السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
تحية مباركة طيبة:أنا
أحفظُ كلام الله - عزَّ وجلَّ - ولي حلقةٌ يومية أعلِّم فيها كلامَ الله،
وأنا معروف بين كلِّ سكانِ الحي بدَماثةِ خلقي وحُسن أدبي، لكن المصيبةَ كل
المصيبة أني أتعلَّقُ وأعشق الشباب، لا سيما من هم أصغر مني سنًّا، وهذه
المرة تعلَّقَ قلبي بشابٍّ يصغرني بعشرِ سنين، وهو من طلابِ الحلقة عندي،
وهو أعلاهم مستوى في الحفظ، أنا دائم الفكر فيه، أحبُّ - دائمًا - أن أضعَ
يدي عليه، فضلاً عن النظرِ إليه، أحرصُ أن أراه كلَّ يوم، أحيانًا تراودني
بعض الأفكارِ السيئة نحوه.سؤالي: كيف
أتخلَّصُ من عشقي له؟ وكيف أتخلَّصُ كليًّا من التعلقِ والعشق؟ أنا أعلمُ
أنَّ من العلاجِ أن أبتعد عنه، وعن كلِّ ما يذَكِّرني به، لكن ما الحيلةُ
إذا كان من أفضلِ طلابي مستوًى في الحلقة، ولم يقترف شيئًا كي أبعده عن
الحلقة؟ لا سيما أنه لا يوجدُ حلقة غيرها بالمسجد، وأخشى عليه حينها
الانحراف، وعدم التوفيقِ لحفظ القرآن، وبالتالي أنا صرتُ بين أمرين أحلاهما
مر، أنا أثق فيكم، وأعدكم أن أعملَ بالعلاج، وأطبق الحلَّ بحذافيره،
أخلصوا لي في الإجابةِ والرد. ولكم مني جزيل الشكر، ودعوة بظهرِ الغيب. الجوابالحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:فإلى الله المشتكى! فما وصل
إليه حال بعض المسلمين من انتكاسٍ للفِطَرة، سبَبُهُ تعريضُ النفسِ للفتن،
وتركُها على هواها، وعدمُ مجاهدتها، وعدمُ الجديَّة؛ وقد قال - تعالى -: ﴿
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطارق: 13 ، 14]
،
فالواجبُ عليك ترك حلقات التحفيظ نهائيًّا، وعدم الرجوعِ إليها،
ولْتَبْحَثْ عن مجالٍ آخر تخدمُ فيه الإسلامَ، بعيدًا عن العملِ بين
الصِّبيان؛ ما دمتَ على تلك الحال من عشقِ الشباب
والتعلق بهم، ولْتُجاهدْ نفسَك على ذلك؛ خذها بحزْم وقوَّة، واحجزها عن
غيِّها، وتأمَّلِ العواقب، من سُرعةِ فناء لذَّات الدنيا، وأنها يعقبها
الحزْن، والحرمانُ، وقسوةُ القلب، وغيرُ ذلك من آثار وشؤم المعاصي، ثمَّ
الفضيحة على رؤوس الأشهادِ في الآخرة، هذا إن سلِمتَ في الدنيا، فالعبدُ
إذا أسرف وتمادى فضحَهُ الله؛ كما قال الفاروق المحدَّث الملْهَم - رضي
الله عنه - للذي سرق: "لو كانت الأولى ما فضحَك الله".
هذا؛ وممَّا لا
شكَّ فيه أنَّ نظر الرَّجل إلى رجُلٍ آخَر بشهوةٍ مصيبةٌ من المصائبِ التي
يُصاب بها المرْءُ في دينِه ودُنْياه، بل وأخراه - إن لم يتداركه اللهُ
برحمةٍ منه فيتوب - وهو بداية الشَّرِّ والفتنة، وقبحُ ذلك معلومٌ
بالضَّرورة العقلية والبدهية والشرعيَّة؛ ولهذا نصَّ كثيرٌ من أهلِ العلم
على تَحريم ذلك، وعلى حرمة النَّظرِ إلى الفتى الأمرد عند خشية الافتِتان
به، ومنهم مَن أطلق تَحريم النَّظر.قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في "
مجموع الفتاوى":
"والنَّظرُ إلى وجه الأمرد بشهوة، كالنظرِ إلى وجه ذوات المحارم والمرأة
الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوةُ شهوةَ الوطء، أو كانت شهوةَ التلذذِ
بالنظر، كما يتلذذ بالنظرِ إلى وجه المرأة الأجنبية، كان معلومًا لكلِّ
أحدٍ أنَّ هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجهِ الأمرد باتفاق الأئمة... والله -
سبحانه - قد أمر في كتابِه بغضِّ البصر؛ وهو نوعان: غض البصرِ عن العورة،
وغضه عن محلِّ الشهوة". اهـ.
وقال - رحمه الله -: "ومن كرَّرَ النَّظرَ
إلى الأمردِ ونحوه وأدامه، وقال: إني لا أنظرُ لشهوة - كذب في ذلك؛ فإنه
إذا لم يكن له داعٍ يحتاجُ معه إلى النظر، لم يكن النظر إلا لما يحصلُ في
القلبِ من اللذة بذلك". اهـ.
وقال النووي في "
المجموع":
"وينبغي أن يحذرَ من مصافحةِ الأمْرد والحسن؛ فإنَّ النَّظرَ إليه من غير
حاجة حرام، على الصحيح المنصوص"، وقال في "مغني المحتاج": "قال السبكي:
المرادُ بالشهوة: أن يكون النظرُ لقصدِ قضاء وطر؛ بمعنى أنَّ الشخصَ يحبُّ
النظر إلى الوجهِ الجميل، ويلتذ به.
قال: فإذا نظر ليلتذَّ بذلك الجمال،
فهو النظر بشهوة، وهو حرام، قال: وليس المراد أن يشتهي زيادة على ذلك من
الوقاع ومقدماته، فإنَّ ذلك ليس بشرط؛ بل زيادة في الفسق، قال: وكثيرٌ من
النَّاسِ لا يُقدمون على فاحشة، ويقتصرون على مجردِ النظر والمحبة،
ويعتقدون أنهم سالمون من الإثم، وليسوا بسالمين، ولو انتفتِ الشهوةُ وخِيف
الفتنة، حرم النظر أيضًا؛ كما حكياه عن الأكثرين". اهـ.
قال ابن القيِّم - رحِمه الله - في "
الفوائد":
"دافعِ الخطرةَ، فإن لَم تفعل صارت فكْرة، فدافع الفِكْرة، فإن لم تفعل
صارت شهوة، فحارِبْها، فإن لَم تفعل صارت عزيمةً وهمَّة، فإن لم تُدافِعْها
صارت فعلاً، فإن لم تتدارَكْه بضدِّه صار عادةً، فيصعب عليْك الانتِقال
عنها".
قال ابن الجوزي في "
صيد الخاطر":
"متى تكامَل العقلُ، فُقدت لذَّة الدنيا، فتضاءل الجسم، وقوِي السقم،
واشتدَّ الحزن؛ لأنَّ العقل كلَّما تلمَّح العواقب، أعرض عن الدنيا،
والتفتَ إلى ما تلمَّح، ولا لذَّة عنده بشيءٍ من العاجل، وإنَّما يلتذُّ
أهل الغفْلة عن الآخرة، ولا غفلة لكامل العقل، ولهذا لا يقدر على مُخالطة
الخلق؛ لأنَّهم كأنَّهم من غير جنسه؛ كما قال الشاعر:
مَا فِي الدِّيَارِ أَخُو وَجْدٍ نُطَارِحُهُ حَدِيثَ نَجْدٍ وَلاَ خِلٌّ نُجَارِيهِ
|
فالزَمْ
خلوتَك، وراعِ - ما بَقِيتَ - النَّفسَ، وإذا قلقَتِ النفسُ مشتاقةً إلى
لقاء الخلق، فاعْلم أنَّها بعدُ كَدِرَةٌ، فرُضْها؛ ليصيرَ لقاؤهم عندها
مكروهًا، ولو كان عندها شغلٌ بالخالِق، لما أحبَّت الزحمة، كما أنَّ الذي
يخلو بحبيبِه لا يؤثر حضورَ غيره، ولو أنَّها عشقت طريق اليَمَن، لَم
تلتفتْ إلى الشام".وهذه بعض الحلول التي تعينك على الإقلاع عن ذلك: 1- أن
تُذكِّر نفسَك بأنَّ الممارساتِ الجنسيةَ الشرعيةَ هي التي توافقُ الفطرةَ السليمة.
2- الاقتناع التامُّ بأنَّ الشذوذ الجنسيَّ ضدَّ الفطرةِ السليمة، وهو مُهِينٌ ومُذِلٌّ ومحقِّرٌ للنفس البشرية.
3- يجب الأخذ التام بالمفهومِ الشرعي، وحُرْمةِ هذا الأمر، وتذكُّر العقاب والعذاب الذي سوف يقع بمن يُمارس هذه الفعلةَ الشنيعة.
4- عدم
استعمال النكران والتبرير؛ كدفاعات نفسية، والانسياق حول ما تروِّج له
جمعياتُ الشذوذ الجنسي في الدولِ التي سمحت لهذه الجمعياتِ بالقيام،
وممارسة أنشطتها.
5- على الإنسانِ أن يتخيَّرَ الصحبةَ الطيبة الطاهرة دائمًا.
6- يمكنك مراجعة بعضَ الأطباء النفسيين، فهناك بعض العقارات التي تُساعدُ في
علاجِ اضطراب النزعة، التي اعتبر البعض الشذوذ الجنسي ذا صلةٍ بها.
7- الحفاظ على التأدبِ بالآداب الإسلامية الصحيحة؛ من وسائلِ الوقاية الأساسية للحماية من هذه الانحرافاتِ والموبقات.