اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أبو بكر الصديق رضي الله عنه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 أبو بكر الصديق رضي الله عنه Oooo14
 أبو بكر الصديق رضي الله عنه User_o10

 أبو بكر الصديق رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: أبو بكر الصديق رضي الله عنه    أبو بكر الصديق رضي الله عنه Emptyالجمعة 3 مايو 2013 - 4:04

أيها الإخوة:

التاريخ هو الكَنز الذي يحفظ مُدَّخرات الأمة في الفكر والثقافة، والعلم والتجربة، وهو الذي يمدُّها - بإذن الله - بالحِكَم التي تحتاجها في مسيرة الزمن وتقلُّب الأحداث.



والأمة التي لا تُحسِن فقه تاريخها، ولا تحفظ حقَّ رجالها، أمة ضعيفة هزيلة، ضالة عن حقائق سُنن الله، مُضَيِّعة لمعالِم طريقها.



من هنا فقد قصَّ الله علينا القَصص في كتابه الكريم: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[يوسف: 111].



وتاريخ الإسلام ليس مجرَّد أحداث مُدَوَّنة، ووقائع مسجَّلة، ولكنَّه عقيدة الأمة ودينها، ومقياسها وميزانها، وعِظَتها واعتبارها.



عباد الله، نقف اليوم مع رجل عظيم، جليل القَدْر، رفيع المنزلة، كان اسمه عبدالله، وحقًّا فقد كان عبدًا لله، عبَدَه حقَّ عبادته، وجاهَد فيه حقَّ جهاده، أنفَقَ في سبيله مالَه كلَّه، ونافَحَ عن دينه، ونصَر رسوله وصدَّقَه وآمَن به، وجَهِل فضلَه كثيرٌ من الناس، وبخسوه حقَّه، بل حتى الخُطباء، والوعَّاظ، والكُتَّاب، كثيرًا ما يتجاهلونه؛ ربما لأنه كان عظيمًا بجوار عظيم، كبيرًا بجوار كبير، رؤوفًا بجوار رؤوف، فطغتْ عَظَمة الأول وقَدْره ومنزلته على عظمته ومنزلته، بل وفتح الله له بابًا عظيمًا من أبواب الأجر والمثوبة، عندما صِرْنا نسمع مَن ينال منه، ويُشَكِّك في صحة ولايته، بل ويتَّهمه في دينه وعِرْضه، إنه عبدالله بن عثمان بن عامر، أتعرفونه؟! إنه صاحبُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل أعظم الصحابة، وأفضلهم وأحبُّهم إلى الحبيب المصطفى، إنه ثاني اثنين إذ هما في الغار، إنه الرجل الذي وُزِن إيمانه بإيمان الأُمة، إنه أوَّل الخلفاء الراشدين، وأوَّل العَشَرة المبَشَّرين، وأوَّل مَن آمَنَ من الرجال، عبدالله بن عثمان بن عامر القُرَشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قُحافة، خليفة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ولادته:

بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، وصَحِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل البعثة، وسبَقَ إلى الإيمان به، فكان أول الرجال إسلامًا، واستمرَّ معه مُدة إقامته بمكة، ورافَقَه في الهجرة وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يومَ "تبوك"، وحجَّ بالناس في حياة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سنة تسعٍ، واستقرَّ خليفةً في الأرض بعدَه، ولقَّبه المسلمون بـ"خليفة رسول الله"، وقد أدرَكَ أبوه أبو قحافة الإسلامَ فأسلمَ، وغلَبَ عليه لقب: "عتيق".



أما صفته الخلقية:

فقد كان أبيضَ، نحيفًا، خفيفَ العارضين، لا يستمسك إزاره على حِقْويه؛ لشدة نحافته، معروق الوجْه؛ أي: قليل لحمِ الوجْه، غائر العَيْنين، ناتِئ الجبهة، يخضب بالحِنَّاء والكَتَم.



وكان أعلمَ قريش بأنسابها، وكان تاجرًا معروفًا بالتجارة، ذا خُلق وفضْلٍ، وكانوا يألفونه لعِلْمه وتجاربه، وحُسْن مُجالسته.



وأخرَج أبو داود في الزهد بسندٍ صحيح عن عُروة، قال: أسلَمَ أبو بكر وله أربعون ألف درهم، قال عُروة: وأخبرتْني عائشة أنه مات وما ترَك دينارًا ولا درهمًا، أنفقَها كلَّها في سبيل الله.



• وكان يعول المسلمين، ويُعتق الرقاب من ماله؛ فقد أعتَقَ سبعة كلهم كان يعذَّب في الله، أعتَق بلالاً وعامر بن فُهيرة، وزنيرة والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل وأم عبيس؛ ولهذا قال المفسرون أنَّ فيه نزَل قول الله: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17 - 18].



وجعَلَ يدعو إلى الإسلام مَن وثِقَ به، فأسلمَ على يديه خمسة من العشرة المبَشَّرين بالجنة: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبدالرحمن بن عوف.



• ومن طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى، قال: لا أحصي كم سمعتُ عليًّا يقول على المنبر: "إن الله - عز وجل - سمَّى أبا بكر على لسان نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - صِدِّيقًا".



مناقبه:

من أعظم مناقبه قول الله - تعالى -: ﴿ إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].



فإن المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاعٍ.



• وثبَتَ في الصحيحين من حديث أنس أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لأبي بكر وهما في الغار: ((ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما))، والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة، ولَم يُشركه في هذه المَنْقبة غيرُه.



حبُّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - له وشهادته له بالإيمان:

• عن عمرو بن العاص أنه قال لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، قلتُ: من الرجال؟ قال: ((أبوها))، قلت: ثم مَن؟ قال: ((عمر))، فعدَّ رجالاً".



وعائشة هي بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - فكان صِهْر النبي - عليه الصلاة والسلام .



• وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((بينما راعٍ في غنمه، عدا عليه الذئب، فأخَذَ منها شاةً، فطلَبَه الراعي، فالتفتَ إليه الذئب، فقال: مَن لها يوم السَّبُع، يوم ليس لها راعٍ غيري، وبينما رجلٌ يسوق بقرة قد حمَلَ عليها، فالتفتَتْ إليه فكلَّمتْه، فقالتْ: إني لَم أُخْلَق لهذا، ولكني خُلِقتُ للحَرْثِ))، قال الناس: سبحان الله، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإني أؤمنُ بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما)).



هو في الجنة:

• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن تَبِع منكم اليوم جَنَازة؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعَمَ منكم اليوم مسكينًا))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عاد منكم اليوم مريضًا))، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجتمَعْنَ في امرئ، إلاَّ دخَلَ الجنة)).



أجَل، إنه في الجنة، بشهادة الصادق المصدوق.



• عن عبدالرحمن بن عوف أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح في الجنة))؛ صحيح الجامع.



بل ثبَتَ أنه سيُدْعَى يومَ القيامة من كلِّ أبواب الجنة:

• عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن أنفَقَ زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله، دُعِي من أبواب - يعني الجنة - يا عبد الله هذا خير، فمَن كان من أهل الصلاة، دُعِي من باب الصلاة، ومَن كان من أهل الجهاد، دُعِي من باب الجهاد، ومَن كان من أهل الصَّدَقة، دُعِي من باب الصدقة، ومَن كان من أهل الصيام، دُعِي من باب الصيام وباب الرَّيان))، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يُدْعَى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يُدْعَى منها كلها أحدٌ يا رسول الله؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكونَ منهم يا أبا بكر)).



إنه الصديق، فهو أوَّل مَن صدَّق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمَّاه: صِدِّيقًا، وكان ابتداء ذلك صبيحة الإسراء.



• وعن أبي الدرداء يقول: كانتْ بين أبي بكر وعمر مُحاوَرة، فأغضبَ أبو بكر عمرَ، فانصرَف عنه عمر مُغضبًا، فاتَّبعه أبو بكر يسأله أنْ يستغفرَ له، فلم يفعل، حتى أغلقَ بابه في وجْهه، فأقبَل أبو بكر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمَّا صاحبكم هذا، فقد غامَرَ - دخَل في غَمْرة الخصومة))، قال: ونَدِم عمر على ما كان منه، فأقبَل حتى سلَّم وجلَس إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقصَّ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الخبرَ، قال أبو الدرداء: وغضِبَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجعَل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنتُ أظلم، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلتُ: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتُم: كَذَبْتَ، وقال أبو بكر: صَدَقْتَ)).



• وروى البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حدَّثَهم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صعِدَ أُحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجَفَ بهم، فقال: ((اثْبُت أُحُد؛ فإنما عليك نبيٌّ وصِدِّيق وشهيدان)).



رجاحة عقله:

ولقد كان رجلاً حصيفًا عاقلاً، أكثر الناس فَهمًا وإدراكًا لمُراد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



فعن أبي سعيد الخدري قال: خطَبَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عند الله))، فبَكَى أبو بكر - رضي الله عنه - فقلتُ في نفسي: ما يُبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عند الله، فكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو العبد، وكان أبو بكر أعلَمَنا، قال: ((يا أبا بكر لا تبكِ؛ إنَّ أمَنَّ الناس عليّ في صُحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ مُتخِذًا خليلاً من أُمتي، لاتخَذتُ أبا بكر، ولكن أخوَّة الإسلام ومودَّته، لا يَبْقَيَنَّ في المسجد بابٌ إلاَّ سُدَّ، إلاَّ بابُ أبي بكر)).



وأشار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أفضليَّته وأولويَّته بخلافته بعِدَّة مواقف:

• فعن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: لَمَّا مرِضَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرضَه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مُروا أبا بكر فليصلِّ))، قلتُ: إنَّ أبا بكر رجلٌ أسِيفٌ، إن يقمْ مقامَك، يَبكي، فلا يقدِرُ على القراءة، فقال: ((مُروا أبا بكر فليُصلِّ))، فقلتُ: مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: ((إنكنَّ صواحب يوسف، مُروا أبا بكر))، قال إبراهيم النخعي: "كان يُسمَّى الأوَّاه؛ لرأْفَته".



وقد خَلَفه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجعَلَه أميرًا على الناس في الحج سنة تسع من الهجرة، وكلُّ هذا إشارة إلى أنه الخليفة من بعده، ولو كان هناك أحدٌ يستحقُّ الخلافة بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سوى أبي بكر، لخَلَفه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصلاة والحج.



وفَهِم من كل هذا المسلمون اختيارَه للخلافة؛ عن ابن عمر قال: "كنا نتحدَّث على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنَّ خيرَ هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر وعمر وعثمان، فيبلغ ذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يُنكره علينا"، صحيح؛ "ظلال الجنة".



• وعن جُبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأمَرَها أن ترجِع إليه، قالتْ: أرأيت إن جئت ولَم أجِدْك، كأنها تقول: الموت، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ لَم تجديني، فأْتي أبا بكر)).



• وعن عائشة قالتْ قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مرضه: ((ادْعِي لي أبا بكر وأخاك؛ حتى أكتبَ كتابًا، فإني أخافُ أن يتمنَّى مُتمنٍّ، ويقول قائل: أنا أوْلَى، ويأبى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر)).



لذلك فقد جَمَع اللهُ المؤمنين عليه بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة خليفةً للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ألاَ فليسمعْ هذا أهلُ الفِتن، الذين يبحثون عنها، ويوقدون أُوارَها، ولو من وراء قرون من الزمان.



عند وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

• عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مات وأبو بكر بالسُّنح، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالتْ: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلاَّ ذاك، وليبعثنَّه الله، فليقطعَنَّ أيدي رجال وأرْجلهم، فجاء أبو بكر، فكشَفَ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقبَّله، قال: بأبي أنت وأمي، طِبْتَ حيًّا ومَيِّتًا، والذي نفسي بيده لا يُذيقك الله الموتَتَيْن أبدًا، ثم خرَج، فقال: أيها الحالف على رِسْلك، فلمَّا تكلَّم أبو بكر، جلَسَ عمر، فحَمِد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألاَ مَن كان يعبد محمدًا، فإنَّ محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، وقال: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، قال: فنَشَجَ الناس يبكون.



مواقفه بعد الوفاة:

1- بدَأَ ولايته - رضي الله عنه - بإنفاذ بعْثِ أسامة بن زيد امتثالاً لأمْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



2- وحصلتْ في أيامه أخطر الفِتن التي استطاع بحِكمته وشجاعته أن يقضي عليها في مَهْدها، إنها رِدَّة كثير من العرب الذين امتنعوا عن أداء الزكاة، وقالوا: إنْ هي إلاَّ أخت الجِزْية.



• عن أبي هريرة قال: "لَمَّا توفِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستُخْلِفَ أبو بكر بعدَه، وكفَر مَن كفَر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُمِرتُ أن أقاتِلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمَن قال: لا إله إلا الله، عَصَم منِّي مالَه ونفسَه، إلاَّ بحقِّه وحسابه على الله))، فقال: والله لأُقاتِلَنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقاتلتُهم على منْعه، فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيتُ الله قد شرَح صدْر أبي بكر للقتال، فعرَفْتُ أنه الحقُّ".



قال علي بن المديني - إمام الجرح والتعديل -: "أعزَّ الله الدين بأبي بكر يوم الرِّدَّة، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنة".



3- جَمْعه للقرآن:

• عن زيد بن ثابت، قال: "بعَث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتْل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بقُرَّاء القرآن في المواطن كلِّها، فيذهب قرآنٌ كثير، وإني أرى أن تأمُرَ بجمْع القرآن، قلتُ: كيف أفعل شيئًا لَم يفعلْه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال عمر: هو والله خيرٌ، فلم يَزَلْ عمر يراجعني في ذلك، حتى شرَح الله صدري للذي شرَح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: وإنك رجلٌ شاب عاقل، لا نتَّهِمك، قد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتتبَّع القرآن فاجْمَعْه، قال زيد: فوالله لو كلَّفني نقْلَ جبلٍ من الجبال، ما كان بأثقل عليّ مما كلَّفني من جمْع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لَم يفعلْه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال أبو بكر: هو والله خيرٌ، فلم يزلْ يحثُّ مراجعتي، حتى شرَح الله صدري للذي شرَح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأَيَا، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعُه من العُسُب والرِّقَاع واللِّخَاف، وصدور الرجال".



عن أسيد بن صفوان - رضي الله عنه - قال: "لَمَّا توفِّي أبو بكر الصديق، ارتَجَّت المدينة بالبكاء، ودهِشَ الناس كيوم قَبْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



• وفاته يوم الاثنين في جمادى الأُولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين، كانتْ خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر، واثنين وعشرين يومًا.



والحديث يطول في مسيرة لا ينقضي منها العجب، فهل تَعي الأمة - في أعقاب الزمن، وفي مواضع الفِتن - المجيدَ من تاريخها؟ أم هل يَعي شبابُها أن رُوح التاريخ يكمن في سَيْر الرجال الأفذاذ أمثال أبي بكر وعمر؟ ولكن ما الحِيلة إذا كان الرجال لا يُقَدِّرون الرجال، بل ينالون منهم؟ قال - تعالى -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29].



قال مالك: "مَن أصبَح من الناس في قلبه غيْظٌ على أحدٍ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أصابتْه هذه الآية".



أجَل، إنَّ سبَّ الصحابة والنَّيْل منهم، ليس له غرضٌ إلا الطعْن في الدين والتشكيك في القرآن، وذلك أنَّ الذي نقَل لنا الدين كلَّه هم أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم الذين ارتضاهم الله لنبيِّه، وأثْنَى عليهم في كتابه، فقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].



فهؤلاء هم أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم


أَعْطَوْا ضَرِيبَتَهُمْ للدِّينِ مِنْ دَمِهِمْ
وَالنَّاسُ تَزْعُمُ نَصْرَ الدِّينِ مَجَّانَا
أَعْطَوْا ضَرِيبَتَهُمْ صَبْرًا عَلَى مِحَنٍ
صَاغَتْ بِلاَلاً وَعَمَّارًا وَسَلْمَانَا
عَاشُوا عَلَى الْحُبِّ أَفْوَاهًا وَأَفْئِدَةً
بَاتُوا عَلَى الْبُؤْسِ وَالنَّعْمَاءِ إِخْوَانَا
اللَّيْلُ يَعْرِفُهُمْ يَبْكُونَ فِي وَجَلٍ
وَالْحَرْبُ تَعْرِفُهُمْ فِي الْخَطْبِ فُرْسَانَا
وَاللهُ يَعْرِفُهُمْ أَنْصَارَ دَعْوَتِهِ
وَالنَّاسُ تَعْرِفُهُمْ لِلْحَقِّ أَعْوَانَا



أسأل الله أن يَحشرَنا معهم ومع إمامهم، خاتم النبيين محمدٍ - عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: