الفصل السابع
الحقوق المالية
كل مَن يدرس الحقوق المالية للمرأة فى الإسلام - بتجرد وحياد- لا بدأن
يعترف بأنه ليس فى الإمكان وضع قواعد أكثر عدلاً وإنصافًا ورحمة من تلك
التى جاءت بها الشريعة الإسلامية... فها هو ذا مفكر هندى غير مسلم درس كل
القوانين والقواعد المنظمة لشؤون الأسرة في بلاده ذات الأعراق واللغات
والديانات المختلفة. وبعد مقارنة كل القواعد فى كل المذاهب والديانات قال
الدكتور أرشانا باشار: "لا يمكن إنكار أن نظام المواريث الإسلامى الذى
حددته ثلاث آيات فقط فى القرآن كان رائدًا فى إدخال المرأة والطفل ضمن
قائمة الورثة لأوَّل مرة في العالم كله". انتهى[1].
ويكفى أن نشير أولاً إلى
أن النساء فى الغرب ما زلن يكافحن للحصول على أجور متساوية مع أجور الرجال
عن ذات الأعمال المتشابهة فى كل شيء. ففي الولايات المتحدة تطالب الجمعيات
النسائية حتى الآن - 2009م -
بإعطاء العاملات الأمريكيات أجورًا متساوية مع أجور الرجال عن ذات
الأعمال، وكان هذا أحد الوعود الانتخابية للمرشح باراك أوباما، ولم تتحقق
مساواتهن فى الأجور حتى لحظة كتابة هذه السطور!! وذات الحال فى معظم دول
أوروبا حتى الآن!!
وثانيًا: لم
تكن للمرأة فى الغرب ذمة مالية منفصلة عن ذمة الزوج، وظل هذا الوضع قائمًا
حتى منتصف القرن العشرين، فكانت أموالها تذهب إلى الزوج بمجرد إبرام
الزواج... ولم يكن مالها فقط بل تفقد حتى اسمها!! وما زالت المرأة في الغرب
حتى الآن تحمل لقب واسم عائلة زوجها بدلاً من أبيها!! مثلاً: هيلارى وزير
خارجية أمريكا ينادونها هيلارى كلينتون، وهو لقب زوجها بيل كلينتون وليس
لقب أبيها الذى أنجبها!! أما في الإسلام فلا يجوز أن تنسب لغير أبيها ولا
تفقد اسمها ولا مالها بالزواج.
وحتى في نظام الوصية اضطرت دول كثيرة فى عصرنا إلى الأخذ بمبدأ التدخل التشريعى للحد من مقدار المال الذى تجوز الوصية به حرصًا على حقوق أقارب الموصى وخاصة أطفاله وأبويه وزوجته. والمعروف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدد القدر الذي تجوز الوصية فيه بالثلث لا أكثر. فالحد الأقصى لنفاذ الوصية لا يتجاوز بأى حال ثلث التركة، وما زاد على الثلث لا ينفذ إلا برضا الورثة.
عن سعد بن
أبى وقاص - رضي الله عنه - قال: "قلت يا رسول الله أنا ذو مال ولايرثنى إلا
ابنة لى واحدة، فأتصدق بثلثي مالي؟ قال عليه السلام: لا، قلت: فأتصدق
بشطره - بنصفه؟ قال: لا، قلت فأتصدق بثلثه؟ قال عليه السلام:"الثلث
والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"
متفق عليه. وهكذا ينهى عليه السلام عن الوصية بأكثر من الثلث حرصًا على
مستقبل الورثة وخاصة الأطفال الصغار والأرملة والأبوين الطاعنين فى السن.
وأوضح - عليه السلام - أن تركهم أغنياء بما يرثون خير وأفضل قطعًا من أن
يوصى مورثهم بكل التركة أو معظمها لغيرهم ويتركهم فقراء محتاجين يتسوَّلون
الطعام والملابس من الناس.
وأبلغ وأقوى دليل على عظمة هذا التشريع الذى جاء به الإسلام منذ أكثر من 14 قرنًا أن دولاً عديدة في عصرنا اضطرت إلى الأخذ بهذا المبدأ. ومثال ذلك فرنسا التى اضطرت إلى إصدار قانون عام 1972م - منذ 37 عامًا فقط - يأخذ بمبدأ تحديد مقدار الوصية المسموح بها للحفاظ على حقوق الورثة[2].
وسبب صدور القانون هو ما لوحظ من انتشار ظاهرة التوصية بمعظم التركة أو كل
التركة للعشيقات الفرنسيات دون الأولاد والزوجات، أو وجود خلافات زوجية أو
عائلية طاحنة تتسبَّب في رغبة الكيد للزوج أو الأولاد العاقين مثلاً،
فيوصى المورث لآخرين بالتركة انتقامًا منهم. وقد أخذوا أيضًا بقاعدة الوصية
وتسديد الديون أولاً ثم توزيع باقى التركة على الورثة، وهى التي وردت في قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11]. واقتباس فرنسا ودول أخرى كثيرة لما جاءت به الشريعة الإسلامية -مبدأ وضع حد أقصى لمقدار الوصية حرصًا على حقوق الورثة- يثبت ما قلناه ونقوله دائمًا وهو: أنه لا يمكن لبشر الإتيان بأفضل من الحلول التى جاء بها الإسلام، ولو لم يفهم البعض أسرارها أو أسبابها، فسوف تأتى أجيال أخرى تكتشف الأسرار الإلهية والأسباب المنطقية للشرع الحكيم.
ورغم أنهم
أخذوا فى فرنسا بهذا الجزء الخاص بتحديد الوصية إلا أن القانون الفرنسى ما
تزال به ثغرة خطيرة هائلة حتى الآن. وإنها لصفعة مدوية على وجوه الحاقدين
عندما يعلمون أن فرنسا - أم القوانين والحريات المزعومة- لا تعطى نصيبًا فى باقى التركة - بعد الوصية - للزوجة ولو كانت قد أفنت عمرها وشبابها مع المورث وأنفقت عليه كل مدخراتها!! في قلب أوروبا المعاصرة وفى باريس - عاصمة النور المزعومة - تمضى مئات الألوف من العجائز والأرامل ما تبقى لهن من عمر بائس يتكفَّفن العيش، ويتعرَّضن للشقاء والذل والمهانة - أواخر العمر-في
سن الشيخوخة والمرض؛ لأن القانون الفرنسى لا يعطيهن نصيبًا فى الباقى من
الميراث بعد تنفيذ الوصايا. وغالبًا ما تكون الوصايا للعشيقات والأولاد غير
الشرعيين، بينما الأرامل اللاتى أنفقن كل ما يملكن، وبذلن زهرة العمر
للأولاد والزوج الهالك لا يحصلن على فرنك واحد من كل التركة ولو بلغت الملايين!
ويحاول أئمة الضلال والتضليل الزعم بأن سبب ذلك هو أن القانون الفرنسى
يعطى الأولوية لقرابة الدم وليس لرابطة الزوجية!! وهذا وجه آخر يثبت عظمة
الإسلام الذى يعطى كل ذى حق حقه، ويوازن بحكمة بالغة بين الحقوق، فيحصل كل
من الورثة على قدر معلوم يناسبه ولا يحرم أحدًا كما يفعلون!!
وكان أقصى ما حصلت عليه الحركة النسائية فى فرنسا،
واعتبروه نصرًا فى عام 1965م حين نجحت النساء فى الحصول على حق فتح حساب
مستقل فى البنك والحق فى إدارة محل تجارى بدون موافقة الزوج!! ولم يتذكر
أحد هناك أن الإسلام قد أعطى المرأة المسلمة هذا الحق قبل الفرنسيات بألف وأربعمائة سنة.
وفى انجلترا أو ما كانوا يسمونها "بريطانيا العظمى"
كان الزوج يسيطر على كل ممتلكات زوجته وإيراداتها الحالية والمستقبلية حتى
فى حال الانفصال. وكما يقول الدكتور حافظ يوسف: "كانت الأُسَر البريطانية
تعتبر ما تحصل عليه البنت نصيبًا
ضائعًا من ممتلكات الأسرة، وكان كثير من الأزواج هناك ينفقون أموال
زوجاتهم على العشيقات"!!! ولم يصدر تعديل كامل للقانون لرفع هذا الظلم عن
المرأة الانجليزية إلا فى عام 1949م.أي
أنه في منتصف القرن العشرين فقط أصبحت للمرأة الانجليزية ذمة مالية منفصلة
عن زوجها لأول مرة فى تاريخ بريطانيا، وحصلت كذلك على حرية في التصرفات
المالية.
وبالنسبة للمواريث كانت القاعدة العامة هى أن يوصى الرجل بكل ثروته لمن يشاء.
وكثير من الرجال كان يوصى بكل ثروته للأجانب ويحرم زوجته وأطفاله منها.
ولم يتغير هذا الوضع الشاذ فى انجلترا حتى عام 1938م حيث أصبح للورثة الحق
فى مطالبة القضاء بتوزيع عادل للتركة. وكان المبدأ المعمول به هناك هو أن
الابن البكر يرث كل الأرض مع استبعاد البنات وحتى الذكور الصغار!!
لاحظ التشابه فى هذا بين الإنجليز فى قلب أوروبا وعرب الجاهلية فى صحراء الجزيرة قبل الإسلام،
فكلا الجانبين كان يحرم الإناث والصغار بدعوى عدم قدرتهم على المساهمة فى
حماية الممتلكات والقتال دفاعًا عنها وعن القبيلة!! وحتى عام 1926م ظل
الذكور مُفَضَّلون على الإناث فى الميراث، كما ظل الولد البكر مُقَدَّمًا على إخوته الصغار. فإذا توفى الابن البكر قبل أبيه المورث، فإن أولاد هذا البكر يُفَضَّلون على عمهم الأصغر، وهذا كله فى بريطانيا أحد معاقل المسيحية في العالم!!!
وإذا لم يكن
للمتوفى أبناء ولا أب، يُفَضَّل الذكور من الأعمام وخاصة الأكبر!! وتقول
إحصائيات انجليزية أنه فى شرق يوركشاير حصلت النساء على 5% فقط من إجمالى
التركات الموزعة فى الفترة من 1530م حتى 1919م؛ لأن أملاك المرأة تذهب إلى
الزوج بمجرد إبرام عقد الزواج، كما أن الذكر غير الشقيق كان مفضلاً على
ابنة صاحب التركة!!!
وقد أخذت أسبانيا حتى اليوم بمبدأ تحديد مقدار الوصية بالثلث كحد أقصى، وتلك شهادة فى حد ذاتها لصالح التشريع الإسلامي. لكنهم لم يمضوا على طريق العدالة حتى نهايته،
إذ يحصل الأبوان على تركة ابنهما بعد خصم الوصية فى حالة عدم وجود أبناء
للمتوفى، وإذا لم يكن قد أوصى للزوجة بشىء فإنه ليس لها إلا حق الانتفاع - وليست ملكية كاملة - ببعض الممتلكات!!
ويرى الباحث
بونفيلد أن الأسر الثرية فى أوروبا كلها كانت تأخذ بمبدأ تفضيل الابن البكر
فى الإرث كله بدرجات متفاوتة؛ كي تحافظ على نفسها، وأن ما تطورت إليه
قوانين المواريث الآن فى أوروبا لا يختلف كثيرًا عما ذهب إليه التشريع
الإسلامى إلا فى القليل،
وأن مؤتمرًا عقد فى هامبورج عام 1985م أظهر المأزق التشريعى فى أوروبا،
لعدم الموازنة بين حقوق أفراد الأسرة على اختلاف درجاتهم، وبين التقاليد
الأوروبية المتأصلة فى نظام المواريث[3].
وفى الصين أكبر دولة فى العالم - 1500 مليون نسمة -
كانت القاعدة الدائمة هناك هى استبعاد الإناث وكل أبنائهن وبناتهن من
المواريث، ويحصل الذكور فقط الذين هم من نسل الجد الأكبر ويحملون اسمه على
كل التركة. ولا ترث الأرملة شيئًا بل تحصل على ترضية قليلة المقدار!! وظل
هذا الوضع ساريًا هناك حتى عام 1931م[4].
عدالة الإسلام
أما في الإسلام فنلاحظ أن: "أنصبة الوارثين والوارثات فى الإسلام تحكمها ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث - ذكرًا كان أم أنثى - وبين المُوَرِّث - المتوفَّى - فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث، دون اعتبار لجنس الوارثين.
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، يكون نصيبهافي الميراث- عادة- أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها مفروضة على غيرها، بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفَّى ترث أكثر من أمه -
وكلتاهما أنثى - بل وترث البنت أكثر من الأب! حتى لو كانت رضيعة لم تعرف
شكل أبيها، حتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور!.
وفى هذا
المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد
ربانية سامية تخفى على الكثيرين! وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة
والأنوثة على الإطلاق.
وثالثها:
العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال
الآخرين... وهذا هو المعيار الوحيد الذى يُثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى... لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها... بل ربما كان العكس هو الصحيح!
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة... واتفق وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى، ذكورًا وإناثًا -
يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث... ولذلك،
لم يعمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين،
وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة في هذا التفاوت، في هذه الحالة بالذات، هي أن الذكر هنا مكلَّف بإعالة أنثى - هى زوجته - مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة - أخته- إعالتها، مع أولادها، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي - مع هذا النقص فى ميراثها - بالنسبة لأخيها الذى ورث ضعف ميراثها - أكثر حظًّا وامتيازًا منه فى الميراث.. فميراثها - مع إعفائها من الإنفاق الواجب -
هو ذمة مالية خالصة ومُدَّخرة، لجبر الضعف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد
المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين.." انتهى[5].
وهناك مغالطة سافرة من أعداء الإسلام تتمثل فى محاولة التركيزعلى حالات زيادة نصيب الذكر على نصيب الأنثى فى الميراث، وتجاهل الحالات الأخرى التى يتساوى فيها نصيب كل من الرجل والمرأة مثل حالة الإخوة والأخوات لأم فى حالة عدم وجود أصول أو فروع.
بل إن هناك
حالات عديدة يزيد فيها نصيب المرأة على نصيب الرجل، وقد يُمنع الذكر من
الميراث تمامًا بينما ترث الأنثى فى حالات أخرى. ولعل الكثيرين لا يعلمون
كذلك أن هناك حالات تَحْجُب المرأة فيها الرجل تمامًا فلا يرث شيئًا من
التركة بسبب وجودها. وحتى من الناحية العددية فإن الأرقام تحسب لصالح
الإسلام العظيم وليس ضده. إذ يبلغ عدد الحالات التى ترث المرأة فيها أكثر
من الرجل أو تحجبه عن الميراث كلية أو تتساوى معه ثلاثين حالة من حالات
المواريث، بينما يزيد نصيب الرجل على نصيب المرأة فى أربع حالات فقط من كل
حالات الميراث!! فهل يحاكمون الإسلام بسبب 4 حالات فقط بينما يتجاهلون
ثلاثين حالة تحظى فيها النساء بنصيب أوفر أو متساوٍ أو حتى تمنع الرجل فيها
من الميراث؟!
وعلى سبيل المثال:
إذا مات شخص عن بنتين وأم و3 إخوة ذكور، فإن البنتين ترثان الثلثين وحدهما
وتحصل الأم على السدس، ولا يتبقى لإخوته الذكور مجتمعين سوى سدس التركة
فقط!! ونلاحظ هنا أن كل بنت حصلت وحدها على ضعف نصيب أعمامها الذكور
مجتمعين رغم أنها امرأة وهم رجال!! وقد ترث الأنثى كل التركة ولا يرث الذكر
شيئًا إن كان قاتلاً لمورثه، لأنه لا ميراث للقاتل، أو كان يدين بدين آخر غير دين المورث بينما الأنثى تشترك مع المورث فى ذات الدين، لأن اختلاف الدين يمنع الولد من الميراث هنا.
ثم إنهم يتجاهلون أن الإسلام يفرض على الرجل أعباء مالية يعفى منها المرأة تمامًا،
فلا تساهم فيها ولو كانت غنية اللهم إلا إذا رغبت هى فى ذلك أملاً فى ثواب
الله ورحمته على سبيل التطوُّع وليس الإلزام. فالمرأة ينفق عليها الرجل
منذ ولادتها كابنة، ويظل الأب هو الذى ينفق عليها حتى تتزوج،
فتنتقل مسؤولية الإنفاق عليها وعلى أولادها إلى رجل آخر هو زوجها ولو كانت
غنية وهو فقير. فإذا كان الرجل هو المسئول عن الإنفاق على الأسرة،
فإنه يكون من الطبيعى إذًا أن يحصل على ضعف نصيب أخته من الميراث؛ لأنه
ينفق على بيته، أمَّا هي فإن المُكَلَّف شرعًا بالإنفاق عليها هو زوجها.
وهكذا تحتفظ هى بما ورثته عن أبيها كاملاً، بينما ينفق أخوها ما ورثه من
أبيه على الأسرة. ولو مات زوجها ولم يكن عندها ما يكفى من مال لنفقتها،
فإن المسؤولية عن الإنفاق عليها ترجع إلى أخيها ثانية إن كان موسرًا.
وهكذا يمكن فى هذه الحالة أن ينفق عليها الأخ ربما أكثر مما ورثه عن أبيه، فمن يكون هو الرابح فى مثل هذه الأحوال؟
أليست هي المرأة المُعَزَّزة المُكَرَّمة التى يظل الرجال دائمًا ينفقون
عليها سواء كان الأب أو الزوج أو الأخ عند وفاة الأب، أو الابن إن كان
كبيرًا موسرًا؟!!
وهذا كله في حالة ما إذا ترك المورث مالاً لورثته.
ولكن ماذا عن ملايين الحالات التى يتوفى فيها الأب الفقير دون أن يترك شيئًا؟!
هنا يفرض
الإسلام على الذكور القادرين الإنفاق على إناث الأسرة من أمهات وجَدَّات
وبنات وأخوات وزوجات وعمات وخالات أيضًا إن لم يكن لهن مال يكفيهن. فلماذا
لا يذكر الخصوم هذه الحالات وهى الأكثر فى عالم به أكثر من مليار فقير؟!!
وكذلك يلزم
الإسلام الرجل بدفع المهر إلى الزوجة، وليس كما هو الحال عند غير المسلمين
من الهندوس وأغلب أنحاء أوروبا إلى عهد قريب، حيث يلزمون أهل المخطوبة بدفع
مبالغ طائلة إلى الخاطب - الدوطة - ليقبل الزواج من ابنتهم!!
وما زالت هذه
التقاليد الظالمة موجودة فى الهند حتى الآن، وتتسبب في حرمان عشرات
الملايين من بنات الأسر الفقيرة من الزواج... فأين هذا من رحمة وعظمة
الإسلام؟!
عطية من الله
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾[النساء:
4]. قال ابن عباس: يعنى بالنِحْلة: المهر، وقالت السيدة عائشة: النحلة هي
الواجبة، وقال ابن جريج: المهر نِحْلة أي: فريضة مسماة. انتهى[6].
ونقل الإمام البغوى فى تفسيره "معالم التنزيل" مقولة الكلبي ومجاهد: "هذا الخطاب للأولياء، وذلك أنَّ وَليَّ المرأة كان إذا زوَّجها،فإن كانت معهم في العشيرة لم يُعْطِها من مهرها قليلاً ولا كثيرًا، وإن كان زوجها غريبًا حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك، فنهاهم الله عن ذلك،وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله. وقال الحضرمي: كان أولياء النساء يُعطي هذا أُختَه على أن يعطيه الآخرُ أُخته، ولا مهرَ بينهما، فنُهوا عن ذلك وأُمروا بتسميةِ المهر في العقد.انتهى.
وقال آخرون: النِّحْلة هي العطية، وعلى ذلك يكون المهر عطية من الله للمرأة. وقال أصحاب "المنتخب في التفسير": أن معنى الآية هو: "وأعطوا النساء مهورهن عطية خالصة وليس لكم - أي الرجال - حق فى شىء من هذه المهور" انتهى[7].
وإذا كان
الأمر بدفع المهر إلى المرأة صريحًا وقاطعًا فى الآية، فإنها أضافت إلى ذلك
نهيًا عن أخذ شىء منها بدون رضاها وذلك فى قوله - تعالى - بذات الآية: ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].
والمعنى كما ذكر أصحاب "المنتخب": "فإن طابت نفوسهن بالنزول عن شىء من المهر - لزوجها أو لوليها - فخذوه وانتفعوا به طيبًا محمود العاقبة" انتهى.
وقد تكرَّر النهى الصريح عن الاستيلاء على المهر أو اغتصاب شيء من أموال المرأة فى العديد من الآيات.
قال - تعالى -: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ
كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ [النساء: 19]. وقالت الآية التى تليها مباشرة: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20]، قال الشوكانىفي "فتح القدير":
هذا الكلام متَّصل بما تقدم قبله من ذكر الزوجات والمقصود نفى الظلم عنهن،
والخطاب للأولياء، وقيل: الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة
طمعًا فى إرثهن أو ليفتدين ببعض مهورهن... والأَوْلى أن يقال أن الخطاب
للمسلمين جميعًا أي: لا يحل لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم، أي:
تحبسوهن عندكم مع عدم رغبتكم فيهن، بقصد أن تستولوا على بعض مهورهن مقابل
تطليقهن" انتهى.
ولا يوجد
أروع ولا أوضح من هذا الكلام الذي قاله ذلك العالم الجليل وغيره من علماء
السلف منذ مئات السنين لبيان كيف يحمى الإسلام حقوق النساء.
وهكذا فرض القرآن الكريم على الرجال دفع المهر للزوجات، ونهى
وحرَّم أشد التحريم ممارسة أية ضغوط أو إكراه بدنى أو معنوى على المرأة
للتنازل عنه كله أو بعضه. وقد ثبت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر
مَن يريد الزواج بدفع مهر للزوجة.ففي
حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - في قصة التي وهبت نفسها للنبى صلى الله
عليه وسلم فلم يُجبها: "فقال رجل: زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك
فيها حاجة".
وفى الحديث أن النبى قال له: "التمس ولو خاتمًا من حديد" أي: كمهر تدفعه
لها. رواه البخاري ومسلم. وروى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم منع
عليًّا من الدخول بفاطمة - رضي الله عنهما - حتى يعطيها شيئًا، فقال على: يا رسول الله ليس لى شي، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "أعطها درعك الحطمية" فأعطاها درعه ثم دخل بها. وكما نرى فالدرع زهيدة القيمة، وفاطمة لا تحتاجها بل أعطتها لعلى ليرتديها فى الحروب بعد ذلك!
لكن النبي - عليه السلام - يعلِّمنا أنه لا بد من المهر وإن قلَّ،
ويُعْلِّم النساء أيضًا عدم المغالاة فى المهور تيسيرًا للزواج. وروى عنه
أحمد والحاكم والبيهقى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساء بركة
أيسرهن مئونة".
ولهذا الهدى الشريف قيمة عظمى فى مكافحة العنوسة التى تفشَّت الآن كما نرى، لأن تقليل المهور يحقق مصلحة مؤكدة للنساء فى عدم تفويت فرصة الزواج بسبب عجز الرجال عن دفع مهور باهظة.
وفى حالة الطلاق يفرض الإسلام على الزوج أن يدفع لمطلقته المدخول بها مهرها كاملاً،
كما يدفع لها نفقة العدة، وتشمل كل ما يلزمها من طعام وشراب وثياب ومسكن
طوال فترة العدة التى تلى الطلاق؛ لأنه هو السبب فى احتباسها طوال تلك
الفترة التى لا تستطيع أن تتزوَّج خلالها من شخص آخر ينفق عليها بدلاً من
الأول. وكل نفقات ومصروفات الأولاد على الأب سواء خلال فترة الزواج أو بعد
طلاق الأم.
ويفرض الإسلام على الزوج كذلك أن يدفع لمُطَلقته نوعًا آخر من النفقة تسمى بـ"المُتعة" طالت فترة زواجهما أم قصرت. وتُقَدَّر المتعة حسب حال الزوج من اليسار أو الفقر لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ﴾ [البقرة: 236][8] والآية الأخرى: ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 241][9].
وعلى الزوج دفع نفقة العدة وكذلك المتعة ولو كانت الزوجة أغنى منه.
بينما نجد
أنه فى كثير من الولايات الأمريكية والبلاد الأوروبية يقتسم الزوجان الثروة
فى حالة الطلاق. فإذا كانت الزوجة موسرة يحصل المُطَلِّق على نصف ثروتها
فى هذه الحالة،
وهو ما يأباه الإسلام. فلماذا يتجاهل المغرضون هذه التشريعات الظالمة
للمرأة فى البلاد غير الإسلامية، ولا يذكرون كل هذه الحقوق والامتيازات
المالية للمرأة فى الإسلام قبل وأثناء وحتى بعد انتهاء الزواج؟!!
ونشير أيضًا إلى أن الأم تحصل على نفقة من والد الطفل طوال فترة الحمل وكل مصروفات الولادة، ثم تحصل على أجر نظير إرضاع الطفل وحضانته رغم أنها أمه، والأمومة غريزة أودعها الله تعالى في كل المخلوقات، لكن الإسلام العظيم يأبى إلا أن يعطى المرأة أجرًا نظير ممارستها للأمومة!!!
قال - تعالى - في الآية 233 من سورة البقرة: ﴿ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾[البقرة: 233]. لاحظ أنها أمه، ولو طبَّقنا المعايير الغربية لكانت الأم ملتزمة بالمشاركة فى دفع كل نفقات الأبناء مع الأب مناصفة، لكن الإسلام العظيم أعفاها من ذلك، ولو كانت غنية تملك أضعاف ما يملكه الأب، بل وألزمه بالإنفاق عليها هى الأخرى طوال فترة الرضاعة، ثم يواصل الإنفاق وحده على أولاده حتى يبلغ الولد سن الرشد، وحتى تتزوج البنت فتنتقل مسؤولية الإنفاق عليها إلى زوجها وهو رجل أيضًا!! ماذا يريدون من الإسلام أكثر من هذا؟! وهل استطاع أى تشريع عالمى آخر أن يأتى بأفضل من هذا أو حتى بمثله؟!!
