السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.تعرفتُ
على فتاة عبر الإنترنت، وتواصلنا من خلال الإنترنت والهاتف حتى أحب كلٌّ
منا الآخر، كلما كلمتها أشعر بتأنيب ضمير، وتوبيخ نفسي؛ وذلك لأن النبي -
صلى الله عليه وسلم – يقول: ((افعل ما شئتَ، فكما تدين تدان))، ويقول
تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
﴾ [النور: 26]، وللأسف أنا في وقت لا يسمح لي بالزواج، ولا أستطيع في
الوقت نفسه أن أبتعد عنها لحبي لها؛ أخشى إن فعلتُ وابتعدت عنها أن أسبب
لها جرحًا، فقد أحببتها وهي كذلك، مع عدم اعترافي بالحبِّ عن طريق
الإنترنت، أخشى إن ابتعدت عنها أن تنحرف، وتكلم غيري، وأكون أنا السبب
وأتحمل ذنبها!جعلتُ أحد أصدقائي يكلِّمها عبر الإنترنت، فكلمتْه وأعطته هاتفها، فأخبرتني أن شابًّا كلمها، ولكنها لم تخبرني أنها أعطته هاتفها!ازداد الشك داخلي، وأصبحتُ خائفًا من أن أتقدَّم لها، فلا أعلم هل تكون مأمونة على بيتي في غيابي؟! لا أعرف ماذا أفعل؟!احترتُ كثيرًا، وأخاف أن أحمل ذنبها، وأن تنحرف وتكلم غيري، فماذا أفعل؟!ضميري
يؤنبني، وأموت كل يوم بسبب هذا الموضوع، لو قررت أن أتزوجها فيكف أصلحها؟
وهل يمكن إصلاحها أو لا؟ وهل من اختبارات يمكنني بها اختبار صدقها من
كذبها؟ الجوابوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.إلى متى يا شباب الإسلام تعيشون
تحت أسر الإغراءات، فتتقاذفكم الفتنُ، وتلعب بكم الأهواء، كما الأطفال
يلعبون بالكرة فيقذفونها يمنةً ويسرة, وعاليًا وسافلًا, ترتطم بالحجر فتعود
أدراجها, تصطدم بالسور فترجع رغمًا عنها, تعجز أن تنطق أو تبوح؟!
إلى متى يزين لكم الشيطان،
ويدخل لكم من مداخل واهية بحجج باطلة؟ مَن أنبأك يا أخي أنك ستكون المسؤول
عن ذنبها، والمتسبب في إلحاق الضرر بها؟ أما ذكرتَ أنها تحادثتْ وتواصلتْ
مع شابٍّ غيرك مِنْ قبل أن تتركها؟
سبحان الله! أنت لا تعترف
بالعلاقات التي يقيمها الشباب مع الفتيات من خلال الإنترنت, لكنك وقعتَ في
حبها، واقتنعتَ بهذه العلاقة دون غيرها من العلاقات, أمَا سألتَ نفسك عنْ
سبب ذلك؟ لا أذكر كم مرة سمعت أو قرأت نفس الكلام؛ لا يعترف بهذا النوع من
العلاقات, ولا يحترم فتاة تُحادث شابًّا على موقع أو من خلال الهاتف, لكن
فتاته مختلفة!
لا يصدق أن الحب الحقيقي لا
يكون بهذا السلوك المشين، لكن حبه غير ذلك قد أتى! أعتذر إن اعترفت لكم أن
هذه السذاجة التي أصابتْ شباب وفتيات الإسلام تصيبني بالحسرة والألم ،
وتملأ قلبي حزنًا على حالٍ وضعتم أنفسكم فيها.
أخي الفاضل, تخشى أن تتركَها،
أو تقطع علاقتك بها؛ لئلا تنجرفَ في علاقاتٍ محرَّمة ومحادثات مع شباب بما
لا يحل لها؟ وماذا تسمِّي علاقتك أنت بها الآن؟
تخشى عليها مما تقترفه معها؟ أتُحِل لها أن تتواصل معك أو تحادثك، وتُحرِّم عليها نفس الأمر مع غيرك؟
ألن تكون الفتنة وتتحقق الحرمة
إلا مع غيرك؟ أم أن مرآة الحب العمياء تأبى إلا أن تُزيِّن للعاشقين ما
يحلو لها وتشوه أمامهم ما قد يضر بأهوائهم، أو يشوه من صورة قصص الحب التي
يعيشون بها ويحيون لأجلها!
تخشى عليها الفتنة إن أنتَ تركتها!
يقول الله - تعالى: ﴿
وَلَا
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الأنعام: 164], ﴿
أَلَّا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا
مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم: 38 - 40], {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ﴾[المائدة: 105], فثِقْ أنك لن تحمل وِزْرها ولن تشاركها إثمها، إلا أن تتمادى معها وتعدها وتمنيها بما تعلم يقينًا أنك لست بفاعلِه!
إن كنتَ بالفعل تخشى عليها وتحمل همها، فما عليك إلا أن تتقدَّم لخطبتها أو تتركها؛ ﴿
وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189]، قال السعدي - رحمه الله - في شرحه لهذه الآية:
"ويُستفاد من إشارة الآية أنه
ينبغي في كلِّ أمر من الأمور، أن يأتيه الإنسانُ من الطريق السهل القريب...
وهكذا كل مَن حاول أمرًا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه، فلا بُدَّ
أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود". ا.هـ
إن كنتَ حقًّا تتألم وتُفكِّر
وتخشى الغد، فلا تتمادَ فيما يغضب الله عليك وعليها, واحرص على أن تُفكر
بإيجابية، وأن تنفع نفسك ومن حولك، عوضًا عن تضييع زهرة شبابك وربيع عمرك
فيما لن تجني من ورائه إلا العذاب البدني والنفسي؛ فالعاشق يتألَّم ويتعذب
في صمت, يتجرع ويلات الحب وثبور العشق، دونما تصريح بشيء مما يعتلج في قلبه
ويفور في نفسه, يُقاسي حر يومه وبرد ليله، ولا يبث شكواه إلا لنفسه، ولا
يأمن على سره إلا قلبه الذي بين أضلعه.
لا أُؤيد تَرْكها بصورةٍ
نهائية, ولكن برباط شرعي يخرجك وإياها من ظلمات المعاصي إلى أنوار الطاعة
المتلألئة, يحوِّل عذاب ضميرك وشقاء فؤادك إلى راحة وهناء.
عليك أن تحدِّد وتقرر أمرك
بنفسك؛ فلن يستطيع مستشار أو حكيمٌ البتَّ في أمرك، والحكم على حياتك
بمُجرد قراءة أسطر تسطِّرها، وعبارات تكتبها, اجلسْ مع نفسك وصارِحْها بما
ترغب, هل أنت فعلًا تريدها؟ أو إنك لا ترى فيها إلا مجرد تسلية عابرة
تمتعتَ بها برهة من زمانك، ثم رغبتَ عنها، وزهدتَ فيها؟
لن تجدَ لديَّ وسيلة لاختبار
صدقها، أو كشف زيفها, فما جعلنا الله حكامًا على عباده، ولا كلَّفنا بالبحث
عن مدى صِدْقهم, وإنما أنصحك بأن تحدِّد هدفك، وتنظرَ في شأنك وشأنها،
بدلًا من وضع الاختبارات، وفَرْض المزيد من الاحتمالات.
لا أظنك أرسلتَ لها صديقك
ليختبرها إلا لتقرِّر مصيرك، وتحدِّد قرارك في الارتباط بها, وقد أسفرت
النتيجة عن المزيد من خيبة الأمل, فقد رسبتْ فتاتُك في أول اختبار أو فتنة
وضعتَها في طريقها, ولقد أخطأتَ خطأً عظيمًا بما فعلتَ, فقد زادتْ عليك
الوساوسُ، وحاصرتْك الشكوكُ والظنون, ولو عملنا بوصية الفاروق - رضي الله
عنه: "لا تفتنوا الناس" لارْتَحْنا وأرحنا, فما حاجة الرجل لاختبار فتاة
يرغب في الزواج منها أن يعرضها للفتن، ويزرع بذور الشك في نفسه قبل أن
يرتبطَ بها؟ وما حاجة امرأة تستمع لنصيحة جارة أو صديقة أو عدوة بأن تختبر
وتقيس محبة زوجها ومدى ولائه لها، بأن ترسل له مَن تتعرَّض له في الهاتف أو
الإنترنت أو غيرها؛ لتنظر أين هي منه؟!
دعوا عباد الله لخالقهم، وسلوا
الله السلامة والنَّجاة من الفِتَن, وتذكر أنك لن تحمل وزْرها إلا بما تفعل
مِن إرسال شابٍّ قد يُفتن بها، أو تُفتن به!
نصيحتي الأخيرة لك - إنْ كنت
تحبها بصدقٍ - أن تسعى للارتباط بها بالتقدُّم الشرعي لخطبتها، ومصارحة
وليها بحالك، والمدة التي تحتاج لتجهِّز نفسك وتؤُسِّس بيتك، ولعل الله أن
ييسرَ أمرك بما تتقيه، ولعله يُعينك على إتمامه، متى تجنبتَ الحرام، ونأيتَ
عنه بنفسك، وإن كنت غير قادر فلا تُحاوِل التواصُل معها إلا بما شرع الله
لك.
أخيرًا:
كان يونس بن عبيد يوصي بثلاث:1) لا تدخل على سلطان، وإن قلتَ: آمره بطاعة الله.
2) لا تدخل على امرأة، وإن قلتَ: أعلِّمها كتاب الله.
3) لا تضع أذنك إلى صاحب بدعة، وإن قلتَ: أردُّ عليه فآمره بالاحتراز من
أسباب الفتنة؛ فإن الإنسان إذا تعرض لذلك فقد يفتتن ولا يسلم، فإذا قُدِّر
أنه ابتلي بذلك بغير اختياره، أو دخل فيه باختياره وابتلي, فعليه أن يتقي
الله ويصبر، ويخلص ويجاهد، وصبره على ذلك وسلامته مع قيامه بالواجب من أفضل
الأعمال. ا.هـ ( الزهد والورع والعبادة - لابن تيمية - رحمه الله ).
وفقك الله وهداك، وبصَّرك بما يضرك، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل