اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  عمارة المساجد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100190
 عمارة المساجد Oooo14
 عمارة المساجد User_o10

 عمارة المساجد Empty
مُساهمةموضوع: عمارة المساجد    عمارة المساجد Emptyالخميس 2 مايو 2013 - 4:53

أيُّها المسلمون:

المسجِد في حياةِ المسلمين له مكانةٌ عظيمة، وله تاريخُه العريق وله دَوْره الرائِد، ويجهل كثيرٌ مِن المسلمين - وللأسف - تاريخَ مسجدهم، ودَوْرَ مسجدهم، وأحكام مسجدهم، وما يجب عليهم تُجاهَ مسجدهم.


ويكفي أن نعلمَ أنَّه عندما وصَل النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى المدينة مهاجرًا من مكَّةَ، كان أوَّل مشروع قام بتنفيذه في عاصمته الطيِّبة طَيْبَة، أنْ وضَع حجر الأساس لبناء ذلك المسجد، لتنطلق منه الدعوةُ الإسلامية، ولِتُربَّى فيه الأرواح المؤمنة، ولتهتدي فيه القلوب الصادقة.


بنى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مسجدَه ليكون روضةً مِن رياض الجنة، إمامُه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتلاميذه: أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، وأُبي بن كعْب ومعاذ بن جبل وزيْد بن ثابت، وموادُّه المقرَّرة وحيُ الله - عزَّ وجلَّ - وأما مطلَبُه فهو أن تكونَ كلمة الله هي العليا، وفعلاً تخرَّج الفاتحون الأبطالُ مِن مسجد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحرَّروا العقولَ والقلوب، وأخرجوا الناس من الظُّلمات إلى النور، وتغيَّر بهم مجرى التاريخ.


أيها الناس:

اتَّقوا الله واعرِفوا ما للمساجد مِن مكانة وحُرمة، وقوموا بحقِّها من واجب الخِدمة، فإنَّها بيوتُ الله، ومهابطُ رحمته، وملتقَى ملائكته، والصالحين مِن عباده، وقد أضافها الربُّ إلى نفْسه إضافةَ تشريف وإجلال؛ قال - تعالى -: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]؛ أي: إنَّ المساجد لعبادة الله وحْدَه، فلا تعبدوا فيها غيرَه، وأخلِصوا له الدعاء والعبادة فيها؛ فإنَّ المساجد لم تُبْنَ إلا ليُعبَدَ اللهُ وحْدَه فيها، دون مَن سواه، وفي هذا وجوبُ تنزيه المساجد من كلِّ ما يشوب الإخلاصَ لله، ومتابعة رسولِه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.


وقد يتساءل البعضُ قائلاً: وهل يُعبد غيرُ الله في المساجِد؟ وهل يُدْعى من دون الله في بُيوتِ الله؟ أجَلْ، إنَّ الشيطان قد لبَّس على الكثيرين مِن أوليائه؛ ليصدَّهم عن سبيلِ الله، فزيَّن لهم سوءَ أعمالهم، وجعلَهم يدفنون موتاهم في بيوتِ الله، ويَصنعون هذه المقاماتِ والأضرحة، ثم يدَّعون لهم الولاية، ثم يعظمونهم ويقدِّسونهم، وتُمارَس حولَ قُبورهم جميعُ أنواع الشرك الأكبر من دعاء هؤلاء الأموات والاستغاثة بهم وطلَب المَدَد منهم، يطلبون منهم حاجاتِهم، مِن جلْب نفْع أو دفع ضرٍّ ممَّا لا يملكونه هم لأنفسهم؛ ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]، فأخبروني بالله عليكم: هل تعرفون مِثلَ هذا الضلال أو هذه الحماقة؟!


﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5].


وأوَّل مَن أحدث ذلك في بلادِ المسلمين الشيعةُ الفاطميُّون يُريدون بذلك القضاءَ على الإسلام وبثَّ الوثنية فيما بيْن المسلمين، وقد لعَن الله مَن فعل ذلك، وعدَّهم شرار الخلق؛ فعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قالتْ: قال رَسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَرَضِهِ الذي لَمْ يَقُمْ مِنْه: ((لَعَنَ اللَّهُ اليَهودَ وَالنَّصارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيائِهم مَساجِدَ)).


أيها المسلمون:

المساجِد بيوتُ الله، وعُمَّار المساجد ورُوَّادها هم أولياءُ الله - عزَّ وجلَّ - وأحبابه مِن خلْقه، شهِد الله لهم بالإيمان، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]؛ لذلك فأعداءُ هذا الدِّين بجميع مِللهم ونِحلهم لا يُريدون للمساجد أن تُعمَّر لا بالبنيان ولا بالمصلِّين الموحِّدين؛ وذلك لعِلمهم بأنَّ المساجد تُهدِّد بقاءَهم وتحول بينهم وبيْن شهواتهم، وتُنهي تواجدَهم في الأرض، فهم لذلك لا يُريدون عمارتها، وإنما يسعَوْن جاهدين إلى هدْمها وإزالتها من الأرْض، وهذا ما نشهده في المسجدِ الأقْصى المبارَك، الذي يُخطِّط أعداءُ الله لهدمه وتخريبه وإقامة هيكلهم المزعوم.


وقد أشار الحقُّ - سبحانه وتعالى - إلى ظُلمهم وطغيانهم بقوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 114].


واعْلَموا - رحِمكم الله - بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُثني على عُمَّار المساجد من الرِّجال المؤمنين، فيقول: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36 - 37].


رجال يعمرون بيوتَ الله سبحانه، رجال يُحافِظون على الصلوات الخمْس جماعةً في المسجد، رجال لا يشغلهم شاغلٌ عن الاستجابة لداعي الله، وقدْ أشار اللهُ هنا إلى التِّجارة والبيع؛ لأنَّهما أكثرُ ما يشغل ضِعافَ الإيمان، فيحتجُّون أنهم في عِبادة وأنهم يصلُّون في محلاَّتهم، ونحو ذلك، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن سمِع النداء، فلم يأتِه؛ فلا صلاةَ له إلا مِن عُذر))؛ أبو داود - صحيح.


وأخرج مسلم عن عبدِالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه قال: "مَن سرَّه أن يلقَى الله غدًا مسلمًا، فليحافظْ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهنَّ، فإنَّ الله شرَع لنبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُننَ الهُدى، وإنهنَّ مِن سُنن الهدى، ولو أنَّكم صليتُم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتُم سُنَّةَ نبيِّكم، ولو تركتُم سُنَّة نبيكم لضللتُم، وما مِن رجل يتطهَّر فيُحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد إلا كَتَب الله له بكلِّ خُطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيِّئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النِّفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصف".


قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن غدَا إلى المسجد أو راح أعَدَّ اللهُ له في الجنة نُزُلاً كلَّما غدَا أو راح))، وهكذا يتاجر الصالِحون بهذه التجارةِ الرابحة، الغُدو والرَّواح إلى المساجِد، وقد صحَّ عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه ذكَر مِن السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ القيامة: ((ورجل قلبُه معلَّق بالمساجد))، لم يشغله متاعُ الدنيا الزائل، ولا لهوها ولا لعبُها عن الامتثال لأوامر ربه، وما كان هذا التعلُّقُ أن يأتي مِن فراغ، ولكنَّه ثمرة التعلُّقِ بالله - سبحانه وتعالى - محبَّةً وإنابةً، ورغبة ورهبة، وخوفًا ورجاءً، وإخلاصًا وتوكُّلاً، وذلاًّ وتعبدًا، فالتعلُّق بالله وحْده هو الغاية العُظْمَى والنجاة الحقَّة.


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما توطَّن رجلٌ مسلم المساجِدَ للصلاة والذِّكْر إلا تَبَشْبَش الله له كما يتبشبش أهلُ الغائب بغائبِهم إذا قدِم عليهم))؛ رواه ابن ماجه - صحيح.


ويَنبغي علينا أيُّها الأحبة، أن نوجِّه أبناءَنا ونتدارك شبابَنا، بعد أن شاهدْنا جميعًا تعلُّقَ قلوبهم بغير بيوت الله، وانشغالَهم واهتمامهم بتفاهاتٍ وترهاتٍ لا تنفعهم في دِينهم ولا دُنياهم.


وإلا فما بال جماهير الشباب تعلَّقت قلوبهم بكُرة القدم، قِطعة مِن الجلد تُركَل بالأرجل، انشغلوا بها عن دِينهم وعن أعمالِهم، وإنتاجهم ودراستهم، وعلمهم النافِع وتقدُّم أمَّتهم وعبادة ربِّهم، استهلكتْ أعمارهم وأوقاتهم واهتماماتهم، وأفْرَغت جيوبَهم، وسَحَرتْ عقولهم فباتوا كالمخبولين، صاروا عليها يجتمعون، وبها يَتَناصرون، ومِن أجلها يتخاصمون، ولقد أدْهَشني مرَّةً طفلٌ صغير يقلد معلقًا على مباراة أوروبيَّة، يُحاكيه بالضبط، ويحفظ نتائج مبارياتٍ أجنبية قديمة، وأسماء اللاَّعبين والهدَّافين وأخبارهم وأسعارهم! أجَلْ إنَّه اهتمام التائهين الغافلين، الراضين بالدُّون في سُلَّم الحضارات، ومراتب العزِّ بيْن الأمم.


أيها الإخوة:

إنَّ أحبَّ الأماكِن إلى الله المساجِد؛ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أحبُّ البلادِ إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البِلاد إلى الله أسواقُها))؛ رواه مسلم.


ولذلك فإنَّ للمساجدِ في الإسلام حقوقًا، ولروَّادها آدابًا، يَنبغي لكل مسلم معرفتها والتمسُّك بها، والعمل بمقتضاها:

1- تحية المسجد:

عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالَ: ((إذا دَخَلَ أَحَدُكُم المسجدَ فَلْيَركَعْ ركعتَيْنِ قَبْل أنْ يَجلِسَ))؛ متفق عليه.


2- أيها الأحبَّة، نحن أمَّة النِّظام وأمَّة الهدوء، وأعظمُ المظاهِر الحضارية والمنشآت المعمارية في حياتنا هي المساجِد، والمسلِم يقِفُ فيها أمامَ مالك الملك، فلا يجوز لروَّادِ المساجد أن يرْفَعوا أصواتَهم فيها، ويُشوِّشوا على إخوانهم، فهي أماكنُ السَّكينة والهُدوء، ولا مكان للغوغائيِّين والمشاغبِين في المسجد.


عن السائبِ بن يَزيد، قال: "كنت قائمًا في المسجد فحَصَبني رجلٌ فنظرتُ فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهبْ فأتِنِي بهذين فجئتُه بهما، قال: مَن أنتما؟ أو مِن أين أنتما؟ قالا: مِن أهل الطائف، قال: لو كنتما مِن أهل البلد لأوجعتُكما؛ ترفعانِ أصواتَكما في مسجدِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم!"؛ رواه البخاري.


3- كذلك مساجدُنا يا عبادَ الله، أسواقٌ لتجارة الآخِرة لا لتجارة الدنيا، تجَّار الآخِرة هم عمَّار المساجد، وتجَّار الدُّنيا هم عمَّار الأسواق، والمساجِد في الإسلام أسواقُ الآخِرة، بل هي أسواقُ الجنة وميادين التِّجارة الرابِحة مع الله؛ لأنَّها أسواقُ الأرواح المؤمِنة، والقلوب المطمئنَّة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيتُم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أرْبحَ الله تجارتك، وإذا رأيتم مَن ينشد ضالةً، فقولوا: لا ردَّها الله عليك))؛ رواه الترمذي.


عن أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سَمِع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد، فليقل: لا ردَّها الله عليك؛ فإنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا))؛ رواه مسلم.


إذ لو فتح الباب لأصبح المسجد مكانًا للدعاية والإعلان ورفْع الصوت والضوضاء، وهذا بدَوْره مخالِف لهَدْي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومناقِض لرِسالة المسجد ومهمَّته في الحياة.


إنَّ بعض الناس - وللأسف - يستغلُّون المساجد لأغراضِهم الخاصَّة، أو لدعايات انتخابيَّة أو حزبيَّة، أو لترويج أفكار ومبادئ تُثير الفتن وتشعل الخصومات بيْن المسلمين، مما يتناقض وأصولَ الدين الحنيف، ويتعارض مع قول الله سبحانه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18].


4- ويَنبغي أن يحرِص المسلم على الصفِّ الأول لعظيم أجْره، لكن لا يُخصِّص له مكانًا في المسجد يحجزه لنفْسه، فقد نهى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يوطَّن الرجلُ في المكان بالمسجد كما يُوطّن البعير.


الخطبة الثانية


اعْلموا - رحمني الله وإياكم - بأنَّ الناس شُغِلوا في زماننا هذا بزخرفةِ المساجد على حسابِ رِسالتها الخالدة، وأثرها في الأجيال، إنَّ المسجد - يا عبادَ الله - يعمل على تخريجِ جيل مسلِم على درجةٍ عالية مِن الوعي والمعرفة، وهذه هي رسالةُ المسجد، فالمفسِّر للقرآن يخرُج من المسجد، والمحدِّث يتخرَّج من المسجد، والفقيه والخطيب يخطُب في المسجد، والمفتي متخرِّج من المسجد؛ ولذلك فإنَّ المسجد في عصور السَّلَف الصالِح خرَّج قادة الدنيا، وأصحاب التأثير في تاريخ الإنسان، فالخلفاء الراشدون مِن أين تخرَّجوا؟ وأين تعلَّموا؟ أعظم رِجال الأمَّة بعد نبيِّها كانوا عبادًا للحجر، فأصبحوا قادةً وزعماء للبشَر، وكانوا رُعاةً للغنم فأصبحوا سادةً للأمم، جميعهم تخرَّجوا من مسجد المدينة، مسجد محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان مبنيًّا من الطِّين ومسقوفًا بجريد النَّخل، فماذا فعلتِ المساجد التي بُنيت بأرْقَى الخامات؟ وصُمِّمت على أحدث التصميمات؟


هل أثَّرت في مسيرة هذه الأمَّة، وهي تواجه الآنَ تحدياتٍ مِن أصعب ما تمرُّ به الأمَّة؟


هل وقفت مساجدنا سدًّا منيعًا أمامَ حملات الغزو الفكري والعسكري والتيَّارات الهدَّامة؟


الجواب معروف: لا، وألف لا، وذلك أمر يُؤسَف له، أمَّا لماذا؟ فلأنَّنا عمرنا مساجدَنا بالبناء ولم نعمرها بالذِّكْر والدعاء، ولأنَّنا عمرناها بالزخارِف والألوان، ولم نعمرها بتلاوة القُرآن، ولأنَّنا لم نتعاملْ مع المسجد كما تعامَل معه أولئك، عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تقومُ السَّاعة حتى يتباهَى الناسُ في المساجد)).


هذا هو الواقِع الحالي في تعامُلنا اليوم مع المساجِد التي أصبحتْ مظاهر، وأصبحتْ آيات في حسن البِناء ورَوعة الهندسة، تعجب الناظرين في مظهرها إلا أنها في مَخْبرها وجوهرها لم تؤدِّ رسالةً، ولم تحقِّق هدفًا، فانطفأ نورها، وانعدم دَورُها.


المباهاة في عِمارة المساجد مِن علامات الساعة؛ لأنَّ الأمَّة إذا ضعفت ومرضت، واهتمَّتْ بالمظهر على حسابِ الجوهر، وبالقُشور على حساب اللباب، والكمِّ على حساب الكيف، أفَل نجمُها، ودبَّ فيها الوهن والخور والعجز.


صحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إذا زَوقْتُم مساجدكم وحليتم مصاحفَكم، فالدمار عليكم)).


لذلك لمَّا أمر أمير المؤمنين بِبِناءِ المسجدِ قال: "أكِنَّ الناس مِن المطر وإيَّاكَ أن تحمِّر أو تصفِّر، فتفتن الناس"؛ رواه البخاري.


وقال أنسٌ - رضي الله عنه -: "يتباهَون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً"، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لتزخرفنها كما زخْرَفَتِ اليهود والنصارى".


وعن عثمانَ بنِ عفَّانَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقولُ: ((مَن بَنَى مسْجدًا يَبْتغي به وَجْهَ اللَّه بَنَى اللَّهُ له مِثْلَه في الجَنَّة)) ؛ رواه البخاري.


ويجِبُ أن نعمل جميعًا على طهارةِ المسجد ونظافتِه وتطييبه، فهذا شرفٌ عظيم لمَن يقومُ به؛ ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ... ﴾ [الحج: 26].


وعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تقُمُّ المسجد ففقَدَها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: ((أفلاَ كُنتم آذنتموني))، قال: فكأنَّهم صغروا أمرَها، فقال: ((دُلُّوني على قبرِها))، فدلُّوه فصلَّى عليها، ثم قال: ((إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلها، وإنَّ الله - عزَّ وجل َّ- يُنوِّرها لهم بصلاتي عليهم)).


اللهم اجعَلْنا مِن أهل المساجِد وروَّادها، وحبِّب إلينا البقاءَ بها؛ لنكون من أهل الله الصالحين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عمارة المساجد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فضل عمارة المساجد
» فضل عمارة المساجد
» فضل عمارة المساجد والمحافظة على الصلوات فيها
» توجيه البنات. إلى عمارة الأوقات..!
»  إليك يا حفيدة أم عمارة (دروس من سير الصحابيات)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: