السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أشكركم على مجهوداتكم المبذولة في هذه الشبكة تُجَاه الشباب خاصة، وأودُّ لو تساعدوني - رحمكم الله. خطَبَني
منذ سنةٍ شخصٌ مِن خارج مدينتي، واتَّفقنا على الزواج بعد سنةٍ - إن شاء
الله، وكان سببُ التأجيل أنه يُعاني بعض المشاكل في عمله. انتظرتُ
سنةً كاملةً، والآن عاد ليتَّصلَ بي، ويطلب مُهلة سنة ثانية، صراحة
صُدِمتُ، وفُوجِئتُ بطَلَبِه هذا! فكيف لا تكون سنة كاملة كافيةً لشابٍّ أن
يستعدَّ للزواج؟! وكنتُ قد تنازلتُ عن الكثير من المستلزمات، ووعدته
بالمساعَدة. لو أنَّ
الأمر لي لانتظرتُه سنةً، لكنَّ والديَّ لا يتفقانِ معي في هذا الموضوع،
ويريانِ أنه عليَّ التفكير مجدَّدًا في هذا الخاطب، وأن أفسخَ الخطبة، وأرى
شخصًا آخر مِن مستواي العلمي والمادي، هذا بالرغم من كونِهما أجبراني على
قَبُولِ هذا الخاطب. فَسْخُ الخطبة أمرٌ صعبٌ جدًّا، لأن فسْخَ الخطوبة في مجتمعنا أشبه بالطلاق! فاستخرتُ واستخرتُ، ولكني ما زلتُ في حَيْرةٍ مِن أمري. أرجوكم ساعدوني وأرشدوني. الجوابنشكر لك أختنا الكريمة, تواصُلك مع شبكتنا الألوكة.لا شكَّ أن قرارَ الزواج هو أهمُّ قرارٍ مَصيري يتَّخِذه الإنسانُ في حياته، ويزداد أهميةً عندما يكون هذا الطرَف أنثى!
ذلك أنَّ خطأَ الاختيار قد يُكلِّفها
فقدان فرصة أخرى مجددًا، لا سيما إن حصل زواجٌ وفراق، فمجتمعاتُنا للأسف
تُعَاني مِن مشكلة العُنُوسة، فكيف لو أُضيف إليها مشكلة المطلَّقات
لاحقًا!
وهذا يبرِّر تمامًا تخوُّف والديك تُجَاه
مستقبلك، وضغطهما في اتجاه صَرْف النظر عن هذا الخاطب، الذي ظهر بأنه غير
مُستعدٍّ حاليًّا، رغم مرور سنة كاملة، وتنازُلك عن كثيرٍ مِن المستلزمات
المتعلِّقة بك تخفيفًا عليه.
لذلك نرى أنَّ وجهة نظر والديك هي الأقرب
للصواب، لا سيما أنه - مِن وصْفِك - لم تظهرْ مزايا كبيرةٌ تجعلُك
تتمسَّكين به، بل على العكس، فربما كان عاملُ المستوى الاجتماعي يصبُّ في
الناحية السلبية، إضافة إلى تأخير سنتين هي زمن الخطبة، وربما لا تتحسَّن
الظروف، ويطلب المزيد مِن التمديد أيضًا!
لعل السلبية الوحيدة مِن فَسْخ الخطبة هي
ما ذكرتِه أنتِ مِن نظرة المجتمع للمخطوبة التي تمَّ فَسْخ خطبتها، وهذه
مفْسَدةٌ فعلًا، لكنها مفْسَدة تعتبر صغيرة إذا ما قارنَّاها بمفسدةِ
الطلاق بعد زواج غير ناجحٍ، كما أنَّ هذه المفْسَدة يُمكن تحمُّلها مُقابل
الحصول على مَصالح أعظم، مِن قبيل العثور على شخصٍ أكثر كفاءة، ويُمكن أن
يعجل بموضوع الزواج، وألَّا تبقي مُعلَّقة طوال هذه المدة.
بَقِيَتْ مسألةُ التعلُّق النفسي بهذا الخاطب، وهذه
يُمكن تجاوزها بتغليب الناحية العقلية على الناحية العاطفية، وذلك في
التخطيط الجيِّد لمستقبل الحياة الزوجيةِ، وإدراك أن الحياة الزوجية هي
شركةُ حياةٍ تحتمل الربح والخسارة، ولا ينبغي أن يكونَ أحد الطرفين هو
المضحِّي دائمًا؛ لأنه سيأتي اليوم الذي يَعجَزُ عن تقديم هذه التضحية كما
ينبغي.
وقد أحسنتِ في مُشاورة الوالدين، وكذلك في
استخارة ربك - عز وجل - فما خاب مَن استخار، وما ندم مَن استشار، وثقي
بأنَّ الزواج رزقٌ مقْسُومٌ، ولن يقعَ إلا ما قدر الله، وعليك بالرضا بهذه
الأقدار، والصبر على طاعة ربك ووالديك، فقد قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: ((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كله له خير، إن أصابتْه سرَّاء شكر
فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا
للمؤمن))؛ رواه مسلم.
ولعلَّ في فَسْخ الخطبة خيرًا لكِ مِن
ناحيةٍ، ربما تخفى عليك؛ وهو أنه لن يتقدَّم إليك بعد فَسْخ الخطبة إلا
شخصٌ يُقَدِّر الحياة الزوجية، ويقدِّر وضعك وحالتك؛ لأنه يعلم أنك (فتاةٌ
خُطِبت، ثم فُسِخت خطبتها )، فهو يقدِّم حسن الظن بك، ويقدِّر وضعك،
فمِثْلُ هذا حريٌّ بأن يكونَ شريك المستقبل - بإذن الله.
نسأل الله تعالى أن يشرحَ صدرك، وأن يوفِّقك للزوج الصالح، وأن يختارَ لك ما فيه صلاحك ونجاحك