اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 رابط الجوار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100205
رابط الجوار Oooo14
رابط الجوار User_o10

رابط الجوار Empty
مُساهمةموضوع: رابط الجوار   رابط الجوار Emptyالأربعاء 24 أبريل 2013 - 19:43

رابط الجوار


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، دعا إلى حسن المعاملة، وإلى التعاون على البر والتقوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جمع على الخير قلوب المؤمنين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أعظم الناس خلقا، وأحسنهم جوارا، وأكرمهم عشرة، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمدا وعلى آله وصحبه الذين تأسوا بسنته فكانوا نماذج للمكارم، ومثلا للوفاء: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [ البقرة:5].



أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فهي طريق جنان ربكم التي وصفها لكم ربكم بقوله: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران 133].


أيها المسلمون:

فإن الروابط بين الناس كثيرة، والصلاتِ التي تصلُ بعضَهم ببعض متعددة، فهناك رابطةُ القرابة ورابطةُ النسب والمصاهرة ورابطةُ الصداقة ورابطةُ الجوار، وغيرها من الروابط التي تقوم الأمم بها وتقوى بسببها، فمتى سادت هذه الروابط بين الناس على أساس من البر والتقوى والمحبة والرحمة عظمت الأمة وقوي شأنها، ومتى أُهملت هذه الحقوق وتفصّمت تلك الروابط شقيت الأمة وهانت وحل بها التفكك والدمار، من أجل ذلك -عباد الله- جاء الإسلام بمراعاة هذه الروابط وتقويمها وتمكينها وإحاطتها بما يحفظ وجودها ويعلي منارها بين المسلمين.



ومن بين هذه الروابط العظيمة التي دعمها الإسلام وأوصى بمراعاتها وشدّد في التقصير في حقوقها وواجباتها رابطةُ الجوار، تلك الرابطةُ العظيمة التي فرّط كثير من الناس فيها ولم يرعوها حق رعايتها؛ إما جهلاً منهم بحقوق الجوار وإمّا تناسيًا لها، أو لا مبالاة بأذى الجار والاعتداء عليه، مما سبب التنافر والتباغض بين المسلمين، بل والعداء والكيد فيما بينهم، أفرادًا وجماعات، وحتى دُولاً مسلمةً متجاورة!! ولقد قرن الله حق الجار بعبادته وتوحيده وبالإحسان للوالدين واليتامى والأرحام، فقال عز من قائل: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [النساء: 36] والجار ذي القربى: هو الذي بينك وبينه قرابة، أو مَن قرب جواره، وقيل: المسلم.


والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، أو غير المسلم. هذه وصية الله عز وجل في كتابه، أما وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت في صورة جليلة وتعبير مستفيض لمعاني وحقوق الجار، والوصاية به، والصيانة لعرضه، والحفاظِ والسترِ لعورته، وغضّ البصر عن محارمه، والبعد عن كل ما يريبه ويسيء إليه، قال فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه".



أمة الإسلام:

عندما يكون المجتمع مجتمعاً مؤمناً ملتزما بالآداب الشرعية، تتحقق الوصية بالجار، ونبث معاني الإيمان بين الناس ونعمق معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذين جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" أخرجه البخاري. فالإيمان هو الأساس في القضية كلها، لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" رواه الحاكم. وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث، وليؤد الأمانة، ولا يؤذ جاره". أخرجه عبد الرزاق في مصنفه. وفيه أيضا عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون الرجل مؤمناً حتى يأمن جاره بوائقه"، وأصل الحديث في البخاري عن أبي شريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه". ولفظ مسلم وأحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه". ثم يتساءل الحسن رضي الله عنه عن معنى الإيمان دون الإحسان إلى الجار فيقول: "وكيف تكون مؤمناً ولا يأمنك جارك؟! وكيف تكون مؤمناً ولا يأمنك الناس؟!" وبوائقه جمع بائقة، وهي الداهية، والشيء المهلك، والأمر الشديد الذي يوافي بغتة، وقيل: بوائقه: يعني شره.


أيها الأحبة:

تتنوع أذية الجار في زمننا هذا أنواعا كثيرة، فكم - وللأسف - بيننا من صورٍ مشاهدةٍ ملموسةٍ للإخلال بهذا الحق العظيم بين الجيران في مثل مضايقة الجار بإيذائه بالروائح الكريهة المنبعثة من مياه المجاري والزبائل ونحوها، أو إيذائه بالاعتداء على حقوقه كأخذ شيء من أرضه والتعدي على حدوده بإزالةٍ أو تغيير، أو بالسرقة من الجار وأخذ شيء من متاعه، فقد جاء عن المقداد بن الأسود قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فما تقولون في السرقة؟" قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام، قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره".ومن صور الأذى للجيران التعدي على الجار بإيذاء أبنائه أو العبث بسيارته وممتلكاته، والإزعاج برفع الصوت المنكر، كصوت الغناء أو إطلاق منبّهات السيارات والإزعاج بها، وخاصة في وقت النوم والراحة، فكل هذه صورٌ من الأذى المحرم بين الناس وبين الجيران من باب أولى. ومن أعظم وأخطر صور الأذية للجار الخيانةُ والغدر به، كالتجسس عليه، والوشايةِ به عند أعدائه، وتتبع عوراته، أو يبني بناء يكشف عورته أو النظر إلى محارمه عبر سطح المنزل أو النوافذ المطلّة، أو حال زيارةِ الجيران لأهله، وغير ذلك كثير.


فيا عبد الله:

أعلم أن أذية الجار تذهب الأجور، وعاقبتها ويل وثبور، فعن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، "قال هي في النار". قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في الجن." وضع تحت قوله بلسانها خطوطا لتعرف مدى الخطر الذي يحيق بصلاتك وصيامك إذا آذيت جيرانك بلسانك، فكيف إذا صاحب اللسان فعل الجوارح؟ وبالمقابل.. فإن احتمال أذى الجار من الإيمان، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل... هؤلاء الذين يحبهم الله: الرجل يلقى العدو في الفئة فينصب لهم نحره حتى يقتل، أو يفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض، فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم، والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن". الحديث، أخرجه أحمد. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من جار السوء فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول". وهو في مصنف ابن أبي شيبة. وانظر معي إلى هذا الموقف الرائع من حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - في حل مشكلة حصلت على عهده بين جارين في المدينة؛ وانظر إلى استغلاله - صلى الله عليه وسلم - للبعد الاجتماعي القضية: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فشكا إليه جاره، فقال: يا رسول الله "إن جاري يؤذيني." هذه مشكلة جار يؤذي جاره مطروحة أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر إلى أسلوبه وحكمته في المشكلة،حيث لم يستدع المعتدي ولم يعاقبه العقوبة التي قد نتوقعها؛ بل انتهج سبيلاً آخر.. فقال: "أخرج متاعك فضعه على الطريق" فأخرج متاعه فوضعه على الطريق فجعل كل من مر عليه قال: ما شأنك؟ قال: إني شكوت جاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أخرج متاعي فأضعه على الطريق، فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم أخزه، قال: فبلغ ذلك الرجل فأتاه فقال: "ارجع فوالله لا أؤذيك أبدا". رواه الحاكم والطبراني. فلهذا كان من المتحتم على المؤمن الحق أن يكون حريصاً كل الحرص على اختيار جيرانه لأن الجار السيئ قد لا يكون أثره فقط في الأذى الحسي، بل قد يكون أذاه المعنوي والأخلاقي أشد من مجرد رفع صوت الأجهزة المسموعة أو العبث بمرافق البناء السكني.. فقد تؤثر تربيته السيئة لأولاده على أولادك ،وقد تثير زوجته الفضولية المشكلات بينك وبين زوجك، وقد، وقد وللأسف فإن هذه النماذج قد انتشرت في مجتمعنا اليوم.



أيها المسلمون:

إن واجب الجار على جاره احتمال أذاه، فللرجل فضلٌ في أن يكفّ عن جاره الأذى، وله فضل في أن يذودَ عنه ويحميه، وله فضل في أن يواصلَه بالإحسان إليه جهده. وهناك فضل آخر وهو أن يغض عن هفواته، ويتلقى بالصفحِ كثيرًا من زلاّته وإساءاته، ولا سيما إن صدرت عن غير قصد. فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم، وقد فقه السلف هذا المعنى وعملوا به، روى المروذي عن الحسن: "ليس حسن الجوار كفّ الأذى، حسنُ الجوار الصبر على الأذى".وكم نرى ونسمع في مخالفات لهذا الحق بين الجيران، فكم من الناس من هو كثيرُ الخصومة والملاحاةِ مع جيرانه، يشاجرُ على كل صغيرة وكبيرة، وربما وصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي، أو تطوّرَ إلى الشُرطِ والمحاكم، وعلى أمور لا تستدعي. وكم من جيران تهاجرُوا وتقاطعُوا عند أسباب تافهة أو ظنون سيئة، أو لخلافات يسيرة، لا تستدعي ما وصلت إليه.


إخوة الدين والعقيدة:

من الحق الذي لا مراء فيه أننا بتنا نفتقد تلك النماذج الجميلة والتي كانت إلى الأمس القريب سائدة شائعة فيما بيننا،فجيلنا يتذكر كيف كان أهل الحي يتنادون جميعاً لمواساة جار لهم ألمت به ضائقة أو نزلت به مصيبة، وكيف كانت الأمهات إذا طبخت إحداهن طعاماً مميزاً تسارع إلى أن تطعم معها بعض الأقارب والجيران. فينبغي علينا أيها الأخوة أن نعيد معاني هذا الجوار الطيب في المجتمع. نريد أن نعيد معنى وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله تعالى عنه: "يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك" رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن الذي يبيت وجاره إلى جنبه جائع" رواه الحاكم.نريد أن نعيد معنى الهدية بين الجيران وأثرها في زرع المحبة فيما بينهم؛ وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي: "يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة". أخرجاه في صحيحيهما. والفرسن هو عظم قليل اللحم.. والمعنى كما بيّن ابن حجر في الفتح: "وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلا فهو خير من العدم،وذكر الفرسن على سبيل المبالغة". وقد كان هذا دأب عائشة رضي الله عنها وقد سألت مرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا". رواه الحاكم فاتق الله عبد الله، وكن مؤمنا يأمنك جارك بوائقك، فتدخل الجنة، وتنجو من النار، والله أسأل أن يحسن جوارنا في هذه الدار، وأن يكون حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - جارا لنا في دار كرامته، ومستقر رحمته، واستغفروا الله، من كلّ ذنب وخطيئة، إنّه كان غفّارًا.


الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أمرنا بالبر والإحسان، وجعل الإحسان إلى الجار من الإيمان، أحمده سبحانه جعل القيام بحق الجار من كمال الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد المنان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله السابق إلى كل خير وإحسان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.


معاشر المسلمين:

يجب علينا أن نعلم أننا لا نعني بالمجتمع الإسلامي المجتمع الذي كل أفراده مسلمون، بل يدخل فيه المجتمع الذي يدور في فلك الإسلام وهداياته الراشدة وتعاليمه السمحة، حتى وإن تخلل بعض أفراده غير المسلمين، فقد يكون فيه المسلم وغير المسلم، وأروع مثل على هذا المجتمع: المجتمع الذي أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة النبوية، الذي كان يضم المسلمين واليهود والمشركين في مجتمع واحد متماسك تسوده الألفة والأخلاق الراقية. وقد جاء في بنود الصحيفة التي أبرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهل المدينة وفيهم المشركون واليهود عند دخوله إليها: وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.." ذكرها ابن هشام في السيرة، والأخبار التي جاءتنا عن ذلك المجتمع تزخر بمعاني احترام الجار ورعايته والاهتمام بشؤونه حتى ولو لم يكن مسلماً. قال ابن حجر: واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد ،وله مراتب بعضها أعلى من بعض ،فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد،وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطي كل حقه بحسب حاله،وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي،وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم، "فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدي منها لجاره اليهودي" أخرجه البخاري والترمذي وحسنه،وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من حديث جابر رفعه "الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام ،وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم". وعن الشعبي قال: ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة، وكانت نصرانية، فشيعها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ذكرها عبد الرزاق في مصنفه. فالإكرام للجار - بأمر من الشريعة نفسها - هو للجار المسلم وغير المسلم.


فيا أيها الحبيب:

تأمل معي ما رواه عبدالرزاق، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت".


فيا أيها الأخوة المؤمنون: نريد أن نعيش معاني الحفاظ والحرص على الجار الصالح وعدم التفريط في صحبته وجيرته فقد كان لعبد الله بن المبارك جار يهودي؛ فأراد أن يبيع داره؛ فقيل له: بكم تبيع؟ قال: بألفين! فقيل له: لا تساوي إلا ألفاً. قال: صدقتم؛ ولكن ألف للدار، وألف لجوار عبد الله بن المبارك. فأخبر ابن المبارك بذلك،فدعاه، فأعطاه ثمن الدار، وقال لا تبعها. وباع أبو جهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: بكم تشترون جوار سعيد بن المسيب؟ قالوا: وهل يشترى جوارٌ قط؟ قال: ردوا علي داري ثم خذوا مالكم، لا أدع جوار رجل، إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني جائحة فرج عني، فبلغ ذلك سعيداً، فبعث إليه بمائة ألف درهم. ذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان.



أمة الإسلام:

إن حصر هِدايات التشريع الرباني في قضية رعاية الجار بعدم إيذاءه هو غلط كبير يقع فيه كثير من الناس،وبسبب هذا الفهم المغلوط صار بعض الناس يكثرون من القول: "يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي" ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ [الكهف: 104]، ويصونون حق الجوار ويؤدون ما عليهم من واجبات والتزامات.والحق أن للجار واحترام حقوقه أهمية عظيمة في الإسلام، هذا وإن للجار حقوقاً كثيرة؛ منها: تفقد حاله ومواساته، ومنها إقالة عثرته. ونختم خطبتنا بما رواه الإمام الخرائطي في مكارم الأخلاق وهو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه. أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات تبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده".


اللهم وفقنا لمعرفة هذه الحقوق وأدائها إلى أصحابها وأعنا على تطبيقها وتبليغها، واغفر لنا ما كان فيها من عجز أو تقصير اللهم اهد جيراننا ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وارزقنا وإياهم الألفة والمحبة والأخوة التي كتبتها بين عبادك المؤمنين في هذه الدار.


أيها الأخوة الأخيار:

وصلوا وسلموا على خير من قام بحقوق الجار، النبي المختار، سيد الأبرار، صادق الأخبار، فقد أمركم الله بذلك الواحد القهار: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار. ماتعاقب الليل والنهار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأبرار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين الأنصار، وعنا معهم بعفوك وكرمك ياعزيز ياغفار، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين والكفار، ودمِّر أعداء الدين، اللهم من أراد الإسلام وأراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.



اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وانصر به الدين يا رب العالمين، اللهم ارزقه الصحة، إنك على كل شيء قدير.


اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا ذا الجلال والإكرام. اللهم تول أمرنا وأحسن خلاصنا وأحفظ أمننا وبلادنا وقراننا ومساكننا ياذا الجلال والإكرام، ﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91].


واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رابط الجوار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: