يقصد بالعقلانية: احتكامُ الإنسان إلى العقل، في كلِّ ما يُحيط به، وفي وجوده وحياته
وعَلاقاته، فلا يَقبل إلاَّ ما يَقبله عقلُه، ويرفض ما لا يقبله، وبالتالي
يكون العقل أداةَ الحكم على كلِّ شيء، ووسيلةً لسبر أغوار مختلف الظواهر،
وإدراك كُنْهِها، وهناك مدارسُ فلسفية، ومذاهبُ فكرية عقلانية متعددة، لا
مجالَ لاستعراضها هنا، غيرَ أنه لابُدَّ من الإشارة إلى
(روني ديكارت) René Descartes (1596-1650) الذي يُعدُّ مؤسِّسًا للعقلانية الحديثة، والذي يُركِّز على
"الشك المنهجي"، أو
"الشك العقلي" الذي يرمي إلى تحرير العقل من كل حكم مُسبَق، ومن أيِّ سلطة مرجعية، ويؤدي إلى الحقيقة عن طريق البداهة العقلية.
أما في
الإسلام - كما هو متعارف عليه - يستحيل التعارض بين النقل والعقل؛ فالعقل
الرشيد ابنٌ شرعيٌ للوحي الصحيح، والعقل الصريح لا يُعارض النقلَ الصحيح:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحًا وَآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
|
ومن أبرز مهام الوحي: تكوينُ العقل بعيدًا عن التقليد والتعصُّب، والجزئيَّة والعَمَى، والجمود
واستلاب الغرائز، والضلال وتحكُّم الهوى والجهل، وغيرها، ولو أن الصحابة -
رضي الله عنهم - انشغلوا بهذه المسائل مثلنا لتآكلوا داخليًّا، ولما
جيَّشُوا الجيشَ، وفتحوا الفتوحات، ونشروا دينَ الله في الآفاق.
وفي ضوء هذا نقول: إن
علاقة الوحي بالعقل لم تكن مطروحةً في عصر الرسالة أصلاً؛ لأن الصحابة -
رضي الله عنهم - وهم أصحاب عقول صافية نقيَّة، لم يكتشفوا تناقضًا بين
حقائق الإسلام والفطرة والعقل والمبادئ البسيطة، التي تعارف عليها الوعي
الإنسانيُّ، وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - مشغولِين بتغيير
أنفسِهم، وتغيير العالَم، ولم يكونوا مشغولين بفلسفة العالم، وإغراق أنفسهم
في متاهات جدلية شبيهة بمتاهات عصور السفسطة الجدلية.
إن بعض ما كان علمًا في السابق في مجال
الطب أو الجغرافيا أو الفلك، قد أصبح خرافةً في عصرنا الحديث، وبعض ما هو
موجود في عصرنا مثل:
(الفاكس، والبريد الإلكتروني، والإنترنت، والطائرة، والهاتف) كان في حكم الخيال يستحيل تحقُّقه.
لكنَّ الإسلام واجه البشريةَ منذُ البداية
بالإمكانية العقلية الكاملة للإبداع، وكان حادثُ الإسراء المعراج بدايةَ
تأكيد هذا الأساس، وبالتالي فلم يظهرْ في عصور القوة الإسلامية ذلك التعارض
الوهميُّ بين ما هو وحيٌ وما هو عقل.
وقد حسم الإسلام - كما بيَّن ذلك
عبدالحليم عويس - الخصومةَ المصطنعة بين الدين والعقل، وحرَّر الإنسان من
أزمة الصِّدام بين الدين والعلم؛ ولهذا فليس الإسلام في حاجة إلى
العلمانيَّة؛ لأن الأسباب التي أدَّت إلى العلمانية في أوربا لا مكانَ لها
في الإسلام، والزعم الشائع في الفكر الإنساني بأن هناك صراعًا مستمرًّا،
وتناقضًا أبديًّا بين الدين والعقل، أو بين الدين والعلم، لا ينطبق بحال من
الأحوال على الدين الإسلامي؛ فكلاهما - الدين والعقل - يُشكِّلان في
الإسلام وحدةً واحدة، تتشابَكُ أنسجتُها تشابكًا محكمًا.
بصفة عامة: ليس في القرآن ولا السنة النبوية المطهَّرة الصحيحة ما يتناقض مع العقل الصحيح.