اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 آفات اللسان وأضراره

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
آفات اللسان وأضراره Oooo14
آفات اللسان وأضراره User_o10

آفات اللسان وأضراره Empty
مُساهمةموضوع: آفات اللسان وأضراره   آفات اللسان وأضراره Emptyالأربعاء 24 أبريل 2013 - 16:14

آفات اللسان وأضراره


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، يهدي إلى الطيب من القول، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشرف الخلق وأزكاهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]



عباد الله:

اتقوا الله تعالى واحفظوا جوارحكم، وصونوا أنفسكم عن سفيه الأقوال والأفعال، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».



فاللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فهو صغير الحجم عظيم الطاعة والجرم، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، ولقد تساهل كثيراً من الناس في حفظ ألسنتهم فأطلقوا لها العنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحباله، فإن لهذا اللسان آفات عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع. آفات عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها الكثير. آفات عظيمة تَوَلَدَتَ منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسببها رياح العداوة والبغضاء. آفات عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين. فمن هذه الآفات ( السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب) وهذا محرمٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11] ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «بحَسْبِ امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، والسخرية تعني الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك، وأشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله، ولخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله ودينه وكتابه ورسوله وآياته وعباده الصالحون، فيما فعلوا من عبادة ربهم: كفر بواح، يخرج من الملة بالكلية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفرٌ يكفر صاحبه بعد إيمانه. ولقد تُفنن في أنواع السخرية والاستهزاء، فهناك مَنْ يهزأ بالحجاب، وآخر يسخر بتنفيذ الأحكام الشرعية، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك..وكما أن سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أيضاً لها نصيب من مرضى القلوب، فظهر الاستهزاء باللحية وقصر الثوب وغيره. وَلِنعلمَ خطورة الاستهزاء على دين الرجل فلنستمع إلى قوله تعالى:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66].



ومن الآفات (الفحش والسب واللعن وبذاءة اللسان) وكل هذا مذموم ومنهي عنه، وللأسف إن هذه الأمور قد انتشرت كثيراً بين الناس في هذا الزمان، فتجد الوَالِدَ والأم يسبان أبناءهم ويلعنونهم، وكذلك الصديق يسبُّ ويلعن صديقه، حتى الطفل الصغير تجده قد تعود كيل السباب واللعائن للآخرين، وربما فعل ذلك بأبيه وأمه وهما ينظران إليه فرحين مسرورين. قال:- صلى الله عليه وسلم - «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا بالبذي»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «سبِاب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، قال النووي رحمه الله: (السب في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعنيه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً وانتهاكاً لأعراض المسلمين، أنهم يكونون فُساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله، وأن ذلك يوردهم موارد الهلكة ومراتع الحسرات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم كالمشرفِ على الهلكة».



وأحذر أخـي أن تكون سبباً في سبّ والديك فتكون كمن سبهما، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال:«يسبُّ أبا الرجل فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمه فيسبُّ أمه»، ومن المؤسف أن ذلك قد انتشر بين أبناء المسلمين وطلابهم.



ومن آفات اللسان أيضاً (اللعن) واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وقد ورد في اللعن وعيدٌ شديد وتهديدٌ أكيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن المؤمن كقتله» وتأمل أخـي في جريمة قتل المؤمن التي شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - اللعن بها، فتأمل شدة قبحها، وما رتب الله عليها من العذاب والنكال واللعنة والغضب في الدنيا والآخرة؛ لتعرف بذلك خطورة اللعن والتمادي فيه. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93] فأي جرم هذا الجرم؟ وأي خطيئة تلك هذه الخطيئة؟!. ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تأخر منازل اللعانين يوم القيامة فقال:« لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة».



وإن بعض الناس عباد الله لم يسلم منه حتى الجماد والحيوان وغيره من مخلوقات الله، فتراه يسبُّ ويلعن ويضرب كل شيء حوله، ولقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سب أو لعن كل شيء لا يستحق اللعن، حتى ولو كان حيواناً أو جماداً، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً لعن الريح عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تلعن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئاً ليس له بأهل؛ رجعت اللعنة عليه». هل تعلم أخي أين تذهب هذه اللعنة؟ هل تدري أيها اللعان أن لعنتك تصعد إلى السماء، فيهرب أهل السماء منها خشية أن تصيبهم؟! ثم أنها تهبط إلى الأرض بعد ذلك فتهرب الكائنات منها خشية أن تصيبهم؟! ثم هل تدري أنها تعود إليك إذا كان من لعنت لا يستحق لعنتك؟ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها». فلماذا تحمل نفسك أخي هذا الذنب العظيم، وتصر على هذا الجرم الكبير؟ ألا تخشى أن ترجع إليك لعنتك، فتطرد من رحمة الله عز وجل، وتكون من المبعدين المقبوحين؟ ويا من تسب وتلعن أبنائك لماذا لا تعود لسانك على الدعاء لهم بالهداية والصلاح؟ فكم من شاب قد غرق في لججِ المعاصي والآثام، ولم يوفق في شيء، فكان ذلك بسبب لعنةٍ لعنها إياه والِديه فوافقت ساعة إجابة.



ومن الآفات آفة (الكذب) وهو جماع كل شر، وأصل كل ذم، وأنه ليس من صفات المؤمنين، وإنما هو من صفات المنافقين، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ من كُنَّ فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر»، أخي لو تفكر الكذَّاب في شدة عقابه يوم القيامة؛ لردعه ذلك عن هذا الخُلُق الذميم! ففي الحديث الطويل الذي يرويه سمرة بن جندب رضي الله عنه، في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - التي قصها على أصحابه.. قال - صلى الله عليه وسلم -: «فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوب من حديد! وإذا هو يأتي شدقَّي وجه، فيُشرَشْرُ شِدْقَهُ إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه! ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يَصحَ ذلك الجانب كما كان! ثم يعود عليه، فيفعل مثلما فعل المرة الأولى، فقلت لهما من هذا؟ فقالا: إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»، فتأمل أيها العاقل في شدة هذا العذاب! هل يطيقه أحد؟ فإياك إياك أخي من الكذب ومضاهره، وإنك لتجد بعض الناس مغرماً باختلاف الأخبار والقصص! لأضحاك الناس وتسليتهم! ومثل هذا توعده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالويل! فقال: - صلى الله عليه وسلم -: « ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب؛ ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له».



ومن الآفات (القذف)، فأعلم أخي أن القذف صاحبه ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23] فيا ويل هؤلاء من عذاب الله ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24] وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج».



ومن الآفات (الغيبة) وهي خصلة ذميمة لا تصدر إلا من جبان، لا تصدر إلا عن نفس خبيثة، نفس دنيئة، وهي كما عرفها النبي - صلى الله عليه وسلم - «ذكرك أخاك بما يكره» وحذر منها سبحانه وتعالى فقال: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وأخبرنا - صلى الله عليه وسلم - عن قوم ليلة أسري به يأكلون الجيف، فلما سأَلَ جبريل عنهم قال: (هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في غيبتهم)، فمن الناس من يطعن ويغتاب أخيه المسلم ويمس ويتكلم ويعيب في عرض أخيه، وذلك إما لحقده أو لحسده، أو لتطفله وقلت حيائه، فليتقي الله هذا وأمثاله، وليعلم المغتاب أنه متعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأن الغيبة مخبطة لحسناته يوم القيامة، فعليك أخي أن تتدبر وتشتغل بعيوبك عن عيوب غيرك، فربما أنت أكثرهم عيبا. وهل ترضى أخي أن يغتابك أحد؟ كلا والله فكيف سيرضى غيرك بذلك.



ومن الآفات (النميمة) وهي نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإلقاء العداوة والبغضاء بين الناس، تجده يذهب إلى فلان ويقول له قال فيك فلان كذا وكذا ويذهب إلى الآخر ويقول قال فلان فيك كذا وكذا، فيشب العداوة بينهم، فالنميمة من كبائر الذنوب فهي سبب في عدم دخول الجنة وعذاب النار وعذاب القبر قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - « لا يدخل الجنة نمام »، ومر بقبرين فقال: « إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرىُ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ». وأن النمام يكون في أبعد المنازل يوم القيامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - صلى الله عليه وسلم -:« أقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً يَأَلفون ويؤلفون، وأبعدكم مني منازل يوم القيامة المتفيهقون ـ أي المتكبرون ـ المتفيهقون المتشدقون المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب ». فأنظر أخي إلى النمام وما أُعِدَ لهُ مِن عقوبات، لا يدخل الجنة، معذبٌ في قبره، بعيداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، فهلا ابتعدت أخي عن هذا العمل المذموم، وأنكرت ونصحت وحذرت من نقل إليك كلام الناس فيك، ورفضت تصديقه وتأكت من صحة كلامه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6] ولقد أمر الله عز وجل نبيه بالإعراض عن الحلافين والنمامين فقال: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10، 11] واعلم أخي أن من نقل إليك كلام الناس فيك أنه سينقل عنك مالم تقله.



أيها المسلمون:

إن هناك آفات أخرى كثيرة، غير ما ذكرنا أذكر منها إجمالاً: الكلام فيما لا يعنيك، الخوض في الباطل، الغناء، شهادة الزور، وإفشاء السر، واليمين الكاذب، والتعير والتوبيخ، وغير ذلك كثيرٌ جداً.



وهناك عباد الله ألفاظ وعبارات نهت عنها الشريعة وحذر منها أهل العلم، ومن هذه الألفاظ: قول شاءت الأقدار أو الظروف؛ فالأقدار والظروف لا تشاء وإنما هي بيد الله. وقول وجه الله تفضل أو وجه الله تأكل؛ وهذا لا يجوز لأنه استشفاع بالله على المخلوق. وقول أعوذ بالله وبك أو ما شاء الله وشأت. وقول بعض العامة الله والنبي، أو الله ومحمد، وقول البعض عند التحية صبحك - أو مساك - الله بالخير وهذا منكر. وقول البعض اللهم اغفر لي إن شئت وهذا منهي عنه. وقول البعض عن الميت دفن في مثواه الأخير أو قول ربنا افتكره وهذا محرم لا يجوز. وقول بعض الناس يا رحمة الله - يا عزة الله. وهذا من دعاء الصفة والصفة لا تدعى وإنما يدعى الموصوف فالواجب أن يقول: يا رب العالمين يا أرحم الراحمين. ومن الألفاظ قول البعض إذا دعي إلى الأكل قال: يأكل معكم الرحمن. وقول البعض هذا من العادات والتقاليد الإسلامية وهذا منكر لأن الإسلام ليس عادات وتقاليد، وإنما هو وحي أوحى به إلى رسله وأنزل به كتبه. وقول البعض المرض الملعون وهذا من تسخط أقدار الله، وقول البعض للمرأة يا حطب جهنم وهذا لا يجوز. وقول البعض فال الله ولا فالك وهذا لا يجوز لأن هذا يوهم أن يكون الفأل صفة لله. ومن الألفاظ قول البعض فلان ما فيه خير أبدا، وهذا لا يجوز لأن المؤمن فيه خير وإن كان عاصياً.



هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية
آفات اللسان وأضراره

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى أصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد.



أيها المسلمون:

قد عرفنا شدة خطر اللسان، وما يجلبه على من أهمله وأطلق له العنان من ذنوبٍ وأمورٍ عظام. فاللسان خطره عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، ولهذا حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصمت فقال: «من صمت نجا» وقوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:« إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك ». فأحفظ لسانك أخي فإن حفظ اللسان ملاك الخير كله، وهذا ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل بعد أن ذكر له الإسلام والصلاة والجهاد ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» قال بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال:«كُف عليك هذا» فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُ الناس في النار على وجههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم»، فحفظ اللسان إذن هو ملاك الخير كله، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة. فأمسك لسانك أخي وألجمها بلجام التقوى، قال بعض السلف: أعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تشكرها. فلا تطلق العنان للسانك أخي فتهلكك، فرب كلمة تلقيها لا تلقي لها بالاً يكتب الله بها سخطه إلى يوم القيامة والعياذ بالله، فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة».



فيا أيها المسلمون:

احفظوا ألسنتكم، لا تطلقوا لها العنان فتهلككم، وإذا أردتم الكلام في شيء فتذكروا قول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18] فما تلفظ يا عبد الله من قول، ولا تعمل من عمل، إلا كتب لك أو عليك، في كتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. فاعلموا أخواني، وأيقنوا تمام اليقين، أنكم محاسبون على كل كلمة تخرج من أفواهكم، فما جوابكم يوم القيامة إذا سئلتم ألم تتكلم بكذا وكذا؟ ألم تقل في أخيك كذا وكذا؟ ما جوابكم إذا سئلتم عن أذية المسلمين بألسنتكم؟ فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.



عباد الله:

هلا تزودنا من الدنيا بالأعمال والأقوال والذكر الصالح، وهلا تخلقنا بالأخلاق والأقوال الحسنة، بعيدين عن الأخلاق والأقوال السيئة، وهلا تعقلنا واتخذنا من رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة، وهلا رطبنا ألسِنَتِنَا بذكر الله وتلاوة كتابه، وهذبناه بالتقوى، وصناها وحفظناها من الأقوال والألفاض السيئة، فيا لقرة عين، مَن سلك بلسانه طريق الخير؛ من ذكرٍ وتلاوةٍ واستغفارٍ وتحميدٍ وتسبيحٍ وشكرٍ وتاب، ويا لخيبة مَن سلك بلسانه طريق الشر، من كذبٍ وهتكٍ للأعراض وجرحٍ للحرمات وآذى به الناس، فطوبى لعبد قال خيراً فغنم، أو سكت عن الشر فسلم.



فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.



اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والأكرام.



اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك ألسنة ذاكرة صادقة، وقلوباً سليمة، وأخلاقاً مستقيمة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم يا حي ياقيوم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والأخرة، وأصلح لنا أعمالنا وأقوالنا، وأحسن أخلاقنا وطهر قلوبنا يا رب العالمين. اللهم وانصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وثبتهم على كلمة الحق يا رب العالمين.



عباد الله:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
آفات اللسان وأضراره
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: