اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الابتلاء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
الابتلاء Oooo14
الابتلاء User_o10

الابتلاء Empty
مُساهمةموضوع: الابتلاء   الابتلاء Emptyالإثنين 29 أبريل 2013 - 4:35

الابتلاء


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.



وبعد:

فإن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلى فيها المؤمن بالسراء والضراء، والشدة والرخاء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والشهوات والشبهات، قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].



أي نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم تارة أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، قال ابن عباس: "﴿ وَنَبْلُوكُمْ ﴾: أي نبتليكم بالشر والخير، أي بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال"[1].



ثم قال تعالى: ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ أي: فنجازيكم على مواقفكم من هذه الأحوال، فمن وقف موقف المؤمن واتقى الله في كل حالة نال المثوبة، ومن أساء نال العقوبة.



قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].



وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].



روى البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت قال:

شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: "كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"[2].



وروى الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال:

قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة"[3].



وسأل رجل الشافعي - رحمه الله - فقال: يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل: أن يمكن فيشكر الله - عز وجل -؟ أو يبتلى فيصبر؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم ومحمدًا صلوات الله عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم الله فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة. اهـ[4].



قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55].



قال ابن القيم - رحمه الله -:

والله أسأل أن يجعلكم ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، ولا ينفك عبد عنها أبدًا، فإن العبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاثة. اهـ[5].



والمؤمن يصيبه البلاء تكفيرًا لسيئاته، ورفعة لدرجاته، وحتى يتميز الخبيث من الطيب،، وغير ذلك من الحكم.



روى البخاري في صحيحه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:

دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك وعكًا شديدًا، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجل" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يصيبه أذى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"[6].



وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يرد الله به خيرًا يصب منه"[7].



قال أبو عبيدة الهروي:

أي يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها، وقد تبتلى أمة الإسلام بتكالب الكفار واعتدائهم عليها، إما عقوبة لها على تقصيرها في طاعة ربها، أو ابتلاء واختبارًا لها، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].



وقال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 1، 2].



وما نراه في هذه الأزمان من تكالب أمم الكفر من كل مكان، واتحادهم ضد المسلمين، ما هو إلا مصداق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"[8].



ولن يكون الخلاص والنجاة من ذلك إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم، والبراءة من الشرك وأهله، ويجب على المؤمن أن يكون على ثقة ويقين بنصر الله القريب، وإن كثر الأعداء، وعظمت قوتهم، فإن الله سينصر دينه والمؤمنين، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].



وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].



وقال سبحانه: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 51، 52].



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] تفسير ابن كثير (3/178).

[2] برقم (3612).

[3] برقم (2398) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[4] الفوائد لابن القيم (ص 232- 233).

[5] الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص 3).

[6] برقم (5660).

[7] برقم (5645).

[8] برقم (4297)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/810) برقم (3610).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الابتلاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سنة الابتلاء
» نعمة الابتلاء
» الابتلاء وأنواعه
» الابتلاء والاختبارات
» نعمة الابتلاء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: