اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  ساعدوني على الرِّضا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100190
 ساعدوني على الرِّضا Oooo14
 ساعدوني على الرِّضا User_o10

 ساعدوني على الرِّضا Empty
مُساهمةموضوع: ساعدوني على الرِّضا    ساعدوني على الرِّضا Emptyالأربعاء 24 أبريل 2013 - 15:00


السؤال

السلام عليكم، أنا فتاةٌ أبلُغ من العمر 27 سَنة، تعرَّضتُ للكثيرِ من المضايقات بسببِ شكْلي غير الجميل:

تعرَّضتُ للتحرُّش من قِبل زوْج عمَّتي وأنا صغيرة.



تعرَّضتُ لسخريةٍ مِن قِبل عائلتي وزُملائي، وحتى من قِبل أشخاصٍ عابرين في حياتي.



دائمًا تَنتابني هذه الذِّكريات المؤلِمة، حتى أتمنَّى لو كنتُ متُّ، وأصبحتُ نسيًا منسيًّا؛ بسبب كلِّ ما ذكرته سابقًا.



ابتليتُ بالرِّهاب، لم أعدْ أستطيعُ الخروجَ من البيت إلاَّ للعمل، لم أعُدْ أملِك الشجاعةَ للقيام بأيِّ أمر، ولو كان يسيرًا!



فقدتُ الأمَل في الزواج، فلا أحَدَ سيرضى بالزواج من فتاةٍ مِثلي، فالكلُّ يَبحَث عن الجمال أولاً، ثم التديُّن والأخلاق.



أرجو مِن سيادتكم بعضًا من المواساة والدُّعاء لي بأن يُعينني الله على الرِّضا بالقضاءِ والقَدَر.



وجزاكم الله خيرًا.
الجواب

أختي العزيزة، وفَّقكِ الله.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



الرِّضا بالقضاء! لقدْ سألتِ عن عظيم، عظيم في شأنِه وأمرِه، وعظيم في ثوابِه وأجْرِه، كتبَنا الله أجمعين مِن أهل الرِّضا بالقضاء والقدر، وجمَعَنا في ظلِّ عرشه يومَ ينادي: ﴿ يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾ [الزخرف: 68 - 70[، اللهمَّ آمين.



للرِّضا بالقضاءِ أسبابٌ، ذكَر بعضَها الحافظُ ابن رجب في كتابه القيِّم "نور الاقتباس في شرْح وصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لابن عبَّاس - رضي الله عنهما"، مِن ذلك قوله:



أولاً: يقين العبدِ في الله، وثِقته به بأنَّه لا يَقضي للمؤمِن قضاءً إلاَّ وهو خيرٌ له، فيصير كالمريضِ المستسلِم للطبيب الحاذِق الناصِح، فإنَّه يرضى بما يفعله به مِن مؤلِم وغيره؛ لثِقته به، ويَقينه أنَّه لا يُريد له إلا الأَصْلح.



ثانيًا: النَّظَر إلى ما وعَد الله مِن ثواب الرِّضا، وقد يستغرقُ العبدُ في ذلك حتى ينسى ألَمَ المقضيِّ به، كما رُوي عن بعض الصالحات مِن السَّلف أنها عثَرَتْ فانكسر ظفرُها، فضحِكت، وقالت: "أنستْني لذَّةُ ثوابِه مرارةَ ألَمِه".



ثالثًا: وهو أعْلى مِن ذلك كلِّه: الاستغراقُ في محبَّة المبتلِي، ودوام ملاحظةِ جلاله وجمالِه، وعظمته وكماله، الذي لا نهايةَ له، فإنَّ قوة ملاحظةِ ذلك يُوجِب الاستغراقَ فيه، حتى لا يشعر بالألَم، كما غابَ النِّسوة اللاتي شاهدْنَ يوسف - عليه السلام - عن ألَم تقطيع أيديهنَّ بمشاهدته؛ انتهى كلامه.



رابعًا: قال ابن قيِّم الجوزية في "مدارج السالكين": "من أعظمِ أسباب حصول الرِّضا: أن يلزم ما جعَلَ اللهُ رِضاه فيه، فإنَّه يوصله إلى مقامِ الرضا ولا بدَّ، قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبدُ إلى مقام الرِّضا؟ فقال: إذا أقام نفسَه على أربعة أصول فيما يُعامِل به ربه، فيقول: إنْ أعطيتني قَبِلتُ، وإن منعْتَني رضِيت، وإن تركْتَني عبدْتُ، وإن دعوْتَني أجبتُ".



خامسًا: قال ابن الجوزي في "صيْد الخاطر": "إنَّ الرِّضا من جملة ثمرات المعرِفة، فإذا عرفتَه، رضيتَ بقضائه، وقد يَجْرِي في ضِمن القضاء مرارات، يجد بعضَ طعمها الرَّاضي، أما العارِف، فتقلُّ عندَه المرارة، لقوَّة حلاوة المعرِفة، فإذا ترقَّى بالمعرفة إلى المحبَّة، صارتْ مرارةُ الأقدار حلاوة".



وقال ابن تيمية: "الرِّضا والحَمْد على الضرَّاء يُوجِبه شاهدان، أحدهما: عِلْم العبد بأنَّ الله – سبحانه - مستوجِب لذلك، مستحقٌّ له لنفسه، فإنَّه أحْسَن كلَّ شيء خلَقَه، وأتْقَن كلَّ شيء، وهو العليم الحَكيم، الخبير الرحيم، والثاني: عِلْمه بأنَّ اختيار الله لعبدِه المؤمِن خيرٌ من اختياره لنفسِه، كما رَوَى مسلم في صحيحه وغيرُه عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّه قال: ((والذي نفْسي بيده لا يَقضِي الله للمؤمِن قضاءً إلا كان خيرًا له، ليس ذلك إلاَّ للمؤمِن؛ إنْ أصابتْه سرَّاءُ شكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ فصَبَر فكان خيرًا له)).



سادسًا: النَّظَر إلى مَن هو دونكِ عِلمًا وفَهْمًا، ونِعَمًا، ونَصيبًا ورِزقًا؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((انظُروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تَنْظروا إلى مَن هو فوقَكم، فهو أجدرُ ألاَّ تزدروا نِعمةَ الله))، قال أبو معاوية: "عليكم"؛ رواه مسلم.



أختي العزيزة:

ذكرتِ ثلاثة أمور تُثير حُزنَك وألمك:

1. أنَّكِ لستِ جميلة.

2. تعرُّضك للتحرُّش الجِنسي في صِغَرك.

3. تعرُّضك للسخرية من الآخرين.



وكلُّها أمورٌ تثير الحزنَ حقيقةً، ولا ألومُكِ على مشاعركِ، ولا على النتيجة المَرَضيَّة التي وصلتِ إليها؛ جرَّاءَ ذلك، لكنِّي أحب أن أُذكِّرك ببعض الأمور:



أولاً: ربْطُك موضوع الزواج بالجَمال هو ربطٌ غير صحيح، فالزواج رِزق، والجمال رِزق، فإنْ شاء الله قدَّرهما لكِ جميعًا، وإن شاء منعهما عنكِ جميعًا، أو شاء منحَك أحدَهما ومنع عنكِ الآخَر، وكلُّ ذلك لحِكمة خفيَّة، لا يعلمها إلا هو، وصَدَق مَن قال:


فَلَسْتَ تَنَالُ رِزْقًا لَمْ تَنَلْهُ
وَلَوْ أَبْصَرْتَهُ مِمَّا يَلِيكَا



وأنت ما زلتِ صغيرة على أن تظنِّي أنَّ قطارَ الزواج قد ارْتَحل!



صدِّقيني قطاركِ لم يَرْحَلْ، ولكن ساعة قدومه لمحطَّتكِ لم تَحِن بعدُ، ولا تسأليني ولا تسألي نفْسَك متى يَحين الموعِد، فعِلم المواعيد في عِلم الغيب، وأنا وأنتِ نؤمِن بأنَّ الله وحدَه مَن يملك مفاتحَ الغيب؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، سبحانه: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 26]، فلا تَقْنطي من رحمةِ الله، وقولي دائمًا: "اللهمَّ رضِّني بقضائك، وبارِكْ لي في قدرك، حتى لا أُحِب تعجيلَ شيء أخَّرْتَه، ولا تأخيرَ شيء قدَّمْتَه".



في المقابل لا تَجْعلي الزواج غايةَ همِّك، ولا مُنْتهى أملك، أو مصدرَ سعادتك.



بِوُدِّي أن أفهمَ ما الذي يَضير الفتياتِ إن لم يتزوجْنَ؟! كلامُ الناس؟!

إذًا رِضا الناس أهمُّ لدَيْنا مِن رضا الله؛ خالِق الناس! وهذا يعني أنَّ لدَيْنا خللاً كبيرًا في عقيدة الإيمان بالقضاء والقَدَر، والمتتبِّع لمواقِع القدر يجدها إمَّا خيرًا وإما شرًّا، فلِمَ نظنُّ دائمًا بأنَّ الزواج هو الخيرُ كلُّه؟! لِمَ لا ننظر إلى الزواج بأنَّه شرٌّ ووبال، وقد صرَفه الله تعالى عنَّا؟!



هذا مِن ناحية، ومِن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الجمال وإنْ كان أمرًا محبَّبًا، إلا أنَّ قصرَه على بعض المواصفات والمقاييس هو تفكيرٌ في غايةِ القُبح يا عزيزتي، فالجمالُ أمرٌ نِسبي، وما قد ترينه أنتِ غايةَ الجمال، ربَّما أراه أنا غايةَ القُبح، وهذه حقيقةٌ ملموسة في مسابقات الجَمَال الدولية.



وغاية القصد أنَّ نظرتك إلى نفْسِك في المِرآة مغايرة تمامًا لنظرةِ الناس إليكِ، أضِيفي إلى ذلك أنَّ الجمال لا يقتصر على ملامِحِ الوجه فحسبُ، بل إنَّ القليل مِنَ الاهتمام الشخصي كارتداءِ ثِياب أنيقة، وتصفيف الشَّعر بعناية، والحِفاظ على وزن مثالي يُمكِنه أن يصنع فارقًا كبيرًا على مظهرِك، ثم مِن غير المعقول أن تُهمِل الفتاة نفسَها، وتتوقَّع أن تكون جميلةً في الأعين المحبِّة للجمال، أليس كذلك؟!



ويبقى الجمال الحقيقي والباقي، وهو ما كان نابعًا من الداخل، والذي ينعكِس بدَوْره على الخارج بنظرة آسِرة، وابتسامة ساحِرة، ولن يتأتَّى هذا الجمالُ إلا بالرِّضا بالقضاء والقَدَر.



ثانيًا: بالنسبة لخبرتِكِ الأليمة المتعلِّقة بالتحرُّش الجِنسي في طفولتك، وتأثيرات الصَّدْمة النفسيَّة عليكِ، فأودُّ أن أُذكِّرك - بدايةً - أنَّ هذه الشِّرذمة من المخلوقات الحيوانية، وإنْ نجحَتْ في قتل طفولتك، فواللهِ ما نجحَتْ في قتْل أُنوثتك، ستبقين دائمًا تلك الأُنْثى الناضِجَة، مكتملة الأنوثة، وإنْ نجحَتْ في انتهاك جسدِك، فلن تنجحَ أبدًا في الاستيلاءِ على أجمل ما فيك: رُوحكِ وفِكْرك وحِلمك!



