اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  العقوبات الربانية (4)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100270
 العقوبات الربانية (4) Oooo14
 العقوبات الربانية (4) User_o10

 العقوبات الربانية (4) Empty
مُساهمةموضوع: العقوبات الربانية (4)    العقوبات الربانية (4) Emptyالأربعاء 8 مايو 2013 - 16:04

العقوبة بحاصب النار



الحمد لله القويِّ القهار، العزيزِ الجبار، لا يقفُ شيءٌ أمامَ قدرتِه، ولا ترُدُّ قوةٌ قدَرَه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، نحمدُه على ما خلَق وهَدى، ونشكرُه على ما أعطى وكفَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، يُري عبادَه مِن آياتِه ما يذكِّرُهم به، ويخوِّفهم عذابَه؛ ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اجتباه ربُّه واصطفاه، ومِن الخيرِ أعطاه، فأرسلَه للناسِ ﴿ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، صلى الله وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الدين.



أما بعدُ:

فيا أيها الناسُ، أُوصِي نفسي وإياكم بتقوى اللهِ - عز وجل - فإنه لا نجاةَ مِن عقوبات الدنيا وعذابِ الآخرة إلا برحمةِ الله - تعالى - بعباده، وعفوِه عنهم، وإحسانِه إليهم، وتوفيقِه إيَّاهم إلى ما يُرضيه، ومجانبةِ ما يُسخِطه، وكلُّ ذلك تَجمعُه التَّقوى، فكانت هي نجاةَ العبادِ أفرادًا وجماعاتٍ في الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].



أيها الناسُ:

لِلَّهِ - تعالى - مع عبادِه عاداتٌ لا تتغيَّر، وسننٌ لا تتبدَّلُ، قد مَضتْ هذه السننُ في المتقدمين، وقصَّها الله - تعالى - في كتابِه للمعتبرين؛ ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، وحين ناكفت قريشٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وكذَّبتْ دعوتَه، وعَذَّبتْ أتباعَه، حذَّرهم الله - تعالى - سننَه في السابقين؛ ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].



إن القرآنَ مليءٌ بالتحذير مِن مسالِك أهل العصيان، وبيانِ عاقبتهم، وتفصيلِ ما أصابَهم من عقوباتِ الدنيا، وعذابُ الآخرةِ أشدُّ وأبقى، ويَكفي العبادَ تذكيرًا يؤدِّي إلى الخوف والهلع حين يقرأ آياتِ الله - تعالى - في المعذَّبين؛ ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4]، ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 11]، ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد: 13]، ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ [الطلاق: 8].



أمِنوا كما نأمنُ، واستبعدوا العذابَ كما يستبعدُه كثيرٌ مِنا، وكان فيهم مَن ينشرون المنكراتِ في الناس، ويُجاهرون بعصيانِهم، ويحارِبون الناصحين منهم، ويزدادون عُتوًّا ونفورًا حتى أُهلكوا، وكلُّ ذلك واقعٌ في مجتمعات المسلمين اليومَ، ونجأرُ إلى الله - تعالى - ألاَّ يُهلِكَنا كما أَهلَك السابقين.



كان من أولئك المعذَّبين قومُ لوطٍ - عليه السلامُ - حكى الله - تعالى - قصتَهم في تسْعِ سورٍ من القرآنِ، ذكرَ الله - تعالى - فيها شِرْكَهم ومنكرَهمُ الذي أحدَثوه في البشَر: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 80 - 81]، فوصفهم الله - تعالى - بالإسراف؛ لأنهم أسرفوا على أنفسهم بالشِّرك، وأسرفوا عليها بالفواحش، وأسرفوا بإعلانها وإظهارها على الملأ؛ ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ [العنكبوت: 29]، وأجرموا في حق البشرية حين سَنُّوا فيهمُ اكْتفاءَ الرجال بالرجال، والعزوفَ عن النساء؛ ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165 - 166]، فوصفَهم ربُّنا - جل جلاله - بأنهم عادون؛ لأنهم تعدَّوا المشروعَ لهم إلى غير المشروع، وتركوا الحسَنَ وركِبوا القبيحَ، واستَبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ووصفَهم بالإجرام، جاء في قول الله - تعالى -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 84].



ولما سارتِ الملائكةُ إليهم بأمر الله - تعالى - ومَرُّوا بخليلِ الرحمن إبراهيمَ - عليه السلامُ - فأكرمَهم، سألهم عن وِجهتهم؛ ﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الحجر: 58 - 60].



