اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1) Oooo14
المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1) User_o10

المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1) Empty
مُساهمةموضوع: المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1)   المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1) Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 3:59

المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1)


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد:
فكلمة: "لا إله إلا الله"، لا نستطيع أن نستوفي شرحها بهذه العجالة في مقال أو مقالات؛ وإنما ينبغي -بل يجب- أن يُرجع إليها في مظانِّها ويدرس ما فيها، وقد ألَّف العلماء فيها كتبًا، ولي كتاب -بحمد الله ومنته-: "فتح الحميد في كتاب التوحيد" يسر الله نشره.


وإنما اخترنا هذا العنوان؛ لأن كثيرًا من الناس لم يفهموا معنى كلمة: "لا إله إلا الله" الصحيح؛ إذ إنها ليست بمجرد كلمات تقال بالألسن فحسب، بل هي كلمة ذات دلالات ومقاصدَ عميقة، تحمل معانيَ عظيمة في طياتها، كما لها مقتضيات وشروط ونواقض؛ فالواجب على المؤمنين تحقيقُ ذلك كله.


ومن العجب أن كان كفار قريش يفهمون حقيقة هذه الكلمة، أكثر مما يفهمه منها كثير من المسلمين اليوم.


إذ لما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- قريشًا، وعمَّم وخصَّص، وقال لهم: ((يا قومِ، قولوا: لا إله إلا الله))؛ صاحوا وتضجروا، وقالوا: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].


وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي، أخبرنا عبدالله بن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل، وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما والله، لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك))، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، وأنزل الله -تعالى- في أبي طالب، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]؛ والحديث متفق عليه.


فما أسهلَها أن يقولها ويقر بها عين ابن أخيه! لكن أبا طالب عَرَف أن معنى "لا إله إلا الله" انتقال من دين والدخول في دين آخر.


ولأن عبدالله بن أمية بن مغيرة وأبا جهل عَرَفا كذلك أن معنى "لا إله إلا الله" انتقالٌ من دين والدخول في دين آخر، وجعلُ الآلهة إلهًا واحدًا، مع الانقياد له بالطاعة والخضوع، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والخروج عن أي شيء سبق، والدخول في عبودية الله وحده - جل جلاله.


وهكذا كان حال الكفار في ذاك العصر على هذا المنوال، والذي يدخل في دين الإسلام كان يترك حتمًا ما كان عليه من دين آبائه، ولا يلتفت إلى ما وراءه، ويعمل بكل ما يلقى إليه من دين الإسلام، عكس ما يوجد في هذا العصر تمامًا ممن ينتسب إلى الإسلام، فتجد ما يسمونه: بالمسلم الديمقراطي، والمسلم الشيوعي الاشتراكي، أو البعثي، والمسلم المجوسي، والمسلم القبوري الصوفي، وهلم جرًّا، والله المستعان على الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن.


وإضافة الملة لعبدالمطلب يشعر بما كانوا يعظمونه ويقدسونه من الآباء والأجداد، مع صعوبة الخروج مما كانوا عليه من الأعراف والعادات، وعدم تخطئة أجدادهم ولو كانوا على خطأ بيِّن، وذلك ما كان يدل إلا على جهلهم المطبق، وعدم تبصرهم وتفهمهم للحقائق والإذعان لها.


وأيضًا مما يقصدون من قولهم: "أترغب عن ملة عبدالمطلب؟" تنفير أبي طالب من اتباع الحق ودين خير خلق الله، كما هو ظاهر.


إذًا؛ عَرَفت أن "لا إله إلا الله" تعني الخروج عن ملة الباطل، والدخول في ملة الحق من خلال هذا الطرح.


ولكن العجب اليوم -في هذا العصر- أن ترى كثيرًا ممن ينتسب إلى الإسلام، ويدَّعون التوحيد والإيمان، ويريدون التمسك بتوحيدهم كما يزعمون، ومع ذلك غير خارجين عن الباطل كالديمقراطية، ونحو ذلك من المذاهب الهدامة الكفرية والشركية.


فلا خير فيمن كان أبو جهل وابن أمية أفقهَ منه في هذه الكلمة، وإن كانوا مع ذلك كله -للأسف- يدعون أنهم أصحاب علم والرسوخ فيه والشهادات العالية، والله المستعان.


