السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
أنا
شابٌّ في أوائل العشرينيات، تعرفتُ إلى سيدة أمريكية عن طريق (الفيس بوك)،
وكان الهدفُ في البداية هو تبادُل اللغات، ولا أخفي لذة الحديث مع النساء
بالطبع! وهي تكبرني بـ 7 سنين، وعندها 3 بنات.تطوَّرت العَلاقةُ بيننا إلى درجة الحبِّ, أحببتُها، وهي تقول: إنها تحبني! وصراحة مسألة الأولاد والسنِّ لا يسبِّبان مشكلة أمامي.أخبرتُ عائلتي بالأمر، وبالطبع رفَضوا في البداية، ولكن بعد إصراري وإظهار أني أريدها بشدَّة؛ وافقوا، وتمنوا لي السعادة!!هذه السيدةُ أسلمتْ قبل معرفتي بها بأشهر، وأنا أساعدها على تعلُّم تعاليم الإسلام.المشكلة
في ماضيها، فقد صارحتْنِي بماضيها، وكلما تذكرتُ شيئًا تخبرني به؛ لأنها
تقول لي: إنها لا تستطيع أن تخفي عني شيئًا، وتقول: إن ماضيها سيئ جدًّا؛
مِن عَلاقات محرَّمة، وتحرُّش بعض الأقارب بها، وارتكابها الزنا، وإغواء
امرأة لها بالسحاق حينما كانتْ صغيرة، هي نادمة على كل هذا، وتريد أن
تكوِّن معي حياةً طيبةً، نتبع فيها تعاليم الإسلام, وهي تسمع كلامي في كلِّ
شيءٍ بعد ارتباطنا والحمد لله، وهي ترضى بي زوجًا لها في الدنيا والآخرة.فهل
أسامحها على ما حدَث لها وعلى ما فعلتْ؟ (مع الوضع في الاعتبار أن التربية
بالخارج لم تكن سَوِيَّةً)، وعندي رغبة في المسامحة، أو من الأفضل أن
أتركها، وأكمل حياتي، وكأني لم أعرفها؟وإن تركتُها فهل هذا يعني أنها لا يُمكن أن تتزوَّج ثانية بسبب ماضيها؟!أنا
أشعر بشيء مِن الضيق يتسرَّب إلى قلبي بسبب هذا الموضوع؛ فأرجو المساعدة،
مع العلم أني أيضًا فعلتُ شيئين سيئين في الماضي البعيد، وأنا نادم عليهما
جدًّا، وقد أخبرتُها بذلك! وهي بدورها تفهَّمت! كما أخبرتُها أني قد
تعرَّضتُ للاغتصاب، ولم أتمكَّنْ من إخفاء هذا عنها.عندي
شكٌّ في نفسي، وهو أني إن سامحتُها هل أكون متهاوِنًا معها، أو أني أفعل
ذلك لأجل الحصول على الجنسية الأمريكية والسفر إلى الخارج؟!قالتْ
لي أيضًا: إنها بَكَتْ عندما أخْبَرَتْني بما حدَثَ لها، وتشعر أني سأظلُّ
أشعر بالخيانة طالما هي معي، وأني أشعر بأنها سيئة، وهي تكره ذلك، ولا
تعرف ماذا تفعل؟أرجوكم ساعدوني؛ لأني أشعر أني إن تحدَّثتُ إليها مجددًا دون أن أفهم الوضع، فسأحسُّ بالخيانة منها، وأني لستُ رجلًا! هل
أسامحها، وعفا الله عما سلَف، وأهتم فقط بحاضرنا، وأُنهي كل عَلاقتها
بالماضي، وأجعلها تتوقف عن كل شيء أكرهه، أو يعتبر ليس من الدين؟! الجوابنشكرك - أخي الكريم - على تواصُلك مع شبكة الألوكة، وعلى حُسن ظنك بنصائحنا وإرشاداتنا.وأحب أن أنطلق معك مِنْ نقطتين أساسيتين هما محور سؤالك:الأولى: حول
طبيعة الارتباط بامرأةٍ أجنبية، لاختلاف البيئة التي قد تؤثِّر على ديمومة
الحياة الزوجية مستقبلًا، وهذا الأمر قد تجاوزتَه أنتَ بنجاحٍ؛ وذلك بعد
محاولاتك المتكررة في إقناع أهلك إلى أن اقتنعوا بجديَّة توجُّهك نحو
الزواج منها.
أيضًا: مُصاحبة الزواج من أجنبية - كهذه الأمريكية - من الأغراض الخاصة الشخصية؛
كطلب الجنسية، وهي وإن كانتْ مشروعة، إلا أن تأثيرها على استمرار الحياة
الزوجية لاحقًا يكون بقَدْر نسبة هذا المشروع (مشروع الجنسية) من هدف
الزواج، فلو كانت النسبةُ عالية؛ فستكون احتماليةُ استمرار الحياة الزوجية
ضعيفة!
وتقديرُ هذه النِّسبة عائدٌ
للشخص نفسه؛ هل يقصد مِن وراء الزواج مجرَّد النفع المادي؟ أو يقصد تأسيس
حياة زوجية حقيقية؟ ونحسبك مِن النوع الثاني، وعليه فلا خوف مِن هذا الأمر
عليك أيضًا.
• نأتي إلى النقطة الثانية والأهم في الموضوع: وهي (فتح سِجِلَّات الماضي)!
للأسف! هذا الأمر يتكرَّر
كثيرًا في الاستشارات التي ترد إلينا، والسبب في ذلك هو محاولة (التطهر من
هذا الماضي)، وفتْح صفحة حياة جديدة مبنيَّة على الوضوح والشفافية مع
الطرَف الآخر!
لكن وجدنا من خلال التتبُّع
والاستقراء أن هذه الطريقة ضارَّة أكثر مِنْ كونها نافعة، وأنها تؤدِّي في
أغلب الأحيان إلى فصْمِ عُرَى الزوجية بذات الأداة التي كان يُراد لها أن
تكون لَبِنة بناء؛ وهي: (الشفافية والوضوح)!
ورغم جمال مبدأ (الشفافية
والوضوح) فإن مكانَهُ ليس هنا، والأنْسَبُ في مِثْل هذه الحالات استعمال
مبدأ أصيل آخر هو مبدأ: (الستر والصيانة)، وهو مبدأٌ أصيل من مبادئ الشرع
الحنيف؛ فالنصوصُ الكثيرة مِنْ قبيل: ((مَن سَتَر مسلمًا ستره الله))؛ رواه
مسلم، و((مَن ابتُلي بشيءٍ من هذه القاذورات؛ فلْيستترْ بستر الله جل
وعلا))؛ رواه البيهقي والحاكم، وصحَّحه السيوطي، وحَسَّنه الألباني، وغير
ذلك من النصوص التي تُدَلِّل على أن الإنسان ينبغي أن يسترَ نفسه أولًا، ثم
غيره ثانيًا.
وإنَّ إنشاء (كرسي اعتراف) عند
عتبة الحياة الزوجية طريقةٌ غير سديدة في طريق مستقبل هذه العَلاقة
الكريمة، وإن الحواجزَ الكثيرة التي وَضَعَهَا الشارعُ لسترِ سَوْءات
الإنسان دليل على مبدأ (عدم إشاعة الفاحشة)، ولو كان ذلك على نطاقٍ شخصي أو
فردي، فالله ستير يحب الستر.
إذًا أول نقطة ينبغي الاعتراف
بها مِن كليكما هي: أن ما فعلتُماه مِن الاعتراف المتبادَل كان خطأ! وعليه
فلا ينبغي مُواصَلة سلسلة الاعترافات.
أما علاج هذا الجرح، فيكون عبر تضميدِه معرفيًّا بما يلي:• ما كان مِن هذه المعاصي قبل البلوغ، فلا مُؤاخذة فيه؛ فقَلَمُ التكليف لا
يزال مرفوعًا حتى يبلغ الصبي أو الفتاة، ويكفي فيه التوبة والاستغفار، هذا
إذا كان صاحبها هو الفاعل، أما إن كان ضحية اغتصاب في هذه المرحلة، فهو
معذورٌ مِنْ باب أولى، ولا خطيئة عليه حتى لو كان بالغًا، طالما كان ذلك
الأمر وقع عليه بالإكراه الملجئ الذي لا يستطيع دفعه.
• وما كان من هذه المعاصي قبل الإسلام (بالنسبة لزوجتك)، فالإسلامُ يَجُبُّ
ما قبله، ولو بلغتْ تلك الذنوب عَنَان السماء؛ فإنَّ الله يغفرها بالإسلام،
ولا يُؤاخذها عليها، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده.
• إذًا فلا داعي (لجلد الذات) الزائد عن حدِّه؛ فإن الله غفور رحيم، ومَن
أراد توبة فلا يلزمه عرضُها على الآخرين، بل يتوب فيما بينه وبين ربه،
ويستر على نفسه، ويستأنف حياة جديدة خالية من أخطاء الماضي، ويُلقِي
بمخلَّفات تلك المرحلة خلف ظهره ولا يلتفت إليها.
• والشكر
الثاني نقدِّمه لك لصفة الشهامة التي تجلَّتْ فيك أنك قبلتَ معيلة (ذات
عيال)، وهذا أمرٌ يكاد ينْدَثِر في مجتمعنا المعاصِر؛ حيث لا يبحث الشباب
في العادة إلا عن المرأة البِكْر، أما ما قمتَ به فهو قدوةٌ لبقية الشباب
بالالتفات للمطلقات في المجتمع - بغَضِّ النظر عن خصوصية حالتك - حيث تنتشر
العنوسة في الأبكار والمطلَّقات على حد سواء، وهي في المطلقات أكثر؛
فالمطلقةُ في العادة تعتبر نفسها أنه قد فاتها قطار الحياة الزوجية، ولن
يرجع إليها ثانية!
• نوصيك
- أخي الكريم - بأن تهوِّن على نفسك، وأن تتوقَّفا عن فَتْح سِجِلَّات
الماضي، وأن تعرفها بالأحكام التي ذكرناها، وأن تزرعَ في قلبِها الأمل
والرجاء، وأن تركزَ معها على نقطة هامة - نختم بها حديثنا معك - وهي أن
تصلَ معها إلى نتيجة واحدة، وهي: (فتح صفحة جديدة)، واعتبار ما مضى بينكما
في حكم (الفعل الماضي) كان وانتهى، وأنك لن تحملَ في نفسك (مستقبلًا) عليها
شيئًا من ذلك؛ فإذا كان الله - جل في علاه - وهو أغير منَّا على الحرُمات،
قد عفا عن التائب وسامحه؛ بل أبدل سيئاته حسنات؛ فلِمَ لا نسامح نحن
أيضًا؟!