is law to itself, and suffices, by its natural force, to secure the welfare of men and of nations. -- Ibid.
4. All the truths of religion proceed from the innate strength of human reason; hence reason is the ultimate standard by which man can and ought to arrive at the knowledge of all truths of every kind. -- Ibid. and Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846, etc.
5. Divine revelation is imperfect, and therefore subject to a continual and indefinite progress, corresponding with the advancement of human reason. -- Ibid.
6. The faith of Christ is in opposition to human reason and divine revelation not only is not useful, but is even hurtful to the perfection of man. -- Ibid.
7. The prophecies and miracles set forth and recorded in the Sacred Scriptures are the fiction of poets, and the mysteries of the Christian faith the result of philosophical investigations. In the books of the Old and the New Testament there are contained mythical inventions, and Jesus Christ is Himself a myth.
II. MODERATE RATIONALISM
8. As human reason is placed on a level with religion itself, so theological must be treated in the same manner as philosophical sciences. -- Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854.
9. All the dogmas of the Christian religion are indiscriminately the object of natural science or philosophy, and human reason, enlightened solely in an historical way, is able, by its own natural strength and principles, to attain to the true science of even the most abstruse dogmas; provided only that such dogmas be proposed to reason itself as its object. -- Letters to the Archbishop of Munich, "Gravissimas inter," Dec. 11, 1862, and "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.
10. As the philosopher is one thing, and philosophy another, so it is the right and duty of the philosopher to subject himself to the authority which he shall have proved to be true; but philosophy neither can nor ought to submit to any such authority. -- Ibid., Dec. 11, 1862.
11. The Church not only ought never to pass judgment on philosophy, but ought to tolerate the errors of philosophy, leaving it to correct itself. -- Ibid., Dec. 21, 1863.
12. The decrees of the Apostolic See and of the Roman congregations impede the true progress of science. -- Ibid.
13. The method and principles by which the old scholastic doctors cultivated theology are no longer suitable to the demands of our times and to the progress of the sciences. -- Ibid.
14. Philosophy is to be treated without taking any account of supernatural revelation. -- Ibid.
III. INDIFFERENTISM, LATITUDINARIANISM
15. Every man is free to embrace and profess that religion which, guided by the light of reason, he shall consider true. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862; Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
16. Man may, in the observance of any religion whatever, find the way of eternal salvation, and arrive at eternal salvation. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846.
17. Good hope at least is to be entertained of the eternal salvation of all those who are not at all in the true Church of Christ. -- Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863, etc.
18. Protestantism is nothing more than another form of the same true Christian religion, in which form it is given to please God equally as in the Catholic Church. -- Encyclical "Noscitis," Dec. 8, 1849.
IV. SOCIALISM, COMMUNISM, SECRET SOCIETIES, BIBLICAL SOCIETIES, CLERICO-LIBERAL SOCIETIES
Pests of this kind are frequently reprobated in the severest terms in the Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846, Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849, Encyclical "Noscitis et nobiscum," Dec. 8, 1849, Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854, Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863.
V. ERRORS CONCERNING THE CHURCH AND HER RIGHTS
19. The Church is not a true and perfect society, entirely free- nor is she endowed with proper and perpetual rights of her own, conferred upon her by her Divine Founder; but it appertains to the civil power to define what are the rights of the Church, and the limits within which she may exercise those rights. -- Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854, etc.
20. The ecclesiastical power ought not to exercise its authority without the permission and assent of the civil government. -- Allocution "Meminit unusquisque," Sept. 30, 1861.
21. The Church has not the power of defining dogmatically that the religion of the Catholic Church is the only true religion. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
22. The obligation by which Catholic teachers and authors are strictly bound is confined to those things only which are proposed to universal belief as dogmas of faith by the infallible judgment of the Church. -- Letter to the Archbishop of Munich, "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.
23. Roman pontiffs and ecumenical councils have wandered outside the limits of their powers, have usurped the rights of princes, and have even erred in defining matters of faith and morals. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
24. The Church has not the power of using force, nor has she any temporal power, direct or indirect. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
25. Besides the power inherent in the episcopate, other temporal power has been attributed to it by the civil authority granted either explicitly or tacitly, which on that account is revocable by the civil authority whenever it thinks fit. -- Ibid.
26. The Church has no innate and legitimate right of acquiring and possessing property. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856; Encyclical "Incredibili," Sept. 7, 1863.
27. The sacred ministers of the Church and the Roman pontiff are to be absolutely excluded from every charge and dominion over temporal affairs. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
28. It is not lawful for bishops to publish even letters Apostolic without the permission of Government. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
29. Favours granted by the Roman pontiff ought to be considered null, unless they have been sought for through the civil government. -- Ibid.
30. The immunity of the Church and of ecclesiastical persons derived its origin from civil law. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
31. The ecclesiastical forum or tribunal for the temporal causes, whether civil or criminal, of clerics, ought by all means to be abolished, even without consulting and against the protest of the Holy See. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856; Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
32. The personal immunity by which clerics are exonerated from military conscription and service in the army may be abolished without violation either of natural right or equity. Its abolition is called for by civil progress, especially in a society framed on the model of a liberal government. -- Letter to the Bishop of Monreale "Singularis nobisque," Sept. 29, 1864.
33. It does not appertain exclusively to the power of ecclesiastical jurisdiction by right, proper and innate, to direct the teaching of theological questions. -- Letter to the Archbishop of Munich, "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.
34. The teaching of those who compare the Sovereign Pontiff to a prince, free and acting in the universal Church, is a doctrine which prevailed in the Middle Ages. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
35. There is nothing to prevent the decree of a general council, or the act of all peoples, from transferring the supreme pontificate from the bishop and city of Rome to another bishop and another city. -- Ibid.
36. The definition of a national council does not admit of any subsequent discussion, and the civil authority car assume this principle as the basis of its acts. -- Ibid.
37. National churches, withdrawn from the authority of the Roman pontiff and altogether separated, can be established. -- Allocution "Multis gravibusque," Dec. 17, 1860.
38. The Roman pontiffs have, by their too arbitrary conduct, contributed to the division of the Church into Eastern and Western. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
VI. ERRORS ABOUT CIVIL SOCIETY, CONSIDERED BOTH IN ITSELF AND IN ITS RELATION TO THE CHURCH
39. The State, as being the origin and source of all rights, is endowed with a certain right not circumscribed by any limits. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
40. The teaching of the Catholic Church is hostile to the well- being and interests of society. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846; Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849.
41. The civil government, even when in the hands of an infidel sovereign, has a right to an indirect negative power over religious affairs. It therefore possesses not only the right called that of "exsequatur," but also that of appeal, called "appellatio ab abusu." -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851
42. In the case of conflicting laws enacted by the two powers, the civil law prevails. -- Ibid.
43. The secular Dower has authority to rescind, declare and render null, solemn conventions, commonly called concordats, entered into with the Apostolic See, regarding the use of rights appertaining to ecclesiastical immunity, without the consent of the Apostolic See, and even in spite of its protest. -- Allocution "Multis gravibusque," Dec. 17, 1860; Allocution "In consistoriali," Nov. 1, 1850.
44. The civil authority may interfere in matters relating to religion, morality and spiritual government: hence, it can pass judgment on the instructions issued for the guidance of consciences, conformably with their mission, by the pastors of the Church. Further, it has the right to make enactments regarding the administration of the divine sacraments, and the dispositions necessary for receiving them. -- Allocutions "In consistoriali," Nov. 1, 1850, and "Maxima quidem," June 9, 1862.
45. The entire government of public schools in which the youth- of a Christian state is educated, except (to a certain extent) in the case of episcopal seminaries, may and ought to appertain to the civil power, and belong to it so far that no other authority whatsoever shall be recognized as having any right to interfere in the discipline of the schools, the arrangement of the studies, the conferring of degrees, in the choice or approval of the teachers. -- Allocutions "Quibus luctuosissimis," Sept. 5, 1851, and "In consistoriali," Nov. 1, 1850.
46. Moreover, even in ecclesiastical seminaries, the method of studies to be adopted is subject to the civil authority. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
47. The best theory of civil society requires that popular schools open to children of every class of the people, and, generally, all public institutes intended for instruction in letters and philosophical sciences and for carrying on the education of youth, should be freed from all ecclesiastical authority, control and interference, and should be fully subjected to the civil and political power at the pleasure of the rulers, and according to the standard of the prevalent opinions of the age. -- Epistle to the Archbishop of Freiburg, "Cum non sine," July 14, 1864.
48. Catholics may approve of the system of educating youth unconnected with Catholic faith and the power of the Church, and which regards the knowledge of merely natural things, and only, or at least primarily, the ends of earthly social life. -- Ibid.
49. The civil power may prevent the prelates of the Church and the faithful from communicating freely and mutually with the Roman pontiff. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
50. Lay authority possesses of itself the right of presenting bishops, and may require of them to undertake the administration of the diocese before they receive canonical institution, and the Letters Apostolic from the Holy See. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
51. And, further, the lay government has the right of deposing bishops from their pastoral functions, and is not bound to obey the Roman pontiff in those things which relate to the institution of bishoprics and the appointment of bishops. -- Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852, Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
52. Government can, by its own right, alter the age prescribed by the Church for the religious profession of women and men; and may require of all religious orders to admit no person to take solemn vows without its permission. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
53. The laws enacted for the protection of religious orders and regarding their rights and duties ought to be abolished; nay, more, civil Government may lend its assistance to all who desire to renounce the obligation which they have undertaken of a religious life, and to break their vows. Government may also suppress the said religious orders, as likewise collegiate churches and simple benefices, even those of advowson and subject their property and revenues to the administration and pleasure of the civil power. -- Allocutions "Acerbissimum," Sept. 27, 1852; "Probe memineritis," Jan. 22, 1855; "Cum saepe," July 26, 1855.
54. Kings and princes are not only exempt from the jurisdiction of the Church, but are superior to the Church in deciding questions of jurisdiction. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
55. The Church ought to be separated from the .State, and the State from the Church. -- Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
VII. ERRORS CONCERNING NATURAL AND CHRISTIAN ETHICS
56. Moral laws do not stand in need of the divine sanction, and it is not at all necessary that human laws should be made conformable to the laws of nature and receive their power of binding from God. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
57. The science of philosophical things and morals and also civil laws may and ought to keep aloof from divine and ecclesiastical authority. -- Ibid.
58. No other forces are to be recognized except those which reside in matter, and all the rectitude and excellence of morality ought to be placed in the accumulation and increase of riches by every possible means, and the gratification of pleasure. -- Ibid.; Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863.
59. Right consists in the material fact. All human duties are an empty word, and all human facts have the force of right. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
60. Authority is nothing else but numbers and the sum total of material forces. -- Ibid.
61. The injustice of an act when successful inflicts no injury on the sanctity of right. -- Allocution "Jamdudum cernimus," March 18, 1861.
62. The principle of non-intervention, as it is called, ought to be proclaimed and observed. -- Allocution "Novos et ante," Sept. 28, 1860.
63. It is lawful to refuse obedience to legitimate princes, and even to rebel against them. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1864; Allocution "Quibusque vestrum," Oct. 4, 1847; "Noscitis et Nobiscum," Dec. 8, 1849; Apostolic Letter "Cum Catholica."
64. The violation of any solemn oath, as well as any wicked and flagitious action repugnant to the eternal law, is not only not blamable but is altogether lawful and worthy of the highest praise when done through love of country. -- Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849.
VIII. ERRORS CONCERNING CHRISTIAN MARRIAGE
65. The doctrine that Christ has raised marriage to the dignity of a sacrament cannot be at all tolerated. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
66. The Sacrament of Marriage is only a something accessory to the contract and separate from it, and the sacrament itself consists in the nuptial benediction alone. -- Ibid.
67. By the law of nature, the marriage tie is not indissoluble, and in many cases divorce properly so called may be decreed by the civil authority. -- Ibid.; Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
68. The Church has not the power of establishing diriment impediments of marriage, but such a power belongs to the civil authority by which existing impediments are to be removed. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
69. In the dark ages the Church began to establish diriment impediments, not by her own right, but by using a power borrowed from the State. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
70. The canons of the Council of Trent, which anathematize those who dare to deny to the Church the right of establishing diriment impediments, either are not dogmatic or must be understood as referring to such borrowed power. -- Ibid.
71. The form of solemnizing marriage prescribed by the Council of Trent, under pain of nullity, does not bind in cases where the civil law lays down another form, and declares that when this new form is used the marriage shall be valid.
72. Boniface VIII was the first who declared that the vow of chastity taken at ordination renders marriage void. -- Ibid.
73. In force of a merely civil contract there may exist between Christians a real marriage, and it is false to say either that the marriage contract between Christians is always a sacrament, or that there is no contract if the sacrament be excluded. -- Ibid.; Letter to the King of Sardinia, Sept. 9, 1852; Allocutions "Acerbissimum," Sept. 27, 1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الاستبداد السياسي من علامات الساعة
» المدونة الكبرى للامام مالك بن انس
» المدونة الكبرى / موافق للمطبوع
»  بين التكفير الديني والتكفير الوطني
» كشف اللثام عن دعوى الرافضة اللئام حب آل البيت الكرام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: