الحمد لله ربِّ الأكوان
وخالق الإنسان، وهادم الكفر والطغيان، وصاحب الغِيَرِ والعِبَرِ في تصريف
الخلق والأزمان، سبحانه هو المجُير من القساة من بني الإنسان!
فهل تتصوَّر أنَّ معبودًا يوصي أو يأمر مَن
يعبدونه بقتل الأبرياء من الناس؟! وأنَّه من أجَلِّ ما يتقرَّب به أهل
مِلَّةٍ من المِلَلِ هو إراقة الدماء البشرية ومزجها بطائفةٍ من طقوس
العبادة لديهم؟!
وإذا كان ذلك عندهم صحيحًا، فهل من الممكن أن يسمحوا لغيرهم أن يُمارسوا
فيهم وفي شعبِهم نفس العبادة؟! إذا ما ارتضوها عملاً صالحًا يزيد به
الإيمان، ويرضى به عنهم هذا الإله؟!
ولا عجب بعد العلم أنَّ اليهود جعلوا قتل الأميين أو "
الجوبيم"
عبادةً مرموقةً لديْهم في أعلى المطالِب التعبُّدِيَّة، وهذا ما حدث، وما
سيحدُث معنا ومع غيرنا من بني إسرائيل، وحتَّى قيام السَّاعة؛ {
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
أمَّا بعد:فبعد اثنين وعشرين يومًا - منذُ أشهرٍ مضتْ - من الضَّياع المتنامِي لكرامة
العرَب والمسلمين، قضاها العدوُّ الإسرائيلي في شنّ الغارات السخيَّة
بالموْت والهدْم، وتقْطيع الأوْصال الحيَّة من الآدميِّين، وقضاها بعض
كبرائنا في التصريحات الجوْفاء التي تضرّ ولا تنفع، ولا تكيد عدوًّا ولا
تسرُّ صديقًا، بينما قضاها فيلق العزّة والكرامة على محور الجهاد والمصابرة
والشَّهادة على أرض المعركة، وبين هذه وتلك، فقد أصغى التَّاريخ يسجِّل
ملاحم من الأحْزان لن يطويَها النِّسيان ما حيَّ الإنسان، ملاحم كتبتْها
أبدان طاهرة من الرّجال والنساء والولدان، وسطرتها الدّماء الزكيَّة التي
سالت كالوديان على أيْدي إخوان القِرَدة والخنازير، دليلاً ظاهرًا على
اندِثار الكرامة، والهوان على أيْدي أجبَن الخلْق وأحط الناس، ولا حول ولا
قوَّة إلاَّ بالله.
بعد اثنين وعشرين يومًا من الحرْب القذِرة على غزَّة أرض العزَّة، تصحو أشواق العمر إلى الجهاد المعطَّل في أمَّة الجهاد، وصدَقَ فينا قولُك
يا سيِّد العالمين: ((إذا تبايعْتُم بالعينة وأخذتُم أذناب البقَر، ورضيتم
بالزَّرع وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتَّى ترجعوا
إلى دينكم))؛ سنن البيهقي (10484).
وها هو الذّلّ الأكبر في عيون الجميع، مَن كان في السَّاقة أو في المقدّمة،
لقد تجرَّع الجميع طرفًا من مذاقِه الَّذي لا يطاق، على حين أن الأسفلين
من بني البشَر كانوا يتباهَون بزعْم اقتِراب نصرِهم الكذوب على أهْلِنا في
غزَّة المحاصرة منذ ثَمانية أشهُر قبل الحرْب، وحتَّى الآن لم يؤْذِن
الحصار الظَّالم للمدينة المرابطة بوداع، وتعامتْ عيون العالَم الَّذي مات
ضميرُه ودُفِن في مقابر التَّاريخ، عن المجازر البشِعة، والتي لم يشهد لها
مثيلاً في تاريخه القديم أو الحديث أو المعاصر لها، في أيّ زمنٍ، ولا على
أيِّ أرضٍ، والتي خلَّفتْ وراءها من الشهداء ألفًا وثلاثمائة، ومن الجرحى
خمسة آلاف ومائتين، فيهم أكثر من ثلاثمائة طفل وما يقارب مائة امرأة،
إضافةً إلى أربعين مسجدًا مقصوفًا، وعددٍ لا بأس به من المدارس، وحتَّى
الهيئات التي تعمل في مجال الإنقاذ والتَّطْبيب والصَّحافة وغيرها، ما نَجا
من بطْش الشَّعب الملعون أحد.
دهشةٌ شديدةٌ تصيب أهل الحجا من هذا الإفراط الرهيب في استخدام القوَّة، والإمعان في القتل والتخريب، وغدا الأمر مستعصيًا على الوصف والتَّفسير،
بحيث إنَّ المتابع كان ساعتها يكتم أنفاسه وجلاً من النَّقلة القادمة
للأحداث، يا الله!
ما كلّ هذا البطْش المسعور؟! إِنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ تَحْدُثْ لِهُ غِيَرٌ لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُودِ |
ما الذي جاء بنا إلى هذا الطَّريق؟ وما الَّذي طوَّق الأمَّة بأطواق الخِذْلان؟ حيث خذل بعضُها بعضًا، وضاعت حقوق الأخوَّة بين مهرجانات الكلام وأعراس الدماء.
إنَّ غزة المحاصرة والتي صبُّوا عليها جامَ نيرانهم من السماء صَبًّا،
وزلزلوا الأرض من تحتها زِلزالاً شديدًا - لن تستسلم، ولن تُهزم، مهما
حاولت عوادي الزَّمن أن تطحَنَها، إنَّما الهزيمة من قِسْمنا إن رضيت
قلوبُنا بالسلبية وعدم الاكتراث بالنَّتائج وقلَّة النصرة، وافتقاد
استِلْهام العبرة مما يجري على أرض الواقع الذي يعج بالظلم الشَّديد
السَّافر لأهل القضيَّة من أعدائهم، ومن أهليهم، بحفر أخاديد الضجَر في
النفوس:
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى النَّفْسِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ |
أمَّا أعداء الحق والدين على الشَّواطئ البعيدة عن الأحداث في أمريكا وجلّ بلاد أوروبا، فقد صرَّحوا منذ زمان وانتهى الأمر، وسمحوا لليهود بالدِّفاع عن أنفسهم،
وهو دفاعٌ لم نسمع بمثله في التاريخ؛ لأنَّ صورته الماثلة في العيون هي
دكُّ العمران وقتلُ الأبرياء، وتدميرُ الحرثِ والنسلِ، وترصّدُ المراسلين
من الشبكات الإعلامية العالمية والتي تفضح صنيعهم، وكذلك العاملين في مجال
الإغاثة الإنسانيَّة كما يأمرهم التلمود، هذا هو الدفاع عن النفس! وفوق ذلك
ناصروهم بالسلاح والدعم الكامل بشقيه الماديِّ والمعنويِّ.
وأمَّا الشّعوب المسلِمة المبثوثة حول المدينة المحاصرة عسكريًّا واقتصاديًّا، فلا شكَّ أنَّ جلَّها يتحرَّق شوقًا إلى الجهاد ودحر الكيان الغاصب والمتغطرس.
وأمَّا المسؤولون وأصحاب القرار، فهم
يتقلَّبون بين جحيم الخوْف - بل والرُّعب - من أعدائِهم، الذين تولَّوهم
من دون المؤمنين، وبين نعيم الاستِعْلاء على شعوبهم الأبيَّة وأهل المقاومة
الحيَّة، والعجيب أنَّ بعضهم قد مارس نوعًا من التشفّي الذي يظهر معاني لا
وزن لها في عالم الأخلاق، حيثُ صدرت تصريحاتٌ تضع اللَّوم على المجاهدين
المسلمين على أساس أنَّهم تسببوا في الحرب باستِفْزاز الكيان الصهيوني، حتى
نكَّل بأهل غزَّةَ على النَّحو الماثل بين العيون، عجبًا،
وهل يحتاج المعتدي إلى استفزاز؟!
وقال التصريح: لو أنَّهم سمعوا كلامنا
وأصْغَوا لنصائحنا ما حدث لهم ذلك، تمامًا مثلما قال المنافقون عقيب غزوة
أحد، وقد ورد ذلك بإخبار الله تعالى عنهم في القرآن: {
الَّذِينَ
قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ
فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168].
لقد وقعت الأمَّة في بُنَيَّاتِ الطَّريق يوم أن تركتِ الجهاد، وأرهقتْ نفسَها في دوَّامة المؤتمرات التي لم يلتزِم أيُّ طرفٍ من
المغتصبين أو رعاتهم على طول الزَّمان بأيٍّ من بنودها؛ إلاَّ ما كان فيه
مصلحة لليهود، ففي ظلّ هذه المؤتمرات بلغ الكيان الصهيوني آفاقًا غير
مسبوقةٍ في الطغيان، وابتلاع المزيد من الأرض، وتسْري خططهم الملعونة
بتهويد القدس الشريف، "والعالم الغربي المناصر لليهود لا يجد في ذلك
عوجًا"، وقتل كوادر المقاومة وهدم المنازل كل يوم وتجريف الأراضي بما فيها
من أرزاقٍ لأصحابها، وضرب الحصار الظالم على المسلمين ليذلوهم.
كلّ هذا وحديثهم المكرورُ عن السَّلام لا يهدأ، وما بلغوا تحقيق آمالهم
إلاَّ في ظل هذا الحديث المكذوبِ، ولا يزالون كذلك يتحدَّثون عن السَّلام
الَّذي لا يعرفون له طريقًا، ويُسيطرُ على أحلامهم جميعًا هذا الهاجسُ
الملعونُ بأن تكون دولتهم من الفرات إلى النّيل، فهل يستلْْهِمُ العقلاء
عبرًا ودروسًا من هذه الأحلامِ؟!
مهمَّةُ اليهودِ حيالَ الجنسِ البشريِّ:لكن الأحداث الراهنة تفيد بأنَّ اليهود قد عاثوا بمزيد الفساد الذي ليس له
في سجل عتاة المجرمين نصيب، وإنَّ المتأمل للتاريخ العام للبشرية - وخصوصًا
في سني الاجتِياحاتِ والتدميرِ والإفناءِ السابقات - ستعزُّ به المطالب في
الحصول على مثل هذه النماذج البشعة من الإسراف في القتل، كأنَّ هذه النفوس
والأرواح لا علاقة لها بالجنس البشريِّ، هذا هو التصوير الطبيعي لما يدور
في النفسية اليهوديَّة عن غيرهم من البشر، والذين يعتبرهم بنو إسرائيل "
أُميين"؛ قال الله تعالى: {
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
[آل عمران: 75]، وكل من كان أميًّا عندهم فلا قيمة لحياته، وبسبب هذه
المشاعر غير المنصفة تجاه بقية بني آدم نظر اليهود إلى غيرهم نظرة انتقاص،
كأنهم في درجةٍ سفلى بالنسبة لهم، بل يدور في مخيلتهم أنَّ ربَّهم قد
تفضَّل على بقيَّة الناس فخلقهم مثل شعبه المختار؛ أي: في صورة البشر.
يذكر التلمود أنَّ كل من ليس على دين اليهود يعدُّ خارجًا عن دائرة الإنسان
إلى درجة الحيوان؛ حيث جاء فيه ما نصُّه: "الخارجون عن دين اليهود خنازير
نجسة، وخلق الله الآدميَّ على هيئة إنسان ليكون لائقًا لخدمة اليهود الذين
خلقت الدنيا من أجلهم"، وفيه أيضًا: "الكلب أفضل من الأجنبي - غير اليهودي
أيًّا كان - لأنَّه مصرحٌ لليهوديِّ في الأعياد أن يطعم الكلب، وليس له أن
يطعم الأجنبي".
وزعم اليهود في تلمودهم: أنَّ إسرائيل سأل إلههم قائلاً:
لماذا خلقت خلقًا سوى شعبك؟ فأجابه قائلاً: لتركبوا على ظهورهم وتمتصّوا دماءهم، وتحرقوا أخضرَهم وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم.
وقد تبين لنا بوضوح أنَّ اليهود هم جرثومة البشر؛ (الشيخ طه عبدالله العفيفي/ من وصايا الرسول، جـ1 صـ 379 بتصرف)، هذه
أحلامهم العامَّة والخاصَّة في غيرهم من الأمم قد لخَّصها لهم تلمودهم،
الذي اختصر أسوأ وأبشع ألوان الانتقام بلا سببٍ واحدٍ يذكر.
عقائد منحرفة وعاداتٌ وحشيةٌ:وبهذا نستطيع أن نفسر الأحداث ببصرٍ ثاقب وتفكيرٍ غير مقيَّدٍ، ونعرف -
كذلك - كلَّ ألوان الصورة بألوانها الطبيعيَّة القابعة في النفسية اليهودية
عن غيرها من الأمم، إنهم يتحركون من خلال أيديولوجية دينيَّة محرَّفة،
توجب عليهم قتل الأبرياء، ومن أجل ذلك مرَدوا على عاداتٍ دينيةٍ يستنكف
الملاحدة ومن ليست لهم ديانة القيام بها، من هذه العادات "
استنزاف الدم"؛ أي: الحصول على دماءٍ بشريَّة بعد قتل صاحبها، ومزْجها بعجين ما يعرف عندهم بـ
"الفطائر المقدَّسة"، تلك التي يأكلونها في أعيادهم وأفراحهم الدينيَّة أمثال: أعياد أستير، والفصح، ومراسيم ختان الأطفال وغيرها.
وفي الأسفار المقدَّسة يذكر الدكتور علي عبدالواحد وافي: "وتختار الذبائح في عيد الفصح من الأطفال الَّذين لا تتجاوز سنّهم
العاشرة، أو تزيد عنها قليلاً، ويمزج دم الضحيَّة بعجين الفطائر قبل تجفيفه
أو بعد تجفيفه، وتختار ذبائح عيد البوريم أو أستير من الشباب البالغين أو
من الكبار، ويؤخذ دم الضحيَّة ويجفَّف على صورة حبوب تمزج بعجين الفطائر،
وأمَّا ضحايا أفراح الختان، فيظهر أنَّها كذلك تختار في الغالب من الأطفال،
وكذلك ضحايا السحر والشعوذة؛ بدليل ما ورد بصددها في سفر أشعيا؛ إذ يقول
في إصحاحه السابع والخمسين مخاطبًا بني إسرائيل: "أقبِلوا يا بني الساحرة،
ألستُم أنتم الَّذين يذبحون الأطفال في الوديان وتحت شقوق الصخور؟! (أشعيا
57 /3 - 5)"؛ أي: لإتمام عمليَّة السحر التي ورثْتموها عن آبائكم
وأمَّهاتكم.
ويستنزف اليهود دمَ ضحاياهم هذه بطرائق كثيرة، فأحيانًا يتمّ ذلك عن طريق ما يسمَّى "
بالبرميل الإبري"،
وهو برميل مثبَّت على جوانبه من الدَّاخل إبرٌ حادَّةٌ توضع في الضحيَّة
حيَّةً، فتغرز هذه الإبر في جسْمِها، وتسيل الدماء ببطءٍ من مختلف
أعضائِها، وتظل كذلك في عذابٍ أليمٍ حتَّى تفيضَ روحُها، بينما يكون اليهود
الملتفّون حول هذا البرميل في أكبر نشوة بما يبعثه هذا المنظر في نفوسهم
من لذَّة وسرور، وينحدِر الدَّم في قاع البرميل ثمَّ يصبّ في إناءٍ معدٍّ
لجمعه، وأحيانًا تقطع شرايين الضحيَّة في عدَّة مواضع ليتدفَّق الدَّمُ من
جروحِها، وأحيانًا تُذْبَحُ الضحيَّةُ كما تُذْبَحُ الشَّاةُ ويُؤْخَذُ
دمُها.
وبعد أن يتجمَّع الدم بطريقةٍ من الطرق السابقة أو غيرها، تسلَّم إلى الحاخام أو الكاهن أو السَّاحر، الذي يقوم باستخدامها في إعداد
الفطائر المقدَّسة أو في عمليات السحر؛ (د. علي عبدالواحد وافي: الأسفار
المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، صـ 35، 36 ط 1 /1996م دار نهضة مصر،
القاهرة).
هذا ديدن اليهود في العالم أجمع أينما حلُّوا وارتحلوا منذ زوَّروا دينهم
وغيَّروا معالمه، وأدخلوا فيه ما ليس منه، لا تراهم إلاَّ على عهد الغدر
قائمين، يستحلّون دماء الأبرياء ليعجنوها بفطائرهم المدنَّسة في ربوع
العالم من أوروبا وآسيا إلى أمريكا وإفريقية، وإنَّ آلاف الأطفال وغير
الأطفال الذين يختفون في معظم أنحاء العالم هم في الغالب ضحايا الطقوس
الدينية اليهوديَّة، ولا بدَّ أن تكون دماؤهم قد استقرَّت في بطون اليهود
مع الفطائر القذِرة الَّتي يتناولونها في أعيادهم.
ومن أشنع هذه الحوادث حادثة دمشق 1840 م، الَّتي راح ضحيَّتها الأب توما وخادمه إبراهيم عمار، وقد قصَّ قصَّتها الأستاذ عبدالله التل في كتابه "
خطر اليهودية على الإسلام والمسيحيَّة"؛
إذ يقول: "الأب فرنسوا أنطون توما قسيس إيطالي انتقل إلى دمشق للخدمة في
أديرتها، وصل طوال ثلاث وثلاثين سنة بإخلاصٍ وغيرةٍ وحنانٍ خادمًا لجميع
الطَّوائف، لا يفرق بين دين ودين، يعالج المرضى مجَّانًا، ويطعّم الناس
ضدَّ الأوبئة، وعرف في دمشق مثالاً للنبل والخلُق الكريم، وفي يوم الأربعاء
2من ذي الحجة 1255 هـ، الموافق 5 من فبراير 1840 م، طُلِب الأب توما لحارة
اليهود لتطعيم طفلٍ ضدَّ الجدري، وفي عودته مرَّ بصديقه اليهودي داود
هراري، فاستدعاه إلى داره فلبَّى الدَّعوة، وكان في الدَّار شقيقان لداود
هراري وعمه، واثنان من حاخامات اليهود، ثمَّ انقضَّ هؤلاء جميعًا على الأب
توما وقيَّدوه من قدميه ويديْه، ووضعوا منديلاً على فمه، وبعد غروب الشَّمس
استدعوا حلاَّقًا يهوديًّا اسمه سليمان، وأمروه بذبْح القسيس فخاف
وتردَّد، فما كان من داود هراري - صديق الأب توما - إلاَّ أن تناول السكّين
بنفسه ونحر الضحيَّة، ثم جاء أخوه هارون هراري وأتمَّ عملية الذبح، وجمعوا
الدَّم في وعاء ثم نقلوه إلى قارورة كبيرة، وسلَّموه إلى حاخام باشا يعقوب
العنتابي، الذي تمَّت العمليَّة بناءً على أوامره؛ نظرًا لحاجته إلى الدم
لاستعماله في فطائر عيد البوريم "
أستير"،
الَّذي كان يقع في ذلك العام في الرابع عشر من فبراير، وقطعوا جثَّة
الضحية إربًا إربًا، ووضعوها في أكياس وقذفوا بها في مصرف قريب من دارهم،
ولم يكتفوا بالقسيس، بل انتظروا مجيء خادمِه إبراهيم عمار للبحث عنه،
فأدخلوه إلى منزل اليهودي يحيى ماهر فارحي، وذبحوه وأخذوا دمه إلى الحاخام
باشا ... وفي أثناء التَّحقيق قدم جَميع المتهمين في تلك المذبحة اعترافاتٍ
كاملةً مُذهلةً، وعثرت السلطات على جثَّتي القسيس وخادمه، وقد نشرت
التحقيقات والمحاكمة في عدَّة كتب أوربيَّة، وما زالت محفوظة في سجلات
وزارة العدل بدمشق، ونشرت بالتَّفصيل في كتاب للدكتور "
روهلنج"، ترجمه إلى العربية الدكتور يوسف نصر الله 1899م تحت عنوان "
الكنز المرصود في قواعد التلمود"؛ (الأسفار المقدسة 36 - 37، سابق).
وهذا شأنهم منذ أزمان طويلة، قد جعلوه لهم دينًا واجتهدوا في تنفيذه أجيالاً بعد أجيال، بل يذكر التَّاريخ القديم عنهم أنَّهم كانوا يزاولون هذا النشاط الإجرامي
قبل الميلاد، وقد شهد شاهد من أهلهم ومؤرِّخ من أقدم مؤرِّخيهم وأشهرهم،
وهو المؤرخ اليهودي "
يوسيفوس فلافيوس"،
المولود سنة 37 م والمتوفَّى سنة 95 م - بأنَّهم ما كانوا يقتصِرون على
شرب دماء ضحاياهم ومزجها بعجين فطائرهم، بل كانوا يأكلون كذلك قطعًا من
لحومهم، فقد ذكر هذا المؤرخ أنَّ ملك اليونان "
أنطونيوس الرابع"،
الذي تبوَّأ العرش سنة 174 قبل الميلاد وفتح مدينة أورشليم، حينما دخل هذه
المدينة وجد في بعض أنحاء الهيكل رجلاً يونانيًّا كان اليهود قد حبسوه في
هذا المكان، وكانوا يقدِّمون له أحسن الأطعمة ليسمن ويزكو لحمه، حتَّى يأتي
يومٌ يخرجون به إلى إحدى الغابات فيذْبحونه ويشربون دمه، ويأكلون شيئًا من
لحمه ويحرقون باقيه ويذرون رمادَه في الصحراء، وإنَّ ذلك كان تطبيقًا
لوصيَّةٍ دينيَّةٍ لا تسعهم مخالفتُها، وهم كانوا يكررون فعلتهم هذه كل عام
مع واحدٍ من اليونان، وأنَّ هذا السجين قد استرحم الملك أن ينقذه فأنقذه؛
(الأسفار المقدسة 38 سابق).
مديةٌ وقارورةٌ:كنَّا نتابع الأحداث الماضيات في غزَّة بعَبرة مخنوقةٍ، وقلبٍ ضاربٍ في
الحزن بعمق معناه، من هذا الغيظ اليهوديِّ الذي تمثَّل لأهلنا هناك كقيام
الساعة، وكان السؤال:
لماذا يفعلون كلَّ هذا؟ وما الدَّافع إليه؟ جيشٌ
بكلّ قوَّاته وطائراته ودبَّاباته يقاتل شعبًا أعزل بلا أسلحةٍ ولا عتادٍ
حربيٍّ، ويعاني من الحصار والجوع منذ مدَّةٍ طويلةٍ! وما الذي هيَّج أشواق
اليهود إلى هذا التدْمير والقتل في لبنان "تموز 2006م"؟ وذلك بعد حروبٍ
خمسة سبقتْ هذه الحرْب مع مصر وسوريا ولبنان؟ ومن قبل ذلك ما أتلفتْه أيدي
المجرمين في المجازر والمحارق المتتالية على الشُّعوب العربية منذ زمان دير
ياسين إلى قانا الثَّانية، وما بينهما من بحر البقر وصبرا وشاتيلا، وجنين
وعناقيد الغضب، وغيرها كثيرٌ، بما حصدت من الأرواح وهدمت من البيوت على
ساكنيها!
وما تترع به سجون اليهود من كوادر المقاومة من أهل فلسطين وغيرها من بلاد
العروبة، وما يرونه من عِبَرِ الأيَّام تعذيبًا وقتلاً! وما من بلدٍ عربيٍّ
مجاورٍ لشعْب الخنازير إلاَّ وقد تذوَّق من هذا السَّعير الإجراميِّ ما
يذهب اللّبّ ويطيش به عقل الحليم.
ليست القضية قضيَّة "
جيش الدفاع"، الذي يتترّس بالحماية الغربيَّة الجانحة، وما ينبغي أن يكون دفاعًا، بل جيش البغي والعدوان.
وليست للقضية أسباب ظاهرة كما يترجمها لنا بعض من مثقَّفينا بأنَّ اليهود
كانوا في مشاعر استِفْزازيَّة، وهم يلقون سخائم الأيَّام على شعوبنا
المسلمة.
إنَّ حقيقة الأمر تدفع المنصفين من حملة المحابر في العالم أجْمع أن يحذِّروا من هؤلاء الذين يفترسون لحوم البشر، ويشربون دماءهم ويعجنونها مع الفطائر.
إنَّ هذا المعتقد المحرَّف دينيًّا ما هو إلاَّ رسالة يهوديَّة سمجة، واضحة
النبرة إلى كلّ العالم من غير اليهود، والعالم الإسلامي بالذات: أنَّ هذا
هو المصير الَّذي نحلم به لكم أجمعين، إنَّ ديننا يأمرنا بهذا، نعم يأمرنا
بقتلِكم واستغلالكم، ومزْج دمائكم بطعامنا المقدَّس، إنَّ هذا من أجلِّ ما
يتقرَّب به أفراد شعبنا المختار إلى ربِّه، فلتنتظر كلّ ضحيَّةٍ دوْرَها في
الطَّابور، ففي يدِنا مُدْية نقطع بها الشَّرايين والرقاب، وفي الأخرى
قارورة الدِّماء التي ينتظرها الحاخامات والأحبار.
إنَّ اليهود لم يغيِّروا عاداتهم التي ألْصقوها بالملَّة الموسوية، وليس
عندهم أيّ استعدادٍ أن يغيِّروا أو يتنازلوا عن أيٍّ منها، وهي محض تحريف
وتزْييف، بيد أنَّ كثيرًا من النَّاطقين باسم الإسلام في العالم لا يزالون
في تردُّدهم جاثمين، لا يتقدَّمون إلى الدنيا بعدالة الدين وثوابته التي
تحفظ كرامة الدنيا ونعيم الآخرة، وإنَّما يتقدَّمون بكل الأثواب وكلّ
الواجهات من عدم الانحياز إلى الرَّوابط الإقليمية أو العرقية، وفي ذات
الوقت لدى البعض استعدادٌ مريب على أن يقبل كلَّ ما يطير إلى الأمة من بلاد
العجائب والمناصرين لليهود كأنَّه ترياقٌ وشفاءٌ، كتغْيير المناهج وتعديل
الخطاب الديني، وتقْليل أعداد النسمات في الشعوب الإسلاميَّة، وتهييج ألسنة
الفتَّانين من المترجِّلات وبعض المخنثين، فكلّ ما هو آتٍ إليْنا منهم فيه
العزَّة والرِّفعة، أمَّا المتمسكون بالإسلام فعلى خطاهم ألف قيْدٍ، وعلى
فكرهم حارسٌ موجّهٌ من أهل الاستنارة!
وللبيان رجاءٌ ورسالة في خواتيمِه بأن يستيقِظ الغافل الهاجع في ليل البطالة العقلية من سُباته الذي طال.
وأن يتذكَّر المسلم دائمًا، ولا ينسى أنَّ العداء اليهودي لنا وللعالم سببه
الدّين المحرف الَّذي صاغه بشرٌ في أسفل المنازل، وأن يقِف على أسباب
المبالغة في القتْل والهدم والتخريب الذي يمارسه شذَّاذ الآفاق والبشريَّة
في إخواننا المسلمين في فلسطين، وأنَّ العداء الَّذي طال لن يتوقَّف؛ بل
سيستمرّ إلى آخر الزَّمان، وليس الحشْر موعده، وإنَّما له نهايةٌ دنيويَّةٌ
محتومةٌ ولازمةٌ؛ ولكن يسبقها مراحلُ مطوَّلةٌ ومحكمةٌ من الإعداد العامّ
للأمَّة بكلّ أفرادها وكوادرها، ومن هذا الإعداد أن تعلَم مَن هو عدوُّك
بعقائده وأخلاقِه وإمكاناته، وأصفِيائه وأعدائه حتَّى تتجلى الصورة وتظهر
الأمور على حقيقتها.
ونسأل الله تعالى أن يحفظ الأمَّة من طغيان اليهود ومكرهم، وأن يهيِّئ لها أمر رشد وهداية.
والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.