السؤالأنا
فتاة عمليَّةٌ، لا أستطيع أن أجلسَ ساعةً دون عمل شيءٍ فيها، ففي وقت
الدراسة والكدِّ والعمل اليومي المستمرِّ، لا أشعر بالشعور الذي يُراودني
الآن في الإجازة الصَّيفيَّة، وهو شُعُور الفراغ، وعلى أثره الوساوس
والتفكير المستمر والاكتئاب، وفِقدان الشهيَّة، وفِقدان التركيز أيضًا،
وخَفقان القلب، وألَم في الصدر، وخوف ورهاب شديد من الموت وما بعده! فأخاف
مِن أتفَه الأشياء؛ كالخوف من النوم ليلاً، فأصبحتُ أنام بالنهار، وأستيقظ
بالليل، ولكن ما مِن راحة فيه؛ لا للقلب، ولا للعقل!في
البداية كانتْ هناك أعراضٌ نفسيَّةٌ، ولكن بعد أن انتهَتْ هذه الأعراضُ
النفسيَّةُ، بدأت الأعراضُ الصِّحِّيَّة بعدها، علمًا بأن حالتي لم تنتهِ
إلا - بعد مَنِّ الله عزَّ وجل ورحمته بي - بعد تسجيلي في معهد أقضي فيه
بعض الوقت؛ لكيلا ينشغل بالي وتفكيري بما كنتُ أفكِّر فيه سابقًا.وهناك أيضًا أرَقٌ وتعَبٌ، وضَعفٌ جسَديٌّ، وأحلام بما يدور في رأسي، وضِيق في التنفُّس أحيانًا، وكُره للحياة أحيانًا أخرى.ولقد
أتَتني مثل هذه الحالة قبل عدة أشهر أثناء دراستي، وهي شعوري بأني سوف
أموت، فكنتُ أبكي بشدَّة، وأُصَلِّي لله وأذكره، ولكن لله الفضل والمنَّة،
فقد انتهَتْ هذه الحالة في نفس اليوم، ومارَستُ حياتي العمَليَّة بكلِّ
راحة.وقد استنتجْتُ بعد ذلك أن الحالة قد أتتني إثر الضغط الذي كنتُ أعيشه، فقد كانتْ تلك المدة أول سنة لي في الجامعة. أوَدُّ منكم تشخيص حالتي، وأشكر لكم حُسن اهتمامكم. الجوابحبيبتي، سَعِدتُ بكِ كثيرًا، وبقُدرتكِ على تحليل نفسكِ، ووصْفِ ما تشعرين به بتلك
الدقة الجميلة، وذلك يوحي بشخصية مميَّزةٍ، واعيةٍ لنفسها، ومُهتمة
بأمورها، مُحبَّة لذاتها، ثم أعجبتني أيضًا رغبتُكِ في مُساعدة نفسكِ،
والتخلُّص مِن مشاعركِ السلبية؛ فهذا بداية حلِّ كلِّ مُشكلة - بإذن الله
تعالى.
ورائع جدًّا حيويَّتكِ ونشاطكِ،
وحبُّك للعمل وللأهداف والطموحات، فهذا يميِّزكِ في هذه السنِّ الجميلة،
ولكن سأنصحكِ بعدة أمور ستُفيدكِ - بإذن الله تعالى:
- استمري على الاهتمام بإشغال وقتكِ، فهذا حال المسلم في الدنيا؛ لأنه في الآخرة سيُسأل عن شبابه: فيمَ أفناه؟
فالمسلم دائمُ العمل, وجدِّدي نيَّتكِ، واستعيني بالله - تعالى، وضَعِي أهدافًا للدين والدنيا، واشْغَلي فيها جلَّ وقتكِ.
قوِّي علاقتكِ بالله، وتعلَّمي
الكثيرَ عن دينكِ، وعن اليقين بالله، والثقةِ به؛ فهذا يُقوِّي النفسيةَ
كثيرًا، ويَجعلكِ تشعرين بمَعِيَّة اللهِ، فلا تخشيْن شيئًا.
- وفي حال انشغالكِ، لا بُدَّ
أن تهتمي بنفسكِ وتُراقبيها، وأثِق بأنكِ ستكونين بارِعةً في ذلك إن
اهْتَمَمْتِ به؛ فمثلًا إذا مرتْ بكِ أيُّ مواقف مُؤلِمة، لا تتهرَّبي
منها، بل واجِهيها، وتحدَّثي عنها، وحُلِّيها، فرِّغيها؛ ليرتاحَ ما
بداخلكِ، فالأمورُ السيئة في حياة الإنسان أو المؤلمة إن لم يُواجِهْها،
تتراكَم في صدْرِه، فتظهر في أوقاتِ ضَعْفِه، أو أوقات فراغِه.
- واجِهي أيضًا نفسكِ، لو كانتْ
لديكِ طفولةٌ مؤلمة مِن أي جانب، اكتُبي وانظري للمستقبل، وتغلَّبي على
الماضي، بدلًا مِن دفْنِه؛ لتظهرَ آثارُه مع كلِّ موقف، بل واجهيه وكوني
قويةً به.
- لا بد أن تَصِلي لطريقةٍ
تحبِّينها، وتُريحكِ في تفريغ مَشاعِركِ دائمًا؛ إما بالكتابة، أو بالحكاية
لصديقةٍ أو قريبة مُقرَّبة لكِ، تثقين فيها.
- مارسي الاسترخاء دومًا،
والتنفُّسَ بعُمقٍ، وواجهي مَخاوِفكِ، وتحدَّثي مع نفسكِ عنها، وعما
يُخيفكِ، وعنْ شخصيَّتك وطموحاتكِ، فكوني مثل النَّسْر لا يَطوي جناحَيه إن
كانتْ هناك قِممٌ لم يَصلْ لها بعدُ، فإنْ وضَعْتِ لنفسكِ أهدافًا، فإنكِ
حتى في فراغك البدَني، سيكون ذِهنُكِ مشغولًا بأهدافكِ وتحقيقِها.
- مارسي الرياضةَ والألعاب البدَنِيةَ، فهي تُريح العقلَ والجسم، وتُعطي السلامة والراحة النفسيةَ، وعليكِ بالقراءة؛ فهي كَنز مفيدٌ.
- لا بأس مِن الاستعانة بأحدٍ
تَثقين فيه وقتَ احتياجكِ، أو إذا تطوَّرتْ حالتكِ، أو باللجوء إلى مُرشدٍ
نفسيٍّ يُساعدكِ على معرفةِ سبب ما تَشعرين به، أو يُساعدكِ في التفريغ عنْ
مشاعركِ، والتغلُّب على المخاوِف.
أعانكِ الله ووفَّقكِ