اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 تبيين الحق بين التصحيح والتجريح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
تبيين الحق بين التصحيح والتجريح Oooo14
تبيين الحق بين التصحيح والتجريح User_o10

تبيين الحق بين التصحيح والتجريح Empty
مُساهمةموضوع: تبيين الحق بين التصحيح والتجريح   تبيين الحق بين التصحيح والتجريح Emptyالخميس 9 مايو 2013 - 17:03

تبيين الحق بين التصحيح والتجريح




أولاً: منهج واضح:

مما لا ريب فيه في عقيدة أهل السنة والجماعة أن البشر غير معصومين من مقارفة الخطأ والوقوع فيه أحيانًا، وأنه لا معصوم سوى أنبياء الله ورسله - عليهم السلام - وهذا معلوم من الدين والعقل بالضرورة، فكل بني آدم خطاء، إلا مَن رحم الله منهم؛ ولهذا جاء في النصوص الشرعية ما يبيِّنه ويؤكِّده؛ فمنها حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل بَنِي آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون))؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي.



وكذلك من المسلَّمات الشرعية في عقيدتنا عندما يصدر الخطأ من أحدٍ ما أن يصحح الخطأ بالنصيحة الطيبة، والتوجيه السديد، والحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، وهذا ما دلت عليه كثير من النصوص الشرعية؛ كما قال - تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].



ثانيًا: انحراف عن جادة المنهج:

لكننا نرى في هذا الزمان أمرًا آخر؛ حيث إن البشر لا ينفكُّون عن خطأ في معصية، أو زلَّة في اجتهاد، أو متابعة للهوى، أو جهل بالحكم الشرعي، إلا أنه وجد فريق من بعض طلاب العلم قد أُصيبوا بنوع من الانحراف العلمي والسلوكي في مسألة النصيحة وتصحيح الأخطاء، وقد أصيبوا بلُوثَةٍ من فتنة خطيرة وهي "السب والتبديع" - بحق وبغير حق - لمن خالف طريقهم أو شيخًا من شيوخهم، أو اجتهد في أمر يخالف قولهم فيها، وهم يظنون أنهم يُحسِنون صنعًا، وعن الحق يجاهدون دفعًا، وهذا حقًّا غاية الافتتان، ومقارفة التبديع والبهتان.



إننا نقول: إنه لا يسلم عالِم أو مجتهِد أو طالب حق وعلم من زلةٍ أو خطأ ما، ما دام يسعى في اجتهاده بأمرين:

الأول: يريد الحق بحق.

الثاني: يجتهد في بحثه للوصول للحق في ضمن دائرة أهل السنة والجماعة وأصولها.



وعلى أهل العلم أن يبيِّنوا للناس الحقَّ في المسائل النازلة وغيرها، وأن يبينوا القول الخطأ إذا خالف إجماعًا أو شرعًا، أو كان شذوذًا من الاجتهاد والقول، وهذا لا غبار عليه.



إلا أن فتنة "السب والتبديع" والرمي بالبهتان، ومدرسة الهَدْم بالكلية لمن خالف طريقهم وقولهم - أصبحتْ ذات خطر كبير، فهؤلاء قد أَبْعَدوا النَّجْعَة عن سبيل الهُدَى والحق وأهل السنة، ظنًّا منهم حماية الحق والسنة من كل ضالٍّ مبتدع.



فتراهم إذا وافقهم عالِم في مسائلهم، وَصَفُوه بألفاظ جيِّدة، فيها نوع تزكية ورفعة لمكانته، فيصير على قولهم "شيخنا، وعالمنا، وفقيه الأمة، وبقية السلف"، وغيرها كثير مما هو معروف من أقوالهم، ولا يلتفتون إليه إذا صدر منه خللٌ أو خطأ، بل يُغمِضون عنه الطرف أدبًا زعموا.



وأيضًا على النقيض من هذا يصفون مَن خالف طريقهم واجتهادهم من أهل السنة والجماعة بألفاظٍ تدل على إسقاطه، ونزول مكانته؛ مثل قولهم: "مبتدع، وضال، مخالف، وفاسق، ومتروك، وليس بشيء، وخارجي، لا يُعرف، ليس على المنهج، من أهل الموازنات"، إلى غيرها من الأقوال المشتملة على نوع من التبديع والتفسيق والتجهيل، والرمي والقذف، في كل مخالفة لهم غالبًا.



وهؤلاء لديهم إشكالات في طريقة منهجهم في تبيين الحق، وتوضيح الخطأ ورده لغيرهم؛ حيث إنهم غالبًا:

لا يجتهدون بحثًا شاملاً في معرفة مذهب أهل السنة وأقوالهم في المسألة، ولا يعرفون جملةً خلاصةَ ما عليه الجمهور عامة، والجمهور من أصحاب المذاهب الفقهية خاصة؛ ولهذا كل مخالف ومخالَفة عندهم انحراف عن المنهج، لا عن القول الفقهي.



ولا يسيرون مع الدليل ربما إلا ما سدَّد قولهم وصوَّبه، ثم باقي الأدلة إما أن تعمم، أو تخصص، أو يتأوَّلوها.



ثم إذا عَرَفوا ما سبق من القول والدليل وحكم الفقهاء، وكانوا على صواب فيها، عندئذٍ يكون المخالِف لذلك القول مخالفًا عندهم لما عليه السلف الصالح، ومن ثَمَّ يستلزم الأمر بالمخالفة الأمر بالتبديع والتفسيق أحيانًا، وكذا الرمي بالخروج.



وأمر آخر أنهم لا يتعاملون مع الواقع والمرحلة التي تمر بها أمة الإسلام، ولا ينشغلون بقضايا المسلمين وهمومهم، اللهم إلا لذر الرَّماد في العيون.



وأيضًا لا يُسْقِطون الحكم الشرعي على حقيقته؛ من حيث تقديم النصيحة بحكمة بالغة، وأدب جم للمخالف، وقد أمر بها الكتاب والسنة، حتى مع أهل الكفر من أهل الكتاب.



وليت شعري ماذا يفعل شيخ الإسلام ابن تيميَّة لو عاصر هؤلاء، وهو الذي كان يظهر محاسن المخالف، مع إنكاره عليه في خطأ فعله أو قوله، ومثله ابن القيم، كما فعل مع الهَرَوِي في "منازل السائرين"، وسماه "شيخ الإسلام".



ومن أوهامهم أيضًا التقليد الذي لا خلاف فيه ولا معه، وهذا خلاف منهج طلب العلم والاجتهاد، فهم يقلدون شيوخهم في كل قول واجتهاد، وإذا تقرر الحق لأحدهم رمَوه وقذفوه بالمخالفة.



وقد بيَّن خطرَ هذا شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة - رحمه الله - فقال: "وليس لأحد أن يُنصِّبَ للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها، غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يُنصِّب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي، غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعلِ أهل البدع الذين ينصِّبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرِّقون به بين الأمة، يُوَالُون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون"؛ [مجموع الفتاوى].



ومن أوهامهم أن يَحسَبُوا كلَّ مَن وافقهم بقولٍ - وليس بمشتهر عندهم - أنه على مذهبهم وقولهم، وكما قال أحد الفضلاء يومًا: "إنك إذا وافقتهم في قولهم 100%،فأنت السلفي الأثري حقًّا، وإذا خالفتهم في 1% كنتَ المبتدعَ الضال..."، وهذا فيه وجه شبه بالتصوف وشيوخه ومريديه في تقليدهم واتباعهم.



ومن أوهامِهم الكبيرةِ اعتقادُهم أنهم أصحاب الحق المطلَق، والقول الأوحد، والمنهج الذي لا خلاف عليه، مع أن الشافعي وغيره من أئمة السلف كانوا يقولون: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"، أما هؤلاء، فقولهم الصواب المطلق، ولو لم يصرحوا بذلك.



ومن أوهامهم الانتقائيةُ في المسائل الاجتهادية، مما يقبل الاختلاف فيها سعة.



ومن أوهامهم البعد عن الاشتغال بالسياسة مطلقًا، وهذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة؛ حيث إن السياسة الشرعية جزء من الإسلام، وإن أخطأ بعض المشتغلين بها، إنما الأَوْلَى عندهم الانشغال بالعلم وحده، وفهم الكتب وحفظ المتون، وترك الأمة تضيع، والشهوات تجرف الشباب والفتيات، وحسبهم أنهم حرَّاس الشريعة، وحماة السُّنة وحدهم، ولا أدري أين تقليدهم لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، الذي كان آيةً في الجهاد العلمي، في نشر السنة وقمع البدعة، وآية في الجهاد العملي بالسيف ضد أعداء الإسلام وأهله.



ثالثًا: نداء المحب لشبابنا:

ونحن نقول لهؤلاء الشباب:

رويدًا مهلكم يا طلاب العلم وشباب الإسلام، لقد أخطأتُم الطريق في الاتباع والتعديل، مهلاً يا شبابنا، تعلموا "الأدب قبل الطلب"، وتزيَّنوا بأخلاق الإسلام الجليلة، وآداب طلب العلم النبيلة، فلا خيرَ في علم لا يتبعه الأدب.



اعَرَفوا للعلماء والأشياخ حقَّهم، والزموا أبوابَ الأكابر المشهود لهم، ولا خلاف بين الأمة على إمامتهم، ولا تلتقطوا من فتاواهم وأقوالهم ما يسدِّد قولكم، وتتركون ما خالفه.



واعلموا أنكم على فتنة عظيمة، وانحرافات جسيمة، فسارعوا بالهُدَى والسنة توبة، وبمنهج السلف سبيلاً، لقد كان طلب الأدب مقدَّمًا عندهم على طلب العلم، فهذا الإمام مالك يقول لفتى من قريش: "يا بن أخي، تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم".



وقال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: قال لي أبي: "يا بني، ائتِ الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذْ من أدبهم وأخلاقهم وهَدْيِهم، فإن ذاك أحبُّ إليَّ لك من كثير من الحديث".



وقال بعضهم لابنه: "يا بني، لأن تتعلَّمَ بابًا من الأدب أحبُّ إليَّ من أن تتعلَّم سبعين بابًا من أبواب العلم".



بل وهذا الحسين بن إسماعيل يقول: "سمعت أبي يقول: كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زهاء على خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت".



وقال مخلد بن الحسين لابن المبارك: "نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث".



نعم أنا معكم؛ الخطأ لا بد أن يُرَدَّ عليه، وأن نحذِّر الناس منه، نعم معكم أننا نحذر من أهل البدع والأهواء، نعم نحارب البدعة وأهلها، وننشر السنة وفضلها.



لكن ليس الطريق إلى ذلك بما أنتم عليه الآن، وأصدُقُكم القول: إنكم لو أحسنتم الأدب مع المخالف لأصبتم بذلك خيرًا عظيمًا؛ من قَبولِه نصيحتَكم له، واعترافه بخطئه لو كان، وفتح الطريق معه للتعاون على الخير وفعله، وإحياء الأخوَّة الإيمانية والتراحم بين أهل السنة والسلفية، وعليكم بالجماعة، وهي السواد الأعظم لأمة الإسلام؛ لأن مَن شذَّ، شذَّ في النار.



ليس من خلافٍ بين أهل السنة والجماعة في خطر أهل البدع والأهواء والتحذير من شرورهم؛ إنما الخلاف في تنزيل أصول أهل البدع على مَن ينتمي لأهل السنة، زاد في خطئه أو نقص؛ فهذا يبدِّعهم، وآخر يعتذر عن خطئهم، وثالث يتوقَّف فيهم، فهل كل مَن خالفك أو خالف شيخَك باجتهاد سائغ، أو باجتهاد بأصول أهل السنة، ثم وافق ربما بعض أهل البدع، هل يصير ضالاًّ مضلاًّ، مبتدعًا خارجًا؟!


اجتهد ابنُ حجر العسقلاني الإمام، وكذا الإمام النووي، فوافقوا تأويل الصفات مع الأشاعرة؛ فهل يكونون مبتدعين، أو أن اختلافهم كان عن خطأ بالاجتهاد؟!



فإذا كان الخطأ بالاجتهاد عفا الله عنهم، فلِمَ لا نُنْزِل ذلك على إخواننا وندعو لهم بالحسنى ومعرفة الحق، مع المناصحة الصادقة، لا التشهير الفاضح باسم التحذير من أهل البدع؛ "فهل كل مجتهد مخطئ مبتدع؟!"، وقد اختلف الأئمة الأطهار مع بعضهم، ومع ذلك كان كل منهم يصلِّي خلف الآخر؛ كالشافعي، وأحمد، ولم يفسقه أو يبدعه أو يضلله.



أما جهابذة القرون المتأخِّرة فيختلفون، ثم يبتعدون، ثم يفسقون، ثم يبدعون، ثم في النار يَقذِفون، ويقولون: الدليل، قال الله تعالى، قال رسوله، قال السلف!



أحسنتَ بُنَيَّ؛ لكن هذا العلم ليس لك؛ إنما لأصحاب العلم الواسع، والتاريخ المشرق، والربانية الخالصة، والتجرُّد من الهوى وضيقِ الأفق.



كان الأئمة بالأمس يحذِّرون الأمة من التقليد الأعمى والتعصب المذهبي، فكيف لو رأوا اليوم دعاوى التعصب الشخصي بدعوى التمسك بالشريعة مذهب السلف؟!



عَجِبتُ حقًّا من أمة تَجعلُ ولاءها وبراءها للأشخاصِ، وليس لمنهج الإسلام العظيم، وما نحن فيه الآن من فتنة بين طلاب العلم من مراحل مرض هذه الأمة، وغدًا تنقشع الغمة كما انقشع التعصب الأعمى للمذاهب والتقليد، ولكن صغار العلم لا يفقهون.



يقول أحدهم: هذا ضال، وهذا فاسق، وهذا مبتدع، وهذا خارجي، والآخر قطبي، وهذا وهذا... إلخ.



ولو سألناه: ومَن أنت؟ قال: "أنا سلفي أثري"، عجيبٌ أمرُكم يا طلاب العلم؛ إنما وكِّلتم بتبليغ العلم، ولم تكلَّفوا بالحكم على الناس ظاهرًا وباطنًا.



قال الحافظ ابن عساكر: "واعلم - يا أخي - وفَّقنا الله وإيَّاك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتَّقيه حقَّ تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتكِ أستار منتقصيهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثَّلْب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".



وقد قال ابن القيم - رحمه الله -: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبَطَهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: التمسكُ بالسنةِ إذا رَغِب عنها الناس، وترْكُ ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريدُ التوحيد وإن أنكر ذلك أكثرُ الناس، وترْكُ الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًّا، وأكثرُ الناس - بل كلهم - لائم لهم، فلغربتهم بين هذا الخلق؛ يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم".



وقال ابن الأذرعي: "الوقيعة في أهل العلم - لا سيما أكابرهم - من كبائر الذنوب".



وقال ابن المبارك: "مَن استخفَّ بالعلماء ذهبتْ آخرته، ومن استخفَّ بالأمراء ذهبتْ دنياه، ومن استخفَّ بالإخوان ذهبتْ مروءته".



وقال أبو سنان الأسدي: "إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين، يتعلم الوقيعة في الناس، متى يفلح؟!".



وقال الحسن بن ذكوان لرجلٍ تكلَّم عنده على أحد الناس: "مَه؛ لا تذكر العلماء بشيء فيُمِيت الله قلبَك".



هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوجيه والتصحيح:

ثم اعلموا - يا شبابنا - أن معالجة أخطاء الناس إذا ثبتتْ يقينًا، لا يكون إلا بمنهج الإسلام وما كان عليه السلف الصالح، فهذا خطأ الرماة في غزوة أحد، لما تركوا مواقعهم التي أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزومها، نزل قوله - تعالى -:﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152]؛ فهل لما ذكر الله - تعالى - أمرهم هنا بثلاثة تعبيرات "فشلتم، وتنازعتم، وعصيتم" - وهم الصحابة - لم يبيِّن حسناتهم في موضع آخر؟ وهل كانوا خوارج على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم؟!


وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتزل زوجاته تأديبًا لهن، فقال بعض الناس: إنه طلَّق نساءه، فنزل قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]؛ فماذا نسمِّيهم؟



وبعض المسلمين لما تركوا الهجرة من مكة إلى المدينة لغير عذرٍ شرعي، فأنزل الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا… ﴾ [النساء: 97] الآية؛ فماذا نقول عنهم؟!



قال ابن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية: "هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم: {فِيمَ كُنْتُمْ} أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير، والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم.

{ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْض } أي: ضعفاء مقهورين مظلومين، ليس لنا قدرة على الهجرة. وهم غير صادقين في ذلك لأن الله وبخهم [ص 196] وتوعدهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، واستثنى المستضعفين حقيقة".



وتصحيح الخطأ يكون بحسب بمقتضى الحال، وليس بمنهج واحد مع الجميع، فهذه جملة أحاديث تبين التعامل المختلِف مع المواقف، في تصويبها وتصحيحها:

• فعن ابن عباس: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فقال: ((جعلتني لله عدلاً؟ بل ما شاء الله وحده))؛ رواه أحمد: المسند.



• وعن أبي شريح هانئ بن يزيد قال: وفد على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قومٌ، فسَمِعهم يسمُّون رجلاً عبدالحجر، فقال له: ((ما اسمك؟))، قال: عبدالحجر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا، أنت عبدالله))؛ رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد: صحيح.



• عن يَعِيشَ بن طِهْفَة الغفاري عن أبيه، قال: "ضِفْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمَن تَضَيَّفه من المساكين، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليل يتعاهد ضيفه، فرآني منبطحًا على بطني، فركضني برجله، وقال: ((لا تضطجع هذه الضجعة؛ فإنها ضجعة يُبغِضها الله - عز وجل))، وفي رواية: فركضه برجله فأيقظه، فقال: ((هذه ضجعة أهل النار))؛ رواه أحمد.



• وروتْ عائشة - رضي الله عنها - أن قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سرقتْ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، فقالوا: مَن يكلِّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومَن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فأُتي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلَّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟!))، فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العَشِيُّ قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: ((أما بعد، فإنما أَهْلَك الذين مِن قبلكم أنهم كانوا إذا سَرَق فيهم الشريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وإني - والذي نفسي بيده - لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سَرَقتْ، لقطعتُ يدَها))، ثم أمر بتلك المرأة التي سَرَقتْ فقُطِعتْ يدها؛ الحديث في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم.



• وعن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْد نَجْرَاني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجَبَذه بردائه جبذةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثَّرت بها حاشيةُ البُرْد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء".



• وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجَّاجًا حتى إذا كنا بالعَرْج نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلنا، فجلستْ عائشة - رضي الله عنها - إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلستُ إلى جنب أبي، وكانت زِمَالة (دابة السفر) أبي بكر وزِمَالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدةً مع غلام لأبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره، قال: أين بعيرك؟ قال: أضللتُه البارحة، قال: فقال أبو بكر: بعير واحد تضله؟! قال: فطَفِق يضربه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ويقول: ((انظروا إلى هذا المُحْرِم، ما يصنع))، قال ابن أبي رزمة: فما يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقول: ((انظروا إلى هذا المُحْرِم، ما يصنع)) ويتبسم؛ رواه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب المحرم يؤدِّب غلامه، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.



• وروى البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الحسن بن علي أخذ تمرةً من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفارسية: ((كَخْ كَخْ، أمَا تعرِف أنَّا لا نأكل الصدقة؟)).



• وعن جَرْهَد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((غطِّ فَخِذَك؛ فإنها من العورة))؛ رواه الترمذي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.



• وروى البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - قال: "غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ثاب معه ناسٌ من المهاجرين حتى كَثُروا، وكان من المهاجرين رجلٌ لَعَّابٌ، فكسع أنصاريًّا؛ فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تَدَاعَوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ما بال دعوى أهل الجاهلية؟))، ثم قال: ((ما شأنهم؟))، فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعُوها؛ فإنها خبيثة)).



وفي رواية مسلم: ((ولينصر الرجلُ أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا فليَنْهَه؛ فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره))؛ صحيح مسلم.



• وفي صحيح البخاري عن حُمَيد بن أبي حميد الطويل، أنه سَمِع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عِبَادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبِروا كأنهم تَقَالُّوها (أي رأى كل منهم أنها قليلة)، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ (أي: إنهم ظنوا بأن من لم يعلم مغفرة ذنوبه يحتاج إلى المبالغة في العبادة أكثر من النبي - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن تحصل له المغفرة)، قال أحدهم: أمَّا أنا، فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطِر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له؛ لكني أصوم وأُفطِر، وأصلي وأرقد، وأتزوج)).



• وعن أنس أن نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمَن رغب عن سنتي فليس مني))؛ ورواه مسلم.



• وعن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ظاهر من امرأته، فوقع عليها، فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرتُ من زوجتي فوقعتُ عليها قبل أن أكفِّر، فقال: ((وما حملك على ذلك - يرحمك الله؟!))، قال: رأيتُ خَلْخَالها في ضوء القمر، قال: ((فلا تقربْها حتى تفعل ما أمرك الله به))، قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن غريب"؛ صحيح سنن الترمذي.



• وهذا عمر - رضي الله عنه - يقول: "سمعتُ هشام بن حكيم بن حِزَام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعتُ لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكِدتُ أُسَاوِره في الصلاة، فتصبَّرتُ حتى سلَّم، فلبَّبتُه بردائه، فقلتُ: مَن أقرأك هذه السورة، التي سمعتُك تقرأ؟ قال: أقرَأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: كذبتَ؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقرأنيها على غير ما قرأتَ، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: إني سمعتُ هذا يقرأ بسورةِ الفرقان على حروفٍ لم تُقْرِئنيها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرسله، اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعتُه يقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كذلك أنزلتْ))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأتُ القراءة التي أقرأَنِي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كذلك أنزلتْ، إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه))؛ رواه البخاري.



• وعن أنس بن مالك قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي، فقام يَبُول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُزْرِمُوه، دَعُوه))، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه، فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله - عز وجل - والصلاة، وقراءة القرآن))، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء فشنَّه عليه"؛ صحيح مسلم.



• وعن أنس بن مالك حدَّثهم قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم))، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهنَّ عن ذلك أو لتُخْطَفنَّ أبصارُهم))؛ رواه البخاري.



ففي هذه الأحاديث عدة أساليب تربوية نبوية توجيهية في الإرشاد والتصحيح؛ منها الرحمة بالمخالف، وعدم التسرع في تخطئته، وبيان الحق له، وأحيانًا بالزجر المناسب، وصدق القائل:


وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ
وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا



الخلاصة والتوجيه:

إذًا نخلص من ذلك التبيان السالف بعدة نقاط مهمة:

الأولى: أن البشر سوى الأنبياء والرسل غيرُ معصومين.



الثانية: أن تصحيح الخطأ وبيانَه يكون بالعلم الصواب، والأدب الجم، والخلق الجميل، والحكمة البالغة، وليس بالقذف والرمي بالبهتان.



الثالثة: أن منهج هؤلاء ليس منهج السلف في أمور كثيرة؛ منها ما يلي:

(أ) الاشتغال بالتبديع والتفسيق، تحت مسمى تصحيح الخطأ والحفاظ على المنهج السلفي.

(ب) الانشغال بالتقليد - لو صح القول - "الأعمى" للشيوخ وطلاب العلم.

(ج) رمي الغير بالجهل والابتداع والخروج، دون محجة بينة، ودليل قاطع لا خلاف عليه.

(د) فصلهم السياسة عن الدين عمليًّا.

(هـ) إسقاط الأحكام على الناس بالحق والباطل، وتجرِئة الشباب الصغار والأغمار من المبتدئين على فحش القول، ورمي الأكابر من أهل العلم بكل قول وفعل قبيح، وهذا يكفي لهدم العلم ومنزلة العلماء.



الرابعة: أن الواجب عليهم العودة للحق والهُدَى والسنة، والانشغال بما هو أولى لهم في معاشهم ومعادهم.



الخامسة: على أهل العلم الأخيار أن يحذِّروا الشباب وطلاب العلم من خطر هذه المدرسة الفكرية بالدليل الصحيح، وأن يرشدوهم لمنهج أهل السنة والجماعة الصحيح في تبيين الخطأ ونقد المخالف فيما يكون بالتصحيح لا بمنهج التبديع والتجريح.



إن هذا التوجه الفكري يمثِّل نوعًا من الانحراف عن جادة الطريق، ومعاملة الناس بالإحسان، وعذر المخالف في اجتهاده، وتقديم النصيحة بالتي هي أحسن؛ فالواجب دعوتهم للخير والسنة، وتوجيه الشباب لخطرهم على المنهج السلفي خاصة، وتفريق الصف المسلم عامة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تبيين الحق بين التصحيح والتجريح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام
» كتاب الفتاوى الاسلامية ... لفضيلة الامام الاكبر شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق - رحمة الله
»  تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري
» أهمية تبيين محاسن الإسلام.. وأهم الكتب المؤلفة
»  تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ ( موافق للمطبوع )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: