اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  بين الزوجين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
 بين الزوجين Oooo14
 بين الزوجين User_o10

 بين الزوجين Empty
مُساهمةموضوع: بين الزوجين    بين الزوجين Emptyالخميس 2 مايو 2013 - 11:27

بين الزوجين

الملِكة، هل تعرفينها؟ كانتْ ملِكة على عرشها، على أُسرةٍ ممهدة، وفرشٍ منضدة، بيْن خدَم يخدمون، وأهلٍ يكرمون، لكنَّها كانتْ مؤمنةً تكتم إيمانها، إنَّها آسية، امرأة فرعون، كانتْ في نعيم مقيم.



فلما رأتْ قوافل الشهداء تتسابق إلى أبوابِ السماء، اشتاقتْ لمجاورة ربِّها، وكرِهَتْ مجاورة فرعون، فلما قتَل فرعون الماشطة المؤمِنة، دخَل على زوجه آسيةَ يستعرض أمامَها قواه، فصاحتْ به آسية: الويل لك! ما أجْرأَكَ على الله! ثم أعلنت إيمانها بالله.



فغضِب فرعون، وأقسم لتذوقَنَّ الموت، أو لتكفرَنَّ بالله.



ثم أمَر فرعون بها فمدَّتْ بين يديه على لَوحٍ، ورُبطت يداها وقدماها في أوتاد مِن حديد، وأمر بضربِها فضربت، حتَّى بدأتِ الدماء تسيل من جسَدِها، واللحم ينسلِخ عن عِظامها، فلمَّا اشتدَّ عليها العذاب، وعاينتِ الموت، رفعت بصرَها إلى السَّماء، وقالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].



وارتفعتْ دعوتَها إلى السَّماء؛ قال ابنُ كثير: "فكشَف الله لها عن بيتِها في الجنَّة، فتبسَّمتْ، ثُم ماتتْ".



نعمْ، ماتتِ الملِكة التي كانتْ بين طِيب وبخور، وفرَح وسُرور، نعمْ تركَتْ فساتينها، وعطورها، وخدمها، وصديقاتها، واختارتِ الموت، لكنَّها اليوم تتقلَّب في النعيم كيفَما شاءتْ، قد نفعَها صبَرُها على الطاعات، ومقاومتها للشهوات.



- رَوى البخاريُّ في صحيحه: عن أبي مُوسَى - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كَمُل مِن الرجال كثيرٌ، ولم يكملْ مِن النِّساء إلاَّ آسية امرأة فِرْعون، ومريم بنت عمران، وإنَّ فضْل عائشة على النساء كفضْلِ الثريد على سائرِ الطعام)).



وأخْرَج النَّسائيُّ بإسناد صحيح، وأخْرج الحاكم من حديثِ ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((أفضلُ نِساء أهل الجنة: خديجةُ وفاطمةُ، ومريم وآسية)).



أيها الأحبَّة الأفاضل، أتدرون كيفَ يُمكِن للمرأة المسلِمة أن تدرك هذه المراتِبَ العالية في الفضل والصلاح والتقوى؟



قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صلِّتِ المرأة خمْسَها، وصامَتْ شهرَها، وحفِظتْ فرْجَها، وأطاعتْ زوجَها قيل لها: ادخلي الجنةَ مِن أيِّ الأبواب شِئت))؛ إنَّه باختصار تقْوَى الله وطاعَة الزَّوْج.



وحَديثي اليومَ عن العامِل الثاني مِن هذين العاملين.



إنَّ اضطراب الحياة الزوجيَّة عاملٌ كبير مِن عواملِ اضطراب الأوْضاع في الأمَّة، وهذه المشكلات إنَّما تنشأ عن التساهُل في أحكامِ الشَّرْع، وعندَما تخف رقابةُ الإنسان لربِّه - تبارك وتعالى - والواجِب على المسلِم أن يعرِف الحقوق والواجبات بيْن الزوجين، ويقوم بها خيرَ قيام، فلو استقام الأمرُ بينهما على حبٍّ رُوحي كريم، وعلى حقٍّ واضِح صريح يعرِفه كلٌّ منهما ويُطبِّقه على نفْسه، ويطالِب به نفْسه قبل أن يُطالب به الآخَر - لو حصَل ذلك كله لارْتَفع المستوى الاجتماعي في البيت؛ حيث تنعَم الأُسرة كلها بالأمْن والسعادة والاستقرار.



ويوم أنْ كانتْ أمَّتنا المسلمة تقود رَكْب الإنسانية إلى الخيرِ، وتحمل مشعلَ الهداية إلى الشُّعوب، كانتْ في داخل بيوتها تنعَم بما لا يعرِف له التاريخ مثيلاً مِن استقرار السعادة الزوجيَّة، وشُمول الطُّمأنينة والحب والتعاون لجميعِ أفرادها؛ ذلك لأنَّ الإسلام وضَع لكلٍّ مِن الزوجين والآباء والأبناء حدودًا واضحةً، يتميَّز فيها حقُّ كلِّ فئة عن حق الفِئة الأخرى، وهي حقوقٌ متكافئة منسجِمة تؤدِّي إلى ملْءِ القلوب بالحب، وملْء الحياة بالنعيم، وملْء المجتمع بالنَّسْل الصالح الذي يبني ولا يهدِم، ويسمو ويرتفِع ولا ينحدر.



ويجب أن تعرِف كلُّ زوجة واجبَها تُجاهَ زوجها:

فأوَّل هذه الحقوق: طاعَة الزوجة لزوجِها بالمعروف حسبَ ما يُقرِّره الشارع الحكيم، وهي طاعةٌ تحتِّمها المصلحة المعنوية المشترَكة بيْن كل شريكين متحابَّين متصافيين، إنها ليستْ طاعة العبد لسيِّده، ولا الذليل لمَن يستعبده، وإنما هي طاعةُ الأخ الصغير للأخِ الكبير، والزوجة غالبًا ما تكون أصغرَ مِن الرجل سنًّا، وهي القوامة التي يطلبُها الإسلام مِن الزوجة لزوجها، كما أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].



وهذه الطاعةُ لها أثرُها الكبير في استقامةِ الحياة وسعادة الأُسْرة، بل هي سببٌ في دخول المرأة إلى جنَّة ربِّها - تبارك وتعالى - كما جاءَ في الحديث.



ويَنبغي التنبيهُ على أنَّ الطاعة في المعروف وفي غيرِ معصية، فلو أرادَها على شُرْب حرام أو طعام حرام، أو لِباس لا يجوز أو اختلاط، أو تغيير لخلْق الله ونحو ذلك، فلا تُطعِه؛ ((لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق)).



- ومِن حقِّ الزوج على زوجته أن ترَعى شعورَه، فتبتعد عمَّا يُؤذيه من قول أو فِعل أو قلَق، وأن تراعي ظروفَه المالية، ومكانته الاجتماعيَّة، وأن تُقدِّر مسؤولياته في العملِ خارجَ البيت فلا تَضيق مِن ذلك، ولا تُكلِّفه من النَّفَقات ما لا يُطيقه، وألاَّ تستكثر مِن الطلب لئلاَّ يلجئ إلى الكسْب الحرام.



لقدْ كانتِ المرأة تقول لزوجها: إنَّا نصبِر على الجوع ولا نصبر على النار، وعندما اجتمعتْ أمهات المؤمنين لطلبِ النَّفَقة، اغتَمَّ لذلك واعتزلهنَّ شهرًا حتى نزَل قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28 - 29].



- ومِن حقوق الزَّوْج أن توفِّر له زوجته: سكن النَّفْس والطُّمأنينة في البيت بنظافةِ جِسمها ونظافة بيتها، وأن تتزيَّن له حين يقدم بما يقرِّبها إليه، ويَزيد حبه لها وشوقَه إليها، وكانتِ المرأة تُوصي ابنتها بذلك عندَ الزواج كما أوصتِ امرأة ابنتها، "أي بنيَّة: إنَّكِ خرجتِ من العُشِّ الذي درجتِ فيه، فصرتِ إلى فراشٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفِيه، فكوني له أرضًا يكن لك سماءً، وكوني له مهادًا يكن لك عمادًا، وكوني له أَمَةً يكن لك عبدًا، ولا تَلحفي عليه فيقلاك، ولا تباعدي عنه فينساك، إنْ دنا منك فاقربي إليه، وإن نَأَى عنك فأبعدي عنه، واحْفَظي أنفَه وسمعَه وعينه؛ فلا يشمنَّ مِنك إلا طيبًا، ولا يسمع إلا حسنًا، ولا ينظر إلا جميلاً".



- ومِن حقِّ الزوج على زوجته: ألاَّ تخرجَ من بيتها إلا بإذنه، ومِن واجبها ألا تخرُجَ مِن بيتها إلا بإذن زوجها، فإن فعلتْ لعنتها الملائكة حتى تعودَ، وأمر الله المرأة بغضِّ النظر، فقال: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].



- ومِن حقِّ الزوج أن تحافِظ على سُمعته وكرامته وعِرْضه، وأن تكونَ أمينةً على ماله، لا تأخُذ منه إلا بالمعروف.



هذه بعضُ الحقوق التي للزوج على زوجته، وهو نداء للزوجات ليسمعْنَ له هنا:

أيُّها الزوجات، احرصْنَ على سعادةِ أزواجكنَّ، واجعلْنَ مِن بيوتكنَّ جناتٍ يأوي إليها الأزواج، حتى يجدوا من قلوبكنَّ وبشركنَّ، ونظافتكنَّ وتعاونكنَّ، سكنًا لهم يحصِّن فروجهم، ويغضُّ مِن أبصارهم، ويَقيهم فتنةَ النساء، وما أشدَّها في زماننا!



وحذارِ حذارِ من الغفْلة، والتفريط والتساهُل في الحقوق التي شرَعها الله تعالى.



2- حقوق الزوجة: ولئن كشفْنا عمَّا يَنبغي أن تكونَ عليه المرأة؛ لتكون زوجةً صالحةً، فإنَّ مِن الحق أن نُشير إلى ما ينبغي أن يراعيَه الرجل ليكون زوجًا صالحًا، فيَعيش عندئذ الزوجان متآلفين متوازيين متراحمين، يسْعَد كلٌّ منهما بصُحْبة صاحبه، ويَنعَم مِن حولهما بثمراتِ ذلك.



وإنَّما أُشير إلى الحقوقِ الأدبيَّة التي يجب أن يُراعيَها الرجل:

اعملوا - رحِمكم الله -: أنَّ من أعظم حقوقِ الزوجة أن يُعاشرَها بالمعروف، ولنتأمل طويلاً قولَ الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].



ومعْنى بالمعروف: ما لا يُنكِره الشَّرْع والمروءة، والمراد هُنا النصفة في القِسم والنَّفْقة، والإجمال في القول والفِعْل، وقيل بالمعروف: هو ألاَّ يضربها، ولا يسيءَ الكلام معها، ويكون منبسطَ الوجه معها، ولا يَنبغي للرجل أن يُبغِضَها إذا رأى منها ما يكره؛ لأنَّه إن كره منها خُلقًا رضِي منها آخَر، فيقابل هذا بذاك، وقد رُوي أنَّ عمر قال: لرجل طلَّق امرأته: لِمَ طلقتها؟ قال: لا أحبُّها، فقال: أوَ كل البيوت بُنِي على الحب؟! فأين الرِّعاية والتذمُّم؟!



وليذكر الرجل قولَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المرأةَ خُلقت من ضِلَع، لن تستقيمَ لك على طريقة، فإنِ استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عِوج، وإنْ ذهبْتَ تُقيمها كسرتها، وكسْرُها طلاقُها)).



ومِن المعاشَرة بالمعروف: أن يتحبَّبَ إليها ويُناديَها بأحبِّ الأسماء إليها، ولقدْ كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبراسًا لمَن أراد أن يمتثِلَ قول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ قال ابنُ كثير - رحمه الله تعالى -: "وكان مِن أخلاق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه جميلُ العِشرة، دائمَ البِشْر، يداعب أهلَه، ويتلطَّف معهم، ويوسعهم نفقتَه، ويضاحِك نساءَه".



واعلمْ أنَّه ليس حسنُ الخُلُق معها كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذَى منها والحِلم عندَ طيشها وغضبها، اقتداءً برسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقدْ كانت أزواجه يراجعْنَه الكلام، وتهجرُه الواحدة منهنَّ يومًا إلى الليل، وراجعتِ امرأةُ عُمَر عمرَ، فقال عمرُ: أتراجعينني، فقالتْ: إنَّ أزواج رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يراجعْنَه وهو خيرٌ منك.



ويستحبُّ للرجل إذا وجَد فراغًا أن يشارك المرأةَ في خِدمة البيت، فإنَّ هذا من حُسن المعاشرة المأمور به؛ قالتْ عائشة - رضي الله عنها - وقد سُئِلتْ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يعمل في بيته: كان يكون في مِهنة أهله، يَقُمُّ بيتَه، ويرفو ثوبَه، ويخصِف نعْلَه، ويحلب شاتَه.



ومن معاشرتها بالمعروف: ألاَّ يتعمَّدَ هجرها، فهو مأمورٌ بأداء حقِّها بقدْر حاجتها وقُدرته؛ فعَن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله: ((يا عبدالله، ألَمْ أُخبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟)) قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: ((فلا تفعل، صُمْ وأفطِر، وقُم ونَم، فإنَّ لجسدِك عليك حقًّا وإنَّ لعينك عليك حقًّا، وإنَّ لزوجك عليك حقًّا)).



وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلتْ عليَّ خويلة بنت حَكيم بن أمية، وكانت عندَ عثمان بن مظعون، قالت: فرأى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذاذةَ هيئتها، فقال لي: ((يا عائشةُ، ما أبذَّ هيئة خويلة؟ قالت: قلت: يا رسولَ الله، امرأة لها زوجٌ يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمَن لا زوجَ لها، فتركتْ نفسها وأضاعتْها، قالت: فبعث رسولُ الله إلى عثمان بن مظعون فجاءَه، فقال: يا عثمانُ، أرغبةً عن سُنتي؟ قال: فقال: لا والله يا رسولَ الله، ولكن سُنَّتَك أطلُب، قال: فإنِّي أنام وأصلِّي، وأصوم وأُفطر، وأنكِح النِّساء، فاتَّقِ الله يا عثمان، فإنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإنَّ لضيفك عليك حقًّا، وإن لنفْسك عليك حقًّا، فصُمْ وأفطِر، وصلِّ ونَم)).



هذه الشريعة الحنيفيَّة تُقرِّر أنَّ الزوج لو آلى (حلف) ألاَّ يقرب زوجتَه، يلزم أن يحنَث في يمينه؛ قال - تعالى -: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 226 - 227]، فقدْ نصَّ على أنَّ الذين يحلِفون على ألاَّ يَقْرَبوا زوجاتِهم يمهلون أربعةَ أشهر، فإنْ عاد أحدُهم إلى الإنصاف وأداء الحقِّ لها فعليه كفَّارة يمين، وإلا كان إصرارُه إضرارًا موجبًا للفراق.



وعلى الزَّوْج أن يتزيَّن لزوجته كما يحبُّ أن تتزيَّن هي له، فإنها يُعجبها منه ما يُعجبه منها، وقد فهِم السلف ذلك مِن قوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]؛ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: إنِّي لأتزيَّن لامرأتي كما تتزيَّن لي؛ لهذه الآية.



ومِن حقِّ الزوجة أن يُعلِّمها أصولَ دِينها: كيف تؤمِن بالله الإيمانَ الحقَّ، وتوحِّده التوحيدَ الخالص، وتؤمِن بأسمائه وصفاته على الوجهِ اللائق بجلاله - سبحانه وتعالى - وتعرِف ما يجب لله تعالى، وما يجوز له سبحانه، وما يستحيل عليه - تبارك وتعالى - وتؤمِن بما جاءَ مِن عندِ الله مِن أركان الإيمان وسائرِ أحكام الإسلام الواجبة عليها وأصول معرفةِ الحلال والحرام، وأن يُعلِّمها أحكامَ العبادات، ويحضها على القيام بها خاصَّة الصلاة في أوَّل الوقت، وشروطها وأركانها، ومفسداتها ومكروهاتها، وسائر العبادات وحقوقِ الله تعالى عليها وحقوق الزوجيَّة.



وأن يُعلِّمها مكارمَ الأخلاق مِن وقاية القلْب مِن أمراض الحسد والبغضاء، ووقاية اللسان مِن الغِيبة والنميمة، والسبِّ والكذِب، ويُراقبها في ذلك كله ما استطاع إلى المراقبة سبيلاً؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، قال علي: أدِّبُوهم وعلِّموهم، وقال الألوسي: واستدلَّ بها على أنَّه يجب على الرجلِ تَعلُّم ما يجب مِن الفرائض وتعليمه لهؤلاء.



وقدْ أثْنَى الله - عزَّ وجلَّ - على نبيِّه إسماعيل - عليه السلام - فيما أثْنى بقوله: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].



ومِن حقِّها عليه أن يَغارَ عليها، ويصونَها من كل نظرة أو كلمة، فهي أعظمُ ما يَكْنزه المرءُ، فلا يليق أن يجعلها مضغةً في الأفواه تلوكها الألْسِنة، وتتقبَّحها الأعين، وتجرحها الأفكارُ والخواطر، كلاَّ! إنَّ الغيرة أخصُّ صفات الرجل الشهْم الكريم، وإنَّ تمكُّنَها منه يدلُّ دَلالةً فعلية على رسوخه في مقامِ الرُّجولة الحقَّة الشريفة، ومِن هنا كان كرامُ الرجال يمتدحون بالغَيْرة على نسائهم، والمحافظة عليهنَّ، وإنَّ مِن شر صفات السوء ضعفَ الغَيرة وموتَ النخوة، ولا يركن إلى ذلك إلا الأرْذلون.



ولا يُقْصد بالغَيْرة سوءُ الظن والْتماس العثرة؛ فعن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ مِن الغَيرة غَيرةً يبغضها الله، وهي غَيْرة الرجل على أهله مِن غير رِيبة)).



وقد رَوى الإمامان البخاريُّ ومسلم - رحمهما الله تعالى - قولَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتَعْجبون مِن غَيْرة سعد؟ أنا أغيرُ منه، والله أغيرُ مني)).



والغَيْرة المحمودة ما كانتْ في محلِّها، أما ما جاوز الحدَّ، وكان ظنًّا باطلاً لا أساسَ له إلا وسوسة الشيطان، فهي غَيْرة مكروهةٌ؛ قال عنها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مِن الغيرة غَيْرةً يبغضها الله - عزَّ وجلَّ - وهي غَيْرة الرجل على أهله مِن غير ريبة)).



ومِن حقِّها ألاَّ يتخوَّنَها ولا يتلمس عثراتِها، وذلك بأنْ يترك التعرُّضَ لما يوجب سوءَ الظن بها، وقد دلَّ على ذلك أحاديثُ، منها: ما رواه جابرُ بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكره أن يأتيَ الرجل أهلَه طُروقًا"، وعنه - رضي الله عنه -: "نهى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَطرُق الرَّجلُ أهلَه ليلاً؛ يتخوَّنهم أو يطلب عثراتِهم".



بل على الرجل أن يُعلِم أهله بقدومه؛ كي يتأهَّبوا لاستقباله، فلا يرى ما يُنفِّره، وقدْ أشار إلى ذلك بقوله لجابرٍ حين قدِم معه مِن سفر: ((إذا دخلتَ ليلاً فلا تدخُلْ على أهلك، حتى تستحدَّ المغيبة، وتمتشط الشَّعثة)).



كل ذلك لتبقَى العَلاقة سليمةً بعيدةً عن كل ما يوهنها.



فما أسعدَ بيوتًا عرَف أهلُها هذا فنَهضوا به! عرَف كلٌّ من الزوجين عِظَم الرابطة التي جمعتهما، والغاية مِن ذلك فأحْسن معاشرةَ الآخَر، فكانا قدوةً لأبنائهما في التوادِّ والتراحُم.



أسأل الله العليَّ الكبير أن يحفظ بيوتنا بالإسلام، وأن يُلهِم رجالَنا ونساءنا الوقوفَ عندَ حدوده، والاقتداء برسوله الكريم، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحْبه أجمعين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بين الزوجين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أحكام العشرة بين الزوجين
»  مفاتيح القلوب بين الزوجين
»  التنازل بين الزوجين.. فن وجمال
» التعاون الايماني بين الزوجين
»  الأحكام المالية بين الزوجين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: