ما حكم قول كلمة ( مولانا ) لاخ لك فى الله ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وبعد،
فقد اشتهر عند كثير من المسلمين ـ وخاصة في مصر ـ إطلاق كلمة ( مولانا ) على أهل العلم والفضل وأحيانا على غيرهم،
قال تعالى : (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (البقرة286) ( أنت مولانا ) : أي أنت ولينا وناصرنا ، وعليك توكلنا ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . تفسير ابن كثير ص (221).
وقال تعالى : (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (آل عمران150) . قال ابن كثير في تفسيره ص (162) : " ثم أمرهم بطاعته ومولاته والاستعانة به والتوكل عليه ، فقال : (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) (آل عمران150) .
وقال تعالى
وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (الأنفال40) مولاكم ، سيدكم وناصركم على أعدائكم ، فنعم المولى ونعم النصير . تفسير ابن كثير ص ( 572 )
ومثال ذلك كثير:
أخرج البخاري في صحيحه (3737) في كتاب المغازي ـ باب غزوة أحد :
عَنْ الْبَرَاءِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وفيه " قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : "أَجِيبُوهُ " ، قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ : " قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " . الحديث .
ومن تأمل في كتب اللغة وجد أن لفظة المولى لها معان كثيرة منها :
1ـ السيد ، والناصر على الأعداء .
2 ـ طاعة الله وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه .
3 ـ الحافظ والناصر والمظفر على الأعداء .
وهذا جاء الوصف به لله تعالى .
فالمولي ، والولي أسم من أسماء الله تعالى ، ذكره الشيخ العلامة ابن عثيمين في القواعد المثلى ص (40) . يشمل تلك المعاني السابقة .
4 ـ الوثن . كما ذكر مجاهد في قوله تعالى : (يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (الحج13) .
5 ـ المولى بمعنى العصبة ومنه قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً ) (مريم 5)
6 ـ القريب . ومنه قوله تعالى
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ).
7 ـ المولى بمعنى الحليف : وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك .
8 ـ المولى بمعنى : المعتق انتسب بنسبك ولهذا قيل للمعتقين : الموالي .
9 ـ المولى الذي يلي عليك أمرك .
10 ـ المولى: المعتق لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك نصره وترث ماله إن مات ولا وارث له . وهناك معان أخرى .
شبهة :
قد يقول قائل: ولكن لم يرد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ أنهم كانوا يستعملون هذا اللفظ واستعمال لفظة أو عبارة ( مولانا ) على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أو على أهل العلم ، لا أظن أنها استعملت إلا في العصور المتأخرة ، وبالأخص يكثر استعمالها في الشيعة عند تسمية أئمتهم . وكذا الصوفية عند ذكر أوليائهم أو شيوخهم .
لقلنا له : وكذا فإن الكريم والعزيز من أسماء الله سبحانه ولأوردنا أدلة على ذلك من الكتاب والسنة ثم قلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقول الأخ الكريم أبو بكر أو الأخ العزيز عمر ، فهذا مصطلح المتأخرين ويستعمله الرافضة والصوفية ونأتي بأمثلة من كتبهم ! فكما لا يصلح هذا دليلا لمنع إطلاق الكريم أو العزيز على عالم أو فاضل ، فلا يصلح ما تفضلتم بإيراده من نصوص لمنع إطلاق مولانا على العالم والفاضل ، الذي يظهر أنه لا حرج في استعمال المولى في نعت عالم أو فاضل
إذ أن كلمة " مولى " لها معان متعددة ، ومن إطلاقاتها ما يجوز في حق غير الله سبحانه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه " وقال الله سبحانه : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ،
وإطلاق مولانا على العالم ليس حكرا على صوفية أو رافضة وإن كان تركها أولى
و يذكر أنه لما اعترض بعض المخالفين للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى على الشيخ بأنه ينكر هذه العبارة أجاب الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في " الضياء الشارق " بما يلي :
(وأما مسألة قول القائل: مولانا وسيدنا. فالشيخ لا يمنع من قال ذلك على الوجه الذي يعرفه الناس من لفظ السيد الشريف، والفاضل الكريم، والحليم ومتحمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم، وكذلك لفظ: المولى بالمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والخال وابن العم والحليف، إلى غير ذلك، وإنما نهى ومنع عن إطلاق لفظ السيد والمولى فيمن يعتقدون فيه نوعاً من الربوبية أو الألوهية كمن يقول: يا سيدي أو يا مولاي فلان أغثني أو أدركني أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذا، فمن قال هذا بهذا المعنى فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبد، ولا يدعى معه إله آخر.)
وفي رسائل الشيخ المفتي العلاّمة محمد بن إبراهيم رحمه الله مخاطَبات موجّهة إليه من قبَل بعض العلماء تتضمّن هذا الوصف فكان الشيخ يجيب عن سؤالاتهم دون أن يعترض على العبارة مع أنه معروف بالتدقيق في الألفاظ والتحرّي في العبارات ...
وقد ورد إيجاز حكم ذلك في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالي:
قال: "لا حرج في ذلك؛ لأن المولى كلمة مشتركة تطلق على الله سبحانه وتعالى، والسيد المالك، وتطلق على القريب يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا يعني قريب عن قريب، وتطلق على العتيق يقال له مولى، والمعتق يقال له مولى، فهي كلمة مشتركة، لكن الأولى والأفضل ِأن لا تطلق على الناس بمعنى الرئاسة بمعنى الكبير ونحو ذلك؛ لأنه جاء في حديث رواه مسلم في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تقل مولاي فإن مولاكم الله) وجاء في حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعبد: (وليقل سيدي ومولاي) فأخذ منه العلماء أنه يجوز إطلاق لفظ المولى على السيد أو المالك، ويلحق به السلطان والأمير وشيخ القبيلة ونحو ذلك؛ لأنهم لهم رئاسة ولهم سيادة، ولكن ترك ذلك معهم أولى وأفضل إلا في حق السيد المالك فقط للحديث الذي ورد في ذلك، (وليقل سيدي ومولاي)،
وبكل حال فالأمر فيه واسع إن شاء الله لأجل جوازه في حق السيد المالك، فيلحق به ما كان مثله في المعنى كالسلطان والأمير وشيخ القبيلة، والوالد ونحو ذلك، ولكن تركه في حقهم أولى، فيقال أيها السلطان أيها الأمير يا فلان يا فلان يكون هذا أولى، عملاً بالحديث الذي فيه النهي من باب الحيطة؛ لأنه لما جاء فيه النهي فيكون الحيطة ترك ذلك
والله تعالى أعلم .