وهناك حكم
آخر لم يعرفه أحد قبل الإسلام ولا بعده... ففي حالة الطلاق قبل الدخول
بالزوجة يُلْزم الله تعالى الرجل بأن يدفع نصف المهر المتفق عليه إلى
الزوجة التى طَلَّقها قبل أن يدخل بها حتى لو كان الطلاق بسبب أخطاء
ارتكبتها هى أو سوء أخلاقها، و هذا جاء جبرًا لخاطرها وتعويضًا لها عن
آلام الطلاق النفسية، ولا يحصل الرجل في هذه الحالة على أى تعويض رغم أن
الطلاق يُسبب له قطعًا آلامًا نفسية مماثلة.
فإن قالوا: إن آلام المرأة أشد لأنها أكثر رقة وأرهف حسًا نرد عليهم فورًا: إذًا لماذا المكابرة وادعاء المساواة التامة بين الجنسين فى كل شىء؟!! أليس هذا اعترافًا بوجود فوارق بينهما؟!!
وفى حالة فسخ الخطبة
يقرر فريق من العلماء أن الرجل إذا كان هو الذى فسخ الخطبة فلا يسترد
شيئًا من الهدايا. وتحتفظ المرأة المخطوبة بالهدايا تعويضًا لها عما سبَّبه
فسخ خطوبتها من آلام نفسية وحرج فى المجتمع.
وحتى لو كانت
المرأة هى التى فسخت الخطبة فإن الخاطب لا يمكنه المطالبة بتعويض عن
الفسخ. وكل ما له فى هذه الحالة أن يطلب باسترداد ما كان دفعه لها من هدايا
وأموال طوال فترة الخطبة. ويرى بعض العلماء أنه حتى فى هذه الحالة لا
يمكنه استرداد الهدايا إذا كان قد استهلكت أو تلفت ولا تلتزم المرأة بردها،
مثل الهدايا من الطعام والفاكهة والملابس التى ارتدتها المخطوبة وأبلتها
بالفعل، وهو ما يكثر حدوثه خصوصًا إذا طالت فترة الخطبة كما نرى فى هذه الأيام.
والعجيب أن
الخصوم يتجاهلون أيضًا أن المرأة فى الإسلام تحصل على كامل المهر ونفقة
العدة ونفقة المتعة وكل ما أهداه إليها ولو كانت هى التى سعت إلى الطلاق
وطلبته من القاضي في حالات الضرر
أو الغش أو عدم التزام الزوج بشروط عقد النكاح وغير ذلك. بل تحصل المرأة
على كل حقوقها المذكورة حتى ولو كانت هى التى أوقعت الطلاق بنفسها بدون
رغبة الزوج، وهذا يحدث فى حالة ما إذا كانت العصمة - حق التطليق -
بيد الزوجة إذا وافق الزوج على ذلك عند إبرام عقد الزواج. ولم نجد أحدًا
يتباكى أو يتحسر على ذلك الزوج المسكين الذي تُطَلّقه زوجته بإرادتها
المنفردة، وتسلبه كل المهر ونفقة المتعة ونفقة العدة ونفقة الرضاعة والأولاد الذين في حضانتها أيضًا!!!
وحتى في حالة الخُلع وهو رغبة الزوجة فى إنهاء الزوجية مقابل رد المهر إليه، فقد صرَّح النبي عليه السلام في حديث صحيح- كما تقدم عند الكلام على الخلع - بأنه لا حق له فى أية زيادة على ما دفعه لها من مهر.
وعلى الرجل نفقات الجهاد لأن القتال فرض عليه، وليس
على النساء قتال، فجهادهن الحج والعمرة كما ورد بالأحاديث الشريفة عند
البخاري وغيره. وفى حالة عدم وجود زوج لها أو أب أو أخ أو ابن قادر على
الكسب يتدخل بيت المال -الخزانة العامة -
لينفق عليها وعلى أطفالها. أما الرجال فيطالبهم الإسلام بالسعى لكسب
الرزق. وقصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع المرأة الأعرابية ذات
العيال مشهورة وموجودة فى كتب سِيَر الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامى
وكان رضي الله عنه يرعى الأرامل والمطلقات. وأوردت القصة أن عمر رضي الله عنه حمل كيسًا من الدقيق وكمية من السمن أو الزيت على ظهره - وهو الخليفة وأقوى حاكم في الأرض يومئذ -
ورفض أن يحمل عنه غلامه هذا الكيس من بيت المال إلى خيمة الأعرابية
وأطفالها الجِيَاع، وطَبَخَ لهم الطعام بنفسه والدخان يتخلَّل لحيته،
والمرأة تقول له وهى لا تعرفه: جزاك الله خيرًا. كنت أولى بهذا الأمر - الخلافة - من عمر بن الخطاب!!!
والقصة دليل
قاطع على أن نفقة المرأة التى لا عائل لها وأطفالها على بيت مال المسلمين.
وهناك قصة أخرى عند البخارى أن عمر رضي الله عنه فرض لأرملة أخرى
وأطفالها وأعطاها كثيرًا. فلما اعترض أحد الجالسين على كثرة ما أعطاها الخليفة، أخبره عمر أن أباها وأخاها كانا ممن فتحوا خيبر، ومال خيبر إنما توافرفي بيت المال بسيفيهما.
ومن الواجبات
التي فرضها الإسلام على الزوج الذى طلَّق زوجته أن يدفع إيجار المسكن الذى
تقيم فيه طوال فترة العدَّة التي تعقب الطلاق أو تقيم بالمسكن الذى يملكه
حتى انتهاء فترة العدة ولو لم يكن ينوى ردها إلى عصمته. قال الله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ... ﴾ [الطلاق: 6].
ومن يتأمل
النص الحكيم يرى بوضوح كيف يساوى الإسلام العظيم الزوجة بزوجها، إذ يأمر
الرجل أن يُسكنها حيث يسكن حتى فى فترة العِدَّة بعد الطلاق، ومن باب أولى
تسكن معه طوال الزواج حيث يسكن. وينهى الله - تعالى - عن الإضرار بالمرأة
أو التضييق عليها بأية وسيلة لإجبارها على التنازل عن شىء من حقوقها
المالية أو ترك المسكن خلال فترة العدة.
وكذلك يعطيها الإسلام الحق فى حضانة الصغار حتى يبلغوا سن الرشد،
وينهى عن التفريق بين والدة وأطفالها. وإذا قيل: هذا لمصلحة الأطفال فإننا
نرد: نعم هي أكثر حنانًا ورعاية للصغار بحكم تكوينها، ولكن ألا يتضمن هذا
أيضًا رحمة بالأم وشفقة عليها بعدم حرمانها من فلذات أكبادها؟!
وفى ذات الوقت يلزم الشارع الحكيم أباهم بالإنفاق عليهم حتى لا يجتمع على
تلك المسكينة آلام الطلاق مع أعباء تربية الصغار والسهر عليهم والكدح
للإنفاق عليهم وتوفير احتياجاتهم المختلفة. ومَن يدرس تفاصيل نظام حضانة
الصغار فى الشريعة الإسلامية سوف يجد أن الحضانة مكفولة للأم ما لم تتزوَّج
بآخر غير أبيهم. فإذا تزوجت من آخر تنتقل الحضانة إلى أمها- جدتهم -
وبذلك يظل الأطفال قريبين منها حتى لو تزوَّجت، وتطمئن عليهم لاستمرار
وجودهم فى نطاق أٍسرتها هى وليس أسرة الأب. ولا تنتقل الحضانة إلى ذوى الأب
إلا إذا تزوجت الأم ولم تكن الجدَّة لأم على قيد الحياة. قال عليه السلام
لمُطَلَّقة: "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أحمد وأبو داود والحاكم. وقال
ابن عباس رضي الله عنه لرجل أراد حرمان من طلقها من حضانة طفلها: "ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يكبر ويختار لنفسه".
[1] الدكتور أرشانا باشار - إصلاح قوانين النساء والأسرة فى الهند - دار ساج للنشر - نيودلهى 1992م.
[2] جى ليند بلوم - نحو فهم حديث للإنجيل - طبعة فورتريس برس - فيلادلفيا - الولايات المتحدة الأمريكية - 1973م.
[3] لولويد بونفيلد
L'loyd Bnfield - Marriage, Property - Duncker - Humblot - Berlin 1992.
[4] الدكتور حافظ يوسف - اليقين الإسلامى - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر - ص 361 وما بعدها.
[5] حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص 556-558.
[6] فتح القدير - الشوكانى - الجزء الأول - ص 680 - طبعة دار الوفاء - مصر.
[7] المنتخب في تفسير القرآن الكريم - تأليف مجموعة من علماء الأزهر الشريف - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص128.
[8] الآية 236 من سورة البقرة, وانظر تفسيرها عند ابن كثير والطبرى والقرطبى والنسفى والشوكانى والبغوى والرازى وغيرهم.
[9] الآية 241 من سورة البقرة, وانظر تفسير الآية فى أمهات كتب التفسير المشار إليها فى البند السابق.