اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الدولة الصفوية (7)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100270
 الدولة الصفوية (7) Oooo14
 الدولة الصفوية (7) User_o10

 الدولة الصفوية (7) Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الصفوية (7)    الدولة الصفوية (7) Emptyالأحد 5 مايو 2013 - 15:23

الحمْدُ لله العليم الحَكيم؛ يَبْتلي عبادَه على قدْر دِينهم، فمَن قَوِيَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه؛ ليعظمَ أجْره، وتعلوَ منزلته، ومَن ضعُف دِينه كان ابتلاؤه على قدْره، نحمده في السرَّاء والضرَّاء، ونسأله الشكرَ في النعماء، والصَّبرَ على البلاء، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ ما أُوذي أحدٌ من الناس كما أُوذي، ولا صَبَر أحدٌ كصبره، هُدِّد نوح بالرجم، ورُجِم محمدٌ حتى أُدمي، وهاجَر إبراهيم مِن قومه، وأُخْرِج لوطٌ من قريته، وهاجَر محمَّد من مكةَ، وهي أحبُّ البلاد إليه، وقُتِل أصحاب موسى، وقُتِل أصحاب محمَّد، وطُورد عيسى لقتله، فَرَفَعه الله تعالى إليه، وتآمَر المشركون على قتْل محمد غيرَ مرَّةٍ فنجَّاه الله تعالى، وطُعِن على عيسى في أمِّه العذراء البتول، وطعن على محمد في زوجِه الصِّدِّيقة الطاهرة، وما مِن أذًى نال نبيًّا إلا ومثله أو نحوه أو أعظم مِنْه نال نبيَّنا محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - فصَبَر على كل ذلك؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى إخْوانه النبيِّين، وعلى أصحابِه وأتْباعه إلى يوم الدِّين.



أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظِّموا حُرماتِه، وقِفوا عندَ حدوده، وانتصروا لأنبيائه، وكونوا مِن أوليائه؛ ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 56].



أيُّها الناس:

الابتلاءُ سُنَّةُ الله تعالى في عباده؛ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 3].



والأنبياء هم أوْفرُ الناس حظًّا من البلاء؛ لأنَّهم أقوى الناس إيمانًا، وأرسخُهم يقينًا، وأمضاهم عزيمة، فَضُعِّفَ البلاء عليهم؛ كما قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مِن أَشَدِّ الناس بَلاَءً الأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم))؛ رواه أحمد.



ولما قيل له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما أشدَّ حُمَّاك يا رسولَ الله! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّا كذلك معْشَر الأنبياء، يُضاعَف علينا الوَجَع؛ ليضاعفَ لنا الأجْر))؛ رواه الحاكم وصحَّحه.



والبلاءُ المعنويُّ أشدُّ على النفوس مِن البلاء الجسدي؛ لأنَّه بلاءٌ يجلب الهمومَ والغموم، ويفتك بالقلوب، ويطرد النَّوْم، ويمنع الأكْل، ويشغل الفِكر، وربما قتَل صاحبَه.



والأجساد تتحمَّل عظيمَ الأذى والنَّصَب إذا كانتِ القلوب راضيةً مطمئنة، فلا شقاءَ إلا شقاءُ النَّفْس، ولا عذابَ إلا عذابُ القلب.



والطعْن في العِرْض هو أشدُّ شيء على النفْس البشرية؛ لأنَّ العِرْض هو شرَف الإنسان، وبتدنيسه تكون الوضاعةُ والمهانة، والتشهير والتعيير؛ ولذا فإنَّ الله تعالى قد ابْتلَى الرسلَ بكفر آبائهم كالخليل - عليه السلام - وبكُفْر أبنائهم كنوح - عليه السلام - وبكفر أزواجهم كنُوح ولوط - عليهما السلام - لكنَّه لم يَبْتَلِ أحدًا منهم بدناسة عِرْضه، وتلويث شَرَفه، وخيانة زوْجه في فراشه، حتى قيل: لم تزْنِ امرأةُ نبيٍّ قط؛ ذلك أنَّ كفر أحد مِن آل النبي ضررُه عليه، ولا يتعدَّى ضرره إلى النبي، وأمَّا خيانة النبي في فِراشه فضررُها واقعٌ على النبي، فحمَى الله تعالى رسلَه من وقوع ذلك؛ لئلاَّ ينقصَ قدرُهم، وتضعُف دعوتهم، ويستطيل الفَسَقةُ فيهم.



وما حكاه الله تعالى عن امرأتي نوح ولوط - عليهما السلام - من الخيانة في قوله سبحانه: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾} [التَّحريم: 10]، فليستْ خيانةَ العِرْض والشَّرَف، وإنَّما هي خيانةُ ممالأة الأعداء، وإطْلاعهم على أسرارِ الأنبياء، وكلمة المفسِّرين مجتمعةٌ على ذلك.



واليهودُ هم أوَّل مَن أحدث الطعْنَ في أعراض الأنبياء، حين رمَوْا مريم العذراء البتول بالزِّنا؛ كما حكَى الله تعالى ذلك عنهم بقوله سبحانه: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]، وهذا البُهتان الذي افترَوه هو المذكور في قوله - تعالى -: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾[مريم: 27 - 28]، فكانتِ المعجزة الربَّانية بكلامِ المسيح في المهد؛ ليبرِّئَ أمَّه العفيفة؛ ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آَتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 29 - 30]، فطائفةٌ من بني إسرائيل برَّأتْ مريم، وآمنتْ بالمسيح واتبعتْه، وطائفةٌ أخرى كفَرَتْ به، واتَّهمت أمَّه، ومِن هذه الطائفة شاؤول اليهودي الذي أظْهَر اعتناق النصرانية وتسمَّى ببولس، وأفْسَد دِينَ النصارى مِن داخله.



فلمَّا بَعَث الله تعالى محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأظْهَر دِينَه على الدِّين كلِّه، وانتشرتْ دعوته في الأرْض، عزَم عبدُالله بن سبأ اليهودي أن يكون هو بولس هذه الأمَّة بإفساد عقيدتها مِن داخلها، فحاول عزْلَ الصحابة عن نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأحْدَث الطعْن فيهم، وجرّأ الجهلةَ عليهم، وما ذاك إلا ليعزلَ نقلة الدِّين عن مبلغه؛ ليتسنَّى له تحريفُه كما حرَّف سلفُه دِينَ النصارى.



إنَّ النِّفاقَ في هذه الأمَّة وإن كان عقيدة ملخَّصها إظهارُ المنافق خلاف ما يبطن؛ فإنَّه في دوافعه على نوعين: نفاق مصالِح، وهو نِفاق ابن سلول ومَن معه، الذي نشأ بعد غزْوة بدر، ونِفاق عقائد، وهو نِفاق ابن سبأ ومَن تَبِعه، وهو الأخْطر؛ لأنَّ أصحابه مكتفون بعقائدهم عن سوادِ الأمَّة، ونشأ في خلافة عثمان - رضي الله عنه - وكِلاَ نوعي النِّفاق موجودٌ في الأمَّة منذ حدوثهما إلى يومِنا هذا، وتُمثِّل التيارات العلمانية في زمننا النفاقَ المصلحي الذي أحْدَثه ابنُ سلول، والمنتحِلون له يتغيَّرون ويتلوَّنون باختلافِ ميزان القُوَى بيْن أهل الإيمان وأعدائهم؛ لأنَّهم يكونون مع مصالِحهم الآنية.



كما تُمثِّل الطوائفُ الباطنية البِدعية النفاقَ الذي دافعُه عقدي، ولا يتزحزح أصحابُه عن معتقداتهم إلا بتَوْبة، وإلا فإنَّهم إنْ كانوا في حال ضعْف أخفوها، واستخدموا التَّقِيَّة التي هي تِسعةُ أعشار دِينهم، وإنِ استقووا أظهروها ودَعَوا إليها.



ولئن كان أربابُ النفاق المصلحي السلولي قد طَعَنوا في عِرْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حادثةِ الإفْك المشهورة؛ لينالوا منه، ويَصْرِفوا الناس عنه، ففضَحَهم الله تعالى في قرآنٍ يُتْلَى إلى يومنا هذا، وبرَّأَ الصِّدِّيقة الطاهرة من فوق سبع سموات - لئن فَعَل ذلك أربابُ النفاق المصلحي السلولي، فإنَّ كثيرًا من أرباب النِّفاق العقدي السبئي ما زالوا يَطْعنون في عِرْض النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - باتِّهام عائشة - رضي الله عنها - وفِعْلُهم أشدُّ خطرًا مِن فعْل ابن سلول وأتباعه؛ لكثرةِ أتباعهم؛ ولأنَّ فعل ابن سلول قد فضَحَه القرآن، فانتهتْ فِرْيتُه بذلك.



إنَّ الرافضة ومَن وافقهم قد مهدوا الطريق للطعْن في عِرْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإجراءات فِكريَّة وعِلميَّة متعدِّدة:

فهم قد أخْرجوا أمَّهات المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - مِن آل بيْت محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن عِتْرته؛ ليتسنَّى لهم سبُّهنَّ وشتمهنَّ وقذفهنَّ، ثم اخترَعوا أقذعَ الألفاظ، وأحطَّ القصص وأشدَّها تنفيرًا، فألْصقوها بأمهات المؤمنين؛ ليتربَّى أطفالُهم عليها، وتمتلئ قلوبُهم بالضغينة والبغضاء عليهنَّ - رضي الله عنهنَّ.



وإذا قدح في أذهان أتباعِهم تساؤلاتٌ مِن مثل: إذا كنَّ بهذا السوء فكيف رَضِيهنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أزواجًا له؟! وكيف أقرَّه الله تعالى على ذلك، وما كان الله تعالى ليختارَ لنبيِّه إلا خيرَ النساء؟! كانت كُتُبهم ورواياتهم وافتراءاتهم قد عالجتْ هذه القضية، تارةً بادِّعاء أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد طلَّق نساءَه كلهنَّ قبل وفاته، أو جعَل أمرَهنَّ إلى علي - رضي الله عنه - فطلقهنَّ، وتارةً بزعْم أنهنَّ مجرَّد سرايا وإماء تسرَّى بِهنَّ ولسن زوجاتٍ له، ويختلقون من الرِّوايات ما يؤيِّد كَذِبَهم.



إنهم قد مهدوا الطريقَ لثلبهنَّ، والحطِّ عليهنَّ، وربَّوْا أتباعهم على ذلك، ولا سيَّما عائشة - رضي الله عنها - التي كفَّروها، واستحلُّوا لعْنَها، وادعوا أنَّها تَكذِب على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخصُّوها ببابٍ من أبواب النار؛ فلا عجبَ حينئذٍ أن يظهرَ فيهم مَن يقذفها في عِرْضها، ويدَّعي أنَّ قائمهم المنتظر بعد عودته سيُحييها ويُقيم الحدَّ عليها، ولهم في ذلك رواياتٌ تنضح بالقذارة والخِسَّة والحقارة، وأفْرَدوا كتبًا للطعْن في عِرْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامَلَهم الله تعالى بما يستحقُّون.



وزعَموا أنَّ ذلك وقَع منها بعدَ وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليفرُّوا من تكذيب القرآن لأهْل الإفك، فكانوا أشدَّ خبثًا من أهل الإفْك الأول، وأمضى أثرًا في أتباعهم، ورضِي الله تعالى عن عائشةَ وأرْضَاها إذ ابتليت بإفْكَيْن، وطُعنت في شرَفِها من كلا الطائفتين المنافقتين: طائفة ابن سلول، وطائفة ابن سبأ.



وواللهِ ما قدَّر الله تعالى ذلك عليها إلا رفعةً لدرجاتها، وعُلُوًّا لمنزلتها؛ لمكانتِها من النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولمنزلتها في الإسلام، فهي أحفظُ نِساء هذه الأمَّة، وأعلمهنَّ وأفقههنَّ، فجَمَع الله تعالى لها الفِقهَ والحِفظَ، ومحبَّة أفضل الخلْق، فلا يواليها إلا مَن يحبُّ اللهَ ورسولَه، ولا يُعاديها إلا مَن يُبغِض اللهَ ورسولَه؛ ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19] بارَك الله لي ولكم.


الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مبارَكًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرْضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهُداهم إلى يومِ الدِّين.



أما بعد:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].



أيُّها المسلِمون:

هذه الابتلاءاتُ العظيمة التي تُحيط بأهْلِ الإيمان في هذا الزَّمن، مِن أذية الكفَّار والمنافقين لهم في ربِّهم - جلَّ جلاله - وفي نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي صحْبه الكِرام - رضي الله عنهم - وفي أمَّهاتِ المؤمنين - رضي الله عنهن - وفي كتابِهم المنزل، وفي دِينهم الذي ارْتضاه الله تعالى لهم، وفي شعائرِهم التي أُمِروا بِإِظْهارها - كل هذه الابتلاءات فيها مِن الخيرِ ما لا يَعْلمه إلا اللهُ تعالى؛ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].



لقد كان فيها مِن الخيرِ كَشْفُ حقيقة المنافقين الذين اغترَّ بهم الجَهَلةُ والرعاع من المسلمين، سواء أهْل النفاق السبئي الذين أحْدَثوا هذه الفِرْية، وآذوا المؤمنين بها، أم أهْل النِّفاق السلولي الذين كانوا في مواقِفهم مع إخوانهم أهْل النِّفاق السبئي رغمَ أنَّهم لا يَدينون بدِينهم، ولا يتمذهَبون بمذهبهم، ولكنَّهم مع المصلحة حيثُ كانت، فلمَّا كانتْ مصلحتهم في ضرْب التيار الأثري، الذي يُسمُّونه الوهَّابي، وقَفُوا مع أهل النِّفاق السبئي لأجْل ذلك.



كما أظهرتْ هذه الحادثةُ حقيقةَ مَن يدَّعون ولاية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وولاية أصحابه وأزواجه مِن المتصوِّفة، الذين لم تكنْ لهم مواقف في نُصْرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا أيام الرسوم الساخِرة به - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أيام الطَّعْن في عِرْضه الشريف - صلَّى الله عليه وسلَّم - مما يدلُّ على أنَّ ادعاءَهم تولِّيه لا تُصدِّقه أفعالُهم، ولا يدلُّ عليه سلوكُهم؛ إذ حصروه في الموالدِ والاحتفالات البِدعية التي يتأكَّلون بها، فلمَّا طُعِن فيه وفي عِرْضه الشريف تخلَّوْا عنه، فهم يُريدونه في السرَّاء ولا يريدونه في الضرَّاء، يُريدونه حالَ التأكُّل به، ولا يُريدون تحمُّلَ تَبِعات الدِّفاع عنه، فكانوا مؤمنين به على حرْف.



وظَهَر مَن يتولاَّه حقيقةً مِن أهل سُنَّته، وأتباع أثره، الذين ما رأوا عِرْضَه الشريف يُنال منه إلا انْتَفضوا منكِرين بما يستطيعون مِن إنكار، ومَن أراد معرفة حقيقة ذلك فليستعرض المواقِع الإلكترونيَّة للصوفيَّة والليبراليَّة، ويُقارنها في الدِّفاع عن عِرْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالمواقع التي يُسمُّونها وهابيَّة.



وأظهرتْ هذه الحادثة حقيقةَ عبَّاد الصليب حين كانوا - وما يزالون - يُؤوون الطاعنين في الإسلام، ويُظهِرون أمرَهم، ويَرفعون شأنَهم، ويُؤيِّدونهم ماديًّا ومعنويًّا تحت شعارات حريَّة الرأي، وحريَّة الدِّين، في الوقت الذي لم تشفعْ فيه هذه المفردات الخادِعة لِمَن يُبيِّن حقيقةَ الصهاينة، أو يُشكِّك في المحارقِ النازية، أو يُقلِّل من أعداد ضحاياها، وقد أخَذَ بذلك مؤرِّخون وأكاديميُّون وكُتَّاب غربيُّون، وسُجِنوا وغُرِّموا، مما يُثبت أنَّ الحضارة الغربية المعاصِرة - وإن بدتْ قوية - فهي أسيرةٌ لرجال الأعمال والمال والإعلام اليهودي، وأنَّ الليبراليِّين العَرَب أُسَراء لهذه الحضارة المأْسُورة، كما أنَّ أهل الفِرَق الباطنية مأسورون لأئمَّتهم المبتدعة، ولا أحرار حقًّا إلاَّ أهل التوحيد الخالِص، الذين عَبَّدوا أنفسَهم لله تعالى، ولم يُعبِّدوها لأحد منَ البَشر مهما كان، وهَبُّوا لنصرة نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - والدِّفاع عن عِرْضه الشريف، وقد أجْمَع أهلُ الباطل على حرْبهم، ولن يضرُّوهم إلا أذًى؛ ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ ﴾ [الصَّفات: 171-173]، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، ﴿ كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].



وصَلُّوا وسَلِّموا على نبيِّكم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدولة الصفوية (7)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: