السؤالهناك
أخٌ لي في الله التزمنا في فترة واحدة تقريبًا، وكنتُ سببًا - بعد الله -
في التِزامه، منذُ ذلك الوقت بدَأت رحلة الأخوَّة في الله، كنَّا دائمًا
نصوم معًا ونفطر معًا، نُقلنا إلى مدرسة واحدة، وكان يُلاحَظ علينا
أخوَّتنا الزائدة، ولكن دائمَا ما ينصح بعضُنا بعضًا، ويُؤثِر بعضُنا
بعضًا، ولكن عمَّا قريب فُوجئت بأنْ أصبحت العلاقة من قِبَلِ زَمِيلي تجاهي
(علاقة عشق)؛ حيث إنَّه لا بُدَّ أنْ نتقابَل يوميًّا، لا بُدَّ ألا
أتكلَّم مع أحدٍ سواه، هو بدوره أصلاً ترَك كلَّ أصحابه وأصبح لا يمشي إلا
معي، ولكن أنا بطبعي اجتماعي أحبُّ الخلطة مع الأصحاب، والمشكلة أنَّه
كلَّما رآني أُكلِّم أحدًا قال لي: أنت تعزُّه أكثر منِّي، وكلَّما جلست مع
الشباب في سفَرِه، يقول لي: لماذا تعزهم أكثر منِّي؟ تعبت معه، كم مرَّة
أفهمه أنِّي أعزُّه لكن ليس لهذه الدرجة! وأصبح إذا حضرت حلقةَ التحفيظِ
يحضر، وإذا غبت يغيب، ودائمًا يرسل لي رسائل حُبٍّ وعِشق، أعلم أنَّ نيَّته
طيِّبة، لكن لست أدري هل الشيطان خدَعَه؟ والآن في الجامعة افترقنا، فهو
غضبان منِّي، وأنا خائفٌ عليه أنْ ينتَكِسَ بعدما نفترق، فما الحل؟ أفيدوني
جزاكم الله خيرًا. الجواببسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.يُسعدنا
بدايةً أنْ نُرحِّب بانضمامك إلى (شبكة الألوكة)، ونسأل الله تعالى أنْ
يُسدِّدَنا في تقديم ما ينفَعُك وينفع جميعَ السائلين. كما أودُّ أنْ أشيد بحثِّك
لزميلك وتوجيهه إلى طريق الخير، وحِرصك على هدايته، وخشيتك من نُكوصه إلى
حاله الأوَّل، وهي سماتٌ تُحسَب لك، ودعائم أساسيَّة في حلِّ مشكلتك معه.
أخي الكريم، إنَّ مشكلتك يشيعُ
انتشارُها بين الأشخاص المصلحين الذين يجعَلُهم الله تعالى سببًا في هداية
عباده وإصلاحهم، وبين مَن تلقوا ذلك الهدى والصلاح؛ إذ يخلط الأشخاص من
الطرف الثاني بين مَشاعر حُبِّهم وتَوافُقهم النفسي مع وَضْعِهم الجديد
وسَعادتهم به، وبين مَشاعرهم تجاه مَن تسبَّب لهم في ذلك.
وهذا الخلط له أسبابٌ عديدة؛
منها عدمُ تنبُّه الشخص المصلح إلى ضَرورة تذكير وتعريف المتلقِّي، بأنَّ
التوجُّه إلى التغيير والإصلاح المطلوب يجبُ ألا يكون مُرتبطًا بشخصِه، ولا
بشخص أيِّ إنسانٍ آخَر، بل يجب أنْ يكون التركيز على الهدف الحقيقي من هذا
الإصلاح، والذي يُمثِّل هنا نَيْلَ رضا الله تعالى، وعندها سيَشعُر
المتلقِّي بالسعادة كلَّما زاد قُربه من الله تعالى، بدل أنْ تكون سعادته
في قُربه من المتسبِّب بحاله الجديد، وهو أمرٌ قد تكونُ نتيجته الانحِرافَ
عن الهدَف الحقيقي.
كما أنَّ مُلازمة الشخص المصلح
للمتلقِّي بشكلٍ كبير، واشتِراكهما في تفصيلاتٍ وذِكريات إيجابيَّة كثيرة،
تتولَّد عنها ذكرياتٌ جميلة واسعة، تجعَلُ هذا الإنسان يربطُ بين تلك
الذكريات وبين مَن شارَكَه فيها، وتعوقه عن تذكُّر نتائج الوقائع المهمَّة
من تلك الذكريات؛ كأجر الصوم وحِفظ القُرآن الكريم، وما إلى ذلك.
أخي الكريم، إنَّ ما أودُّ
الوصول إليه من هذا التحليل هو تسليط الضوء على جانب الإخْفاق في الأسلوب
الدعوي الذي تعامَلتَ به مع زميلك سابقًا، وأقول: جانب فقط، وليس جُل
أسلوبك، الذي يتَّضح أنَّه كان ناجحًا جدًّا؛ بدليل قُدرتك على التأثير في
شخص ونفس زميلِك.
ولهذا؛ فإنِّي أنصَحُك أولاً
بترْك الظُّنون بشأن مشاعر زميلك نحوك وتفهُّمها في إطارها السليم، وبعودتك
إلى التعامُل معه مجددًا، بعد تبنِّيك رؤيةً جديدةً في أسلوب ذلك.
وأهمُّ ركنٍ فيها هو التدرُّج
في توجيه فِكر زميلك إلى المكاسب التي ينالُها عِند إقامته أيٍّ من
العبادات أو السُّنَنِ، ودفعه باتِّجاه التأمُّل فيها والإسعاد بها، دُون
أنْ يَشعُر بأنَّك تقوم بذلك عمدًا.
كما أنصَحُك بتعريفه على إخوةٍ
آخَرين يتحلَّوْن بسماتٍ قريبة من سماتك التي جذبَتْه إليك، على أنْ يتمَّ
هذا التعارُف بشكلٍ تلقائي أمامَه، ويمكنك توجيههم قبلَ ذلك إلى إبداء
اهتمامهم به وامتِداح سماته؛ لكسْر الحاجز النفسي لديه تجاهَهم.
واعلَمْ يا أخي الفاضل أنَّ
كلَّ ذلك لا يمكن الوصول إليه إلا بتحرِّيك الصبر والفِطنة، في تعاطيك مع
التفاصيل التي تربطك بزميلك، وتوازُنك في تعامُلك معه، وليس بالانسحاب منه
كليًّا.
وأخيرًا: أدعو الله تعالى أنْ ينفع بك وبزميلك، ويُبارك فيكما، وتَوَّاقون للسَّماع منك مجدَّدًا.