السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
امرأةٌ عربية مقيمةٌ في فرنسا مع ابنتي الصغيرة، بعد أن طلَّقني زوجي وأنا
حاملٌ بها، وقد تعرَّضتُ لظُلمٍ كبيرٍ منه ومن عائلته، وكنتُ أصبر
وأتحمَّل، ثم علمتُ أنه يخرج مع غيري، فقلتُ له: لقد تحمَّلتُ ظلمَك، لكنَّ
الخيانة لا أستطيع تحمُّلها، أنا لن أقول لك: طلِّقني؛ لأنه أبغض الحلال
إلى الله، لكني لا أستطيعُ أن أُعطِيَك ثقتي ولا اهتمامي مثلما كنتُ مِن
قبْلُ.المهم
أجْبَرَني على السفَر إلى بلدي، وعند وصولي فُوجِئتُ بوفاةِ أمي وخالي،
وإصابة والدي في حادثٍ مروري، وفي نفس الوقت طلَّقني زوجي ولم يَرحَمْني!
ولكن حزني على فقدان أمي وخالي غلب حزني على طلاقي.بعدها
عدتُ إلى فرنسا، والآن - الحمد لله - أَعمَل، وابنتي قد ملأتْ حياتي
فرحًا، ولي منزلٌ - والحمد لله، ولم يضعفْ إيماني بربي في يومٍ مِن الأيام،
بل كنتُ في كلِّ مُصيبةٍ أزدادُ إيمانًا.لم أستطعْ إكمالَ حياتي مع أي شخصٍ آخر؛ خوفًا مِن أن تتكرَّر لي نفس الحالة!في
أول الأمر كنتُ أقولُ: لا بد مِن أن أنتقمَ منهم، ولكن الله يحب أن أكون
متسامحة، وقد حَضَرتُ محاضرةً عن التسامُح، وأنَّ مَن يحبُّ الجنة فعليه أن
يُسامِح، وحتَّى أَكسِر نفسي التي أمرتْني بالسوء، اشتريتُ هديةً، وذهبتُ
إلى أهل مطلِّقي، فتعجَّبوا كثيرًا، وفوجِئوا بزيارتي، لكني قلتُ لهم: لو
أنَّ فينا أحدًا أخطأ في حقِّ الآخر، فنسأل الله أن يُسامحه، وأنا عندكم
اليوم في منزلِكم حبًّا في الله - سبحانه - وفي رضاه.لدي سُؤالان:1-
أنا في بلدٍ يمنع العمل بالحجاب، وأنا مُضطرة لأَنْ أعملَ؛ لأني مطَلَّقة،
ومسؤولة عن ابنتي، ويجبُ أن أدفعَ إيجار المنزل وبقية المصاريف، فماذا
أفعل؟ وما حكم الإسلام في نزْع الحجابِ في أوقات العمل؟ لكني والله
مُضطرَّة؛ فإنْ لم أعمل فمَن يصرف عليَّ وعلى ابنتي؟!2-
هل يجوز للمرأة قراءةُ القرآنِ في الحافلة ووسائل النقل الأخرى بصوتٍ
منخفض؟ لأنني أستعملُ وسائل النقل كثيرًا، وأريد استغلال هذا الوقت في شيء
ينفعني. بارك الله فيكم، وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى. الجوابالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:فلا يَخفَى عليكِ - أيتها الأخت
الكريمة - أن حجابَ المرأة المسلمة فرضٌ بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم،
وقد أمَر الله - جل وعلا - بالتستُّر، والعفاف، والتصون، والأخذ بمكارم
الأخلاق ومحاسنها؛ قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾[الأحزاب: 59]، وقال - عزَّ وجل -: ﴿
وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال: ﴿
وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ
أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ
يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ
جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:
31]، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به، فلا يُترَك لقولِ أحدٍ مِن البشر
كائنًا مَن كان، ولا بسبب الإقامة في بلاد الكفَّار؛ قال الله تعالى: ﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[النور: 63]؛ فيحرم عليك خلع الحجاب الشرعي أمام الأجانب، سواء في العمل أو غيره.
ولستِ
في حالة اضطرار، فيرخص لكِ في خلع الحجاب؛ لأنه ليستْ هناك ضرورةٌ، ولا
حاجة تُجبِركِ على الإقامة في تلك البلاد، ولما يترتَّب على خلعِ الحجاب من
الابتذال، والفتنة للآخرين، وانتشار الفساد، وشيوع الرذيلة والمنكرات - والعياذ بالله تعالى - وهذا معلومٌ وبيِّن لمن له أدنى معرفة واطِّلاع، وكما هو مشاهَدٌ في كثيرٍ من الأمصار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويجب أن تعلمي أن مَن توكَّل على الله كفاه وحماه، وأن مَن اتَّقَى الله يسَّر له أمره؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 -3].ولتصبري
على ما يُصِيبكِ مِن أذًى، مستحضرةً ما أعدَّه الله مِن الأجر للمتمسِّك
بدينه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مِن ورائكم زمانَ صبرٍ؛
للمتمسِّك فيه أجرُ خمسين شهيدًا منكم))؛ رواه الطبراني، من حديث ابن
مسعود. وقال - صلى الله عليه وسلم -:
((إنك لن تدعَ شيئًا لله - عز وجل - إلا أبدلَكَ الله به ما هو خيرٌ لك
منه))؛ أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -
قال: ((إن الروحَ الأمين نَفَث في رُوعِي أنه ليس مِن نفسٍ تموتُ حتى
تستوفِي رزقَها؛ فاتقوا الله، وأَجمِلُوا في الطلَب, ولا يحملْكم استبطاءُ
الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا ينالُ ما عنده إلا بطاعته))؛ أي:
فأَحسِنوا في طلب الرزق، وابتغوه مِن سُبُلِه الحلال التي شرَعها الربُّ -
جل وعلا، والحديثُ رواه البيهقي في "
شعب الإيمان"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، وغيرهما.
ومعنى الحديث: أن جبريل - عليه السلام - أَلقَى في نفسِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أن جميعَ الناسِ لن يَمُوتُوا قبل حلولِ آجالهم، ولن يموتوا كذلك حتى
ينالوا ويحصلوا كلَّ ما كتبَه الله لهم من أرزاقهم في الدنيا؛ ولذلك قال -
صلى الله عليه وسلم -: ((فأجملوا في الطلَب))؛ أي: فأحسنوا في طلَب الرزق،
واتبعوا أجمل الطرُق، والأسباب في ذلك.
فيجب
عليكِ العودةُ لبلادكِ؛ لأنَّ مَن أجاز الإقامة في بلاد الكفر اشترط على
ذلك التمكُّن مِن إقامة الشعائر، والتمسك بالدين، فالمسلم لا ينبغي أن يُقِيم في مكانٍ لا يستطيع أن يُقِيم فيه شعائرَ الدين، وإلا فإن مِن واجبه أن يهاجرَ إلى الله؛ حتى لا يُقال له: ﴿
أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ [النساء: 97].
وحتى لو كان من أهل البلاد،
وحُورِب في دينه، ومُنِع من شعائره؛ فإن الإسلام يدعوه إلى أن يهاجرَ إلى
أرضٍ يعبد فيها الله كما يريد؛ لأننا خُلِقْنا لعبادة الله الذي تكفَّل
بأرزاقنا؛ فقال - سبحانه -: ﴿
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
فالحجابُ فيه عزُّكِ وكرامتُكِ،
وهو رمزُ عفَّتكِ، فلا تتنازَلي عنه لأي شيء، فأخشى عليكِ مِن الاستمرار
في خلعه؛ فالأمرُ يزيد شيئًا فشيئًا، وخطوةً خطوةً، والوقائع في ذلك
معلومةٌ مشهورة، والله - جل وعلا - يقول: ﴿
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ
يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، وقال - سبحانه -: ﴿
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 37]؛ فالسيرُ
إلى الله لا وقوفَ له في الطريقِ، إنما هو ذَهَاب وتقدُّم، أو رجوع وتأخُّر.وتأمَّلي ما قاله العلَّامةُ ابن القيم في "
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 278):
"فإن
لم يكنْ في تقدُّم، فهو متأخِّر ولا بدَّ؛ فالعبدُ سائرٌ لا واقف، فإما
إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا
في الشريعة وقوفٌ الْبَتَّةَ، ما هو إلا مراحل تُطوَى أسرع طيٍّ إلى الجنة
أو النار؛ فمُسرِع ومُبطِئ، ومتقدِّم ومتأخِّر، وليس في الطريق واقف
الْبَتَّةَ، وإنما يتخالفون في جهةِ المسير، وفي السُّرعة والبُطء؛ ﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
﴾ [المدثر: 35 - 37]، ولم يذكرْ واقفًا؛ إذْ لا منزلَ بين الجنة والنار،
ولا طريق لسالك إلى غير الدارين الْبَتَّةَ، فمَن لم يتقدَّم إلى هذه
بالأعمال الصالحة، فهو متأخِّر إلى تلك بالأعمال السيئة". وفَّقكِ الله لكلِّ خيرٍ