السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أهل
بيتي لا تخلو جلساتهم من الغيبة وازدراء الآخرين، والسخرية منهم، والشدة
في انتقادهم, ولذلك؛ أُفَضل اعتزالهم على مخالطتهم, أتمنى أن أغير شيئًا،
أو أن أجعل مجلسهم مجلس ذكر وفائدة، لكن ليس باستطاعتي ذلك, فإن فعلت،
فأشعر أنهم لا يفهمون ولا يستوعبون ما أقول, آمل أن أرى سلامة القلوب،
ومعافاة الجوارح من آفات اللسان سائدة في بيتنا، وأملي بالله كبير, وأرجو
منكم المشورة والنصح، وبارك الله في علمكم.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فتجنُّبكِ لمجالس المنكر من
الغيبة والنميمة وغيرهما مع أسرتك، يجنبُكِ وزر المشاركة في الإثم، لمن حضر
مجلس المنكر باختياره، وقد اخترت إنكار القلب وهو يقدر عليه كل أحد، ولذلك
نصَّ أهل العلم على أنه فرض على الجميع؛ لأنه لا يحتاج إلى تقييده بظن
التأثير، حيث إنه أمر كائن في القلب لا يظهر في الخارج ولا يحصل به تأثير.
ولكن ليس هذا هو السبيلَ الصحيح
للإصلاح والهداية، بل هو أضعف الإيمان، فيجب عليك أولاً بذل محاولات
مستمرة للنصح والإنكار، برفق ولين وحكمة وعلم، والموعظة بالقول اللين، وترك
القول الخشن، لأن الظاهر أن مقصودك بـ "أهل بيتي" يشمل الوالدين، وهما لا
يجوز موعظتهم إلا باللين.
ولتعلمي أن أمرك بالمعروف ونهيك
عن المنكر، هما العمودان العظيمان من أعمدة هذا الدين، والركنان الكبيران
من أركانه، وهما واجبان على كل مسلم إذا رأى منكرًا؛ فقد صح عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ رواه مسلم من حديث أبي
سعيد الخدري – رضي الله عنه.
فبيني لهم أولاً حكم الغيبة والنميمة والسخرية، وأن كل واحدة منها كبيرة مستقلة، ولتستعيني بكتاب "الكبائر"
للذهبي، "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي، لمعرفة الأدلة الجزئية
لحرمة ما يرتكبوه من منكرات، ثم يجب عليك ثانيًا رد حق المغتابين، والدفاع
عنهم، ولا يحمِلْكِ الاستحياءُ منهم لترك النصح والإنكار.
قال الإمام النووى في "الأذكار":
"ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها، ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام،
زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة
شيخه، أو غيره ممن له عليه حق، أو كان من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء
بما ذكرناه أكثر.
روينا في "كتاب الترمذي"
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة))؛ قال الترمذي:
حديث حسن.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"
في حديث عِتبان - رضي الله عنه - في حديثه الطويل المشهور - قال: ((قام
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقالوا: أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل:
ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تقل
ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله؟)).
وروينا في "صحيح مسلم"
عن الحسن البصري - رحمه الله -: أن عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني، إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن شر الرعاء الحطمة، فإياك
أن تكون منهم))، فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد - صلى الله
عليه وسلم - فقال: "وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي
غيرهم".
وروينا في "صحيحيهما"
عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة توبته، قال: قال
النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في القوم بتبوك: ((ما فعل كعب بن
مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه بُرداه والنظر في عِطفيه،
فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما
علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم)).
ورويناه في "سنن أبي داود"
عن جابر بن عبد الله، وأبي طلحة - رضي الله عنهم - قالا: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موضع تُنتهَك
فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما
من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا
نصره الله في موطن يحب نصرته))". اهـ. باختصار يسير.
وذكريهم بالله - تعالى - وخوفيهم عذابه، وما أعده الله للمغتابين من عذاب في جهنم وفي القبر، وما يلقونه من حسرة وندامة.
ولتبحثي لهم عن بدائل مباحة
وذلك بالنظر إلى ما يهتمون به، فإن كان اهتمامهم بالشعر مثلًا، أو بمعرفة
الفصول السنوية، فيتعرف على الفصول السنوية، ويعطيهم شيئًا منها، حتى
يأخذهم من الاهتمام الذي يهتمون به، ثم يتحول بهم تدريجيًّا إلى الأشياء
النافعة بإذن الله - عز وجل.
فإن
غُلبتِ وقوبلتِ بالصدود - رغم المحاولات الكثيرة – ولم يستجيبوا وجب عليكِ
اعتزالُ تلك المجالس وهجرُها، مع بيان سبب الهجر؛ لعلهم ينجرون، ولا
يأخذوا في أنفسهم عليكِ، بل يحمدون لك هذا التصرف، ويسعُكِ الإنكار بالقلب،
وهو يقتضي بغض المنكر، وفاعل المنكر، ومغادرة المكان الذي فيه المنكر؛ فقد
قال – تعالى -: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ
فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء:140] ، وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا
رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا
تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].