اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
 هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟ Oooo14
 هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟ User_o10

 هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟ Empty
مُساهمةموضوع: هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟    هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟ Emptyالأحد 12 مايو 2013 - 15:14

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:




أصل الديمقراطية :

اتَّخذت الشعوب الغربية من الديمقراطية
منهجًا تسير به في حياتها، وفلسفة تنظِّم العلاقة بين الحُكَّام
والمحكومين، بعد أن يَئِست من الكنيسة وتعليماتها ورُؤيتها في إدارة شؤون
الحُكم وشؤون الحياة، ويرجع ذلك إلى التحريف الذي طرَأ على الكُتب التي
اختصَّ الله بها تلك الديانات السماوية، الأمر الذي عكَس نفسه على فساد
التصوُّرات لدى رجال الدين، فحلَّ القهْر والظلم والاستبداد محلَّ العدل
والسماحة التي نزلَتْ بها الشرائع السماوية.



جاءت الديمقراطية كحلٍّ مناسب ينظِّم حياة
الناس السياسية، وكان خلاصة هذا المنهج - حسب مفهومهم - أن يكون الشعب هو
مصدرَ كلِّ السُّلطات والتشريعات، ولا توجد أي سلطة أعلى من سلطة الشعب،
ويجب أن يرضَخ الجميع لِمَا يقرِّره ويَرتضيه الشعب، مع فتح المجال للحوار
بين أبناء الشعب الواحد على أساس المواطنة المتساوية، وعدم تهميش أيِّ فكرة
مصدرها الشعب، وفتْح المجال للرأي والرأي الآخر، المهم أن تكون الفكرة أو
الرأي له رصيد جماهيري يَدْعمه بما يشكِّل الثِّقَل الكافي لاعتماده
تمهيدًا للعمل به من قِبَل كافة فئات الشعب - وإن اخْتلفَت آراؤهم.



هذه الأفكار الديمقراطية قابلَتْ
استحسانًا عند أكثر شعوب الأرض - إنْ لَم يكن كلها، ورافَق ذلك الزَّخم
الإعلامي والضغط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تُمارسه الدول
الغربية صاحبة الفكرة، واعتماد سياسة التبشير بهذا الفكر البديل، وفرْضها
على كافة شعوب الأرض، كبديل معاصر لحلِّ مشكلات البشرية من وجهة نظرهم.



ودخَل في ذلك الشعوب العربية والإسلامية،
فصاروا يتبنَّون هذه الأفكار ويُرَوِّجون لها ويَدرسونها للنشء، ويَفتتحون
المعاهد المدعومة من الغرب؛ لإشاعة هذه الفكرة، ناهيك عن الترويج الإعلامي
مُنقطع النظير في الدَّعم والتبنِّي، والتحسين والتزيين لهذه المبادئ
والأفكار البديلة.



ولتطبيق هذه الأفكار كان لا بد من اتِّخاذ
بعض الإجراءات الكفيلة بممارستها كحقٍّ مشروع، ومُكْتَسَبٍ جماهيريٍّا،
وإقناع الناس بأنَّ هذه حقوق لا يَليق بأحدٍ التخلِّي عنها.



من تلك الإجراءات حقُّ الترشيح والانتخاب،
والاقتراع وتقسيم الشعب إلى دوائر انتخابيَّة، وتشكيل الأحزاب السياسية،
ولو كانتْ مختلفة الأفكار متباينة الآراء، طالَما وُجِد لها جمهور من أبناء
الشعب يؤيِّدها ويدعمها.



هذه الإجراءات وتفاصيل أخرى متفرِّعة
عنها، تؤدِّي إلى انتخاب ممثلين عن الشعب في مجلس يسمَّى مجلس الشعب، أو
مجلس الأُمة، أو مجلس النوَّاب؛ أي: نواب الشعب، هذا المجلس - على اختلاف
مسمَّياته - يضمُّ ممثلي الشعب أو نوَّابه، بحيث يكونون مفوَّضين من قِبَل
الشعب، يناقشون كافة القضايا التي تهمُّ الشعب، بما فيها القضايا المصيرية،
مهما كان حجمها، طالَما كانت تحت سقف الديمقراطية، والتزمَتْ بالأُطر
الديمقراطية.



لقد كان الغرب صادقين في تبنِّي هذه الفكرة؛
لأنهم عانوا من قهْر واستبداد الكنيسة ورجال الدين المحرَّف، وكانت هذه
الأفكار بمثابة ثورة جاءتْ؛ لترفع عن الناس عهودًا من الظلم والفساد،
والإرهاب الفكري، والقمْع السياسي.



فجاءت والقوم متعطِّشون للحرية وممارسة
أيسر حقوقهم في التعبير عن آرائهم، دون ملاحقة أو مضايقة؛ فلذلك اعتنقوها
وقدَّسوها، وتفاعَلوا معها، وتفانوا من أجْل العمل لإنجاحها، وممارستها
بصدقٍ وشغفٍ.



وهذا يفسِّر لنا السرَّ وراء الالتزام
العجيب لدى كلِّ فئات الشعب في الغرب، واستسلام عجيب لنتائج الانتخابات مع
قلَّةٍ في الأحزاب السياسية، وإذا حصَل الاختلاف حول النتائج، فسَرعان ما
يتفقون عليها، ويتنحَّى الرئيس السابق بكلِّ سهولة ويُسرٍ، ويُسَلِّم
لخليفته بكلِّ سرور.



إنَّ المتأمِّل في هذا الوضْع يجد أداءً
وراءه أسرارٌ بعضها ما ذكرت لكم، ولا شكَّ أنَّ الدول في الغرب، تبذُل
جهودًا كبيرة؛ لتعميق مفاهيم الديمقراطية بين أبنائها، من خلال المناهج
الدراسية، ووسائل الإعلام، وغيرها من الوسائل؛ مما أدَّى إلى تشرُّب ثقافة
الديمقراطية، وتغلغُلها في أعماق وجدان الشعوب منذ نعومة أظافرها.



المسلمون والديمقراطية:

هذا الأداء بَهَر العرب والمسلمين الذين
يَقبعون تحت أنظمة مستبدة وديكتاتورية، لا تؤمن بحرية الشعوب - ولا تُعير
أيَّ اهتمامٍ لحقوق الإنسان - في التعبير عن آرائهم، وممارسة حقوقهم
المشروعة، فضلاً عن القهْر والظلم، والكبت والملاحقة، وممارسة الاستبداد
بشتَّى صنوفه.



وتحت ضغط الحاجة إلى الحريَّة، وتنفُّس
عبيرها الذي ينفح من بلدان الغرب، وفي ظلِّ غياب الوعي الديني، وعدم وضوح
بعض التفاصيل المهمَّة لعقائد المسلمين، الأمر الذي أخْفَى وراءه جوانبَ
دقيقة من التعارُض بين الديمقراطية وبين الشريعة الإسلاميَّة.



في ظلِّ هذه الظروف نشأتْ تيَّارات من
المسلمين تنادي بالحرية والعدالة، وحقوق الإنسان، مستشهدين بالتجارب
الغربية الناجحة والكثيرة، في محاولة للتخلُّص من الواقع المؤلِم الذي
فرضتْه عليهم الأنظمة الحاكمة في بلدانهم.



وتجاوَب بعض الحُكَّام مع النداءات،
لكنَّهم أيقنوا أن البساط سيُسْحب من تحت أقدامهم وأقدام وَرَثتهم من
بعدهم، إن هم رَضُوا بالخيار الديمقراطي وَفْق النمط الغربي، فكان لا بد
لهم من ركوب موجة الديمقراطية، والتمترُس خلفها؛ من أجل تحقيق أمرين:

الأول: محاولة معاصرة؛ لإرضاء شعوبهم المتلهفة للحرية والعدالة.



الثاني: التودُّد إلى الغرب الذي يدفع بسخاءٍ لِمَن يتبنَّى أفكاره، ويَفرض على شعْبه تطبيق أحدث تجاربه.



وهكذا سارت الأمور لعدَّة عقود؛ الظُّلم
لَم يُرْفَع، والحريَّات لَم تُطَبَّق، وحقوق الإنسان ما زالت تُنْتهك، لكن
الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام الرسميَّة بدأتْ تمارس الدَّجَل
والتضليل تحت شعار الخيار الديمقراطي، وأنَّه النهج الذي لا ترتضي الشعوب
بديلاً عنه، وكلُّ ذلك من أجل تحقيق الأمرين المذكورين.



ومن شدَّة الضجَّة الإعلامية، صدَّق بعض
الناس وسائل الإعلام، وشكَّ آخرون بأنفسهم، وأخْفى البعض غيْظَهم من الوضع
في أعماقهم؛ حتى لا يُتَّهمون بالعداء للديمقراطية منزوعة الدَّسم.



وحتى يستمر الحُكَّام في أماكنهم، ويظلون
في سيرتهم السابقة، مع إعلان التزامهم بقواعد اللعبة الديمقراطية، كان لا
بد من اتِّخاذ وسيلة ما تضمن لهم ذلك، فلجؤوا إلى كلِّ أساليب الحِيَل
والتضليل والتزوير؛ لضمان الأغلبيَّة الساحقة في الانتخابات التي
يُمارسونها، فيخرجون مُنتصرين في كل الأحوال ومختلف الظروف، وهكذا يخرجون
بعد تحقيق النتائج الباهرة - بالنسبة لهم - يمجدون الديمقراطية التي
تنعَّمتْ شعوبهم في ظلِّها، ويُثنون على تلك الشعوب التي عرَفت الحقَّ
لأهله، من خلال ممارستها الشريفة للديمقراطيَّة.



لكن الشعوب عرَفت اللعبة، وتعلَّمت
أُسس الممارسة الديمقراطية، وحاوَلت المنافسة؛ للوصول إلى تلك الأغلبيَّة،
ومنها إلى التداول السلمي للسلطة الذي هو من ثوابت الديمقراطية، وفجأة
يتغيَّر خطاب الحُكَّام من وصْفهم كشركاء في الممارسة الديمقراطية، إلى
عُملاء لَدَيهم أجندات خارجية، ويسعون إلى الفوضى ونشْر الفساد، ولكن عن
طريق الديمقراطية هذه المرة، ويقودون ضدهم حملات التشهير والتخوين،
ويصفونهم بشتَّى الأوصاف التي تتنافَى مع الممارسة الديمقراطية وحريَّة
التعبير عن الرأْي.



ضاقَت الشعوب بهذا الأمر؛ لأنهم لَم يجدوا
فرقًا في حياتهم قبل وبعد الديمقراطية، وأيْقنوا أن الصبر على الأوضاع
إنما يكرِّس الاستبداد والقهْر وكبْت الحريَّات تحت مِظَلة الديمقراطية،
حتى قرَّرت الشعوب الثورة، وخرَجت إلى الشوارع يعتصمون ويتظاهرون بشكل
سلمي، على اعتبار أن تلك من الممارسات التي كفلَتها لهم الديمقراطية،
وتنصُّ عليها الدساتير صرَاحة، حينها جُنَّ جنون الحُكَّام، حين عرَفوا
أنَّ البِساط فعلاً سيُسْحب من تحت أرجُلهم، ولكن على طريقة الديمقراطية،
ومن خلال الشعب الذي هو وحْده مصدرُ السلطات في هذا النظام، وهو مَن يمنحها
وينزعها، على حدِّ اعتقاد الديمقراطيين.



ويبدأ مسلسل التشويه والتشهير؛ ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 54 - 56]، ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26].



ونَسِي القوم أو تناسوا أنَّ الديمقراطية
التي آمَنوا بها ورَضوا بها - كخيار لا مناصَ لهم عنه - تؤكِّد حريَّة
الاحتجاج على ممارسات الحُكَّام المخالفة لمبادئ اللعبة، ومنها جواز خروج
الشعب إلى الشوارع بطريقة سلمية حضارية؛ للمطالبة بحقوقه المنهوبة وحريَّته
المسلوبة، ويجب على الحاكم وأجهزته حمايتهم ومنْع الاعتداء عليهم؛ من أجْل
ضمان ممارسة حقِّهم في التعبير عن آرائهم.



ولَمَّا اشتدَّ تمسُّك الشعوب بهذا
الخيار، اعتدتْ عليهم أجهزة النظام - الديمقراطي المغشوش - بحُجَّة الحفاظ
على مكتسبات الديمقراطية، وعدم زعزعة الأمْن والسكينة العامة، وأنَّ هؤلاء
مثيرو الفوضى والشغب، ويجب أن يَتركوا هذا الهُراء، ويؤمنوا بالديمقراطية
الحقَّة، وهي التي يُمارسها ويفسِّرها الحُكَّام، ويجب على الجميع الانصياع
لذلك التفسير - وإنْ خالَف قواعد اللعبة؛ ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].



فاشتدَّ الصِّراع، وتَصَلَّبت المواقف،
الشعوب تريد ممارسة حقيقيَّة للديمقراطية، والحُكَّام يريدون ممارسة
الديمقراطية وَفْق مسلمة مهمة، هي: ضمان بقائهم وذُريَّاتهم وأحزابهم
يحكمون تلك الشعوب، ويسيطرون على مقدَّراتها، حتى يرث الله الأرض ومَن
عليها، وأي تفكير فردي أو جماعي بغير هذه المسلمة، يُعتبر انقلابًا على
الديمقراطية التي تمتَّعت بها هذه الشعوب في ظلِّ حكمهم بعد سنين من
الحِرمان.



وما زالت الشعوب تزْأَر ويرتفع صوتُها
وصخبُها، ويَكثر عددُها ومُناصروها، حتى اقتلعتْ بعض الحُكَّام ومَن والاهم
من جذورهم وأوْدعوهم مزابلَ التاريخ، وبعضهم كان مصيره قفص الاتِّهام بعد
أن كان مُترفًا يتقلَّب في خيرات الشعوب المقهورة، وذلك جزاء الظالمين.



لكن مَن هو صاحب السلطة الحقيقي: الله - تعالى - أم الشعب؟

لَم تَنتهِ الحكاية بعد، فهل يكتفي
المسلمون بعد تحقيق آمالهم، وإزالة الأنظمة المستبدة، التي حالَت بينهم
وبين الممارسة الحقيقيَّة للديمقراطية، هل يكتفون بإقامة دولة مدنيَّة
تتحقَّق فيها الحرية والعدالة، وتُحترم فيها الآراء، وعلى كلِّ صاحب فكْرٍ
أنْ يطرحَه، ويَبحث له عن مناصرين؛ حتى يفرضوا هذه الأفكار بقوَّة الشعب
والأغلبيَّة، كما تقرِّره الديمقراطية، هل هذا كافٍ ومقنع بالنسبة
للمسلمين؟ هل الشعب صاحب السلطة المطلقة؛ بحيث إنه لا يوجد سقف لسلطته، ولا
توجد سلطة أعلى منه، هل شعار: "لا صوت يعلو فوق صوت الشعب" صحيح؟ أو إنَّه مُقيَّد بفوقيَّة الخلاَّق العليم المدبِّر الحكيم لأمور هذا الشعب، ونحن كشعوب مسلمة نتلو كتاب الله ونؤمن به؟



هل نحن مقتنعون بأن سلطة الشعب أعلى من حُكم الله؟ وهل اكتشفنا أن مجرَّد التفكير في هذا قد ينزع عنَّا صفة الإيمان بالله، وأنَّ الشعب المسلم يجب أن يحكمَه كتابُ الله؟



هل اتَّضح لنا الفرق الدقيق بين ممارسة
الغرب للديمقراطية على أساس أنَّ الشعب مصدر السُّلطات ومالكها، بصفتهم لا
يؤمنون بكتاب الله، وبين ما يجب على الشعب المسلم ممارسته؟



يحكى أنَّ مجموعة من الشواذ في بلاد غربية
ممن تُمارس الديمقراطية ممارسة حقيقيَّة، طلبت هذه المجموعة سَنَّ قانون
يُبيح للرجل أن يتزوَّج برجلٍ مثله، فتبنَّوا الفكرة وزيَّنوها، وما زالوا
يروِّجون لها، حتى وصَلت إلى ممثلي الشعب، وراجَت الفكرة على أغلبيَّة من
الأعضاء؛ بحُسن الطرح، وتزيين الفكرة التي تُعبِّر عن حقوق بعض أفراد
الشعب، وبعد جدَلٍ وأخْذٍ ورَدٍّ بين ممثلي الشعب، طُرِحت الفكرة للتصويت؛
لحَسْم النزاع، ففازَت الفكرة بالأغلبيَّة، وهكذا حَكَم نوَّاب الشعب على
البقيَّة بسنِّ هذا القانون الفاسد عقلاً وشرعًا؛ إرضاءً لبعض أفراد من
الشعب، احتكامًا إلى هذا المبدأ الديمقراطي الفاسد أيضًا!



السؤال كيف لو حصل هذا في مجتمع المسلمين؟ وما المانع أن تُفْرَض أفكارٌ مماثلة لهذه الفكرة الشاذَّة، أو حتى ما هو أقل منها مما لا يَنسجم مع شريعة الإسلام وعقائد المسلمين؟



فطالما أنه لا يوجد سقفٌ لسُلطة الشعب،
ولا يوجد قيْد أو مانع لهذه الحريَّات الشاذة، في مجتمع لا يعلم أغلب
أفراده الكثير من تفاصيل الحلال والحرام، وما يريده منه خالقُه الذي أمَرَه
بطاعته وعبادته، وفي ظلِّ غياب أو تغييب متعمَّد لعلماء الشريعة الراسخين،
تحت أيِّ شعارٍ، بصفتهم الموقّعين عن ربِّ العالمين، والذين يمثِّلون "البوصلة"
التي توجِّه الشعوب المسلمة باتجاه رضوان ربِّها وخالقها، في ظلِّ هذا
الوضع فإنَّ الكوارث ستحلُّ بالأمة، وتدخل عليهم من الباب الذي ناضَلوا
كثيرًا من أجْله، وكانوا يظنون أنه بابُ نجاتهم، وهي الممارسة الصادقة
للديمقراطية الغربية.



الخلاصة:

لذا فإن الواجب أن تخضعَ كلُّ هذه الأفكار
لأمر الله - تعالى - بالعرْض على كتابه وسُنة نبيِّه الكريم - عليه الصلاة
والسلام - بصفته الحكمَ العدل، المشرِّع للحلال والحرام، مالك الشعوب
والسماوات والأرض، وبواسطة العلماء الراسخين في العلم، والمدْركين لفِقه
الواقع الذي يعيشونه؛ لاستنباط الأحكام التي تُسَيِّر حياة الناس وَفْق ما
يُرضي ربَّهم وخالقهم، ولا مانع حينها من ممارسة ما تريد هذه الشعوب
بالقيْد المذكور، وهناك فقط نكون قد جمعنا بين الاستِفادة من أفكار وتجارب
غيرنا من الأُمم، وبين رضوان ربِّنا وخالقنا الكريم الذي نحن له عابدون؛
قال - تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا *
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
﴾ [النساء: 66 - 70].



والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل آن الأوان لنكتشف فساد الديمقراطية؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  السيئات الجارية ... احذروها قبل فوات الأوان
» السيئات الجارية احذروها قبل فوات الأوان
»  الموقف من الديمقراطية
» الديمقراطية؛ اسم... لا حقيقة له
» الديمقراطية تأصيل وتحليل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: