يقول اليهود في بروتوكولاتهم: إنهم لا يُريدون من المسلم أن يكون يهوديًّا؛ فهذا شرفٌ لا يستحقُّه! حسب
زعمهم، ولكنَّهم يعملون على إخراج المسلم من دينه وتجريده من عقيدته، مقابل
أن يعتنقَ مذاهبَ شتَّى، وأفكارًا تغريبيَّة، وتيَّارات سياسيَّة أو
اجتماعية.
فالمهمُّ عندهم ألاَّ يَبقى المسلم
مسلمًا، فليكن المسلم علمانيًّا، أو ليكن ليبراليًّا، أو ليكن قوميًّا، أو
ليكُن شيوعيًّا، فليكن ما شاء أن يكون، وليَعتنق ما شاء أن يَعتنق من
توجُّهات وأفكار، ولكن المهم عندهم ألاَّ يبقى المسلم مسلمًا، هذا هو الهدف
الأوَّل عندهم.
ووسائل تحقيق هذا الهدف كثيرة، منها: ما ذكَرناه من حركات فكريَّة نظَّر لها حاخامات اليهود وبلاقع السياسة
عندهم، ولكنَّهم ما إن رأوا فشَلها وتقهقُرَ سيرها، حتى جاؤوا بمذهب هدَّام
جديد، وفكرة خبيثة مسمومة، وبدعة فريدة جديدة، يُريدون من المسلم
اعتناقها، وقد تلبَّس بهذه البدعة الكثيرُ ممن نرى ونسمع.
فقد ظهَروا علينا بمذهب
"الاستقلالية"، وهذا المذهب الجديد يَعتنقه أصحاب أنصاف العقول من المهزومين رُوحيًّا ونفسيًّا، اعتَنَقوه دون أن يسألوا:
كيف؟ وأين؟ ولماذا؟وحَسْبك أن تسمي الإنسان إنسانًا حين يعرف نفسه أنه إنسان!
فماذا نسمِّي المستقل وهو لا يعرف نفسه، ولا يَدري ماذا يريد؟! إننا نسمع اليوم عن تجمُّعات سياسيَّة تدَّعي
"الاستقلاليَّة"، ونسمع بسياسيين يصفُ أحدهم نفسه بـ
"المستقل"،
فماذا تُرى يقصد بذلك؟ هل يقصد أنه إنسان بلا موقف؟ أو يَقصد أنه إنسان بلا رأي؛ لا يَنتمي لفكرٍ، ولا يَنحاز إلى عقيدة؟!وهل من
يعيش بلا فكرٍ أو بلا عقيدة، إنسان يحترم عقله ويفهم غاية وجوده؟! وهل يمكن
لإنسان - يعيش في عصر التوجُّهات والعقائد - أن يقفَ على الحياد؟ هل يمكن لإنسان يرى أهله يُذَبَّحون ويُسامون سوءَ العذاب، فيقف موقف اللا مُبالي؟! أيُّ هُراء هذا؟ وأيَّة سَفسطة هذه؟إنَّ الحركات الفكريَّة التي استَهدَفت
الإسلام ومنهجه وعقيدته، قد كشَفت بثوبها المفضوح، فنَضَّت عنها ذلك الثوب،
وتستَّرت بثوب الاستقلاليَّة، وما هي إلاَّ حركة لا دينيَّة جديدة تستهدف
الإسلام، وذلك واضحٌ وضوح شمس الأصيل، فالحقُّ عليه هالة من نورٍ.
ثم،
لماذا لا نسمع بيهودي "مستقل"، بينما يراد للمسلمين أن يستقلوا؟ لماذا؟إنها حرب عقيدة، ميدانها الفكر والثقافة،
وهدفها الإسلام، وليستْ حربَ أرضٍ وما في جوفها من معادن، وليَعلم
المنخدعون بهذا السراب من أبناء جِلدتنا، أنَّ حقيقة الإسلام دائرة بين
أمرين لا ثالث لهما؛ إمَّا الإسلام كله، أو التبعيَّة المُنهزمة.
أَلاَ كلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلٌ
ألا كلُّ شَيءٍ مَا خَلا الإسْلام بَاطِل.
ولله دَرُّ شاعرنا وليد الأعظمي - رحمه الله - حين قال:
يَا هَذِهِ الدُّنْيَا أَصِيخِي وَاشْهَدِي إِنَّا بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ لاَ نَقْتَدِي
لاَ رَأْسَ مَالِ الْغَرْبِ يَنْفَعُنَا وَلاَ فَوْضَى شُيُوعِيٍّ أَجِيرٍ أَبْلَدِ
وَسَطًا نَعِيشُ كَمَا يُريِدُ إِلَهُنَا لاَ نَسْتَعِيرُ مَبَادِئًا لاَ نَجْتَدِي
|
هذه حقيقة الاستقلاليَّة، ما هي إلاَّ
خدعة كبرى، ومذهب جديد من مذاهب تذويب هُويَّة المسلم في خلطة من الأفكار
والفلسفات الفاسدة، فليقف المسلم على سَمع الزمان ويُعلنها مُدَوية
مُجلجلة: أنا مسلم،
فمَن أنت أيها المستقل؟