ها أنتِ برغْمِ حُزنكِ ما زلتِ تَحْلُمين ببناءِ عُشٍّ يجمعكِ بمَن تُحبِّين، وأدعو الله أن يكونَ ذلك قريبًا؛ لتقرَّ عينُك، وتهدأ نفسُكِ.



بالنسبة لحلِّ هذه المشكلة نفسيًّا، فقد كان يُعتقَد فيما مضى بأنَّ استعادة ذِكريات الاعتداء الجِنسي في الطفولة على يدِ متخصِّص محترِف في العلاج النفسي هو العلاجُ الأمْثل لمِثْل هذه الحالات السَّريريَّة، إلاَّ أنَّ موضوع استعادة الذِّكريات المكبوتة كأسلوبٍ عِلاجي قد أصْبَح الآن موضوعًا جدليًّا في طبِّ الأمراض العقلية، بعدَ أن ظهرتِ العديد من الشكاوَى حولَ نتائج هذا الأسلوب على الراشدين المُعتدَى عليهم في طفولتهم.



لذلك، وبدلاً من استثارةِ الألَم باستدعائه وتذكُّره، أدعوكِ - بدلاً مِن ذلك - إلى حَمْد الله تعالى الذي اصطفاكِ على بَقِيَّة أهلك وأقاربك، ومعارفك وصديقاتك، لِتَحمُّل هذا الألَم العميق!



احْمَدي الله على كلِّ حال، وتذكَّري أنَّ هناك أطفالاً في كلِّ الأرض قد عانوا مِثْلكِ وأكثر، وتألَّموا مثلَك وأكثر، وكَبِروا مثلكِ على الخوْف والقلَق والأَسَى، ولكنَّكِ كنتِ أفضلَ حالاً منهم؛ لأنَّكِ ما زلتِ عَذْراء، وما زلتِ تتمنين الزَّواج، وما زلتِ تحلُمين برجلٍ، رغمَ عميقِ ألمِك مِن الرجال!



وهذه كلها مؤشِّراتٌ جيِّدة على أنَّ هذه الخبرةَ القاسية لم تنجحْ كثيرًا في زعزعةِ أحلامك، وثِقتك بالله، ثم ثِقتك بنفسِك، فالحمدُ لله على كلِّ حال، قدر الله وما شاء فعَل.


يَا طَيْرُ لاَ تَجْزَعْ لِحَادِثَةٍ
كُلُّ النُّفُوسِ رَهَائِنُ الضُّرِّ
فِيمَا دَهَاكَ لَوِ اطَّلَعْتَ رِضًا
شَرٌّ أَخْفُّ عَلَيْكَ مِنْ شَرِّ
يَا طَيْرُ كَدْرُ الْعَيْشِ لَوْ تَدْرِي
فِي صَفْوِهِ وَالصَّفْوُ فِي الْكَدْرِ
وَإِذَا الأُمُورُ اسْتُصْعِبَتْ صَعُبَتْ
وَيَهُونَ مَا هَوَّنْتَ مِنْ أَمْرِ
يَا طَيْرُ لَوْ لُذْنَا بِمُصْطَبَرٍ
فَلَعَلَّ رَوْحَ اللَّهِ فِي الصَّبْرِ



ثالثًا: فيما يتعلَّقُ بسُخرية الناس، فلستِ أفضلَ مِن الأنبياء - عليهم السلام - وهم صفوةُ الصَّفْوة، ومع ذلك تلقَّوا السخرية برُوح المؤمنين الراضين بالقضاءِ والقَدَر؛ قال تعالى مذكِّرًا الحبيب المصطفى بذلك: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10].



إذًا؛ هذه سُنَّة جارية، وهذا دَيْدَن الناس يا عزيزتي، منذ أن خَلَق الله آدمَ، فاستهزأ به الشيطان؛ ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، إلى أن تقومَ الساعة، فلا تَحْفلي بعدَ اليوم باستهزاءِ أحدٍ من العالمين:


قُلْتُ ابْتَسِمْ لَمْ يَقْصِدُوكَ بِذَمِّهِمْ
لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ أَجَلَّ وَأَعْظَمَا



رابعًا: بالنِّسبة لرِهاب الخروج منَ المنزل، فالحمدُ لله أنَّ الموضوع لم يؤثِّرْ على خروجك للعَمَل، هذه نِعمة عظيمة تستحقُّ الشُّكر، لكن أنتِ مُطالَبة ببذْلِ الجهد؛ للتغلُّبِ على مخاوفك دوائيًّا بمراجعة طبيبة نفْسِية، وبمواجهةِ مخاوفك "تدريجيًّا" بالتحلِّي بإلإرادةِ والعزيمة؛ للتخلُّص من تلك الأفْكار اللاعقلانيَّة التي تَحول بيْنك وبيْن مجتمعِك، والحياة الطبيعية.



في المرَّةِ القادِمة حين تُراودُكِ فِكرة الذَّهاب إلى مكانٍ ما، وتُهاجمك مخاوفك المَرَضية، فعالجِيها بنفسِك بالذَّهاب مِن فَوْرك، ولو لمدَّة قصيرة في أوَّل الأمْر؛ لتكْسِري حاجزَ المخاوف، وتذكَّري أنَّ الأمر كلَّه تحت يديك، إنْ شئتِ بقيتِ على ما أنتِ عليه، أو إنْ شئتِ غيرتِ حياتَك نحوَ الأفضل.



قال بعضهم: "اجتهدْ ألاَّ تكون دنيَّ الهِمَّة، فإني ما رأيتُ شيئًا أسقط لقدمِ الإنسان من تدنِّي الهمَّة"، وعن عمر - رضي الله عنه -: "لا يَقعُدْ أحدكم عن طلبِ الرِّزق، ويقول: اللهمَّ ارزُقْني، وقد علمتُم أنَّ السماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فِضَّة، وأنَّ الله – تعالى - يَرزُق الناس بعضَهم مِن بعض".



أُذكِّرك أخيرًا بأنَّ الصبر على مخالطةِ الناس، وتحمُّل أذاهم خيرٌ للمؤمِن مِنَ العُزلة وتجنُّب الأذَى، وأعظمُ أجْرًا، فعن ابن عمرَ - رضي الله عنهما - قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المؤمِن الذي يُخالِطُ الناسَ ويَصْبِر على أذاهم، أعظمُ أجْرًا من المؤمِن الذي لا يُخالط الناس ولا يَصبِر على أذاهم))؛ رواه الترمذيُّ وابن ماجه، وأحمد.



ختامًا:

كلُّ ما كتبتُه لكِ قد لا يكون حقيقة، ولكن الحقيقة التي لا شكَّ فيها أنَّ كل ما يَجْري للمؤمِن مِن أشياء مؤلِمة هو خيرٌ له، كَتَب الله لكِ الأجْر.


أَحْزَانُهَا لَيْلٌ وَلَكِنَّ النَّدَى
مِنْ أَهْلِهِ فِي أَهْلِهِ مِشْكَاةُ
يَجْلُو ضِيَاءَ الْقَلْبِ يَصْحَبُهُ إِلَى
جَفْنِ الرِّضَا فَهُنَالِكَ الْجَنَّاتُ



دُمتِ بألْفِ خير، ولا تَنسيني من صالِح دُعائك.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ساعدوني على الرِّضا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» استشارات حوامل 2
» احس بنغزات في المبايض
»  أرجوكم ساعدوني قتلت قلبي
»  آلام في الرأس لا تحتملْ.. ساعدوني
»  أشعر بالكتمة والخوف من الموت.. ساعدوني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ المكتبه الاسلاميه والفتاوي الشرعيه ۩✖ :: فتــــاوي واسئله :: احكـــــام الاســره-
انتقل الى: