السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدايةً أشكر جميعَ القائمين على هذه الشبَكة المبارَكة، وأسأل اللهَ أن يجعلَ ما يُقدِّمونه في موازين حسناتهم.
أنا
فتاةٌ في بداية العشرين مِن عمري، تعرَّفتُ إلى شابٍّ مِن دولةٍ عربية غير
التي أعيش فيها، كان في بداية الأمر محترَمًا جدًّا، وكنتُ كذلك أحترِمُه
وأستفيدُ منه، حتى تطوَّر الوضعُ وأحببتُه، لكني لم أُخبرْه؛ لصعوبة ذلك
على نفسي في البداية.
أخبرتُه بعد مدَّة طويلة بأنني أحبُّه، ولكن فُوجئت بأنه يعتبرني مثل أختِه، فندمتُ على قولي كلمة الحبِّ له!
قررتُ
أن أتركَه بعد هذا الموقف، لكني لم أستطعْ، واتَّفقنا أن تكونَ العلاقةُ
بيننا علاقة أخوة فقط! لكني ما زلتُ أحبه حتى بعد اتِّفاقنا هذا!
بعد
مُضيِّ أربعة أعوام أخبرني أنه يحبني، لكني لم أشعرْ بهذا الحبِّ، ولا
بالاهتمام، لم أطلبْ منه الزواجَ، ولا هو فاتحني في هذا الموضوع!
طلب
أن يأتيَ إلى دولتي لرُؤيتي، وطلَب صوري، ورقْم هاتفي! أعطيتُه رقم الهاتف
وحدَّثتُه، ولكن... لم يكنْ هو مَن حدَّثني، فُوجئتُ كأنَّ شخصًا آخر،
كلمني كلامًا لا يُقال إلا بين زوجَيْن!
أخبرتُه أني لا أحبُّ سماع مثل هذا الكلام الفاحِش؛ فاعتذر، ثم طلَب رؤيتي ومقابلتي، فرفضتُ.
أعلم أنه
لا تجوز العلاقةُ بين الشابِّ والفتاة، فكرتُ كثيرًا في ترْكِه، لكني ما
زلتُ أحبُّه، فكيف أتركه؟ وماذا أقول له؟ ساعدوني كيف أقطع علاقتي به؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما أجمل شعور الحبِّ! وما أسمى عواطفه لو كانتْ لمن يستحقها!
ما أروع أن نشعرَ بأن هناك مَن نوليه عنايتنا، ونحيطه برعايتنا، وهو يُبادِلنا ذلك لو كان كل هذا في محلِّه الصحيح!
ما أنبل المحبَّة! وما أرفع مقامها لو كانتْ في وجهتها السليمة!
كان في البداية محترَمًا، وهكذا
تكون البدايات, لكن تختلف النِّهايات - بكلِّ أسف - في علاقات سوداء، لا
تعرف مِن أين تذهب؟ وإلى أين تمضي؟! تسير في طرُقٍ مُعوجَّة، ودهاليز
مظلمة, تعلو وتهبط على حسب هوى ورضا المحبوب!
هل تعتقدين أنَّ علاقةً بين
شابٍّ وفتاة تستمر لسنوات، ثم لا يكون هناك حبٌّ أو انجذابٌ، أو كما قلتِ:
تطوَّر الوضع؟! لا بُدَّ أن يتطوَّر، وسيستمر في هذا التطوُّر لو لم تدركي
نفسكِ، وتنقذي سفينتكِ مِن الغَرَق الذي لا نجاة بعده.
الحبُّ الحقيقيُّ يا عزيزتي لا
يكون على هذا النحو المشبوه الذي تظهر عليه آثارُ الخديعة والمكْرِ، مع أول
طلبٍ لمقابلتكِ أو رؤيتكِ، أو حتى مُشاهدة صورتكِ!
يقول لكِ كلامًا مخجلًا، لا يجوز إلا بين زوجَيْن، وما زلتِ ترغبين في التواصُل؟!
عذرًا، لا أرى أنكِ تحبِّينه
كما يظهر, وإنما أعجبكِ الوضعُ، وأنَّ هناك مَن يُسايركِ ويُشعركِ
بأهميتكِ, فقط فتنبَّهي وأفيقي قبل أن يقعَ المحظور، وقبل ألا يكون هناك
تراجُع!
وأمَّا عن سؤالكِ: كيف أقطع علاقتي به؟ وماذا أقول له؟
فالجوابُ يسيرٌ, لكن هل أنتِ
عازمةٌ حقًّا على التنفيذ؟ أو إنكِ تحاولين فقط إرضاء ضميركِ، وإثبات
المحاولة لنفسكِ؛ لتهدأ وتستكين، ولا تكدر عليكِ علاقتكِ بالتأنيب المستمر
واللوم المتواصِل؟
هل تسألين لجهْلكِ بالجواب؟ أو تسألين للاستزادة مِن الحديث حوله؟
الجوابُ عن سؤالكِ تعرفينه،
ويعرِفُه كُلُّ مَنْ يقرأ رسالتكِ, فتركُه يكون بقَطْع سبيل التواصُل
بينكما، وعدم العَوْدة إليه مرة أخرى؛ فإن كان بالبريد، فلن يعجزكِ تغييره,
وإن كان بالهاتف فتغييرُ الشريحةِ التي يحادثكِ عليها, وإن كان عنْ طريق
مَواقِع التواصل الاجتماعيِّ، فليس مِن المستحيل إلغاء حسابكِ، وفتح آخر
للتواصُل مع الأهل والصديقات مِن خلاله.
وأمَّا عنْ سؤالكِ: ماذا أقول له: فلستِ في حاجة لقولِ شيءٍ على الإطلاق، ولستِ في حاجة لعرض فكرة الزواج عليه مِن الأساس، وذلك لسببَيْن:
أولًا: أنه مِن بلد آخر، بما يجعل الزواج صعبًا، بل ربما مُستَحيلًا, ولا يخفى عليكِ الأمرُ.
ثانيًا: أنَّ
فكرة الزواج لا تبدو على قائمة الاقتراحات عنده؛ فلم تخرجْ منه خلال
سنواتٍ أربع كلمةٌ تدلُّ على ذلك, وإنما بدأ باعتراف أنكِ مثل أُختِه،
وانتهى برغبةٍ في مُقابلتكِ، ورؤية صورتكِ، وكلام فاحش لا يجوز!
سلي نفسكِ، وأجيبي بصدقٍ: ماذا أحببتِ فيه؟
- لا يهتمُّ بكِ.
- لا يُشعركِ بحبِّه.
- لا يرغب في الزواج بكِ، ولم يتحدَّث عن ذلك.
- يرغب في التواصُل المحرَّم، في حين أنه يعتبركِ كأختِه!
حالُكِ وحال الكثير مِن الفتيات
أصبح مثيرًا للشفَقة, ولا أرى كبير فرق بينكِ وبين مَن وضَع على عينَيْه
ورقةً صغيرةً، فحجبتْ ضوء الشمس عنه؛ فراح يُنكر وُجُودها!
أزيلي الغشاوة، وارجعي إلى
نفسكِ ودينكِ، واستعيدي ثقتكِ بنفسكِ؛ فلستِ في حاجةٍ لعلاقةٍ محرَّمةٍ
لتبثَّ الأملَ في نفسكِ، أو تمدكِ بالعواطف التي تحتاجين إليها, تأمَّلي
حولكِ، وانظري إلى والدتكِ, ووالدكِ, وإخوتكِ, وصديقاتكِ, فلديكِ الكثيرُ
ممن يحبونكِ بصدقٍ، بدون أهدافٍ حقيرةٍ، أو رغبات دنيئةٍ؛ تواصَلي معهم،
وعبِّري عنْ محبتكِ لهم بالسُّلوك المناسِب، مِن قولٍ أو فعلٍ, فمفاتيحُ
السعادة ليستْ في يد هذا الشابِّ دون غيره مِن البشَر، وليستْ في كلمةٍ
محرَّمة، أو ابتسامةٍ ماكرةٍ، أو مكالمة تُغضب الله, وإنما السعادة كل
السعادة في الاعتدال، والرجوع إلى الله.
واشغلي نفسكِ بما ينفعها في
دينِها ودنياها، فعمركِ وإن كان صغيرًا فإنه لن يلبثَ أن يمضي، وتمضي معه
أعمالٌ وأقوالٌ يُسجِّلها عليكِ حفَظةٌ كِرام برَرَة.
أختم
حديثي بالدُّعاء لكِ، ولكل فتيات المسلمين، أن ينيرَ الله بصائركنَّ، وأن
يهديَ قلوبكنَّ، وأن يكفيكنَّ بحلالِه عنْ حَرامِه، وبطاعته عنْ معصيتِه،
وبفَضْله عمن سواه, والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.