ومما استفدت وقرأت من كتابات الشيخ محمد قطب -جزاه الله خيرًا وحفظه- قوله: "هب أنك تقول مثلاً لبعض الناس: فلنطلب حكم الله؛ لنكون بذلك مسلمين، فإذا هم يقولون: ألسنا مسلمين؟ ألسنا نقول: لا إله إلا الله؟"؛ ا.هـ بتصرف.


فيظن كما ترى هؤلاء المحتجون بكلمة "لا إله إلا الله" أن مجرد النطق بهذه الكلمة تغنيهم عن أي شيء آخر، بل ويدخلون بها الجنة، وكأنه لم يعلم هؤلاء المساكين أنهم واقعون في الشرك المخرج عن الملة؛ لتركهم تحكيم شرع الله، الذي هو من صميم تحقيق "لا إله إلا الله"، وذلك كالذين رضوا بالطواغيت، أو استبدلوا بشريعة رب العالمين تحكيم القانون اللعين، والله المستعان.


وفي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار))، فقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة؛ متفق عليه.


وما قاله ابن مسعود -رضي الله عنه- هو ما يعرف الآن بمفهوم المخالفة في أصول الفقه، وقد كان يُعرف منذ ذلك الزمان، إلا أنه لم يكن مكتوبًا.


إذًا يجب الحذر من الشرك صغيره وكبيره؛ إذ كلمة (شيء) تعم الصغير والكبير منه؛ أي: الشرك الأكبر كما هو واضح، وليس المقصود هنا بالصغير الشرك الأصغر المعروف كالرياء والسمعة، وإن كانا من الكبائر، بل هما أعظم من الكبائر؛ وإنما المقصود الشرك الذي يخرج عن الملة؛ فعلى سبيل المثال: من يقرب ذبابًا للأصنام واقع في الشرك الأكبر المخرج عن الملة، كما أن الذي يقرب بدنة كذلك واقع في الشرك، فقِسْ على ذلك.


والله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26].


وقال -تعالى-: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ... ﴾ [التوبة: 31]، الآية.


وقال -تعالى-: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].


وقال - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... ﴾ [النساء: 65] ، الآية.


فهذه الآية الأخيرة قد فسَّرها بعض مرجئة العصر -لا كثرهم الله- أنها نفي كمال الإيمان، وليس نفي أصل الإيمان؛ فيا سبحان الله، فلو كان الأمر كما قالوا، وأن الحكم بغير ما أنزل الله نوع من المعصية، فلماذا جعل الله الحكم بغير ما أنزل الله في الآيات الأخرى شركًا، والقرآن يؤيد بعضه بعضًا، ويفسر بعضه بعضًا؟


فمن العادات السيئة للمرجئة التمسك بآيات الوعد، والاتكال عليها، والتغافل عن آيات الوعيد والعمل بها، كما هو عكس ذلك حال الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، الذين يكفرون الناس بالمعصية.


وهم الذين يعتقدون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فيسوون بذلك إيمان آحاد المؤمنين بإيمان جبريل وميكائيل، كما هو معتقد أبي حنيفة وأصحابه؛ أفاده العلامة المعلِّمي في كتابه "التنكيل".


أما مذهب أهل السنة والجماعة -وهو الوسط الصحيح- فهو إعمال النصوص كلها، دون أخذ بعض النصوص وترك بعضها الآخر، وأن تكون حالة المؤمن بين الرجاء والخوف، فلا يرجحون جانبًا دون جانب. ولقد خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثل تلك التصرفات المبتدعة في الآيات والأحاديث في الوعد، وأن يتكل عوام الناس وجهلتهم عليها، حتى كان يقول الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفلا أبشر الناس"، فيقول له -صلى الله عليه وسلم-: ((إذن يتَّكِلوا))، كما سيأتي بيانه قريبًا في الأحاديث الآتية التي أمرت بالعمل وترك الاتكال على كلمة "لا إله إلا الله" وحدها.


وسر إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحاديث الوعد المبشِّرة لعلماء الصحابة كمعاذ بن جبل وأبي ذر، دون عامة الناس وأعرابهم - كان الحذر من هذا الاتكال، ومخافة ألاَّ يضع الناس العلوم في مواضعها، ولذلك بوَّب البخاري باب: "من خص بالعلم قومًا دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا".


وقال علي: حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!


ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر عامة الناس، سواء كانوا في بلده، أو أعرابًا جاءت من البدو، أو وفودًا وفدت عليه - بكليات الدين وجملتها من اعتقادات وتشريعات؛ ليضعوا العلوم في مواضعها، وذلك كالأحاديث الآتية:
وقد ثبت عن طلحة بن عبيدالله أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته، ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس صلوات في اليوم والليلة))، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تَطَّوَّع))، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصيام رمضان))، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع))، قال: وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع))، فأدبر الرجل، وهو يقول: والله، لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلح إن صدق)).


عن أبي أيوب قال: قيل: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة.


وحدثني عبدالرحمن بن بشر، حدثنا بهز بن أسد، حدثنا شعبة، حدثنا ابن عثمان بن عبدالله بن موهب، وأبوه عثمان بن عبدالله، أنهما سمعا موسى بن طلحة، عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له؟ ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَرَبٌ ما له))، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، ذَرْها)) قال: كأنه كان على راحلته.


عن أبي هريرة أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول، دلَّني على عمل إذا عملتُه دخلت الجنة، فقال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان))، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئًا أبدًا ولا أنقص منه، فلما ولَّى قال: ((من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا))؛ متفق عليه.


وفي حديث ابن عباس قال: إن‏ ‏وفد عبدالقيس ‏‏أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ‏ ((‏من الوفد؟ ‏أو من القوم؟))، ‏ ‏قالوا: ‏ ‏ربيعة، ‏ ‏قال: ((مرحبًا بالقوم ‏ -‏أو بالوفد- ‏غير خزايا ولا الندامى))، قال: فقالوا: يا رسول الله، إنا ‏‏نأتيك من ‏ ‏شقة ‏ ‏بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار ‏ ‏مُضَر، ‏ ‏وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في ‏ ‏شهر الحرام، ‏ ‏فمُرنا بأمرٍ فصلٍ نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة، قال: ‏ ‏فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: ((هل تدرون ما الإيمان بالله؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن ‏ ‏محمدًا رسول الله،‏ ‏وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدُّوا خُمسًا من المغنم))، ونهاهم عن ‏ ‏الدُّبَّاء، ‏والحَنْتَم، و‏النَّقِير، والمُزَفَّ] ‏ ‏وربما قال: ((‏المقير))، ‏وقال: ((احفظوه، وأخبروا به من وراءكم))؛ متفق عليه.


أما الأحاديث التي صرحت بشروط وأعمال لكلمة "لا إله إلا الله"، فكثيرة؛ منها:
حديث عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل))؛ متفق عليه.


قال النووي -رحمه الله تعالى-: "هذا حديث عظيم جليل الموقع، وهو أجمع -أو من أجمع- الأحاديث المشتملة على العقائد؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- جمع فيه ما يُخرج عن ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاقتصر -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم".


وعن سعد بن طارق الأشجعي عن أبيه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرُم مالُه ودمه، وحسابه على الله)).


وفي رواية لمسلم بلفظ: ((من وحَّد الله، وكفر بما يعبد من دون الله)) ... الحديث؛ متفق عليه.


وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنتُ رَدِيف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال لي: ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب مَن لا يشرك به شيئًا))، قلت: يا رسول الله، أفلا أبشِّر الناس؟ قال: ((لا تبشرهم فيتَّكلوا))؛ متفق عليه.


ومن المعلوم أن العبادة تشمل الأعمال الظاهرة، وليست مقصورة على الأعمال الباطنة فحسب، فمن قصرها على واحدة دون الأخرى، فعليه الدليل، بل أمر بالقتال حتى يؤتى بالأعمال الظاهرة من الفرائض، بل ومن الشعائر الظاهرة كالأذان ونحو ذلك، بل قد ذهب بعض العلماء إلى القتال حتى يؤتى كذلك بالسنن الرواتب، والله أعلم.


وذلك لأن كلمة التوحيد لها حقوق، فمن ضيعها فقد ضيع الكلمة، وهي كالمفتاح الذي لا يعمل إلا بالأسنان.


ولذلك قد ترجم البخاري في صحيحه هذا الأثر "وقيل لوهب بن منبه: أليس (لا إله إلا الله) مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئتَ بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يُفتح لك".


فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى))؛ متفق عليه.


ففي هذا الحديث: القتال حتى الإقرار بعبادة الله بالقول، والإتيان بها بالجوارح، وهو دليل واضح على أن مجرد النطق بالشهادة دون تحقيق شروطها ليست من دين الله في شيء، وإنما هي من ترهات المبتدعة المرجئة التي افترت على دين الله وشرعه.


والنقاش الذي جرى بين خيري هذه الأمة في الحديث السابق دليل على ذلك، وهما أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ونص الحديث كما يلي:
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أبو بكر -رضي الله عنه- وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي الله عنه-: "كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله))؟! فقال أبو بكر: والله، لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعَرَفت أنه الحق".


ولكن لا يعني ذلك تفتيش الناس وتنقيب قلوبهم ومعتقداتهم، والتجسس عليهم، ثم الحكم عليهم؛ وإنما مقصود الحديث هو في الذين عطلوا حدود شرع الله وتعدوها، أو تمالؤوا في ترك فرض من فرائض الله المفروضة؛ لما جاء في صحيح البخاري برقم (384) حدثنا عمرو بن عباس، قال: حدثنا ابن المهدي، قال: حدثنا منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)).


وهناك على سبيل المثال أحاديث الوعد والرجاء تبشر بدخول الجنة للموحِّدين، ولو زنوا وسرقوا، كما في حديث أبي ذر؛ وهو متفق عليه.


حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتاني آتٍ من ربي، فأخبرني - أو قال: بشَّرني - أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة)) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)).


وكذلك حديث أبي ذر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك؛ إلا دخل الجنة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر))، وكان أبو ذر إذا حدَّث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.


فعلى المسلم ألاَّ يتَّكل على مثل هذه الأحاديث كما أسلفنا، بل لابد أن يلتزم بالعمل المأمور، ويترك المحرمات المنهي عنها؛ ليكون بين الرجاء والخوف.


وأيضًا هناك أحاديث تصرِّح أن بعض الأعمال كفر، أو تصرح بعدم دخول الجنة لصاحبها، وأنها محرَّمة عليه، فمثل هذا الكفر إنما هو كفر دون كفر، وليس الكفر الذي يخرج عن الملة، ككفران النساء للعشير مثلاً؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أُرِيت النار، فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن))، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر، ثم رأتْ منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط))؛ متفق عليه.


وكحديث عبدالله بن مسعود: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))؛ متفق عليه.


وكحديث أبي هريرة: ((لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر))؛ متفق عليه.


وكحديث سعد بن أبي وقاص: ((من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام))؛ متفق عليه.


وكحديث جَرير: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض))؛ متفق عليه.


وكحديث أبي ذر أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليس من رجل ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادَّعى قومًا ليس له فيه نسب، فليتبوأ مقعده من النار)).


وأبو ذر -رضي الله عنه- الراوي لهذا الحديث هو الذي روى حديث الوعد المتقدِّم؛ فيتعين جمع النصوص بعضها ببعض كحالتي المؤمن بين الرجاء والخوف كما أسلفنا.


وأيضًا مثل هذه الأحاديث التي جاءت في الوعيد لا يجوز للمسلم أن تبعث في نفسه القنوطَ واليأس من رحمة الله، أو يستنتج منها كفر أصحاب الكبائر وخلودهم في النار، كما هو مذهب الوعيدية من الخوارج والمعتزلة والإباضية في هذا العصر.


وإنما الذي ندين الله به هو مذهب أهل السنة والسلف الصالح، الذي أعمل النصوص كلَّها، ولم يأخذ بعضًا ويترك بعضها الآخر، وذلك الحق الذي لا مرية فيه، وذلك النجاة لمن أراد النجاة لنفسه في الدنيا والآخرة في: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].


(وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المفهوم الصحيح لكلمة: لا إله إلا الله (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المفهوم الصحيح لكلمة لا إله إلا الله (2)
» المفهوم الصحيح لقول أبو الأنبياء : إني كَذَبت ثلاث كذبات وإِنَّي سَقِيمٌ
»  كيفية العلو لا يعلمها إلا الله تعالى وبيان التفسير الصحيح لاسميه الظاهر والباطن
» المفهوم الحقيقي للرضا
» الحرية في المفهوم الإسلامي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: