السؤالالسلام عليكم.ما الفرق بين المذهب الشخصي والمذهب الاصطلاحي؟ والسلام عليكم. الجوابوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذهب الشخصي: هو الرأي أو
القول المنسوب إلى شخصٍ بعينه، كما نقولُ: هذا مذهبُ ابن عباس، وهذا مذهبُ
الحسن البصري، ونحو ذلك، وإنما سُمِّيَ هذا المذهبُ بالمذهب الشخصي لأنَّه
منسوبٌ إلى شخصٍ بعينه.
وهذا المذهب الشخصي قد يتعدَّد؛
لأنَّ المجتهد قد يختلفُ رأيه في وقتٍ عن رأيه في وقتٍ آخَر، وهذا هو
السبب في تعدُّد الرِّوايات عن كثيرٍ من المجتهدين في المسائل الخلافيَّة،
ويظهَرُ هذا واضحًا في مذهب الإمام أحمد، فكثيرًا ما ترَى له في المسألة
قولين أو ثلاثة، وفي أحيانٍ كثيرة لا يعرف المتقدِّم منها من المتأخِّر.
أمَّا الإمام الشافعي، فقد
تميَّز بمعرفة تاريخ مَذهبَيْه المشهورين: القديم والجديد، فالقديم ما
صنَّفَه في العِراق، والجديد ما صنَّفَه بعد ذلك في مصر.
وللأصوليِّين كلامٌ طويلٌ في الترجيح بين قولي المجتهد عند الاختلاف؛ كما قال في "
المراقي":
وَقَوْلُ مَنْ عَنْهُ رُوِي قَوْلاَنِ مُؤَخَّرٌ إِذْ يَتَعَاقَبَانِ إِلاَّ فَمَا صَاحَبَهُ مُؤَيِّدُ وَغَيْرُهُ فِيْهِ لَهُ تَرَدُّدُ
|
وأمَّا المذهب الاصطلاحي، فهو
القول أو الرأي المنسوب إلى مذهبٍ من المذاهب الفقهيَّة المعروفة؛ كما
يُقال: مذهب الشافعية في هذه المسألة كذا وكذا، ومذهب الحنفية كذا وكذا،
فلا يُقصَد بذلك دائمًا أنَّ الشافعي قال هذا الكلام، أو أنَّ أبا حنيفة
قال هذا الكلام، وإنما يُقصَد أنَّ هذا هو القول المُفتَى به أو المعمول به
في وقتٍ مُعيَّن بحسب قائل هذا الكلام.
وكذلك في غير المذاهب الفقهيَّة
يُقال: هذا مذهب المعتزلة، وهذا مذهب الخوارج، وهذا مذهب الجهميَّة، ونحو
ذلك، ويُقصَد بذلك أنَّ هذا القول هو القول المعروف عنهم، أو أنَّه هو قول
جمهورهم، أو أنهم عُرِفُوا بهذا القول دون غيرهم.
وإنما سُمِّيَ هذا المذهب بالمذهب الاصطلاحي لأنَّه مُتعلِّق باصطِلاح الفقهاء فيما بينَهُم، أو باصطلاح أصحاب كلِّ مذهب في مذهبهم.
وبناءً على ما سبَق يتَّضح لنا
أنَّ المذهب الاصطلاحي قد يتَّفِقُ مع المذهب الشخصي، وقد يختلفُ عنه، كما
أنَّ المذهب الاصطلاحي قد يكونُ مُخرَّجًا على قول صاحبِ المذهب في مسألةٍ
أخرى؛ ولذلك يختلفُ العلماء في نسبة هذا التخريج إلى صاحب المذهب، كما قال
في المراقي:
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَحْوِ مَالِكٍ أُلِفْ قَوْلٌ بِذِيْ وَفِي نَظِيرِهَا عُرِفْ فَذَاكَ قَوْلُهُ بِهَا الْمُخَرَّجُ وَقِيلَ عَزْوُهُ إِلَيْهِ حَرَجُ وَفِي انْتِسَابِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقَا خُلْفٌ مَضَى إِلَيْهِ مَنْ قَدْ سَبَقَا
|
وقد يختلفُ قولُ إمام المذهب في
مسألتين متشابهتين، فيُخرِّج أصحابه تخريجين متعارضين على هذين القولين،
فيكون في المسألة تخريجان، كما قال في المراقي:
وَتَنْشَأُ الطُّرُقُ مِنْ نَصَّيْنِ تَعَارَضَا فِي مُتَشَابِهَيْنِ
|
وتتعلَّق هذه المسألة أيضًا
بقول الفقهاء: المُعتمَد في المذهب كذا وكذا، والمراد به أنَّ هذا هو القول
الذي يعتمدُه القاضي أو المفتي، أو هو المعمول به في العصر المعيَّن
والبلد المعيَّن.
ولذلك قد يختلفُ المُعتمَد من
عصرٍ إلى عصرٍ، كما يقول الحنابلة مثلاً: المُعتمَد في المذهب عند
المتقدمين كذا، وعند المتوسطين كذا، وعند المتأخِّرين كذا، وهكذا في كلِّ
مذهب ترى اختلافًا في ترتيب مراحل المُعتمَد عندهم، وكذلك في كيفيَّة معرفة
القول المُعتمَد في المذهب.
وكذلك قد يختلفُ المُعتمَد في
المذهب من بلدٍ إلى بلد، فإنَّك تجدُ مثلاً المُعتمَد في المذهب الشافعي
عند أهل مصر ما قاله الرملي، والمُعتمَد عند أهل اليمن ما قاله الهيتمي،
ونحو ذلك في باقي المذاهب.
ونظرًا لهذه الاختلافات في
معرفة المذهب، والمناهج المتباينة بحسَب المذاهب المختلفة، فقد صنَّف
أصحابُ كلِّ مذهبٍ كتبًا في كيفيَّة معرفة الراجح في المذهب، أو المُعتمَد
في المذهب.
فمثلاً في المذهب الحنبلي تجدُ للمرداوي في "ا
لإنصاف" كلامًا في معرفة المُعتمَد في المذهب، وكذلك كتاب "
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"؛ لابن بدران، وكذلك كتاب "
المدخل المفصل"؛ للشيخ "بكر أبو زيد".
وفي المذهب المالكي تجدُ كتاب "
كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب"؛ لابن فرحون، وكذلك منظومة "
البوطلحية"؛
للقلاوي الشنقيطي في المُعتمَد من الكتب والأقوال عند المالكية، وكذلك
كتاب "اصطلاح المذهب عند المالكية"؛ للدكتور محمد إبراهيم علي.
وفي المذهب الشافعي تجد كتاب "
سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج"؛ لأحمد شميلة الأهدل، وكتاب "
المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي"؛ لفهد الحبيشي.
وفي المذهب الحنفي نجد كتاب ابن عابدين "
عقود رسم المفتي".
والله تعالى أعلم.