السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أشكرُ هذه الشبكة على خدماتها الجليلةِ، وكلَّ القائمين عليها.أجِدُ
صعوبةً في إيجاد الكلمات المناسِبة لأصف حالتي الصعبة، والمشاكل تُحِيط بي
مِن كل جهة؛ مُشكلتي قديمةٌ منذ صغري، ومع مرور الوقت زادتْ، وهي: أن
شخصيتي غيرُ واضحة وغير قوية، وهذا ما يقف حاجزًا بيني وبين أهدافي
وأحلامي.أنا
شابٌّ في منتصف العشرينيات، لا أُجِيدُ التحاورَ والتخاطُبَ مع الآخرين،
ولا أستطيع أنْ أُفَكِّر أو أقَيِّم أو أُحَلِّل، وكذلك لا أستطيع أن
أُعَبِّر عنْ أفكاري وآرائي بصورةٍ راقيةٍ، ولا أن أكون مرحًا؛ مما
جَعَلَني في نهاية المطاف بلا أصدقاء، ولا مُستقبل وظيفيٍّ!أعرف
أنني لو كنتُ مرحًا وأملك "خفة دم" لاسْتَطَعْتُ تخفيف مشاكلي وضغوطي،
وجذْب حبِّ الناس والأصدقاء لي؛ لأنَّ مَن يراني يرى وجهًا حزينًا، شاردَ
التفكير تافهًا، ولا يقْدِر على أن يمزحَ مع أحدٍ، وعاجزًا عن رسْمِ
الابتسامة لنفسه ولهم.قلتُ
في نفسي: أنْ أصمت وأبتعد خيرٌ لي مِن سماع عبارات السُّخرية والتذمُّر
والاستخفاف الجارح، ونظرات التململ، ولكن هذه الطريقة لم تُرِحْني،
وجعلتْني أكثر إحباطًا وتعاسةً!أحتاج
مِن وقت لآخر إلى مديحِ أحدٍ، والثناء مِن آخر؛ حتى أكونَ راضيًا عن نفسي،
وتقوى عزيمتي وثقتي في نفسي، أصبحتُ لا أعرف ما أُريد! فأنا لا أُجيد أي
مهنةٍ، ولا أُبدع في أي شيءٍ، غير مُنتِج، غير مُفيد لأهلي!بعد فشلي في كثيرٍ مِن المحاولات، والوقوع في كثيرٍ مِن الأخطاء، حصل لي ألَـمٌ داخليٌّ.أيقنتُ
أنَّ المشكلةَ فيَّ وليستْ في الآخرين، أهم شي لديَّ في الحياة هو عبادة
الله، وهي أول شيء، ثم السعادة والراحة النفسية، وأصدقاء حولي، لكن للأسف
أتوق لأنْ أكونَ ناجحًا، ليس عندي ما يجعلني ناجحًا في حياتي الشخصية
والمهنيَّة مثل الآخرين، فما الحل؟حاولتُ وحاولتُ، لكني لم أسْتَطِعْ تغيير الواقع، نصَحَنِي بعضُ المقرَّبين باستشارة مختصٍّ نفسي. فساعدوني أرجوكم. الجواببسم الله الرحمن الرحيم
ابني الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.يُسعِدنا أنْ نُرَحِّبَ بانضمامك إلينا ، سائلين المولى القدير أنْ يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.وأودُّ أن أشيد بما لمستُه فيك
مِن طُموحٍ ورغبة في تحقيقه، بدليل إشارتك في بداية رسالتِك إلى "أهدافك
وطموحك"، وفي نهايتِها إلى عبارة: "أتوق لأنْ أكونَ ناجحًا"، وأثمِّن
تمسُّكك بذلك رغم ما تعتقده مِن صُعوبات.
ابني الكريم، أستَقْرِئ مِن
سِياق رسالتك، واختيارِك لبعض العبارات، أنَّ أصْلَ مشكلتِك يعودُ لقيامِك
بإجراء مُقارنات داخليَّة بين ما تتلكَّأ فيه مِن سمات شخصيَّةٍ، مع آخرين
يتفوَّقون بها؛ فهذا النوعُ مِن المقارنات أُسَمِّيه: (المقارنة
السلبيَّة)؛ لأنَّ نتائجها تكون سلبية لمن يقوم بها على مستوى ثقته بنفسه
ورضاه عنها، وهو ما يجره لاحقًا إلى الاكتئاب والانسحاب مِن الناس، وغيرها
مِن الآثار.
ولذلك، فإني أنصحُك - يا
بُنَيَّ - بأنْ تجتهدَ في تصحيح مفهومِك عن نفسِك، وتنظرَ إليها نظرة
(عادلةً) بعيدةً عنْ ظُلمك لها، ويكون ذلك بتبنِّيك المفهوم (المنطقي)،
والذي مفاده أن ليس جميع الناس يتَّصفون بطلاقة اللسان، وليس جميعهم قادرين
على استقطاب الآخرين، أو مَرِحين، أو غير ذلك؛ فهناك - مثلًا - مَن يمتلك
سماتٍ قياديَّةً، فيما يمتلك غيره سمات الباحث، وآخر سمات الرياضي، وهكذا
خَلَقَنا اللهُ تعالى.
ونحن كبشرٍ تطمع طبيعتُنا في
نَيْل ما هو أفضل، لكننا كمسلمينَ يجب أن نتذكرَ أنَّ ما نراه أفضل لدى
الغير - مِن المظاهر - لا يعني أبدًا أن حال صاحبه أفضل منا، كما لا يعني
أنَّ مَن يفتقد مزايا معينة حالُه أسوأ ممن يمتلكها؛ لأنَّ هناك نعمًا
كثيرة لا يفطن إليها الإنسانُ، قد تفوقُ أهميتها حساباتِه المحدودة، وليس
أدلَّ على ذلك مِن حديث النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - براوية مسلم:
((رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه)).
فإنَّ إيمانَك - يا بُنَيَّ -
بتلك المفاهيم، واتخاذها رؤية فكرية لك؛ ستدفعُك للنظر إلى كثيرٍ مِن
النِّعَم التي تَنعَم بها، فيما غيرك محروم منها، وهو ما يرفع مِن مستوى
ثقتِك بنفسِك ورضاك عنها، وهذا كله سيجعلك تتصرَّف (بتلقائية) مع مَن حولك
دون توجُّس مِن مزاياهم، وردود أفعالهم؛ لأنها لن تكونَ محور تفكيرك.
وبعد وُصُولك إلى هذه المرحلة
الفكرية والنفسية، فسيكون بإمكانك الشروعُ في تطوير وتصحيح ما تجدُه مِن
إخفاقاتٍ في التواصُل الاجتماعي أو في غيره، دون توتُّر أو "تشنُّج"؛ لأنك
عندها ستسعى لذلك بدافعٍ يتعلَّق بك شخصيًّا، وليس بمَن حولك، وعليك حينها
اختيار أكثرِ الصفات التي تزعجُك في المواقف الحياتية، مثل: عدم القدرة على
التعبير، وتراجع أسباب إخفاقك فيها، كأن يكونَ تسرُّعك في الكلام، أو عدم
التركيز، أو الخجل، أو غير ذلك، ثم تُعِيد في نفسك الموقفَ المتعلِّق بها
دون أن تتذكَّر إخفاقك فيه، بل تستعيضه بخيال أنك قمتَ بالسلوك الذي ترجوه،
ثم تُكَرِّر ذلك في مخيلتك؛ حتى تتبنَّى هذا الرد في فكرِك ونفسك، ثم
اعزمْ على القيام به في أيِّ موقفٍ مُشابهٍ قادمٍ، فإذا ما نجحتَ في
تحقيقِه فسارعْ إلى مُكافأة نفسِك بما هو مُباح لتعزيزِ هذا السلوك في
نفسك، أمَّا إذا أخفقتَ فإياك أن تُوَبِّخ نفسك، وتجلد ذاتك، بل كرِّر
الخطوات السابقة، واعزمْ على التصحيح في المواقف اللاحقة دون يأسٍ، وهكذا.
كما أنصحك بالاطِّلاع على
المواقع أو الكُتيبات التي تُقَدِّم إرشادات وتدريبات ميسَّرة وبأسلوب سلسٍ
في المواضيع التي ترجو تطويرها أو تصحيحها في شخصيتك.
كذلك أنصحك بتخصيص بعض وقتك في
أنشطةٍ تطوعيةٍ خيرية، وبحسب المجال الذي تميل إليه نفسك، فإنَّ ذلك يقدِّم
لك تدريبًا، وخبرات واقعية في التواصل الاجتماعي والعملي وغيره، كما
يساعدُك في رفْعِ مُستوى تقدير الذات، بالإضافة إلى أنه سيُقدِّم لك معايشة
حقيقيَّة لمعاناة تعيشها فئاتٌ كثيرةٌ في مجتمعِك، تتمنَّى أن تنعمَ بما
تنعم أنت به.
وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى اللهِ تعالى أن يُصلِحَ شأنك كله، ويفتح لك أبواب فَضْله، وينفع بك، وسنكون سعداء بسماع أخبارك الطيبة.