لقد توعَّدَهم الله - تعالى - بعذابٍ يَصبُّه فوق رؤوسهم، ويُنْزله عليهم من سمائهم؛ ﴿ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [العنكبوت: 34]، فنالهم من العذاب أشدُّه، وأصابَهم من العقوبة أفظعُها وأنكاها؛ جزاءً لهم على كفرهم بالله - تعالى - وتكذيبِهم رسلَه، وتمرُّدِهم على شريعته، وانتكاسِ فطرتهم، وتلويثِ البشرية بأقبح الفواحش والمنكرات التي سَنُّوها فيهم.



انقلبوا على الفطرة السويَّة، فقلب الله - تعالى - ديارَهم عليهم، وجعل عاليَها سافلَها، وطهَّر الأرضَ مِن رجسهم وأوبئتهم بحجارة من نارٍ صُبَّتْ عليهم فأَحرقتْهم.



فيَا لِخَسارتِهم، ويا لِشدة ما حاقَ بهم من العذاب! حَكاه القرآنُ بأبلغ عبارة، وصوَّره بأوضح صورة، تنخلع قلوبُ من قرأ قصتَهم في القرآن فتدبرَها، يخشى أن يُصابَ بمثلِ مُصابهم.



صُبِّحوا بعذابهم، والناس يتفاءلون بصبْحِهم، وقومُ لوط كان صبحُهم شؤمًا عليهم، والصبحُ أجملُ وقتٍ عند الناس؛ لأنه منتهَى نومِهم، وتجديدُ نشاطِهم، وبدءُ أعمالهم، فانقلب أجملُ أوقاتِهم إلى أقبحِها، وتحوَّل أحسنُها إلى أسوئِها؛ ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 81 - 82]؛ أي: حجارةً من نارٍ متتابعةً لم تتوقفْ، حتى شوَتْ أجسادهم ونساءَهم وأطفالهم، وطمَرتْ بطمْيِها ورمادِها وحممِها ديارَهم، فلم يبقَ فيها حيٌّ ولا عمرانٌ.



هَلكوا في الصبح عن بَكْرةِ أبيهم بوعْدٍ مِن الله - تعالى - لِلُوطٍ - عليه السلامُ -: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 66]، فأشرقتْ شمسُهم بصفرتِها وجمالها، يُزامِنُها صيحةُ العذاب متبوعةً بانقلابِ الديار، والإمطارِ بالحجارة والنار؛ ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 73 - 75]؛ أي: آياتٍ للمعتبرين، للمتَّعظين، للمتذكِّرين؛ ليجانبوا أسباب العذاب، فلا يصيبَهم ما أصابَ السابقين؛ ﴿ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 38، 39].



ولا ينتفع بذِكرِ قصتهم إلا المؤمنون الذين قادَهم إيمانُهم إلى قراءة القرآن، وتدبُّرِه، والعملِ بما فيه، حين يقرأُ مَشاهدَ العذابِ الذي أصابهم، ويَنقل إليه أهلُ التاريخ والآثارِ خبرَ قُراهم التي ما عمرتْ بعدَهم، فغدَتْ أخبارُهم وآثارُهم آيةً للناس على مَرِّ الزمان؛ ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 35].



وكان أهلُ مكة يمرُّون بقرى قومِ لوط في أسفارهم للشام، فذكَّرهم الله - تعالى - بما رأوا مِن آثارِ عذابِهم: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 137، 138].



هذا؛ وحاصبُ النار، وإمطارُ الحجارة على الرؤوسِ قد أدرك قومٌ مِن هذه الأمَّةِ قومًا عُذِّبوا به، ورَأوا ما أصابَهم، وكان ذلك قبيل بعثةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأرَّختِ العربُ بهذا الحدَثِ؛ لِعِظَمِه وأهميته، وكان ميلادُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في عامِه؛ إذ أجمع أهلُ السِّيَر على أنه - صلى الله عليه وسلم - وُلد عامَ الفيل؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].



وهدَّد الله - تعالى - عُصاةَ هذه الأمةِ بالحاصب في موضعين من القرآن الكريم؛ أوَّلهما في سورة الإسراء: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 68]، والثاني في سورة الملك: ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 17].



ومن قرأ ختامَ قصةِ قوم لوط في سورة هودٍ، خافَ من العذاب بالحاصب؛ لأنَّ الله - تعالى - لَمْ يَخصَّ قومَ لوط بذلك؛ بل أوعد به مَن سار سيرتَهم في إشاعة الفواحش، وإعلان المنكرات، وبَقِيَ هذا التهديدُ ما بقي الزمانُ؛ ﴿ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 83]، قال قتادة - رحمه الله تعالى -: يعني ظالمي هذه الأمَّة، والله ما أجار منها ظالِمًا بعدُ.



نسأل الله - تعالى - العفوَ والعافية والمعافاة الدائمةَ، في الدينِ والدنيا والآخرة، اللهم إنا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنت كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ.



وأقول قولي هذا وأستغفر الله.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].



