السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.لديَّ
أختٌ في أوائل العشرينيَّات، أقامتْ عَلاقةً جنسيةً وهي في سن الطفولة منذ
أكثر مِن 10 سنوات، ولم نكنْ نعلم بهذا الأمر! ثم تمَّتْ خطبتُها منذ
عامين تقريبًا لشخص سيئ الخُلُق للأسف! وقد كَتَبا - دون علمنا - "ورقةً
عُرْفِية"، وتمَّتْ بينهما عَلاقةٌ جنسية، وهذا ما تسبَّب في حملِها،
ولكنها قامتْ - بمساعدة خاطبها هذا - بالذهاب إلى الطبيب في الشهور الأولى
مِن الحمل وإجهاض هذا الحمل!عَلِمنا
كلَّ هذه الأمور مُؤَخرًا، بعد أن ساعدتْ خاطبها في سرقة بعض أموالنا، وقد
علمنا هذا بعد أن قرَّرنا فسْخَ الخطبة، والذي يعلم ذلك أخي الكبير، وأمي،
وجميع الأسرة، ولكننا لم نخبرْ والدنا بشأن العَلاقة التي تمَّتْ بينهما!ذهبنا
بها إلى طبيبتين، فقالتا لنا: إن هناك شرخًا أو جرحًا في غشاء البكارة،
ولكنها ربما ما زالتْ عذراء، وربما يسترُ الله عليها، وتمر ليلة الزفاف
بسلامٍ!توكَّلنا على الله، ونصحناها كثيرًا، ولله الحمد استجابتْ كثيرًا لكلامنا، وأصبحتْ تُصَلِّي، وندِمَتْ على ما فعلتْه مِنْ قبلُ.وكما
أوضحتُ فوالدي لا يعلم شيئًا عن عَلاقتها الجنسية، وقد اتَّفقنا على ألَّا
نُخبِره؛ خشيةً عليه من الموت، أو الإحساس بالذل والعار، وحتى لا تدمرَ
حياتنا وبيتنا جميعًا.أبي
يعلم عن الورقة العرفية فقط، لكننا أخبرناه أنها كانتْ مجرَّد ورقة، ولم
يحدثْ شيءٌ، وبالطبع عَلِم بأمر سرقة الأموال، فعنَّفها بشدة، وأنهى الأمر
مع خاطبها الأول، بعد أن مررنا جميعًا بأيامٍ مريرة، وكاد والدي يجنُّ أو
يموت مِن أمر الورقة والسرقة فقط؛ حيث إنه رجل طيب جدًّا، ويساعد الجميع،
وملتزم، وقد قام بتربيتنا جميعًا على الأخلاق والدين، ونحن أسرة معتدلة،
وملتزمة ولله الحمد, ولكن أختي الصغرى هذه قد دلَّعتْها أمي كثيرًا، وهي
السبب فيما وصل إليه حالها وحالنا الآن.والآن رَزَقَها الله بشابٍّ تقدَّم لخطبتِها، فوافقنا عليه، وتمَّت الخطبةُ منذ أشهر، وهو شابٌّ مطلِّق.ماذا
علينا أن نفعل الآن؟ هل نخبر والدي بالأمر، أو نخبر خاطبها الحالي، وتكون
له حرية الاختيار، يكمل معها أو لا؟ أو هل نتوكَّل على الله، ونُحسن الظن
بالله، ونعتمد على احتمال أنها ما زالتْ عذراء، ونقول: ربما يتم الزفاف؟
وإذا عَلِم خاطبها بالأمر ليلة الزفاف تحكي له ما حدث، وتخيِّره بين أن
يكملَ حياته معها ويستر عليها، أو يطلِّقها بعد شهور قليلة من الزواج؟!أخشى
كثيرًا على والدي مِن إخباره بالأمر؛ فهو رجلٌ كبير في السِّنِّ، ومعرفته
بأمر كهذا قد يجعله يموت في الحال، أو يهدم البيت فوق رؤوسنا جميعًا، أو
يطلق والدتي، أو يُصاب بشلل، أو على أقل تقدير يشعر بالذل والعار والانكسار
ما تبقى له مِن عمره، غير أنه سوف يفقد الثقة فينا جميعًا!أختي
الكبرى ترى أن نخبرَه حتى لا يُفاجئه خاطبها الحالي بعد الزواج، ولكنْ
هناك احتمالٌ أن تمرَّ ليلة الزفاف بسلام، هكذا أخبرتْنا الطبيبةُ، ونحن
نرى منه أنه يحبها كثيرًا، وأخي يعلم بالأمر، وإذا حدث شيءٌ ليلة الزفاف
فسيتولَّى أخي الأمر دون علم والدي.ماذا نفعل بالله عليكم؟ وجزاكم الله خيرًا. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، بارك الله فيكِ،
وأصلح بكِ وعلى يديكِ، وألهمكِ الرشد والصواب لما فيه خير شقيقتكِ وصلاح
أمرِها، وكان لكِ معوانًا، والحمدُ لله الذي هداها بنور توفيقه، ونور عين
بصيرتها، وإذا كان مهمًّا عندي أن تشرحي لي كل هذه التفاصيل إلا أن الحكمة
والمروءة يقتضيان عدم التباحُث فيما كان مِن أمرها بعد توبتها؛ مِن أجْل
ذلك سأدخل مباشرةً في الجواب عن سؤالكِ بشأن إخبار الخاطب بما أحدثتْ،
وبالله التوفيق.
إن الرأي السديد - إن شاء الله -
في هذه المسألة؛ هو رأي المُلْهَم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه -
حيث كان يرى عدم إخبار الخاطب؛ لأن هذا مِن الستر على المؤمن، وليس من
التدليس! فعن عامر، أنَّ رجلًا مِن أهل اليمن أصابتْ أختُه فاحشةً، فأمرَّت
الشفرة على أوداجِها، فأدركت، فدُووي جرحُها حتى برئتْ، ثم إن عمها انتقل
بأهلِه حتى قَدِم المدينة، فقرأت القرآن ونسكتْ، حتى كانت من أنسك نسائهم،
فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلِّسها، ويكره أن يُفشِي على ابنة أخيه،
فأتى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: "لو أفشيتَ عليها لعاقبتُك، إذا أتاك رجل
صالح ترضاه فزوِّجها إياه"، وفي
روايةٍ أخرى
عن الشعبي: أن نبيشة امرأةً من همدان، بغتْ فأرادت أن تذبح نفسها، قال:
فأدركوها فداووها فبرئتْ، فذكروا ذلك لعمر، فقال: "أنكحوها نكاح العفيفة
المسلمة"، وعن أبي الزبير أنَّ رجلًا خطب مِن رجلٍ أخته، فأخبره أنها قد
أحدثتْ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فضرب الرجل، وقال: "ما لك والخبر؟ أنكحْ
واسكتْ"، وفي
روايةٍ أخرى، عن طارق بن
شهاب أن رجلًا طلَّق امرأته وخطبت إليه أخته، وكانت قد أحدثت، فأتى عمر،
فذكر ذلك له منها، فقال عمر: "ما رأيت منها؟"، قال: ما رأيت منها إلا
خيرًا، فقال: "زوِّجها ولا تخبر"، وكل هذه الروايات ذكرها الإمامُ
الطبريُّ -
رحمه الله تعالى - في تفسيره "جامع البيان" بعد تأويل قوله تعالى: ﴿
وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾[المائدة: 5].
فزوِّجوا أختكم، ولا تُخبروا
زوجها، ولا تُرهِقوا أعصابكم بكثرة التفكير، وعسى الله أن يسترَ علينا
وعليكم، ويهدينا وإياكم صراط الذين أنعم عليهم، اللهم آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.