فيليب جينكينز في حوار:
الحروب في القرآن دفاعية وفي الكتاب المقدس إبادية
يَصدمنا التضليل الزائد الذي ما يزال يزيد حول الحرب في القرآن، يَستفزنا لدرجةٍ تُقرِّبنا من تجسيد قوله - تعالى -: ﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ﴾ [الشعراء: 13].
هذه شهادة باحث من أهلها، قام بدراسة علمية استمرَّت لعقدٍ، فحَص فيها آيات القرآن والكتاب المقدس، وخلَص إلى نتيجة لم يتردَّد في إعلانها، أوجَزها بقوله: "إن العُنف الدموي في القرآن أقل بكثيرٍ من دمويَّة الكتاب المقدس؛ إذ تَدعو التعليمات الصريحة الواضحة في الكتاب المقدس إلى الحرب بكونها حربًا إبادية، في حين أن القرآن لا يدعو إلى الحرب، وإذا اضطرَّته الظروف إليها، فهي لا تكون إلا حربًا دفاعية".
قامت الدنيا ضده ولم تَقعُد، وهُدِّد الرجل ووُعِّد، وبالرغم من استمراره في التمسُّك بمسيحيَّته، فإنه راحَ يُدلِّل على نتائج دراساته في مختلف مقالاته ولقاءاته؛ لذا كان لا بدَّ لنا أن نُحاوره، فجاء - بفضل الله - هذا الحوار مع البروفيسور فيليب جينكينز.
فيليب جينكينز:
يتميَّز فيليب جينكينز أستاذ التاريخ بجامعة بايلور، والمدير المشارك لبرنامج بايلور للدراسات التاريخية في الدين في معهد الدراسات الدينية، وأستاذ متفرغ في أدوين أرل سباركس لدراسة العلوم الإنسانية في جامعة ولاية بنسلفانيا (PSU، جينكينز بروفيسور (من 1993)، ثم أستاذ متميز (منذ عام 1997) في التاريخ والدراسات الدينية في نفس المؤسسة، وأيضًا أستاذ مساعد، ثم أستاذ كامل للعدالة الجنائية والدراسات الأمريكية 1980 - 1993 - بأنه لا يَقتصر نشاطه على الحرَم الجامعي؛ فإنه يحرِّر جنكينز، ويكتب عمودًا شهريًّا في صحيفة الكريستيان سنتشري Christian Century، ويكتب أيضًا مقالات متنوعة في معظم الصحف الأمريكية، في عام 2002 ناقَش جينكينز تحوُّل الأُسقفَّيَّة الكاثوليكية، وقام بدراسة حالات الاعتداء الجنسي الكاثوليكي على النساء والأطفال، مؤكِّدًا أنه في هذا البحث قام بفحْص العديد من حالات الاعتداء الجنسي الوحشي على مدى العشرين سنة الماضية.
تُشير الدلائل في دراسته إلى أن رُهبان الكاثوليكية غير المتزوجين، وغيرهم من رُهبان الكنائس الأخرى، من المرجَّح أن يكونوا من أكثر المشاركين في هذا السلوك المَشين لرجال الدين المسيحي، وقد نجحَت دراسته في أنها استطاعَت أن تحدِّد الرؤية في هذه القضية باعتبارها أزمةَ عزوبة، وإن كان هذا التحديد وحَده غير كافٍ".
وفي مقابلة معه في الإذاعة الوطنية العامة عام 2010م، قال جنكينز:
إن العنف الدموي في القرآن أقل بكثيرٍ من دموية الكتاب المقدس، وإن القرآن أقل عنفًا من الكتاب المقدس؛ إذتدعو التعليمات الصريحة الواضحة في العهد القديم إلى الحرب، باعتبارها حربَ إبادة جماعيَّة، في حين أن القرآن لا يدعو إلى الحرب، وإذا اضطرَّته الظروف إليها، فهي لا تكون إلا حربًا دفاعية.
ذهب جينكينز إلى القول بأن اليهودية والمسيحية خضَعت لعملية "فِقدان الذاكرة المقدسة"، وتحوَّل العنف في النصوص المقدسة إلى عمليات رمزيَّة ضد خطايا واحدة.
كتب البروفيسور فيليب جينكينز كُتبًا كثيرة، ومن كُتبه المهمة: "المسيحية القادمة: قدوم المسيحية العالمية 2011"، "تاريخ المسيحية: العصر الذهبي"، "ألف سنة للكنيسة في الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا - كيف نهَضت؟ وكيف انهارت؟ 2009م"، "حروب المسيح: كيف فرَض البطاركة الأربعة تصوُّراتهم على المسيحية 2011م"، "الوجوه الجديدة في المسيحية 2008م، "ضَعوا السيف: لماذا لا يُمكننا تجاهلُ آيات الكتاب المقدس العنيفة 2011م، "التحيُّز المقبول ضد الكاثوليكية 2004م، "الأناجيل المخفية: البحث عن يسوع ضل طريقه 2002م، "الذُّعر الأخلاقي: المفاهيم المتغيرة للتحرش بالأطفال في أمريكا الحديثة 2004م"، "الأزمة الدينية في أوروبا 2009م، "عقد من الكوابيس: نهاية الستينيات والثمانينيات في أمريكا 2008م".
الحوار:
عبدالرحمن أبو المجد: أنت تكتب بقوة وبموضوعية حول آيات الإبادة في الكتاب المقدس؛ حيث صار القتل بأوامر الكتاب المقدس إبادة جماعية، استُخدِمت تلك الآيات من قِبَل أوليفر كرومويل، ومن قِبَل العُنصريين والحُجَّاج المسيحيين لمدينة القدس؛ لتبرير حروب الإبادة التي قاموا بها أثناء الحروب الصليبية، أتساءل: ما المفاهيم الأساسية التي نحتاج إليها في حالة التعامل بموضوعية وصدق إذا أردنا حوارًا يؤدي إلى المُصالحة والتسامح؟!
فيليب جينكينز: أوَد أن أشرح كيف جاء كتابي، بعد هجمات 11 سبتمبر زعَم كثيرٌ من الناس في الغرب أن الإرهاب والقتل الجماعي جزءٌ أساسي في الإسلام، ولقد درَست العنف في الكتب المقدسة، وتبيَّن لي أن بعض الآيات القرآنية تتحدَّث عن العنف والحرب، وصحَّ أيضًا أن الكتاب المقدس به نصوص أكثر دموية، قادت المسيحيين واليهودَ إلى ارتكاب أبشع مجازر الإبادة في التاريخ، حتى اشتكى بعض المسيحيين واليهود عندما وضحت نتائج البحوث في مقالاتي، وقاموا بنفي ما ذكَرته، بالرغم من أن النصوص الصريحة التي تحثُّ على حروب الإبادة ما تزال موجودة، ولا يُمكن نُكرانها!
وهناك عدد من النصوص غير قليلٍ في العهد القديم - التوراة: الكتاب المقدس العبري - يقال: إنه لا ينبغي أن تكون هذه النصوص ذات صلة بالمسيحيين، وهذا خطأ كبيرٌ، جعلني أقول: إن هذا يقطع يسوع المسيح، ويُخرجه من جذوره اليهودية؛ لذا كتبتُ كتابي؛ لاستكشاف هذه النصوص في الكتاب المقدس، واستكشاف كيف استجاب لها اليهود والمسيحيون.
النقطة الرئيسية هي أن الناس الذين يتَّبعون الكتاب المقدس، بحاجة إلى الاعتراف - بصدقٍ - بما هو في النص المقدس، وكيف تَمَّ استخدام هذه النصوص عبر القرون الطويلة، وبدون صدقٍ لا يمكن أن يكون هناك حوارٌ أو تفاهُم.
عبدالرحمن أبو المجد: أنا أحب كتب فيليب جينكينز، لقد قرأت معظمها حتى الآن، وأجد لها رؤية مُقنعة وجديرة بالاهتمام لِما أحدَثته من ضجَّة كبرى، في رأيك: أيُّ كُتبك يُعد الأكثر أهمية للقرَّاء؟ ولماذا؟
فيليب جينكينز: أحاول أن أكونَ متواضعًا، أعتقد أن كتابي "المملكة المسيحية القادمة" هو الأكثر أهمية لي.
عبدالرحمن أبو المجد: أنت كعالم مسيحي يَعي ما في الكتاب المقدس، ما هي أفضل طريقة لصُنع السلام مع الجيران، أقصد المسلمين تحديدًا؟!
فيليب جينكينز: هناك طريقة واحدة جيدة لفَهْم التاريخ، يجب من خلالها أن نرى أن العديد من الاختلافات بين الأديان ليست كبيرة كما تبدو، وفي بعض الفترات ترى الأديان في حالة حربٍ طاحنة مع بعضها البعض، وأحيانًا في سلام، وهذا لا يعني أن الكراهية والحرب موجودة في الحمض النووي، لكنَّ مثل هذه الأشياء قد تَحدُث في ظروف معيَّنة، وفي أوقات معيَّنة، وفي أماكنَ معينة.
أيضًا وأنا أُحاول ألا أتحدَّث أن "المسيحية تفعل هذا"، أو "الإسلام يفعل ذلك"، أعتقد أن الإسلام والمسيحية هي الأفكار، لكن التحرُّك يَحدُث من أنفسنا، فيمكن أن يكون هناك صراعات بين المسيحيين والمسلمين، ولكن ليس بين المسيحية والإسلام.
وأشدِّد أيضًا على أن هناك تنوُّعًا واضحًا جدًّا، يعتقد كثير من المسيحيين واليهود أن الإسلام فقط يمثِّل بعضًا من الأشكال الصارمة للغاية والمُتزمِّتة جدًّا، وفي الواقع فإن الإسلام متنوِّع جدًّا، ويتبع المسلمون تقاليدَ مختلفة جدًّا، بعضها مُنفتح جدًّا ومتسامح، والبعض الآخر غير متسامح، وهذا يبدو بديهيًّا بالنسبة للمسلم، لكن هذا لا يعرفه الكثير ممن يَقطُنون الغرب.
لنأخذ مثالاً: أدهشتني حركة المظاهرات التي هبَّت في ليبيا، وتَمَّ خلالها قتْل السفير الأمريكي، وصاحَت الحشود تَهتِف بصيحة الإسلام: "الله أكبر، الله أكبر"، ولم تكن هذه الحادثة ضد الولايات المتحدة على نطاق واسع؛ لأن هذا يقوض الفرضية الأساسية التي تَزعُم أن تَحالُفَ الإسلام بالإرهاب تَحالفٌ وثيق.
عبدالرحمن أبو المجد: أنا أيضًا اندهَشت لذلك، لكن وَفقًا لمسؤولين أمريكيين وليبيين، فقد تَمَّ التخطيط لهذه الحادثة مسبَقًا، وهذه الحادثة ليس لها علاقة باحتجاجات المسلمين المشروعة ضد الفيلم الأمريكي المسيء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
انظر، يُمكن أن تقرأ المزيد عما ذكَرتْه رويتر وسكاي نيوز، من أن هذا الحادث جاء انتقامًا لضربة الطائرة بدون طيار الأمريكية التي اغتالت أبا يحيى الليبي أحد قيادي القاعدة - على هذه الروابط:
Sam Kiley (September 12, 2012). "US Anti-Muslim Film 'Designed To Enrage'". Sky News.
http://uk.news.yahoo.com/us-anti-muslim-film-designed-enrage-112301683.html. Retrieved September 12, 2012.
Reuters, Maker of anti-Islam film goes into hiding, December 9, 2012, (retrieved 09-14-2012)
فيليب جينكينز: ......."صمت، لم يَفتح فاه بحرفٍ".
عبدالرحمن أبو المجد: أنت لم تتبع بشكل أعمى نظرية "صدام الحضارات"، مَن لم يكن معنا، فهو ضدنا: هل يمكن أن تتوسَّع في توضيح هذا؟