اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  في مدرسة النمل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
 في مدرسة النمل Oooo14
 في مدرسة النمل User_o10

 في مدرسة النمل Empty
مُساهمةموضوع: في مدرسة النمل    في مدرسة النمل Emptyالخميس 2 مايو 2013 - 13:08

في مدرسة النمل

أما بعد: فإن الوصية المبذولة لي ولكم هي تقوى الله سبحانه، فهي عدة الصابرين، وذخيرة المجاهدين، وسلوان المصابين، ما خاب من اكتسى بها، ولا خسر من اكتنفها، بها النجاة في الأولى، والفوز في الأخرى، لا يسألكم الله رزقاً، هو يرزقكم، والعاقبة للتقوى.



أيها الناس: إن سياحة المرء بعقله، وتدبره بفكره، في الآيات القرآنية، ونصوص السنة النبوية، تورث العبد علماً جماً، وفوائد شتى، بما كان وما سيكون، ناهيك عن آيات الكون الناطقة لله تعالى بالوحدانية.


وفي كل شيءٍ له آيةٌ
تدل على أنه الواحد



من هنا كانت نصوص الشرع تأتي في غير ما موضع، تَنُصُّ وتَحُثُّ على التفكر والتأمل، مفصحة عن جليل الفوائد في ذلك، لأولي العقول والبصائر والألباب، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:190] وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:164] وإن عبادة التفكر معطلةٌ عند جمع ليس بالقليل من بني الإسلام.



ولنتعرض لذكر شيءٍ من النصوص التي توضح بجلاء أن ثمة مخلوقات في الكون، هي دون الإنسان في المنزلة، ودونه فيما كرمه الله به وحباه من مكانةٍ عَليَّةٍ، ولكنها أطوع لله، وأهدى من كثير من بني آدم، ممن استنكفوا عن طاعة الله ﴿ أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج:18] فدل على أن أكثر بني آدم عصاةٌ مستكبرون ضالون، ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف:103].



ولأجل أن نستشعر عبوديتنا لله تعالى، سنسلط الضوء على أمثلة متنوعة لكمال عبودية بعض المخلوقات والجمادات لله تعالى، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم يوماً حين مرت به جنازة: ((مستريح ومستراح منه)) فقالوا: ما المستريح وما المستراح منه ؟ قال صلَّى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)) فانظر كيف يغار الشجر والدواب، من الرجل الفاجر وعصيانه لله تعالى، فالمخلوقات المسبحة لله - وكلها كذلك - ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [الإسراء:44] ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور:41] هذه المخلوقات تعلم أنه ما ينزل بأهل الأرض من قحطٍ وبلاء، إلا وسببه عصيان بني آدم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وقال مجاهد رحمه الله: "إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدّت السّنة وأمسك المطر تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم". وقال عكرمة رحمه الله: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم".



وبالمقابل فأخريات من الدواب تفرح بالتدين، فتدعو وتصلى وتستغفر لصالح بني آدم، فعند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)) بل إن الدواب جميعاً تفرق من هول يوم القيامة، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((ما من دابة إلا وهي مصغية يوم الجمعة خشية أن تقوم الساعة)) رواه أحمد.



وهذا هو الديك يدعو للخير والفلاح قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة)) رواه احمد وأبو داود، وروى احمد قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((إنه ليس من فرس عربي يؤذن له مع كل فجر يدعو فيقول: اللهم إنك خولتني من خولتني من ابن آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه)) قال صلَّى الله عليه وسلم: ((إن هذا الفرس قد استجيبت له دعوته)).



وأما الشجر فهو من النبات عباد الله: فإن الله يقول في شأنها ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن:6] وروى ابن ماجه قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((ما من ملب يلبي، إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا، وها هنا)) ويتضح ولاء الحجر والشجر للمؤمنين، ونصرته لدين الله حينما ينطقه خالقه غيرة على دينه، في مثل قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر و الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله)) رواه مسلم.



وهذا ذئب يدعو إلى الإسلام فيما رواه احمد، من حديث أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه قال: عدى ذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إليَّ؟ فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الناس؟ قال: الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلَّى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. وعند البخاري قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)).



وأما النمل يرعاكم الله: فتلك أمة من الأمم المسبحة لله سبحانه، مع صغر خلقتها، وهوان شأنها، وازدراء البشر لها، وهي التي قال الله عنها: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل:18].



قال صلى الله عليه وسلم: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملةٌ، أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله)) رواه البخاري، فلا إله إلا الله والله أكبر.


الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجَّدَهُ
والموج كبَّرَهُ والحوت ناجاه
والنملُ تحت الصخور الصم قدَّسَه
والنحل يهتف حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساه



أيها المسلمون: النمل حشرة صغيرة معروفة، جمعها نمال، والمفرد نملة، وأرض نَمِلَةٌ أي ذات نمل، وطعام منمول أي أصابه النمل، فهلموا إلى مدرسة النمل نستقي منها دروساً، في حصة دراسية قصيرة، على عجالةٍ وإطنابٍ شديدين، ولا عجب أن يكون حديث الجمعة عن النمل والنمال، فإنه حديث القرآن في سورة من أطول سوره، ثم حاشا ربنا أن يخلق شيئاً عبثاً، فإنه تعالى أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى.



يحكي القرآن قصة نملة مع قومها حين بذلت النصح فقالت: ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل:18] كانت واعظة صادقة فاستحقت التخليد في القرآن، فلما رأت خطراً محدقاً حذَّرَت، مع أن المحذَّرَ منه ليس بعدوٍ، إنما هو نبيٌ صالحٌ، لكن خوفاً من التحطيم والهلاك لقومها أنذرت، فكيف لو كان المحذَّرُ منه عدواً مهلكاً، فماذا عساها فاعلة؟، ولَكَم هي الأخطار والأضرار المحدقة بالأمة الإسلامية، فأين هم المحذرون والمنذرون الصادقون، ولم تحملها الأنانية على النجاة بنفسها هرباً، ثم إنها كانت في وادي النمل، فلم تتكل على غيرها، ولم تنظر إلى كثرة النمل غيرها، وكانت نملة من أفراد النمل، لا منصب لها ولا مكانة، فلم تزدري نفسها، بل قامت بالبلاغ المبين فأنقذت أمتها، مع أنها لم تكن ذات منصب أو وجاهة، وكان العدل لها سمةً، فاعتذرت عن فعل سليمان، في حين إنه لا حاجة لاعتذارها له، فهي لم تفسر أعمال القلوب، واعتذارها براءة لها من حمل الأفعال على سيئ المحامل والمقاصد، إذ تتبع العثرات ليس من شيم الكرام، وذكر بعض أهل لتذكير أن النملة تكلمت بعشرة أنواع من البديع، ففي قولها: ﴿ يَا ﴾ نادت، ﴿ أيُّهَا ﴾ نبَّهت، ﴿ النَّمْلُ ﴾ سمت، ﴿ لا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾ حذرت، ﴿ سُلَيَْمَانُ ﴾ خصت، ﴿ وَجُنُودُهُ ﴾ عمَّت، ﴿ وَهُمْ ﴾ أشارت، ﴿ لا يَشْعُرُونَ ﴾ اعتذرت، فجاء التبسم من سليمان إعجاباً بقولها ورضا، إذ التبسم يكون تبسم المستهزئ، وتبسم الغضبان، وتبسم العجب، ولكنه لما كان عن سرورٍ أتبعه الله بقوله: ﴿ ضَاحِكَاً ﴾ وإنما كان فرح سليمان سروراً بدينها وعدلها، وأنها دافعت عنه دون حاجة أو طلب.



أمة الإسلام: دروس النمل تترى، فإنها لم تسمى نملة إلا لتَنَمُّلِها، أي كثرة حركتها، مما يُنِمُّ عن جدٍ وجلد، تورث جديةً ومثابرة عجيبين، فتحاول النملة الصعود مرات وكرات حتى تنجح، وهي التي تحمل فوق ظهرها أضعاف أوزانها مرات، وعند بنائها البيوت ترى النمل كل النمل دائب الحركة والعمل، لا ترى نملة واقفة، ولا أخرى نائمة، أو قاعدة عن العمل، فالجدية والمثابرة صفة للنمل، يكاد يكون عليها إجماع الباحثين، ولكم يتمنى المتمني صبراً كصبر النملة، أمام الفتور الذي دب في كثير من الناس، لا سيما في العمل للدين، وفي خدمة المسلمين، إن مجتمع النمل مجتمع متعاون، لا ترى نملة تبني بيتها لوحدها أبداً، وعند حمل الحب يتعاونون أيضاً، وكذا في السير ترى اجتماعهم في خط سير مستقيم، فما أحرى أمة الإسلام إلى تعاونها على البر والتقوى، في حين تفرقت أوصالها، كما تفرقت أيدي سبأ.



وللتضحية في حياة النمل صور ومواقف، فعندما تقطع حاجزاً مائياً أو جدول ماءٍ، تتشابك أيديها، وتتلاحم كالجسر، يسير الباقي فوقها، وتذهب مجموعة مع سيل المياه، تضحي بنفسها لأجل الآخرين.



والنمل يحتكر قوته في زمن الصيف لزمن الشتاء، وله في الاحتكار من الحيل، ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين، وإذا خاف العفن على الحبِّ أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلاً في ضوء القمر، وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين، وأخرى للنوم، ومقر للملكة تبني عشها، وتجعل الفتحة جهة المشرق دوماً، وكم من باحث يستدل جهة المشرق بالنظر إلي جحور النمل، ومن النمل ما يزرع، ومنه ما يقطع الشجر، الملكة تضع البيض وتوجه، و الشغالات في خدمة الملكة، والوصيفات تبلغ أوامر الملكة، والعساكر ينفذون، دون تنازع أو خصام، وعند الأزمات تسير قطعان النمل متحدة لتفتك بالعدو، ولقد أثبتت الدراسات أن النمل ينظف نفسه، ويتكرر ذلك في اليوم مرات، فسبحان من أودعها حكماً، وأبدعها خلقاً، ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:50].


تلك الطبيعة قف بناء يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
فالأرض حولك والسماء اهتزتا
لروائع الآيات والآثارِ



فأين ذووا الألباب والبصائر من هذي العبر والآيات.


اقنع بما ترزق يا فتى
فليس ينسى ربنا نملة
إذا أقبل الدهر فقم قائماً
وإن تولى مدبراً نم له



أيها المسلمون: وشأن النمل كغيره من المجتمعات، فيه الصالح والطالح، ففيهم نوع فاسد، مجتمع تخريبي يعيش على إهلاك الحرث والإفساد، لا يعمل إلا في الظلام، يبني جحوره في مسافات بعمق خمسة وأربعين متراً تحت الأرض، إنه النمل الأبيض: الأرضة، التي حكي القرآن طرفاً من خبرها مع سليمان: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ:14] إذ الأرضة نخرت في العصا من الداخل، وسليمان قائمٌ على عصاه حولاً ميتاً، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة وهم لا يشعرون بموته، حتى أكلت الأرضة العصا فخر ميتاً، فعلموا بموته، وكذا مجتمع البشر لا يخلو من المخربين، كالمنافقين والعلمانيين ممن يعملون تحت الظلام لإفساد البشر، ولئن كانت الأرضة قد أفسدت أطنان الكتب، فإن أرضة البشر أفسدوا عقول المئات وأديانهم، ببدع مضللة راجت بدعوى العقلنة، وحرية الفكر، أو سمه حرية الكفر، كزعمهم أن الشريعة لا تصلح لكل أحد، ولا لكل زمان، أو الدعاية لفصل الدين عن الدولة، فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، أو كمن يقول الدين لله والوطن للجميع، أو من يقول دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، أو من يصف الإسلام بالرجعية، والحدود الشرعية بالهمجية والغلظة، أو من يصف الدين بالمقيِّدِ للمرأة والظالم لها، أو من يري حريَّة المرأة متمثلاً في خروجها عن حدود ربها، وإعلانها العصيان لشريعة الخالق، و جعلها إناءً لكل والغ، ولقيطاً لكل لاقط.



ولئن كانت ثمة دعوات نادت إلى إقامة وكالة دولية لمحاربة النمل الأبيض، فما أحوجنا لردع أرضة البشر، ممن أهلكوا البلاد والعباد.



وبعد أيها المسلون: فإن النمل أمةٌ مسبحة لله كما تقدم آنفاً، وعند الدار قطني والحاكم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((خرج سليمان ذات يوم يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها، فقال لمن معه: ارجعوا فقد كفيتم، وسقيتم بغيركم)).



من هنا ورد النهيُ عن قتلها، كما في حديث ابن عباس بإسناد صحيح على شرط الشيخين عند أبي داود (( أن النبي صلَّى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد )) رواه أبو داود وابن ماجه، فلا يُقْتَلُ من النمل إلا ما تحقق ضرره يقيناً، كما حكاه القرطبي وغيره، وكان بعض السلف يحرِّج عليها إلا خرجت من داره فيخرجن.



﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور:45].



الخطبة الثانية

إن على العباد استشعار عظمة الله، و أثر عبودية الجماد والحيوان لله، وهي أقلُ من البشر قدراً وتكريماً.



والإنسان مقصرٌ مهما ادعى القصد أو الكمال، فبُعد البشر عن المعرفة الحقة لله تعالى، وغلبة الشهوات، مع الغفلة، تحتاج إلى جهاد وحرص على الخير.



يصبح المرء فيؤمر بلزوم الطاعة، والحذر من المعصية، وقد قيل قَبْلُ للخليل اذبح ولدك بيدك، واقطع ثمرة فؤادك بكفك، ثم قم إلى المنجنيق لترمى في النار، ويقال للغضبان اكظم، وللبصير اغضض، ولذي المقول اصمت، ولمستلذ النوم تهجد، ولمن مات حبيبه اصبر، وللواقف في الجهاد بين الغمرات لا يحل لك أن تفر، وإذا وقع بك مرض فلا تشك لغير الله، هذه هي العبودية الحقة لله تعالى.



ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى طراً، وأفضل الخليقة شرفاً وطهراً، صلاة تكون لكم يوم القيامة ذخراً، فقد أمركم بذلك ربكم في تنزيل يتلى ويقرا، فقال قولاً كريماً: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في مدرسة النمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النمل
» سورة النمل
» سورة النمل
» سورة النمل عابر سبيل 2013 مجود
» الشيخ عبد المنعم الطوخي سورة النمل والحاقه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: