السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم على نبينا محمد - عليه الصلاة السلام، أما بعدُ:فأتقدَّم لكم بجزيل الشُّكر والامتنان على ما تُقدِّمونه في هذه الشبكة العَطِرة، وجزاكم الله خيرًا. مُشكلتي
أني أُعاني نوعًا مِن الاكتئاب المبدئي الأولي، بسبب ضُغُوط نفسيَّة لا
يعلمها إلا اللهُ، وبسبب ما أُواجهه في حياتي اليوميَّة.كنتُ
في بداية تخرُّجي من الثانوية العامة لاهيًا، ويسَّر لي ربي أحد الشباب؛
فنصحني بأن التفِتَ لنفسي، حتى أصبحتُ أهتم وأبحث عن الإيجابيَّة في كلِّ
شيء؛ مِن قراءة كتُبٍ، وحضور ندوات ومُحاضَرات، ومحافظة على الصلاة،
والالتزام، وتلاوة القرآن، وقيام الليل، ولله الفضل والمنة.المشكلة
أنني كلما نويتُ التحرُّك في الحياة أُصدَم بشيءٍ كبيرٍ؛ فعندما نصحني هذا
الشابُّ - جزاه الله خيرًا - قرَّرتُ الاهتمام بجامعتي، وبدأتُ أثابر في
الدِّراسة، ولم يمضِ عشرون يومًا على التزامي بالدراسة حتى تمَّ اعتقالي؛
فقضيتُ ما شاء الله لي في الاعتقال، وضاعتْ عليَّ الدراسةُ، وخرجتُ مِن
المعتَقَل محطَّمًا تحطيمًا كاملًا!قرَّرتُ
أن أُحاولَ البحث عنْ أيِّ عمل يُصبح مصدر رِزق لي؛ علَّني أستطيع أن
أتابعَ دراستي الجامعيَّة، فهي حلمي الذي لن أتنازلَ عنه مهما حدث،
فانطلقتُ باحثًا في طول الأرض وعرْضِها؛ لأنَّ وضْعَ أهلي لا يسمح لهم
بنفقات الدِّراسة الجامعيَّة.عندما
كنتُ أبحث عنْ عملٍ، وأتَّفق مع صاحب العمل على أن أبدأ بعد يوم أو يومين،
أجد صاحب العمل يطردني بدون أيِّ سبب، "العجيب أنني لم أعمل حتى أُطرد"!
وعلى هذا الحال منذ ثلاث سنوات، أستغيث ربي - جلَّ جلالُه - لكن لا نتيجة!الآن أصبحتُ مُحطَّمًا؛ لا شهادة، لا مال، لا بيت، لا شيء في هذه الحياة!أقف اليوم على أبواب منتصف العشرينيَّات
مِن عمري، ولا أدري ماذا أفعل؟ اضطررتُ للذهاب لمؤسَّسات الإقراض والبنوك؛
علهم يُساعدونني بقرْضٍ أفتتح به مَشْروعًا صغيرًا أُساعِد به نفسي، ولكنهم
رفضوا رفضًا قطعيًّا، كلما قَدَّمتُ في عملٍ أُرْفَض، فلا أدري ما العمل؟
فهلَّا ساعدتموني، جزاكم الله خيرًا. الجوابوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.لا شك أنك مررتَ بابتلاءاتٍ
كثيرةٍ، لكن ذلك لا يعني أنها كانت ابتلاءً محضًا لا خير فيه، فكلُّ ما
نمرُّ به في حياتنا فيه جوانب خير، لو أحسنَّا الاستفادة منه والتعامل معه.
هل كنتَ تتوقع أنَّ التزامك سيفتح لك أبواب الدُّنيا لتأتيك مُرغمة؟لا والله، لا يزيدنا الإيمان إلا تربيةً وتمحيصًا، واختبارًا لمدى صلابتنا وثباتنا، أنسيت؟ ﴿
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2]؟!
كل ما تمر به هو اختبار لك، واستخراج لقدراتك، لو أحسنت فَهمه وتوجيهه.
الأمرُ المهم أننا وإن كنا نؤمن
أن كلَّ ما يُصيبنا قد قدَّره الله لنا، لكن ذلك لا ينفي أنَّ اللهَ وضع
قوانين طبيعيةً، تسير الأرض وَفقها، قوانين الأرض هي ما تحتاج أن تسلكَه،
لتأخذَ بالأسباب.
حتى يقينك بالله، يجب أن يكونَ
أقوى مِن ذلك، ألم يقلْ - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث القدسي :
إنَّ الله - تعالى - يقول: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي))، فما ظنك بالله؟
ليست الميزة في المكاسب الظاهرة
التي يراها الناسُ، مِن توفيق في الدنيا والمال، لكنها في توفيق الله لك
باختيار طريق النجاة على وُعُورته، ونهايته مَضْمونة - بإذن الله، عكس تلك
الطرُق التي تزيد لك البدايات، ولا تنتهي إلا وقد استهلكت وسرقت منك روحك
وأمنك!
حسِّن عَلاقتك بالله؛
فالالتزامُ ليس طقوسًا وعبادات ظاهريةً، بقدر ما هو إيمان واقتناع، وعقيدة
تحميك وترشدك؛ حتى تلقى طريقك وتتابع به.
ابحثْ عن الأسباب، وتحرَّ أن
تأخذَ بها قدر استطاعتك، فحينما يُغلَق بابٌ بعد أن تبذلَ كل جهدك فيه،
فلعله لا يكون هو الخير، ويكون رزقك مكتوبًا في مكان آخر.
رتِّب أولوياتك، فلن تستطيع أن تحظى بكلِّ شيء في نفس الوقت.
تحتاج أن تدرسَ، وأن تبحثَ
قبلها عنْ مصدرٍ للرِّزْق، وأن تحسِّنَ نفسيتك وإيمانك، وظنك بالله،
وعلاقاتك بمَن حولك، فكلُّ هذه الأمور ستُساعدك.
حاولْ أن تجدَ ثقةً ناجحًا يُساعدك على اختيار طريقك، ولو بقرضٍ مبدئيٍّ تدرس به، فالعملُ بعد الدراسة لا شك ستكون فُرَصُه أكبر.
لكنك بحاجةٍ لأن تركِّز وتضعَ أهدافك بترتيب، وتعرف ما الذي تحتاج التركيز عليه.
وفَّقك الله، وأسعدك، ويسَّر لك الخير في الدارَين .
تذكَّر دومًا أنَّ أمرَ المؤمن
كله له خَيْر، وأن العطايا ليستْ هي ما نراه ونلمسه فحسْب، بل هناك عطايا
أثمن تُدَّخر لنا في آخرتنا، حينما نسلك الطريق الذي أراده اللهُ لنا.
أيضًا تفاءَل خيرًا، وثِقْ في أنَّ رِزْقك سيأتيك - بإذن الله، فقط اسْعَ له، وادعُ الله دومًا أن يُغنِيَك بحلاله عنْ حرامِه.