اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  صلاة الجماعة (5)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
 صلاة الجماعة (5) Oooo14
 صلاة الجماعة (5) User_o10

 صلاة الجماعة (5) Empty
مُساهمةموضوع: صلاة الجماعة (5)    صلاة الجماعة (5) Emptyالأربعاء 8 مايو 2013 - 16:20

صلاة الجماعة (5)

الحمد لله الغني الكريم، يُعْظِمُ ثوابَ الطائعين، ويَقبل توبة التائبين، ويكفّر بالطاعات مَعصية العاصين؛ ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فلا أحد أحق بالشكر منه، خَلقنا من العَدَم، وأغدق علينا النعم، ورفع عنَّا النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، أمهلنا لنتوب، وأنظرنا لنثوب، فمنا التائبون، ومنا المسرفون، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسولُه، علمنا ما ينفعنا، وهدانا إلى ما فيه نَجاتنا، وبشّرنا وأنذرنا، ونصح لنا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين.



أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واستقيموا على أمرِه، واحذروا مَعصيته، وتزودوا من الأعمال الصالحة، فإنَّكم في دار العمل والإمهال، وقريبًا تُفارقونها إلى دار الجزاء والحساب، فخُذوا من زادِها ما يُبلغكم، ومن عملها ما ينجيكم؛ ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].



أيُّها الناس:

الصِّلة بين العبد وربه هي أعظمُ الصلاتِ وأشرفها وأجلُّها وأنفعها؛ لأنَّ ما يرجوه العبدُ من الخير لا يبلغه إلا بالله - تعالى - وما يَحذره من الشرِّ لا خلاصَ له منه إلاَّ به - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].



والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أقوى صِلَة بين العبد وربه، وبها تُنال خيرات الدُّنيا والآخرة، وقد جاء التأكيدُ الشرعيُّ على أدائها جماعة في المساجد، ورُتِّب على ذلك عظيم الأجر والثواب، مع ما يناله العبدُ بصلاة الجماعة من منافع الدُّنيا وحسناتِها، ومن أدَّاها في المساجد مع المسلمين، خرج من نصوصِ الوعيد في التخلُّف عن الجماعة، ويُرجى أن ينال ما ورد في نصوصِ الوعد بالأجر عليها، وفي حضور الجماعة في المساجد مُشاركة في إظهارِ شعائر الإسلام وإعلانِها؛ لأن مَن يرى الغادين إلى المساجد وقتَ الصلاة يعلم أنَّهم يُحْيُون شعيرة ويظهرونها، وقد يدخل في الإسلام أناسٌ بسببِ ذلك، أو يتوب عُصاةٌ مِن تركهم لها أو تخلُّفهم عنها حين يَرون غيرهم يعتنون بها، ويَمشون إليها، ويُحافظون عليها، ويظهرون شعيرتها، وقد وقع ذلك كثيرًا بحمد الله تعالى.



وتعظيم شعائر الله - تعالى - والمشاركة في إظهارها وإعلانها دليلٌ على التقوى؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، فكيف إذًا بتعظيم شعيرة مُستمرة مع العبد كلَّ يوم وليلة خمس مرات، يغدو إلى المسجد ويروح بسببها، فيظهرها ويشهرها في الناس؟! فلا - والله - يُحافظ على ذلك ويقوم به خيرَ قيام، ويدوم عليه بدوام الأيام، إلاَّ من عَمَّر قلبه بالإيمان، فهنيئًا لمن وُفِّق لهذا الخير العظيم، ويا خسارةَ مَن حُرمَ لَذَّة إظهار هذه الشعيرة المباركة وتعظيمها!



والصلاةُ مع الجماعة في المساجد أفضلُ من صلاة الجماعة في سوق، أو عمل، أو بيت، أو نحوه، وأفضل من صلاة الفُرادى؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً))؛ متفق عليه، وفي رواية لهما: ((تَفْضُلُ صَلاةٌ في الْجَمِيعِ على صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)).



وفي المحافظة على صلاة الجماعة تزكيةٌ للنَّفس، وإصلاحٌ للقلب، وكم يَحتاج الإنسان إلى ذلك! ولا سيما مع انفتاحِ الدُّنيا، وكثرة مَشاغلها، وما يُلهي الناسَ منها، وقد امتدح الله - تعالى - مَن يُزكي نفسه بالأعمال الصالحة، ويتعاهد قلبه بما يكون سببًا في صلاحه؛ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15]، وفي آية أخرى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، وعن أُبَيِّ بن كَعْبٍ - رضي الله عنه - قال: "صَلَّى بِنَا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَوْمًا الصُّبْحَ، فقال: ((أَشَاهِدٌ فُلانٌ؟))، قالوا: لا، قال: ((أَشَاهِدٌ فُلانٌ؟))، قالوا: لا، قال: ((إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ على الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأتَيْتُمُوهُمَا ولو حَبْوًا على الرُّكَب، وإنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ على مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ ما فَضِيلَتُهُ لابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلاةَ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أَزْكَى من صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاتُهُ مع الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى من صَلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلى الله تعالى))؛ رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.



وصلاة الجماعة سببٌ لتخفيف تسلُّط الشيطان على العبد بالوساوس وتزيين المعاصي؛ لأنَّ للجماعة قوةً تُهاب، وفي الفرقة ضعفٌ يُطمِّع الأعداء، والشيطان أشدُّ الأعداء على الإنسان، وقد جاء في حديث مُعَاذٍ - رضي الله عنه - أنَّ نبي الله قال: ((إنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ وَالْعَامَّةِ والْمَسْجِدِ))؛ رواه أحمد.



والله - تعالى - يَعْجَبُ من عبيده، وهم يؤدون الصلاة جماعةً في المساجد، ويرضى فعلهم، وتكون صلاتهم سببًا في جلب رحمته ودفع عذابه، وقد جاء في حديث ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: سمعت رَسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إِنَّ الله لَيَعْجَبُ مِنَ الصَّلاَةِ في الْجَمِيعِ))؛ رواه أحمد.



وأهلُ المساجد هم زوار الله - تعالى - وهو سبحانه أغنى مقصود، وأكرم مسؤول، ومن قصد الغنيَّ الكريم، فلن يعود خائبًا أبدًا، وكرامته - عزَّ وجلَّ - لأهل المساجد والجماعات ليست ككرامةِ غيره لمن قصدوهم بالزيارة مهما علت منازلهم، واتَّسعت دُنياهم؛ قال سَلْمَانُ - رضي الله عنه -: ((من تَوَضَّأَ في بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أتى الْمَسْجِدَ، فَهُوَ زَائِرُ الله، وَحَقٌّ على الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ))؛ رواه ابن أبي شيبة.



وإذا غابَ المؤمنُ عن المسجد لعُذرٍ من مرض أو سفر، ثُمَّ عاد إليه مرة أخرى، فرح الله - تعالى – بعودته؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاةِ وَالذِّكْرِ إلا تَبَشْبَشَ الله له، كما يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إذا قَدِمَ عليهم))؛ رواه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة، وجاء في روايته: ((ما من رجلٍ كان يُوطِّن المساجدَ، فشغله أمرٌ أو علة، ثم عاد إلى ما كان، إلاَّ تَبَشْبَشَ الله إليه كما يتبشبش أهلُ الغائب بغائبهم إذا قدم)).



ومن فضل الله - تعالى - على أهلِ المساجد أنَّهم مأجورون على ما اقتطعوه من أوقاتِهم لأجل الصلاة، فمع أجر الصلاة يُكتب لهم مَمشاهم إلى الصلاة وعودتهم منها، ومكثهم في المساجد قبل الصلاة وبعدها، ويَحظى الواحدُ منهم وهو في مكانه من المسجد قبل الصلاة وبعدها باستغفار الملائكة ودُعائهم له، وترحمهم عليه؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ في صَلاةٍ ما كان في الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ ما لم يُحْدِثْ))، وفي رواية: ((إِنَّ الْمَلائِكَةَ تُصَلِّي على أَحَدِكُمْ ما دَامَ في مَجْلِسِهِ تَقُولُ: اللهم اغْفِرْ له، اللهم ارْحَمْهُ، ما لم يُحْدِثْ، وَأَحَدُكُمْ في صَلاةٍ ما كانت الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ))؛ رواه الشيخان.



والصلاة مع الجماعة في المسجد سببٌ لمغفرة الذنوب التي قبلها؛ لما روى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رَسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثم مشى إلى الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ، فَصَلاَّهَا مع الناس، أو مع الْجَمَاعَةِ، أو في الْمَسْجِدِ - غَفَرَ الله له ذنوبَهُ))؛ رواه مسلم.



والمحافظة على الصلاة في المسجد سببٌ لتعلُّق القلب به، والاشتياق له؛ كما قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: "ما دخل وقتُ صلاةٍ إلاَّ وأنا أشتاقُ إليها"، ومن عُلِّق قلبه بالمساجد، كان من السبعة الذين يُظِلُّهم الله - تعالى - في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظله، ولا يُمكن أن يتعلق القلبُ بالمسجد إلاَّ بالمحافظة على صلاة الجماعة فيه؛ قال النووي - رحمه الله تعالى -: "معناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوامَ القعود في المسجد، وقال العيني - رحمه الله تعالى -: وتعلُّق قلبه بالمساجد كِنايةٌ عن انتظاره أوقاتَ الصلوات، فلا يُصلي صلاةً ويَخرج منه إلاَّ وهو منتظرٌ وقتَ صلاة أخرى حتى يصلي فيه، وهذا يستلزم صلاته أيضًا بالجماعة".



نسأل الله - تعالى - أن يعلق قلوبنا بالمساجد، وأنْ يَجعلنا ممن يُحافظ على الجُمَع والجماعات، وأنْ يهدي أولادَنا وإخواننا وقرابتنا وجيراننا، وسائر المسلمين لإظهار هذه الشعيرة العظيمة؛ إنه سميع قريب.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36، 38].



بارك الله لي ولكم في القرآن...


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46].



أيها المسلمون:

كان سلفنا الصالح من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم أشدَّ الناس بعد الأنبياء - عليهم السلام - في تعظيم قَدْرِ الصلاة، والمحافظة على الجماعة، والتأكيد على حضورها؛ لما يعلمون من فضلها وأثرها على الأفراد وعلى جماعة المسلمين؛ روى الحاكم من حديث عبدالله بن جعفر قال: "جاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يومًا إلى منزل سعيد بن يربوع - رضي الله عنه - فعَزَّاه بذَهاب بصره، وقال: لا تدعِ الجمعةَ ولا الصلاة في مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ليس لي قائد، قال: نحن نبعثُ إليك بقائد، قال: فبعث إليه بغلام من السبي"، وقيل لسعيد بن المسيب - رضي الله عنهما -: "إنَّ طارقًا يريد قتلك فتغيَّبْ، فقال: أبحيثُ لا يَقْدِرُ الله عليَّ؟ فقيل له: اجلس في بيتك، فقال: أسمعُ "حيَّ على الفلاح" فلا أجيب؟!)).



والمزني صاحبُ الشافعي له شأن عجيب مع صلاة الجماعة في المسجد، فقد روى أبو الوليد الدمشقي، قال: "كان المزني - رحمه الله - قد شدَّد على نفسه في حضور الجماعات، وكان يخرج إلى الصلاة كيف ما أمكنه وإن أصابته مَشَقَّة شديدة، وكان إذا فاتته الصلاة في الجماعة يُعيد خمسًا وعشرين صلاة، قال: وعاتب المزني يومًا بعض إخوانه، فقال له: كنتُ عليلاً فلم تعدني، فقال المزنيُّ: كنتُ ألقاك في المسجد، فأقتصر على ذلك ولم أعلم بعلّتك، فقال: يا هذا، متى رأيتني تخلَّفت عن الصلاة في الجماعة، فاشهد جنازتي".



وللسلف مع الصلاة في المساجد أحوالٌ عجيبة، وقصص فريدة، لا يَملك من يَقرؤها ويسمعها إلاَّ أن يستحي من الله - عزَّ وجلَّ - ويُعاهد نفسه على المحافظة عليها؛ قال نافع: كان ابن عمر إذا فاتته صلاةٌ في جماعة، صلى إلى الصَّلاة الأخرى، فإذا فاتته العصر، يُسبح إلى المغرب، ولقد فاتته صلاةُ عشاء الآخرة في جماعة، فصلى حتى طلع الفجر، ومنهم من يَبكي إذا فاتته الجماعة، كما قال محمد بن المبارك الصوري: رأيتُ سعيدَ بن عبدالعزيز التنوخي إذا فاتته الصلاة – يعني: في الجماعة - أخذ بلحيته وبكى، ومنهم مَن إذا فاتته في مسجده تتبَّع المساجد الأخرى حتى يُدركها.



عن الربيع بن أبي راشد قال: رأيتُ سعيدَ بن جبير جاءنا وقد صَلَّينا، فسمع مؤذنًا فخرج إليه، وقال النخعي: كان الأسود بن يزيد إذا فاتته الجماعةُ في مسجدِ قَومِه، علَّق النعلين بيديه، وتتبع المساجدَ حتى يصيب جماعة.



وعن حماد بن زيد قال: كان ليثُ بن أبي سليم إذا فاتته الصلاة في مسجدِ حيِّه، اكترى حمارًا، فطاف عليه المساجدَ؛ حتى يدرك الجماعة.



فما عُذْرُ مَن يتخلف عن الجماعة منَّا أمام الله - تعالى - وقد أغدقَ علينا النعم، وذلَّل لنا الطُّرق، ويسر سُبُل المواصلات، وأمَّننا من الخوف، وهيأ لنا كلَّ ما يُعيننا على بلوغ المساجد في وقت وجيز مهما بَعُدت مسافتها عن بيوتنا؟! فلنتقِ الله - تعالى - في أنفسنا، ولنحافظْ على هذه الشعيرة العظيمة في المساجد، كما أمر الله - تعالى - فإنَّ في ذلك شكرًا للنعم، ودفعًا للنقم؛ ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].



وصلوا وسلموا على نبيكم...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صلاة الجماعة (5)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: