السؤال
صحة الحديث: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة))
((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) هل هذا حديث؟ وهل إذا كان حديثا فهل
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لأحد حتى يسن به سنة في الإسلام؟ نرجو أن توضحوا لنا هذا المقام بالتفصيل.
هذا الحديث صحيح، وهو يدل على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور لأنه صلى الله
عليه وسلم يقول: ((من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من
أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من
أوزارهم شيئا)) خرجه مسلم في صحيحه.
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دعا إلى هدى
كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل
آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) خرجهما مسلم في صحيحه.
ومعنى (( سن في الإسلام )) يعني: أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس، فيدعو إليها ويظهرها
ويبينها، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
نهى عن البدع وقال: ((كل بدعة ضلالة)) وكلامه صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضا، ولا يناقض بعضه
بعضا بإجماع أهل العلم، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها، مثال ذلك: أن يكون العالم في
بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحيي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم
القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وإرخائها،
فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها ويكون له من الأجر مثل أجر من هداه الله
بأسبابه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)) متفق على
صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والناس لما رأوا هذا العالم قد وفر لحيته ودعا إلى ذلك تابعوه، فأحيا
بهم السنة، وهي سنة واجبة لا يجوز تركها، عملا بالحديث المذكور وما جاء في معناه، فيكون له مثل أجورهم.
وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم، وهكذا لو
كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك، أو ما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من
الدين، فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها، فالذي يحييها بينهم وينشرها ويبينها يقال: سن في الإسلام
سنة حسنة بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام، فيكون بذلك ممن سن في الإسلام سنة حسنة.
وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، فالبدع كلها ضلالة لقول النبي في الحديث الصحيح: ((وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضا:
((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وفي اللفظ الآخر: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه.
ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: أما بعد: ((فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) خرجه مسلم في صحيحه. فالعبادة التي لم يشرعها
الله لا تجوز الدعوة إليها، ولا يؤجر صاحبها، بل يكون فعله لها ودعوته إليها من البدع، وبذلك يكون الداعي إليها
من الدعاة إلى الضلالة، وقد ذم الله من فعل ذلك بقوله سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[1] الآية.
****************************
مَنْ سَنَّ سُنَّة سَيِّئَة فعَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ عمل بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
السؤال : إذا مات شخص ، وترك أفعالا وأشياء سيئة هل تتراكم هذه السيئات ؟ بمعنى : إذا كان هناك أب نموذج سيء لأبنائه ، وأبناؤه شبوا على نفس سلوكيات أبيهم ، فهل هذا الأب يتحمل أوزار أبنائه ؟
الجواب :
الحمد لله
إذا مات العبد ، وقد فعل أفعالا مخالفة للشرع ، فاقتدى به فيها غيره من ولد أو صاحب أو جار أو غيرهم : فإن عليه وزر ما فعل ، ووزر من فعل فعله مقتديا به فيه ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ؛ لما رواه مسلم (1017) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) .
قال ابن علان :
"(ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة) : معصية وإن قلَّت ، بأن فعلها فاقتِدي به فيها ، أو دعا إليها ، أو أعان عليها (كان عليه وزرها) أي : وزر عملها (ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)" انتهى .
"دليل الفالحين" (2/136).
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"فيه التحذير من السنن السيئة ، وأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت فإن عليه وزر هذا التوسع ، مثل لو أن أحدا من الناس رخص لأحد في شيء من المباح الذي يكون ذريعة واضحة إلى المحرم وقريبا ، فإنه إذا توسع الأمر بسبب ما أفتى به الناس فإن عليه الوزر ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " انتهى .
"شرح رياض الصالحين" (ص 199) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) رواه البخاري (3336) ومسلم (1677) .
قال النووي :
"وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ : أَنَّ كُلّ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة" انتهى .
فالأب الذي أساء تربية أولاده ، وكان قدوة سيئة لهم ، واقتدوا به في سلوكياته في المنحرفة ، يتحمل وزر أولاده ، لأنه هو السبب في انحرافهم ، وعلى الأولاد أيضاً وزر أفعالهم كاملاً ، لا ينتقص منها شيء .
وقد كان الواجب على هذا الأب أن يحسن تربية أولاده ، ويقوم بالمسؤولية التي أوجبها الله عليه خير قيام .
وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" الرجل راع في أهل بيته ، في زوجته ، في ابنه ، في بنته ، في أخته ، في عمته ، في خالته ، كل من في بيته ، هو راع في أهل بيته ، ومسؤول عن رعيته ، يجب عليه أن يرعاهم أحسن رعاية ، لأنه مسؤول عنهم " انتهى .
"شرح رياض الصالحين" (ص 337) .
والله أعلم .