أيها الناسُ:

البراكين نوعٌ من الحاصب، وهي جُنودٌ مِن جُنْدِ الله - تعالى - تَثور بأمْره - سبحانه - وتُهلِكُ به مَن شاء بقدَره - عز وجل - فالبراكينُ بأصوات انفجاراتها المرعبة تَخلعُ قلوبَ القريبين منها، وتقذفُ حممًا وصخورًا عظيمةً مِن نارٍ، وتغمر بطمْيِها قُرًى كاملةً، تسير فيها أوديةٌ مِن نارٍ تَلظَّى، لا تُبقي على حيٍّ إلا أهلكتْه، ولا على زرعٍ إلا أتلفتْه، ولا على شيء إلا أحرقتْه، وأبخرتُها وغازاتُها تَخنق مَن أصابتْه بأمر الله تعالى.



وأشهرُ بركانٍ في التاريخ اكتُشفتْ آثارُه هو بركانُ فيزوف، الذي طَمر مدينةَ بومباي الإيطالية وما حولَها قبلَ مئاتِ السنين، وكانت مشهورةً آنذاك بإشاعةِ الفواحش، والإعلان بالمنكرات، وعُرفوا بالشذوذ، فأصابَهم ما أصابَ قومَ لوطٍ، ولا يَظلم ربُّك أحدًا، واكتَشف أهلُ الآثار أُسَرًا كاملةً في أوضاعٍ مختلفةٍ استحالتْ إلى حجارةٍ بسبب هذا البركانِ المخيف.



وفي عصرنا بَلغت الفواحشُ مَداها، ونُقلتْ أخبارُها ومقدِّماتُها، وتنوَّع الإغراءُ إلى فعلِها والمفاخرةِ بها عبرَ الإعلام الفاسد، وبلغت الجَرأةُ بأهل الفواحش والشذوذ ذكورًا وإناثًا: أنهم يُسجلون مغامراتِهم في الزنا والسحاقِ وعمَلِ قومِ لوطٍ في قَصصٍ ورواياتٍ، فيكرَّمون بسببِها، ويُمنحون عليها الجوائزَ!



فواعجبًا مِن أمةٍ تقرأ في القرآن عاقبةَ قومِ لوطٍ، وقد ذيَّلها الله - تعالى - بقوله: ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 83]، ثم يُشِيدون بمن يَنشُرون الفسوقَ والزنا والشذوذَ في الناس! فأين أهلُ العقولِ أين؟! ألا يخافون مِن وعيدِ الله - تعالى - للظالمين؟! ألا يخشَون أن يصيبَهم ما أصاب مَن كانوا قَبلهم؟!


وقد رأينا جنديًّا صغيرًا مِن جند الله - تعالى - تَحرَّك في أيسلندا، فشلَّ حركةَ الطيران في أوروبا، وأضرَّ باقتصادها واقتصاد المتعاملين معها، وأُلغيت آلافُ الرِّحْلاتِ الجويةِ لأجْل بخار البركان ودخانه فقط، فكيف لو سالتْ حممه في أرجاء أوروبا؟! وكيف لو قَذف حجارةً بحجم الجبالِ والبيوت والسيارات على رؤوسِ الناس؟! وقد وقعَ ذلك مِن قَبلُ.



دخانُ بركانٍ صغيرٍ شلَّ أوروبا، وقطع المسافرين إليها ومنها، وكبَّدها خسائرَ فادحةً، فأين مَن غرَّتْهم قوةُ الحضارة المعاصرة، فتعدَّوْا على جلال الله - تعالى - زاعمين أن القُوى العظمى تقف في وجه أيِّ كارثةٍ كونيةٍ؟! نعوذُ بالله - تعالى - مِن عبودية غيره، ومِن الجَرأة عليه، ومن الاستهانةِ بعذابه.



إنَّ البشرَ ضعافٌ مساكينُ مهما كانت قوتُهم وقدرتهم، وأيًّا كانت حضارتُهم وعمرانُهم؛ فهم لا يَستطيعون تعطيلَ أمرِ الله – تعالى - ولا دفْعَ عذابِه، ولا الهربَ منه، ولا يدْرون متى يُعذَّبون، ولا كيف يُؤخَذون، ولا ملجأَ لهم مِن الله - تعالى - إلا إليه؛ ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7، 8]، ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ [المعارج: 1 - 3].



فيا أهلَ الإيمان، توبوا إلى الله ربِّكم قبل أن يَحِلَّ بكم ما حلَّ بالأمم قبلَكم، وخُذوا العبرةَ مما وقع لغيركم، ولا تغترُّوا بما أنتم فيه مِن نعمة وأمْنٍ ورغَدِ عيشٍ؛ فإن الله - تعالى - غالبٌ على أمره، وعذابه قد يَبغت عبادَه؛ ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 53، 54].



وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العقوبات الربانية (4)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: